ثقافة الكراهية وإجترار التاريخ وإسقاطه على واقع مغاير


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 6069 - 2018 / 11 / 30 - 22:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لماذا نحن متخلفون (61) .
-الأديان بشرية سياسية الفكر والهوى (112) .

الإنسان ثقافة أى نهج ومنهج فكرى يُنتج سلوك الفرد والجماعة ويشكل محتواه ووجدانه وإرثه الفكري وأداءه ورؤيته فى طرق معالجته للأمور , لذا أرى أن حضور ثقافة فاسدة قميئة ستمنع أى تحضر ورقى وإنسانية , وأن أي محاولة للإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي لن تجدى فستذهب أدراج الرياح وتكون بمثابة الحرث فى الماء , فإصلاح الثقافة وتطويرها وتهذيبها هى الضمانة الوحيدة لتطور الشعوب ورقيها , فالثقافة البائسة لن تكتفى بالجمود والتخلف بل ستكون بمثابة معول هدم لكل تطور إنساني .
إذن التخلف وليد ثقافة وليس نتاج غياب التقنية الحديثة ووسائل الإنتاج , فالتقنية يمكن التدرب عليها لإستهلاكها كما يحدث فى بلاد العربان , ولكن وسائل وعلاقات الإنتاج تتجادل مع الثقافة لتنتجها , ولتمارس الثقافة الرجعية دورها في التفاعل بشل المجتمع عن تطوير علاقات ووسائل إنتاجه , وليساهم تخلف علاقات الإنتاج في دعم الثقافة الرجعية وتوطينها .
يقيني أن التخلف هو ثقافة تفرض منظومتها وأدواتها على البشر لتبرمج منهجية وطرق تفكيرهم وتعاطيهم وآفاق حراكهم , لذا تكون الثقافة هى سر تقدم الشعوب أو تخلفها , فعندما تبحث فى ثقافة شعب أي منهجية حياة وتفكير أى مجموعة بشرية فستدرك حينها لماذا هذه الجماعة متقدمة أو متخلفة .. كما أن الثقافة هى التي تبنى حضارة الشعوب أو تكون عائقا ضد تطوره , ولك مثال اليابان وألمانيا فقد تم تسويتهما بالأرض في أعقاب الحرب العالمية الثانية ولتنظر حالهما الآن فالإنسان بثقافته قادر أن ينتج من الخراب والدمار نماء وحياة .
إذن عندما أتعاطى مع كلمة ثقافة لا أعنى حجم المعارف والإطلاع بل منهجية فكر وسلوك من مجمل المعارف أي القدرة على التعامل مع المواقف وفق المعارف السائدة أي منهجية التفكير والأداء عند التعاطي مع الأمور , ومن هنا يكون نقدنا لثقافتنا العربية الإسلامية الجالبة للتخلف والرجعية والتدهور وفقا لمنهجية تفكير وسلوك ذات طابع رجعى متحجر لا تمتلك أي مرونة وعقلانية فى التفكير والتعاطى بل يكتسي سلوكها بالعاطفة الإنفعالية والتحيز والجمود والعصبية .

موضوعنا عن الصراع والتناحر السني الشيعي الذى لم يتوقف على مدار 1400 سنه ليبدأ محتدماً بصراع سياسى تكلل بحرب بين المسلمين وليمر بنفق الكراهية والتعصب والإضطهاد والتكفير فى كل مراحل التاريخ , ليصل لعصرنا بتصاعد عمليات إرهابية متبادلة يتم فيها تفجير جوامع وحسينيات وقتل عشوائي متبادل للمدنيين , مع حالة سعار كراهية وتكفير على مواقع الإنترنت والصحف وعلى منابر المساجد تصل لحد السب العلني الفاحش للفصيل الآخر ورموزه وصحابته لنصل إلى شفا حرب حقيقية بين إيران الممثلة لمعسكر الشيعى والعربية السعودية الممثلة لأهل السنه والجماعه .!
نكتشف هوان ثقافتنا وهوان الشخصية الإسلامية عندما نفتش وننقب فى الخلاف والصراع السني الشيعي فهو صراع خائب أُريد له الإستدامة ليجد روافده وزخمه من تاريخ صراع سياسي على الخلافة , فهو لا يمتلك أى أيدلوجية ورؤى متناقضة مذهبية ذات قيمة تدعو للتناحر , مع تحفظنا على أن الخلاف المذهبي لا يعنى على الإطلاق التناحر ولا يجب أن يقود إلى صراع سياسى جبهوي , بل يكتفى كونه صراع فكرى أيدلوجي فحسب , ورغماً عن ذلك فالإختلافات بين المذهبين السني والشيعي جاء متأخرا بعد الصراع السياسي على الخلافة كشكل من أشكال إعطاء الوجاهة للخلاف .

