الوطن و الجماهير و الشعب الذي ينتصر - عن الآلهة التي تخوننا دائما


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6045 - 2018 / 11 / 5 - 01:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لدينا نظرية واحدة فعليا نقوم بتعديلها مع كل مرحلة حسب الضرورة دون أن نتخلى عنها : نحن مستعمرون , و هناك فلسطين , و نحن متخلفون لأننا مستعمرون , لكن الشعب , الوطن , الدين , الطبقة , الطائفة , و أحيانا مزيج من هذا على ذاك , "المضطهدون" , "المستضعفون" , "نحن" جيدون , رائعون , بالفطرة , هل سمعت عن وطن أو شعب ليس جيدا و رائعا , "سنناضل" و سينتهي هذا النضال بانتصار هذا الوطن - الطبقة - الطائفة - الأمة الخ و هذا حتمي أيضا , هل سمعت عن شعب أو وطن أو إله يهزم , سنصبح أقوياء , سنحرر فلسطين , و لن نعود متخلفين , سيختفي القمع و لن يوجد أحد في السجون سوى الأعداء و الخونة و سنحب حكامنا الجدد و سيحبوننا هم أيضا و سنعيش علاقة حب شرعية بل زواجا كاثوليكيا , حقيقيا هذه المرة , زواجا مبنيا على الحب و الرضا , الزواج الوحيد إن شئت الذي سيكون مبنيا على الحب و رضا الحبيبين , ستختفي كل المشاكل بمجرد التخلص من عملاء الاستعمار , أما العالم الخارجي فلا وجود له في نظريتنا إلا كعدو أو كخصم و هو الأغلب , ككافر أو كمستعمر , أو أنه لا يوجد أساسا في تصورنا عن المستقبل , إما أننا سنعيش وحيدين على هذه الأرض أو حكاما و أسيادا للآخرين .. هذه هي جوهر كل النظريات التي نستخدمها "لتفسير" واقعنا و "تغييره" .. أفترض أنه لن يفاجئك أن تعلم أن سيد قطب و عبد الناصر و شهدي عطية الشافعي آمنوا جميعهم بهذه النظرية .. الفرق بينهم كان أن عبد الناصر قال أن قطب , و الشافعي أحيانا هم عملاء الاستعمار الحقيقيون , أما قطب فكان يقول أن عبد الناصر , و الشافعي أحيانا هم عملاء الاستعمار الحقيقيون .. و ما تزال هذه اللعبة مستمرة حتى يومنا بنفس الشكل و الحماس .. الربيع العربي و قبله الإطاحة بصدام حسين وضعت هذه النظرية على المحك لكن دون جدوى , طبعا , لأن إيماننا بهذه النظرية عميق لدرجة أننا نغيرها بسرعة دون الحاجة لأية نقد أو تفكير , بكل بساطة لأننا نعيش في قطعان نغير أسمائها دون أن نغير حقيقتها أو لا-حقيقتنا , إن إيماننا العام بها لن يهزه شيء رغم كل الهزائم و النكسات , مازلنا نعبد نفس الإله و ننتظر منه نفس النصر .. في ليبيا كان الاستعمار هو من أطاح بالاستبداد , لولا الناتو لما كان ممكنا التخلص من الأخ العقيد و لا كان ممكنا لراية محمد أن ترفرف في سماء درنة أو بنغازي ( إلا بأمر الأخ العقيد أو أحد أبنائه في المستقبل ) أو أن تجري أية انتخابات "حقيقية" .. أما الشعب أو القبائل أو الأمة أو الجماهير العريضة فهي لم تبن أرض الميعاد المنتظرة .. في الحقيقة لولا النفط و المتاجرة بالبشر لما كان من الممكن البقاء على قيد الحياة في الصحراء الليبية التي تشبه غابة من الأسلحة و السجون و القبور .. من قبل فعلها الغرب الاستشراقي أو الكافر في أفغانستان و العراق بنفس النتيجة تقريبا .. قضى بوش على فدائيي صدام و حرسه و أولاده الذين روعوا العراقيين لعقود ليمنح الوطن و الطبقة و الطائفة , "الشيعية" هنا , و حتى الأمة , الفرصة لتبني أرض الميعاد , لتتخلص من الاستبداد و الفقر و الظلم و التخلف فأنتجت ميليشيات و دواعش لا تقل إثارة للرعب عن صدام و أولاده و أقربائه و جلاوزته و ما كنا نفترض أنه أمة أو شعبا واحدا تبين أنه منقسم إلى قبائل فقبائل أصغر فأصغر و طوائف لا تقبل بآخرها إلا جثة هامدة .. و في أفغانستان كان الغرب الكافر الذي يتآمر اليوم على إردوغان و مرسي هو من دعم المجاهدين ليصمدوا في وجه الروس الملحدين ثم ترك البلاد لهم ليتقاتلوا و لينهبوا البلاد و العباد بأسوأ مما فعل الروس و عملائهم .. تقول النكتة المتداولة بين المعارضين السوريين أنه لو قام "المجتمع الدولي" ( سادة هذا العالم ) في سوريا بما فعلوه في ليبيا و العراق و أفغانستان فإن سوريا كانت ستصبح بلا شك أرض الميعاد المنتظرة .. لن تكون الميليشيات السنية بقسوة الميليشيات الشيعية في العراق ( و هل هناك شك في هذا , ألا يكفيك أنهم يشتمون أبا بكر و عمر و عائشة ) و لا بشناعة الميليشيات الثورية الليبية و لن تكون المعارضة السورية بدناءة و استكلاب المعارضة الليبية أو العراقية على سرقة موارد بلادها و تملق كل قاطع طريق محلي او إقليمي أو دولي للبقاء في السلطة .. لن أضيع وقتكم الثمين في مناقشة فكرة الوطن , الشعب , الأمة , الطائفة , الطبقة الخ الخ .. ليس فقط لأن الأكثرية هي دائما مؤقتة و متغيرة باستمرار و لا أنها في معظم الأحيان إن ليس دائما على خطأ .. سأكتفي بوصف الواقع باختصار : العالم قذر بما فيه الكفاية , منافق , اقوياؤه أشرار , و ضعفاءهم مستكينون , إنه عقيم و عاجز عن الحركة لولا بعض المجانين و الدراويش و المغامرين و ذوي الخيال المنفلت و حفنة من القادرين على التفكير خارج السائد و اقتحام الممنوع لكن ليست هذه هي القصة .. إنه الغباء الممزوج بالكذب .. إذا كنا محكومين بالموت فلا يهمنا كيف تكون قبورنا , و هذه القبور لا تستحق أن نموت من أجلها .. كلمة من الآخر : لن يتغير أي شيء في هذا العالم عندما ستحكم أنت و جماعتك هذا العالم أو جزءا منه .. سيبقى على حاله , أنت فقط ستتعرى من قناع الحمل و تطلق الذئب داخلك الذي تخفيه بغباء عن نفسك أولا .. ثم ستمضي كالآخرين