الغيب في لاهوت التنزيه 1/2


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 6065 - 2018 / 11 / 26 - 14:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الغيب مصطلح ديني وقرآني على وجه الخصوص، ويعني ما وراء الطبيعة، ويقابله مصطلح الشهادة، ويعني عالم الطبيعة أو العالم المادي المحسوس. ولأبدأ بعالم الشهادة، لأننا نعيشه، فهو عالم المحسوسات، أي مشهود بحواس البصر والسمع والذوق والشم واللمس. عندما يقال عن شخص إنه شهد الشيء، فمن حيث الأصل اللغوي يعني أبصره، لكنه شمل كمعنى منقول جميع الحواس، فالشاهد في المحكمة يشهد بما بصره، أو بما سمعه، أو بما أدركته أي من حواسه. من هنا نُعِتَ العالم المادي، أو عالم الطبيعة أو الحياة الدنيا بعالم الشهادة بالمصطلح الديني القرآني، ويسمى بالمصطلح العام أو المحايد بعالم الطبيعة، أو العالم المحسوس. في مقابل هذا العالم هناك عالم آخر بحسب الذين يعتقدون بوجوده، ألا هو عالم الغيب، أي العالم الغائب عن الحواس، فهو غير مُبصَر، ولا مسموع، ولا ملموس، ولا مَذوق ولا مشموم، إذ إنه ليس من عالم المادة، بل من عالم الروح، أو العالم المعنوي، وبالنسبة للحياة المفترضة فيه فهي الحياة الآخرة، أو الأخرى، مقابل الحياة الدنيا، وتسميتها بالحياة الأخرى بمعنى المغايرة للحياة الدنيا، وبالآخرة بمعنى أنها الحياة الأخيرة، فلا حياة ثالثة بعدها بحسب المعتقد الديني، فهي إما أبدية، وإما إنها تنتهي عند أجل ما، إلا ما ذهبت إليه بعض الأديان غير الإبراهيمية من تناسخ الأرواح وغيرها. طبعا الغيب غير مقتصر على الحياة الأخرى، أي حياة ما بعد الموت، بل هذه هي أحد مصاديق هذا المفهوم، فالله نفسه هو أول مفردات عالم ما وراء الطبيعة (الميتافيزيق).
لاهوت التنزيه لا يعتمد فيما يتعلق بالغيب أيا من مقولات أي من الأديان حول الغيب والحياة الأخرى، كما لا يعتمد التجربة، وما يخضع لها من العلوم الطبيعية المختلفة، التي هي معنية حصرا بالمادة والمحسوسات، والتي لا تستطيع أن تثبت عالم ما وراء الطبيعة، كما ولا تستطيع نفيه. إذن لاهوت التنزيه يعتمد الفلسفة والمناهج العقلية، لا الدين ولا العلم، أو بتعبير آخر لا الوحي المفترض ولا التجربة. والتتمة في الحلقة الثانية.