دعونا نتعامل مع السرد التاريخى للصراع وبدايات الإنشقاق السني الشيعي لنتبين أن دوافعه هى مواقف سياسية إمتزجت بعاطفة حكمت وهيمنت على الفعل السياسى .
- الإنشقاق السنى الشيعي ليس عقائدي فى الأساس بل سياسي بالدرجة الأولى ويعود أساسه التاريخي إلى أواخر فترة حياة الرسول ووفاته حيث نشب صراع مستتر في بداية الأمر بين فريقين من الصحابة , الأول يضم النخب الأرستقراطية والأغنياء والوجوه المعروفة من الوجهاء الذي تجمعوا حول أبو بكر وعمر ابن الخطاب , والثانية ضم الفقراء وذوي الأصول المتواضعة الذي أحاطوا بالإمام علي إبن أبي طالب صهر النبي وإبن عمه وربيبه وزوج ابنته فاطمة .. الفريق الأول أراد أن تكون الخلافة خارج بيت النبوة وخارج عشيرة بني هاشم , والفريق الثاني أرادها أن تبقى في بيت النبوة وفي شخص الوريث الشرعي الأنسب من وجهة نظرهم وهو الإمام علي وعرفوا باسم شيعة عليّ أي أتباع وأنصار عليّ بعد ذلك .. وبسبب هذا النزاع حول من هو الخليفة الشرعي للنبي إنشق الإسلام إلى شطرين , وإزداد الخلاف وتعمق وتحول إلى خلاف عقائدي بعد أن صار يمس طبيعة الخليفة ودور الخلافة , وانطلاقاً من تلك الأوضاع ظهر مفهومان للإسلام بعد موت محمد مؤسس الرسالة , الأول مفهوم الجماعة وهم الأغلبية والمقصود بهم أهل السنة والثاني مفهوم أهل البيت وهم الأقلية والمقصود بهم شيعة علي أو الأمامية .

- دام هذا الفرز خلال فترة الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولكن على نحو مستتر وغير معلن , فالاستقطاب كان واضحاً بين الفريقين ولتتغير المعادلة عند مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان إبان أحداث الفتنة الكبرى وليترسخ الانشقاق الطائفي بعد اغتيال الخليفة الرابع علي بن أبي طالب سنة 661 ميلادي والذي كان يقف على قمة الهرم الشيعي واعتبر بمثابة مفتاح التشيع السياسي والديني والعقائدي الذي تم توثيقه في كتاب نهج البلاغة لعلي بن أبى طالب الجامع لخطب وأحاديث وحكم ووصايا الإمام علي .

- الإشكالية جاءت من محمد عندما لم يحدد ويحسم خليقته فوجود وحضور محمد كان مالئاً للمشهد كله , فلم يكن هناك من ينازعه أو ينافسه على السلطة لا دينياً أو دنيوياً أو سياسياً فقد كان مُدركاً لتوازنات القوى داخل مجتمع الصحابة المحيطين به وامتداداتهم القبلية , فلم يحسم مسألة الخلافة علناً في حياته ويصرح باسم خليفته ليترك هذا ما يمكن وصفه بالفراغ السياسي .

- يرى الشيعة أن هناك نصوص وإشارات كثيرة تؤيد أن عليّ الأولى بالخلافة كحديث "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" , وحديث "عليّ مني وأنا منه" , وقول الرسول يوم خيبر له "لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فلما كان الغد دعا علياً فدفعها إليه" ومن القرآن قوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) , كما أثبت الإمام علي جدارته العلمية بتفوقه على جميع الصحابة حيث لم يضاهيه في ذلك أحد حتى أن عمر شهد لعليّ بالفقه والعلم وأقر بتفوقه عليه وقد جاء في ذلك قول الرسول في حقه "أنا مدينة العلم وعليّ بابها" .
ويبقى حديث الغدير من أبرز الأدلة التي يتمسك بها الشيعة في خلافة علي للرسول , فقد سمع كل الصحابة رسول الله يقول لعلي يوم غدير خم : "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأولادهم قالوا: بلى، فقال: اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". حيث يرى الشيعة بمقتضى هذا الحديث بأن النبي قد ولى علياً قبيل وفاته على المسلمين في بيعة جامعة حضرها أيضا كبار الصحابة , وذلك قبل افتراق الحجيج في مكان يقال له غدير خم , حين عودته من حجة الوداع ليخطب خطبة طويلة خص جزء منها بالإمام علي وبأهل بيته وهم حسب الإصطلاح الشيعي علي وفاطمة والحسن والحسين , غير أن عدد من المهاجرين والأنصار كان لهم رأيا آخر فبمجرد وفاة محمد اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليلتحق بهم فريق من المهاجرين..وعاد المنطق القبلي ليتحكم في أهواء الحاضرين حيث جرت أمور لم تكن محل إجماع المسلمين .

