ماذا كنت ستفعل في طهران 1978 أو بتروغراد 1917 ؟


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6057 - 2018 / 11 / 18 - 00:16
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

ماذا يمكنك أن تفعل لو كنت في طهران 1978 أو في بتروغراد 1917 أو 1918 ؟ طبعا أعرف أنك و "ثورتك" و "ثوارك" و "جماهيرك" تختلفون تماما عن ستالين و الخميني أو عن تلك الجماهير التي استسلمت لستالين أو الخميني و أن السؤال يبدو لك غريبا أو في أفضل الأحوال مجرد تبرير للاستبداد أو لاستمرار أعدائك و أعداء الشعب في اضطهاد الجماهير و استغلالها , فلا ثورة من دون ثوار و الجماهير و الثوار دائما على حق , لكني أشعر بالسؤال يحاصرك , أنت أيضا قد ترغب بالتفكير أو على الأقل بالتساؤل , قد ترغب أن تقبل التحدي , أن تفكر و تتساءل أنت أيضا : ماذا كنت ستفعل لو كنت في طهران 1978 أو بتروغراد 1917 ؟ طبعا الجواب واضح : المفترض أنك كنت ستصفق للخميني , أنك مع الجماهير , حتى فوكو آمن بالخميني , لكن لنفترض أنك رأيت أنصاره , الثوار , الجماهير يقمعون النساء السافرات و يطاردون من لا يطلق ذقنه , و لم لا , فالحجاب منا و السفور غريب عنا بل ربما كان مؤامرة استعمارية و كل من ينتقد الثورة و الجماهير و قبل أي شيء الزعيم , هو خائن لا يستحق الشفقة .. طبعا جوابك اليوم سيختلف كثيرا عما لو سألك أحدهم بالفعل في 1978 أو 1979 .. لا يختلف هذا في شيء لو ولدت في روسيا و عشت ثورة 1917 , لو كان لينين بدل الخميني و التشيكا مكان الباسيج و الاشتراكيين الثوريين و التروتسكيين و الزينوفييفيين مكان الخونة ذوي الذقون الحليقة و النساء السافرات .. حتى اليوم , بعد سنوات طويلة على السقوط , ستجد من يؤمن بستالين و الخميني .. إن للعادة سطوتها علينا .. و الأوهام التي نعرفها و الهذيانات التي نجيدها تبدو أقرب و مفهومة أكثر من الأوهام التي نجهلها و كنا نرفضها سابقا .. لا يوجد داعي للقلق , جميعنا نصل متأخرين , إلا قلة قليلة , جدا , ممن لا يثقون بمهووسي السلطة من كل الأصناف و الأجناس و الأشكال .. كلنا نحتاج لوقت طويل كي نفهم حقيقة ما يجري .. البعض يبدأ فقط بالتفكير عندما يصبح كل شيء واضحا و سيجدون في هذا "امتيازا" فكريا و سياسيا ما , أنهم اكتشفوا حقيقة ما جرى بعد حدوثه بعقود , قبل الآخرين .. و البعض لن يفهم مطلقا , سيطويه الموت و معه أوهامه القديمة .. تصور الموهبة الفكرية و بعد النظر السياسي عند من ينتقد ستالين أو هتلر اليوم , أو مبارك أو الأسد أو القذافي مثلا .. أجمل ما يفعله أصحاب السلطان , من كل الأنواع و الإيديولوجيات , أنه يمكنك دائما أن تجد شيئا ما لتنتقدهم أو ما يبرر لهم .. ألا يكفي ستالين أنه هزم هتلر , و ألا يكفي هتلر أنه قاتل ستالين , ماذا يهم بعد ذلك بضعة ملايين معتقل أو مذبوح و أي خطأ في معسكرات الغاز أو العمل العبودي عندما يكون "الوطن" أو أشياء من هذا الوزن في خطر فمن يمكنه أن يسأل عن الثمن , عن الأفراد حتى لو كانوا بالملايين .. في 1941 , في مستشفى الأمراض العقلية في سجن ليننيغراد الذي "يحرسه" رجال ستالين , حراس الثورة , و التي يحاصرها و يجوعها حتى الموت رجال هتلر عاش أحد أولئك الذين يتمتعون بقدرة غير عادية على أن يقولوا لأنفسهم ما يرونه حقيقة , دانييل خارمز , أديب سوريالي , ممثل , داعر , فاحش , نصف مجنون , الخ .. بينما كان الآخرون ينخرطون في الحزب الثوري و سلطته و أجهزته الأمنية و يلاحقون بعضهم و يعدون أنفاس الناس و هم يتنافسون على الصعود في الهرمية الاجتماعية الجديدة عاش خارمز على الهامش مكتفيا بمساحة ما ليكتب و يهذي , ليلاحق النساء و يسخر بفحش و خبث من كل شيء بما في ذلك الحزب و الثورة و الجماهير و قبل كل شيء من الزعيم العظيم , لأن كل هؤلاء يشكلون جميعا شبكة لا تنفصم عراها تتكامل في لحظة ما و تستمر حتى تصبح أوهن من أن تستمر بحجب الحقيقة و سجن الأحلام و البشر .. هتلر أم ستالين , أيوجد شيء أكثر سوريالية من هذا السؤال .. معظمنا لا يشبه خارمز هذا , لكن يا صديقي لا تحزن فلن تكون هنا عندما سيطيح أولادك بكل ما آمنت به و عندما سيشتمونا لأننا كنا مغفلين و أغبياء و عنيدين في ذلك قبل أن يصنعوا هم أيضا وحوشا - أبطالا من ورق سرعان ما ستذروهم الرياح هم أيضا ..