مغزى العلاقات المكشوفة بين الدول الخليجية وإسرائيل


جلبير الأشقر
الحوار المتمدن - العدد: 6062 - 2018 / 11 / 23 - 01:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


يقضي المنطق البسيط أن تكون الأنظمة العربية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية منخرطة في تحالف موضوعي مع الدولة الصهيونية بحكم ارتباط هذه الأخيرة هي أيضاً بعلاقة وطيدة بواشنطن. وقد أدرك أنور السادات تلك الحقيقة البديهية، فقرّر نسج علاقة مباشرة وعلانية مع دولة إسرائيل استكمالاً لقراره فك علاقة مصر بالاتحاد السوفييتي ونقل البلاد إلى المعسكر الأمريكي. ذلك أنه كان يعلم أن محاولة نسج علاقات سرّية بين القاهرة وتل أبيب وإبقائها طيّ الكتمان مهمة تكاد تكون مستحيلة، إذ أن مصر دولة لا يمكن للحكم فيها أن يعقد مثل تلك العلاقات دون أن تتسرّب أخبارها إلى العلن وتتسبّب له بإحراج سياسي كبير.
أما المملكة السعودية، فطبيعة الحكم فيها، وهو قائم أساساً على النفاق بشتى أشكاله، يسّرت الإبقاء على سرّية علاقتها بالدولة الصهيونية طيلة عقود. وقد نشأت تلك العلاقة بنتيجة المنطق البسيط المذكور أعلاه، عندما قرّرت الولايات المتحدة الاعتماد على إسرائيل حليفاً أساسياً لها في مواجهة صعود الحركة القومية العربية وتجذّرها بقيادة مصر الناصرية. حصل ذلك في منتصف الستينيات من القرن المنصرم، ولم يبدأ مع ولادة الدولة الصهيونية كما يعتقد الكثيرون الذين اعتادوا إلى مشهد العلاقة الاستراتيجية المميّزة بين أمريكا وإسرائيل ويجهلون أن تلك العلاقة لم تصبح ما باتت عليه سوى بعد ما يناهز العشرين عاماً من نشوء الدولة الصهيونية. وقد كانت هذه الأخيرة طيلة عشرين عاماً تعتمد في تمويلها وتسليحها على ألمانيا الغربية وفرنسا أكثر مما تعتمد على الولايات المتحدة.



هذا وقد ندّدت واشنطن بالعدوان الثلاثي على مصر الذي تبع إعلان جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس في عام 1956، وأمرت الدول الثلاث ـ إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ـ بالانسحاب من الأراضي المصرية. غير أن تصاعد النفوذ الناصري وتجذّر الحركة القومية العربية في الستينيات، بالرغم من انفراط عقد الوحدة بين مصر وسوريا في بداية الحقبة، أدّيا إلى تراجع خطير في حضور أمريكا الإقليمي، بما في ذلك اضطرار واشنطن إلى الانسحاب من قاعدتها الجوّية في الظهران. وضعفت بالتالي قدرة واشنطن على حماية مصالحها في المنطقة، ولاسيما حماية النظام الذي جسّد تلك المصالح بأعلى مستوياتها، ألا وهو النظام السعودي. لذا غدت إسرائيل حليفاً ثميناً لواشنطن، اعتمدت عليه «كلبَ حراسة» لمصالحها الإقليمية (كما كان القول شائعاً في زمن الناصرية). وكانت حرب عام 1967 أول حرب شنّتها الدولة الصهيونية بدعم أمريكي، وهي تستهدف عدوّي أمريكا والمملكة السعودية اللدودين، مصر عبد الناصر وسوريا صلاح جديد. وقد آتى العدوان الصهيوني ثماره بعد ثلاث سنوات، في عام 1970، عندما توفّي عبد الناصر وخلفه في رئاسة مصر أنور السادات وأطاح حافظ الأسد بحكم يسار البعث بقيادة صلاح جديد.
فإن علاقة سرّية قامت بين المملكة السعودية والدولة الصهيونية منذ منتصف الستينيات، تولّاها في البداية عن الجانب السعودي كمال أدهم، مؤسس المخابرات العامة الـسعودية ورئيسها الأول، والمستشار الخاص للملك فيصل بن عبد العزيز. ولم يجرؤ أي من الرجال الذين تعاقبوا على العرش السعودي على الإجهار بالعلاقة بإسرائيل، خوفاً مما قد ينجم عن ذلك الأمر في تسعير العداء للحكم الملكي السعودي الذي تشكّل تبعيته لواشنطن مصدراً أساسياً للنقمة عليه. وقد بقي الأمر على حاله حتى تولّي محمد بن سلمان ولاية عهد أبيه رسمياً وإدارة شؤون المملكة فعلياً. فإن رعونة وليّ العهد الجديد وقناعته أنه معصوم وذو مناعة سياسية مطلقة، جعلتاه يذهب في العلاقة غير العلانية مع إسرائيل إلى أبعد ما ذهب إليه أي حاكم سعودي ويستعدّ في الوقت نفسه إلى الإجهار بتلك العلاقة حالما يستكمل الصهيوني جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إعداد المؤامرة على الشعب الفلسطيني التي يحوكها، وينتقل بها إلى حيّز التنفيذ.
ومن غير الصدفة على الإطلاق أن نشهد تصعيداً في تبادل العلاقات المكشوفة بين حليفي المملكة السعودية الخليجيين، إمارة أبو ظبي وسلطنة عُمان، من جهة، والدولة الصهيونية من الجهة الأخرى، وفي هذا الوقت بالذات بينما يتعرّض وليّ العهد السعودي إلى حملة كثيفة يقودها الإعلام الأمريكي من أجل إزاحته من السلطة عقاباً على مسؤوليته عن مقتل جمال خاشقجي. فإن مصير محمد بن سلمان مرتهن حالياً بنجاح المسعى المحموم الذي يبذله كوشنر من أجل إنقاذه، والذي سبق أن أشرنا إليه على هذه الصفحات، ذلك المسعى الذي يسنده بحماس رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو. هذا وبتسريعه في وتيرة التطبيع الخليجي مع دولة إسرائيل، يريد وليّ العهد السعودي توكيد استعداده على الضلوع في المخطط الصهيوني وتحقيق غاية إدارة ترامب في إنشاء تحالف عربي ـ إسرائيلي مكشوف في مواجهة إيران. وهو يظنّ أنه كلّما زاد في تبيان استعداده في الخوض في تلك السياسة، زادت قيمته وفرادته في نظر كوشنر ونتنياهو وزاد بالتالي ضغطهما على ترامب كي يُبقيه في منصبه.