- من وجهة النظر السنية فإن الرسول لم يوص بخلافته لأحد وفي الجدال الذي دار بين المسلمين في سقيفة بني ساعدة حول الخلافة , استشهد أبو بكر بقول أسنده إلى النبي: (الخلافة في قريش) ثم دب الخلاف بين المهاجرين أنفسهم , فمنهم من رأى أبا بكر أولى بالخلافة ليرشحه عمر بن الخطاب ويدعمه , ومنهم من رأى علي بن أبي طالب أولى بالخلافة لقرابته من النبي فهو ابن عمه وزوج ابنته فاطمة .

- إذن البداية جاءت مع وفاة الرسول محمد لينصرف صاحبته للبحث عن الخليفة بينما لم يدفن محمد بعد , بل وصلت الأمور كما تحكى كتب التراث لحالة متردية لجثة النبى التى إقتربت من النتانه , ليتولى عملية الدفن على بن ابى طالب منفرداً فى مشهد كان يحتاج تجمع كافة الصحابة فى هذا اليوم الجلل !! ولكن على بن ابى طالب إندفع لدفن النبى ليس من باب الأصول فقط بل لعدم علمه بما يدبر فى السقيفة علاوة على إطمئنانه أن الخلافة ستكون من نصيبه كونه ابن عم النبى وزوج ابنته ومن أهل البيت .

عليّ وأبو بكر وعمر .
- ينتهى مشهد السقيفة بإزاحة على بن أبى طالب من الخلافة لترسى على أبو بكر الصديق بتزكية ودعم من عمر بن الخطاب والذى كُوفأ بنيل الخلافة بعد ذلك بعد وفاة ابو بكر ليتم إهمال على بن أبى طالب للمرة الثانية .
لقد كانت لحادثة السقيفة نتائج وخيمة بعضها ظهر في حينه كإمتناع عدد من القيادات السياسية خارج المدينة عن دفع أموال الزكاة للخليفة الجديد , حيث عد ذلك طعناً منهم في شرعيته بعد أن تم إقصاءهم وتهميش آراءهم في الأمر , وبعضها تأخر ظهوره وإن كانت له بوادر لم تتم وهو ما مثلته المعارضة الداخلية التي إصطفت خلف علي بن أبي طالب , بالرغم من تنازله في نهاية الأمر عن المطالبة بهذا الحق حرصاً على وحدة المسلمين وبايع أبا بكر بعد وفاة زوجته فاطمة الزهراء بنت الرسول بعد إجهاضها على يد عمر والتي وقفت بكل قواها في وجه الخليفة الأول أبي بكر وصاحبه عمر خاصة بعد أن منعاها من فدكها حيث احتج عليها أبو بكر لما طالبته بحقها في الفدك بقوله: سمعت رسول الله يقول: "نحن معشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة".. ليضاف هذا المشهد إلى حصار وإقصاء وتهمييش على بن ابى طالب مما أدى إلى تصاعد الإحتقان .
لنا أن نتوقف عند ما يقال عنها حروب الردة التى شنها ابو بكر فلم تكن أساسا تعتنى بقتال من إرتد عن الإسلام للوثنية بل من إمتنع عن دفع الزكاة ففى رؤية أبو بكر أن هذا يعنى تمرداً وخروجا عن حكمه وسطوته ليعتبره خروجاً عن الدين , لنفهم من هنا القصة فنحن أمام مشروع سياسى وحكم نخب معينة فلا عقيدة ولا إيمان ولا يحزنون .!

- رغم رضوخ عليّ ومن تشيع له من الصحابة خلال هذه المرحلة للأمر الواقع إلا أن الأمور لم تقف عند هذا الحد , خاصة بعد أن ولى أبو بكر عمر ابن الخطاب على المسلمين من بعده دون أن يستشير أحداً , مما كاد يعصف مرة أخرى بوحدة المسلمين لولا أن تدارك عقلاء الصحابة الأمر مراعاة لهذه الوحدة نظرا للظروف الطارئة حيث كان الجيش الإسلامي يواجه جيش الفرس في معركة القادسية .

عليّ وعائشة .
- أرى أن مشهد التشكيك فى شرف عائشة زوجة محمد من قِبل على ابن ابي طالب هى بداية الأزمة والمواقف الإنفعالية التى شكلت نواة الإنشقاق والتناحر , فعائشة تخلفت عن ركب الجماعة فى الصحراء بدعوى البحث عن عقدها المفقود ثم ترجع بصحبة صفوان مما أثار الشك والريبة فى سلوكها لدى الكثيرين يتقدمهم علي بن أبى طالب ابن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة ليعلنها صراحة بأن عائشة زانية مطالباً محمد أن يطلقها .
دعنا من حيرة محمد ونزول آية تبرأ عائشة من حادثة الأفك هذه , فما يعنينا أن عائشة حملت مشاعر غضب وكراهية وعداءشديد لعلي بن أبى طالب ستؤثر فى الأحداث بقوة بعد ذلك , كما حمل علي بن أبى طالب مشاعر الإزدراء والكراهية تجاه عائشة ليكون هذا الموقف العاطفي الإنفعالي محركاً للأحداث والصراع والجبهات كما سنرى .

