الطائفية السياسية وانهيار تشكيلة العراق الوطنية


لطفي حاتم
2018 / 11 / 5 - 18:05     



ادت سياسة النظام الديكتاتوري المنهار المناهضة للقوى الوطنية والديمقراطية واعتماد الطائفية السياسية في تشكيلة العراق السياسية الى كثرة من الاشكالات الوطنية والاجتماعية في منظومة العراق السياسية وتشكيلته الاجتماعية . وبعد سقوط النظام الارهابي تواصلت الطائفية السياسية في ادارة النزاعات الاجتماعية , وبهذا المنحى تشير تجربة السنين الماضية الى تمكن الطائفية السياسية من السيطرة على مفاصل الحياة السياسية للدولة العراقية وتؤكد التجربة التاريخية المنصرمة الى ان شرعية النظام السياسي وامتداداته الطائفة لا تحددها المصالح الطبقية لتشكيلة العراق الوطنية بل المساومات الطائفية بين الاحزاب والقوى الاجتماعية المرتكزة على طوائف البلاد الاساسية .
انطلاقا من تلك الرؤى لابد لنا من متابعة الاوضاع السياسية الجارية في تشكيلة العراق الاجتماعية بأثر تاريخي وأثار تلك الأوضاع على مستقبل النظام السياسي الديمقراطي الذي تكافح من أجله القوى الوطنية الديمقراطية .
استناداً الى تلك الاسس المنهجية نحاول حصر متابعتنا السياسية بالمحاور التالية ــ
أولا ـ الطائفية السياسية ودورها في بناء الدولة العراقية .
ثانيا ـ الطائفية السياسية والشرعية الانتخابية .
ثالثا ـ الديمقراطية السياسية والشرعية اانتخابية .
على اساس المحاور المثارة نحاول التقرب من مضامينها العامة .
أولا ـ الطائفية السياسية ودورها في تشكيلة العراق السياسية .
تميزت الطائفية السياسية في العراق بسعتها وتغلغلها في بناء أجهزت الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية , وبهذا المسار بات معروفاً ان نشوء الدولة العراقية وتطور بنائها اللاحق تميز بــ
ــ هيمنة الطائفة السنية على سلطتها السياسية و أجهزتها السيادية وذلك بحكم انحدارها وثقافة ممثليها من الجهاز البيروقراطي للإمبراطورية العثمانية المنهارة واستناداً الى مسارها التاريخي شكلت الطائفة السنية القاعدة الاجتماعية للحكم في الدولة العراقية .
ــ الطائفة الشيعية في العراق ورغم سعة قاعدتها الاجتماعية اكتفت بمقاطعة اجهزة الدولة الناشئة واقتصار انشطتها الطائفية على المعارضة السلمية للحكم الجديد .
ــ استقطاب النزاع بين الطائفتين بشكل واسع هيأة الظروف الاجتماعية والسياسية لبناء احزاب وطنية عالجت الهموم الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الناهضة بعيدا عن أبعادها الطائفية .
ــ افضى احتدام الصراع الوطني في تشكيلة العراق السياسية الى تخلل القاعدة الاجتماعية للقوى الطائفية الامر الذي دفع انظمة الحكم المتعاقبة الى تشديد الصراع ضد الوطنية العراقية وارتكابها المجاز بحق الوطنيين العراقيين .
ــ بسب الاضطهاد السلطوي ضد أحزابها الوطنية وضعف القوى الوطنية برزت الطائفة السياسية بشكل حاد بعد تولي العقيد عبد السلام عارف لرئاسة الدولة العراقية.
ــ عمدت السلطات المتعاقبة الى تعميق هيمنتها الطائفية على حياة البلاد السياسية بسبب ضعف قاعتها السياسية والاجتماعية.
ــ حقق حزب البعث رغم علمانيته المعلنة تطورا كبيرا في رعاية الطائفية السياسية وما تلاه من ممارسة القمع ضد القوى الوطنية ـ الدينية ـ القومية الاخرى . وبهذا المعنى يمكن اعتبار حزب البعث مدافعا عن الوحدة العربية بإطارها المناهض للقوميات الاخرى في العراق .
ــ ادت السياسية القومية والطائفية بالنظام البعثي الى خوض الحروب الاقليمية المدمرة وما نتج عنها من الاحتلال الامريكي للعراق .
ــ بدلا من الكفاح من اجل المصالح الطبقية للقوى المناهضة للنظام الطائفي وديكتاتورية الحزب الواحد رعى الاحتلال الامريكي الطائفية السياسية في منظومة العراق السياسية .
ــ أفضى الاحتلال الامريكي للعراق وانهيار دولته الوطنية الى نهوض الإسلام السياسي الذي تطور بعد الحرب العراقية الايرانية .
ــ التغيرات الاجتماعية التي جرت في تشكيلة العراق السياسية اثناء حروب النظام قادت الى تقوية الاسلام السياسي الشيعي وأضعفت القاعدة الاجتماعية للأحزاب السياسية العلمانية .
ــ التيارات الاسلامية وبسب التدهور الخطير في منظومة العراق السياسية تحولت الى احزاب طائفية لغرض الدفاع عن مصالحها الطبقية الجديدة الناهضة في الدولة العراقية .