عليّ وعثمان .
- ساءت الأمور بين علي والخلفاء خاصة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان الذي كان أول من احتجب في قصره عن الناس , ولم تعد الصلة بينه وبين علي وعدد من الصحابة على ما يرام بل تجاوز الأمر إلى التنكيل ببعض الصحابة كعمار بن ياسر الذي حمل له بعض مطالب الناس ودعاه إلى تغيير سيرته والابتعاد عن بني عمومته من بني أمية، كذا أبو ذر الغفاري الذي شكاه له معاوية بالشام بعد أن أرهقه بمواقفه القوية , فكان يدعوه إلى إخراج الأموال إلى الفقراء ويتلو على الملأ علانية قوله: " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" , "يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ". قاصداً بذلك معاوية وحاشيته من أثرياء الشام .. ومما زاد الطين بلة امتناع عثمان عن إستقبال علي والإكتفاء بمشورة مروان بن الحكم الذي كان يزين له الأمور ويخفي عنه الحقائق حتى ضاق الناس ذرعاً بسياسته فحملوا له في بداية الأمر مطالبهم ثم حاصروه لما رأوا تعنت ولاته في الاستجابة لهم ليتحول الأمر في النهاية إلى ثورة عارمة راح ضحيتها الخليفة عثمان بن عفان نفسه, ليبايع بعده الثوار بما فيهم عدد كبير من الصحابة علياً بيعة جامعة دانت له بها كل الأمصار عدا الشام التي كان على رأسها معاوية .

- بعد مقتل عثمان انتخب الثوار علياً خليفة وبايعه الناس بمن فيهم طلحة والزبير. ويقول طه حسين في هذا الخصوص في كتابه الفتنة الكبرى: " فقد كان خليفتهم الجديد أجدر الناس بأن يملأ قلوبهم طمأنة، وضمائرهم رضىً ونفوسهم أملاً. فهو ابن عم النبي وأسبق الناس إلى الإسلام بعد خديجة، وأول من صلى مع النبي من الرجال، وهو ربيب النبي قبل أن يُظهر دعوته ويصدع بأمر الله وكان النبي يحبه أشد الحب ويؤثره أشد الإيثار، استخلفه حين هاجر على ما كان عنده من ودائع حتى ردها إلى أصحابها، وأمره فنام في مضجعه ليلة ائتمرت قريش بقتله، ثم هاجر حتى لحق بالنبي في المدينة فآخى النبي بينه وبين نفسه، ثم زوجه ابنته فاطمة، ثم شهد مع النبي مشاهده كلها، وكان صاحب رايته في أيام اليأس. وقال النبي يوم خيبر: "لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". فلما أصبح دفع الراية إلى عليّ. وقال النبي حين استخلفه على المدينة يوم سار إلى غزوة تبوك: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي". وقال للمسلمين في طريقه إلى حجة الوداع: "من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاده" .
ويضيف طه حسين فيقول: "وكان عمر رحمه الله يعرف لعليّ علمه وفقهه ويقول "إن عليّاً أقضانا". وكان يفزع إليه في كل ما يعرض له من مشكلات الحكم. وقال حين أوصى بالشورى: " لو ولّوها الأجلح لحملهم على الجادة." إلى فضائل كثيرة يعرفها له أصحاب النبي على اختلافهم، ويعرفها له خيار المسلمين التابعين، ويؤمن له بها أهل السنة كما يؤمن له بها الشيعة ".
ولكن رغم كل هذه الفضائل لعلي تمردّ عليه كثيرون ومنهم من بايعوه مثل طلحة والزبير , وقد اتخذ بنو أمية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان مقتل عثمان ذريعة لنيل الخلافة لأنفسهم فقاموا بمطالبة علي بالكشف عن قتلة عثمان والانتقام منهم , الأمر الذي لم يكن بإمكانه تنفيذه لعدم معرفة القاتل الحقيقي في خضم تلك الثورة , وكان محمد بن أبي بكر أحد المتهمين بقتل عثمان. فأعلن معاوية الذي كان والياً على الشام التمرد على الخليفة.
ومما يجدر ذكره في هذا الخصوص , أن سئل الإمام عليّ في رأيه في عثمان وقاتليه فقال: "إنه استأثر فأساء الأثرة، وجزعوا فأساءوا الجزع، ولله حكم واقع، في المستأثر والجازع". ويعلق أحمد أمين فى كتابه ضحى الإسلام قائلاً: ولعل هذا أصدق وصف لما كان بين عثمان والناقمين عليه, وهو كذلك أصدق وصف للأمويين والعباسيين والناقمين عليهم من الشيعيين .

- أما السيدة عائشة فكانت في أول الأمر من المحرضين على عثمان وهي التي قالت عنه: "اقتلوا نعثلاً لعن الله نعثلاً" ولكن ما أن سمِعَتْ أن علي بن أبي طالب أُختير خليفة حتى تحركت ضده مطالبة بدم عثمان ليطفو الحقد القديم تجاه علىّ من موقفه فى حادثة الأفك , فتوجهت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير ولحقهم الإمام علي إلى هناك حيث وقعت أول حرب بين المسلمين سميت بحرب الجمل , وسمّيَتْ بحرب الجمل لأن السيدة عائشة كانت على ظهر جمل تحرض المسلمين على القتال ضد أتباع عليّ ولم تقف الحرب إلا بعد أن تم قتل ذلك الجمل , وانتهت واقعة الجمل بانتصار الإمام عليّ ومقتل الزبير وطلحة .

- إذن جذور الخلاف الرئيسي بين السنة والشيعة تعود إلى أكبر وأول أزمة مر بها التاريخ الإسلامي وهي الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان بن عفان , هذه الفتنة وما خلفته وراءها من نزاعات عنيفة لا سيما بين معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب الخليفة الرابع والتى كانت السبب الرئيسي وراء تفتت المسلمين , ليكون الموقف الأساسي لمعظم الصحابة هو محاولة إنهاء هذه الفتنة وأخذ موقف حيادي من النزاع , ولعل أكبر ممثل لهذا الاتجاه هو عبد الله بن عمر الذي صرح بهذا الموقف مرات عديدة بهذه الحيادية , وإن كانت تميل في الكثير من الأحيان لإعطاء الأحقية في النزاع لعليّ دون معاوية , إلا أنها في النهاية تنحو نحو المساواة بين كافة الصحابة وعدم الخوض في تفسيق أحد , فالانقسام في تلك الفترة بدأ سياسي لتتبلور بعد ذلك فى مفردات رؤي عقائدية .

عليّ ومعاوية .
- إستغل معاوية بن أبي سفيان مقتل عثمان ليثير الغبار حول عليّ مطالباً القصاص , غير أن علياً طالبه أولا ببيعته قبل أن يحقق في الأمر خاصة وأن من بين القتلى زعماء ذو منعة ونفوذ لدى قومهم , وأمام تعنت معاوية واتهامه لعليّ بإيواء القتلة ليحرض أهل الشام على الإنتقام , فما كان من علي إلا أن جهز جيشا جرارا لملاقاته , غير أن عددا من قيادات قريش كالزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله عمدوا إلى نكث بيعتهم للإمام عليّ وجهزوا جيشاً في البصرة جعلوا على رأسه عائشة بنت أبو بكر زوج النبي , حيث دارت معركة "الجمل" التي كانت أول معركة في التاريخ تدور بين المسلمين قتل فيها عدد كبير الصحابة من أبرزهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام اللذان كان في صف علي في البداية قبل أن ينقلبا عليه بعد أن رفض مجاراتهما في بعض الأمور ,ليكون النصر في هذه المعركة حليفاً للإمام علي غير أن رفضه تقسيم غنائم المعركة بين أنصاره قد ترك حزازات في قلوب أتباعه سوف يكون لها تداعيات فيما بعد عند رؤوس الخوارج بعد أن أرسل إليهم الإمام علي ابن عباس لكي يقنعهم بالعودة إلى جيشه بعد خروجهم إثر حادثة التحكيم الشهيرة .

- بعد حرب الجمل حصلت حرب "صفين" بين معسكر الإمام عليّ ومعسكر معاوية والتي انتهت بالتحكيم الذي خُدِعَ فيه أبو موسى الأشعري ممثل الإمام علي من قبل الداهية عمرو ابن العاص ممثل معاويةالذى تم وعده بغزو مصر , وبسبب خديعة عمرو بن العاص ونجاحه حصل انشقاق في معسكر علي , وبمقتل الإمام علي انتهت مرحلة الخلافة الراشدية وظهرت الدولة الأموية الوراثية .. الجدير بالذكر أن في هذه الفترة كانت أغلبية المسلمين وبالأخص من الأنصار ومعظم الأحياء الذين شاركوا الرسول في معركة بدر وغزواته الأخرى وقفوا مع الإمام عليّ دون مسميات بأهل السنة أو الشيعة , وكان قسم من قريش وأهل الشام مع الأمويين. أما أهل العراق ومصر والحجاز واليمن وغيرها من الأمصار فكانوا مع عليّ وأولاده من بعده , لتنتهى الفصل قبل الأخير من الدراما بمحاولة عبد الرحمن بن ملجم الذي صلى الفجر خلف عليّ ليغتاله بعد الصلاة وليسدل الستار على الحلقة الأولى من الصراع الذي دار بين الأمويين والعلويين الذين سوف يبايعون الإمام الحسن بن عليّ بعد ذلك .