ثانيا ـ الشرعية الانتخابية والطائفية السياسية.
ان التغيرات الاجتماعية المتمثلة بهيمنة الاحزاب الطائفية على الحياة السياسية استدعت تغيرات كبيرة في طبيعة الديمقراطية وشكلها المعتمد في الدولة العراقية حيث تحولت الشرعية الديمقراطية للحكم الى شرعية انتخابية وبهذا السياق جرى تحجيم الشرعية الديمقراطية في التشكيلة السياسية العراقية لكثرة من الاسباب اهمهاــ
1 ــ بسبب تفكك التشكيلة الاجتماعية العراقية تراجعت القاعدة الاجتماعية للأحزاب الوطنية الديمقراطية.
2 ــ سيادة شرائح الطبقات الفرعية الطبقات الطفيليةــ المالية ــ والتجارية في الحياة السياسية العراقية .
ــ تحول الفكر السياسي المهيمن في الحياة السياسية الى فكر طائفي مغلق يعالج القضايا التاريخية بمعزل عن ظروفها الاقتصادية والاجتماعية الفعلية للتشكيلة الاجتماعية العراقية .
ــ التحولات الجديدة في الاحزاب العراقية الطائفية حولت الشرعية الديمقراطية الى شرعية انتخابية خالية من السمة الوطنية تسعى الشرائح الاجتماعية الطفيلية الى ترسيخها في الحياة السياسية .
ــ تحويل الوعي الوطني الى وعي طائفي تاريخي يتجاهل الحياة الفعلية السياسية والاقتصادية ومصاعبها الواقعية .
ـ انتقال الديمقراطية السياسية الى شرعية انتخابية أفرغها من محتواها الاجتماعي وجردها من سماتها الاساسية التي تعني الكفاح الطبقي والتداول السلمي للسلطة السياسية .
ــ التحولات الحاصلة في بنية القوى السياسية الطائفية دفعتها الى المساومة مع القوى الاجنبية والإقليمية التي تسعى الى الحاق العراق بالتكتلات الاقتصادية الدولية المناهضة لمصالح البلاد الفعلية .
ثالثا ـ الشرعية الديمقراطية والشرعية اانتخابية .
اعادة بناء الدولة العراقية ونظامها السياسي على قاعدة البناء الوطني للأحزاب السياسية يتطلب ارساء التطور الاحق على قاعدة التداول السلمي للسلطة السياسية المرتكزة على برامج سياسية وطنية تتعايش فيها المهام الانية بالمهام الاستراتيجية القابلة للتنفيذ بعيدا عن البرامج المذهبية ذات الرنين الطائفي التي تعالج قضايا تاريخية لا تخضع لتغيرات الحياة الواقعية .
استنداً الى تغير الوقائع الاقتصادية ـ الاجتماعية في حياة البلاد الوطنية ارى ان يتم العمل وفق المسارات التالية ـ
المسار الاول ــ ارساء الشرعية الانتخابية المعتمدة في الظروف الراهنة على قاعدة الشرعية الديمقراطية التي تركز على البرامج الوطنية الاستراتيجية مؤكدة رفضها للنهوج الطائفية في معالجة القضايا الوطنية الانية منها والإستراتيجية .
المسار الثاني ـ التركيز على التداول السلمي للسلطة بين الأحزاب السياسية الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية العراقية وما يتطلبه ذلك من بناء التحالفات الوطنية وصياغة البرامج الاستراتيجية المشتركة.
المسار الثالث ـ التأكيد على تطور التشكيلة الاجتماعية العراقية بما يتجاوب وتطور مصالح للطبقات الاجتماعية الفاعلة في الاقتصاد الوطني .
المسار الرابع ـ تحجيم فعالية الطبقات الثانوية ـ البرجوازية الطفيلية والشرائح المالية ــ ومنع تسيدها في حياة البلاد السياسية ,
المسار الخامس ـ الكفاح ضد النزعات الديكتاتورية التي تحملها بعض القوى السياسية الطائفية والهادفة الى تحجيم القوى الوطنية في العملية السياسية .
ان الاراء والأفكار الواردة أعلاه من شأنها كما ازعم الحد من التشوهات والتراجعات في المسار السياسي لبناء الدولة العراقية .






الاستنتاجات

استنادا الى الاراء الفكرية والسياسية الواردة في متن المقالة نعمد الى صياغة الاستنتاجات التالية ــ
أولا ــ يتعايش في منظومة العراق السياسية ميلان أساسيان احدهما الهيمنة الطائفية السياسية والتفكك الوطني وثانيهما التطور الديمقراطي السياسي والتبادل السلمي للسلطة السياسية .
ثانيا ـ عبر محاولة ادامة هيمنتها السياسية تسعى الشرائح الطبقية الطفيلية المالية والتجارية والقوى الطائفية المساندة لها الى منع التغيرات السياسية والاجتماعية في تشكيلة العراق السياسية.
ثالثا ـ الانتقال من الشرعية الانتخابية الى الشرعية الديمقراطية يتطلب التركيز على التحالفات السياسية المكافحة من اجل التغيير الاجتماعي وتحجيم دور الفئات الفرعية في الحياة السياسية .