معاوية والحسن .
- إختار أتباع عليّ الحسن بن علي ابن ابي طالب خلفاً لأبيه لمنصب الخلافة ولكن من دون توصية سابقة من قبل عليّ , فمن وجهة نظر شيعية يكون الحسن قد ورث عن أبيه الإمامة والمنصب الديني وقبل باختيار المسلمين له للمنصب السياسي أي الخلافة قد زحف معاوية بجيش جرار على الكوفة مقر خلافة الحسن لكن موازين القوى عسكرياً لم تكن تميل لصالح الحسن بعد تخلي جزء كبير من جيشه عنه ورفضهم القتال معه ضد جيش معاوية المدجج بالعدة والسلاح والخيل فوافق الحسن على الصلح مع معاوية والتنازل عن الخلافة مقابل مردود مادي منتظم ووعد بأنه سيصبح الخليفة القادم بعد وفاة معاوية!! لتستمر خلافة معاوية وكان رجل دولة وداهية متأثراً بنمط الحكم البيزنطي والروماني ليقوم بنقل مقر الخلافة من الكوفة الى دمشق والحط من قيمة مدينة النبي يثرب العاصمة الإسلامية الأولى سابقاً فأسس دولة حديثة مبنية على الملكية الوراثية وصك النقود وفرض الضرائب وشكل جيشاً محترفاً واضعاً كل السلطات الدينية والمدنية والعسكرية والاقتصادية بين يديه أي كان حاكماً مطلقاً على غرار القياصرة .

- قبل معاوية كل شروط الإمام الحسن وسمي ذلك العام بعام الجماعة. لكنه تنكر لها فيما بعد وتحلل منها أمام ملأ من أهل المدينة , بل إن الشيعة يتهمونه بالاحتيال في قتل الإمام الحسن نفسه عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث ليتابع بالقتل والتنكيل شيعة أبيه الإمام علي , وقد قتل منهم خلق كثير من أبرزهم الصحابي حجر بن عدي الكندي وعمرو بن حمق الخزاعي وميتم التمار , ثم يولي ابنه يزيد بن معاوية على الأمة من بعده وقد كان يزيد كما تروي كتب التاريخ منحرفا بشهادة علماء الأمة ممن عاصروه وهو الذي كان وراء قتل الإمام الحسين بن عليّ وعددا من أهل بيته في كربلاء بعد أن خرج ثائرا للحق بطلب من أهل الكوفة .
قبل وفاته قام بتسميم الحسن على يد زوجته جعدة التي وعدها بتزويجها لابنه يزيد ثم تنصل عن وعده وقتلها بعد أن قتلت الحسن بالسم , وصار يراقب آل البيت ويحصي عليهم أنفاسهم ويضيق عليهم الخناق ويطارد اتباعهم بالقتل والتعذيب والتشريد ويشتم الامام علي من على منابر المساجد ويحط من قيمته ودوره ويشوه تاريخه وكان اتباع عليّ يتنكرون لمعتقداتهم باستخدام التقية واخفاء مشاعرهم ومواقفهم الحقيقية خوفاً من بطش معاوية.
توفي معاوية سنة 680 ميلادية بعد أن أخذ البيعة لولده يزيد بالقوة وبالاغراءات المالية والمادية للصحابة والتابعين وهنا بدأت المرحلة الثانية من تكون التشيع ككيان متميز داخل الإسلام، خاصة عندما أعلن الإمام الحسين بن علي ابن أبي طالب رفضه مبايعة يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان خليفة للمسلمين وأعلن الثورة عليه من المدينة التي غادرها الى مكة في البداية , ومن ثم من العراق التي وصلها بصحبة 72 من أتباعه المخلصين وآل بيته. حوصر من قبل جيش يزيد في منطقة تسمى كربلاء في العراق وخير بين الموت أو الاستسلام ومبايعة الخليفة يزيد إلا أنه رفض وقاوم حتى قتل هو وأصحابه وأفراد عائلته فيما عدا الأطفال والنساء وأحد أبنائه الذي كان مريضاً هو علي بن الحسين .

- لقد شكلت كل هذه الأحداث المتسارعة في حياة المسلمين منعطفاً خطيراً سوف يكون من أبرز نتائجه إنفصال جزء مهم ممن تشيع للعلويين في كل معاركهم ضد خصومهم عن باقي المسلمين الذين سلموا للأمر الواقع ورضخوا كرهاً لاستبداد الأمويين , وهكذا لم يتوقف الشيعة عن محاولات الثورة والتمرد لاسترجاع الحق الضائع لأهل البيت حسب رؤيتهم من جهة والثأر من السلطة الأموية التي قامت باضطهادهم من جهة أخرى , مراحل متقدمة سوف يتجاوز هذا الصراع المواجهة العسكرية إلى مواجهات أيديولوجية انسحبت آثارها على عقيدة المسلمين واجتهادات الفقهاء من الطرفين في التشريع والمعاملات بل تجاوز الأمر إلى العادات والتقاليد مما أدى إلى تعميق الشرخ بين الفريقين اللذين عبثت بمصيرهما السياسة والمصالح إلى أبعد الحدود .

- هذه الحروب أضرت بالمسلمين ووحدتهم كثيراً، وقد سئل الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز عن الجمل وصفين فقال: "تلك دماءُ كفَّ الله يدي عنها، فلا أحبُّ أن أغمس لساني فيها". ثم حصلت واقعة كربلاء بعد أن طلبَ أهل العراق من الحسين بن علي أن يقدم إليهم لينصبوه خليفة , ولما استجاب الحسين لطلبهم ووصل العراق مع أهل بيته ونفر قليل من أنصاره لم يتجاوز عددهم 72 شخصاً واجه جيشاً جراراً أرسله الخليفة الأموي يزيد بن معاوية لمواجهته , فحصلت واقعة كربلاء وكانت مجزرة دامية رهيبة وإبادة بحق أهل البيت وخاصة آل عليّ ومأساة كبرى بكل معنى الكلمة , ومنذ تلك الواقعة المأساوية استمر العراقيون من شيعة أهل البيت آل عليّ مصدراً للثورات والقلاقل ضد الحكام على مختلف الحقب التاريخية.

بعد هذا السرد التاريخي الموجز لجذور الصراع السنى الشيعى لنا أن نتوقف ونحدد مواطن الخلل فى العقلية الإسلامية :
- أن مصدر الإنشقاق والخصومة السنية الشيعية ليس عقائدى بل سياسى ونزاع على السلطة والخلافة , فما يبدو لنا من طائفية مذهبية هي نزعة سياسية وليس لها سند أو أساس عقائدي ديني , ومن هنا أخذ أهل السنة يطلقون على الشيعة لقب "الروافض" باعتبار أنهم رفضوا الصحابة , بينما أطلق الشيعة على أهل السنة لقب "النواصب" باعتبار أنهم ناصبوا العداء لأهل البيت وحالفوا أعدائهم الأمويين , ليتمادى الغلو فى كلا الجانبين حت منظور سياسى بالأصل ليأخذ نفور عقائدى بعد ذلك .
- هذه المشاهد تثبت لنا أن الدين هو غطاء لطموحات وصراعات سياسية فلا عقيدة ولا يحزنون بل أطماع وطموحات سياسية فى الحكم والهيمنة .
- لا يوجد مصطلح الشيعة والسنه كوجود مذهبى حقيقي فهى لا تزيد عن تباين لمشجعي فريقين لكرة القدم , وما يتراءى لنا من أن إختلافات عقائدية مذهبية بين السنه والشيعة ليست بذات أهمية فقد جاءت بعد صراع سياسى شرس بين ما يُعرف بأهل الجماعة المنحازون لأبو بكر وعمر وعثمان وبين أهل البيت المنحازون لعلى بن أبى طالب .
- أن الخلافات المذهبية بين السنه والشيعة ليست بذات شأن تستدعى كل هذا الصراع والتناحر , فرؤية أهل الشيعة للإمامة وولاية الفقيه والمهدى المنتظر والعصمة والشفاعة وزواج المتعة ليست بذات قيمة لتنتج الإنشقاق والتناحر والصراع السنى الشيعى التاريخى .
- إن تشرنق المسلمين الشيعة والسنه خاصة الشيعة فى تمظهرات إحتفالية كيوم عاشوراء والتطبير والبكائيات واللطم وإيذاء الأجساد حتى النزف كذا المشاحنات والملاسنات وتكفير كل مذهب للآخر هدفه التعبئة والتجييش فى المذهب , والحقيقة أن هذه التعبئة بإستحضار التاريخ والخوف من الحاضر والمستقبل تأتى بثمارها بصهر المسلمين فى الدين الإسلامى بشكل هستيري تعصباً وإنتماءاً وهذا واضح في أتباع المذهب الشيعى خاصة .
- مشهد البكائيات واللطم والتطبير لدى الشيعة يعبر عن حالة مازوخية تستعذب الألم واللوم وجلد الذات وهى مستلهمة لحد ما من أسبوع الآلام فى المسيحية , ولتسأل ما معنى وما جدوى إجترار التاريخ والتباكى عليه بعد أن طوى الزمن ملفاته سوى أن هذا إستدعاء التاريخ وإجتراره والتعاطى معه كطبيعة ثقافة ليس لديها ما تقدمه سوى العيش فى الماضى .!
- من الأهمية بمكان التوقف أمام النقطة الجوهرية لهذا البحث فى أن بقاء الصراع السنى الشيعى هو نتاج إحياء إرث التاريخ وإستدعاءه والتماهى فيه ليتم تصعيد التعاطى العاطفى فوق أى عقلانية فقد إنتهى عصر الخلافة وما حملته من صراع , ولكن المسلمون لا يريدون إعتباره تاريخ بل حضور فى زمن مغاير يحمل كل إرث الماضى من تناحر وعداء وكراهية .
- ألف باء منطق وعقلانية أن يصير التاريخ تاريخاً بكل ظروفه وملابساته لا أن يتم إجتراره والتماهى فيه وإعادة إنتاجه وإسقاطه على الواقع لتظل هناك عداوات ليس لها أى مبرر .!
- ألف باء عقلانية أن يبنى الصراع على حالة إحتدام وتنازع إقتصادى وطبقى وسياسى وإجتماعى , فإذا كان الصراع السنى الشيعى القديم حمل حالة صراع وتنازع على السلطة حركتها مواقف عاطفية فى الأساس ,
فالصراع السنى الشيعى الحالي ليس له أي مبرر ومقومات وأساس للبقاء والإحتدام وهو ما نراه حاليا سوى أننا أمام حالة عاطفية تستدعى التاريخ وتجتر منه وتسقطه على الواقع .
- الصراع العاطفى وإختزال الحياة والتاريخ فى مواقف متصلبة سمة الثقافة الإسلامية , فموقف المسلمين العدائى لليهود حالياً مبنى على الإرث التاريخى القديم عند مواجهة محمد لليهود والنفور منهم وقتالهم , كذا موقف التنفير من اليهود والنصارى ووضعهم فى خانة الاعداء كصهيونية وصليبية مبنى على موقف دينى "لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم" علاوة على آيات البراء التى تحذر وتستهجن منحهم الولاء ليستمر العداء التاريخي لليهود والنصارى مستمراً بناء على موقف تاريخى قديم .!
- عندما يتم إستحضار التاريخ وإجتراره والتماهى فيه , فهذا يعبر عن قمة إشكالية العقل الإسلامى فهو لا يبنى صراعه على متطلبات واقعية حاضرة بل على التاريخ وإرث الماضي الذي يستحضره متبنياً المواقف الإنفعالية القديمة ليكون الصراع هنا إستنزاف لقوة المجتمع بدلا أن يكون رافعة لتطويره .
- يمكن القول أن بواطن الصراع السنى الشيعى الحالي يحمل فى أعماقه صراع عروبى فارسى مابين طموحات فارسية , وخشية العروبة من إنتزاع تفردها وهيمنتها , ولكن الأغلبية العظمى من المسلمين لا تحمل هذه الرؤية بل يسيطر عليها فكرة الصراع التاريخي القديم والمواقف القديمة , ولا تقل أن النخب الإسلامية المثقفة المتصارعة تتعامل مع الصراع كصراع عربي فارسي فهى مثقلة ومثخنة بإرث التاريخ .

فى الختام :
- يمكن القول أن هناك خلل كبير فى العقلية والثقافة الإسلامية التى تبنى مواقفها المعاصرة على إرث الماضي فلا توجد أى عقلانية عند التعاطى مع إرث التاريخ , ليبقى التاريخ تاريخاً بكل إحباطاته وإنجازاته , فلو إعتبرنا أن على بن أبى طالب وقع عليه جور وظلم شديد فماذا يستفيد الشيعة المعاصرون من إثارة هذه القضية وتأجيجها , فهذا يعنى إستدعاء الجين الثقافى الإسلامى لمواقفه الحادة كما هى , لينحاز كل فريق من الشيعة والسنه لمشاهده الخاصة ومواقفه ورؤاه ومنها تتأجج الطائفية بالرغم من إنصراف التاريخ .
-عندما يعزى البعض الإحتقان الطائفى بين السنه والشيعة إلى مخططات أمريكية فهذا صحيح , وإن كان يضع المجتمع الإسلامى فى شكل أبله بوهيمى لا يمتلك الفطنه والحرص من الإنزلاق نحو الفتنة , ولكن الأمور ليست كذلك بالضبط , فأمريكا تريد الفتنة والتفتت فى الشعوب الإسلامية وسيتم هذا بسواعد المسلمين أنفسهم بكل همة ونشاط كفعل حتمي مُندفع من الجين الثقافي الإسلامى الذى يحمل بين ضلوعه كل الكراهية والعدائية وعدم قبول الآخر.. جين يجتر عداوات وصراعات تاريخية ليسقطها ويتعاطى معها ويُنتج منها معاركه , لينفذ المسلمون كل مخططات ومؤامرات أمريكا والغرب بحماس منقطع النظير .!
- فى النهاية الاديان بشرية الفكر والهوى والتهافت معبرة عن مشاريع سياسية لنخب هكذا تصارعت , لتبقى المشكلة فى منهجية تفكير أى ثقافة يتم التعامل معها بكل تخلفها وجمودها وعصبيتها .
- لن يتطور مجتمع يسقط إرث التاريخ فى حاضره .

دمتم بخير.
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .