الجنس ودوره في حياة الإنسان ج5


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6038 - 2018 / 10 / 29 - 09:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

الجنس والضابط الذاتي
في المجتمعات البشرية عموما نجد الكثير من صور القوانين والضوابط والحدود التي تؤطر أفتراضا حياة الإنسان في شكل رؤية للنظام والأجتماع المدني، لكن مع كل هذا الكم الهائل من المتوارث والمبتدع والمتجدد نجد أننا كمجموعة عاقلة ما زلنا نعيش الفوضى والأضطراب بشكل أو بأخر، تتجلى هذه الفوضى بمشاعر وتصرفات سلوكية منفلته من هذه المنظومة القانونية والتشريعية والأخلاقية التي هدفها الأساسي أن نكون وحدة بشرية تتفاعل وتتشارك الحياة وفقا لمتطلبات أساسية أمن بها الإنسان أنها ضرورة، فهل هذا يعني أن الإنسان بصورة عامة يضع ويصنع القواعد والقيود والقوانين وهو يعلم تماما أنه سينتهكها في لحظة ما؟ أو أنه أصلا لا يؤمن بها كسبيل وحيد وأساسي ليعيش النظام والأجتماع لأجل ديمومة حياته ومساعدة نفسه على تجاوز حالة الحيوانية المنفلته؟ ربما هناك أفكار أو رؤى تصب في هذا الأتجاه تدفع الإنسان للتمرد على ما صنع وما وضع تحت ضغط الميل الفطري له في أن يكون مزاجيا وخاضعا في كل مرة لنزواته أو عقله في صراع الحياة والبقاء.
لم يكتب على مر التأريخ الإنساني أن تكاملت المجموعة البشرية مع ما بنته من ضوابط وقيود وقوانين، ولا حتى الدين الذي يعتبر عند الكثيرين واحدا من أهم الروابط التي يجب تقديمها وأحترامها والتقيد بها روحا ومضمونا، السبب والعلة ليست في عدم صلاحية هذه المحددات في أن تؤدي وظيفتها الأجتماعية كما هو مخطط لها، ولكن لأن الإنسان يظن أو يعمل أو هو متيقن أن ما رسمته من حدود أطارية هو المطلوب على الأقل التقيد بها ظاهرا، الحقيقة المرة التي لا يريدها الإنسان أن تلقى أمامه أنه حتى محاولات المصلحين والمشرعين والأنبياء والرسل لم ينتهوا لذات النتيجة هذه، بل كل ما كان أنهم أوصلونا لبداية الطريق، أما مهمتنا في تكملة المسيرة من حيث كانت قدمهم الأخيرة قد توقفت لتعلن عن مشروع مستمر لا بد أن نتحرك ويتحرك معنا.
نعود لإشكالية القيود مرة أخرى ومن خلال المجتمع البشري الذي بدأ ذكوريا ثم تحول أبويا حيث سلطة الذكر الأب في تحديد مسارات هذا المجتمع ومنها ضابط الجنس، الذكورية الأبوية تمنح الرجل الذكر مهما كان مركزه داخل الأسرة سلطة يستمدها مرة م كونه الرئي الأجتماعي، ومرة يستمدها من الوصف الذاتي له كطالب للجنس ومنفذ له، قد تكون هناك مجتمعات أنثوية يكون الدور فيها للعنصر الأخر لكنها بالنتيجة تسلك نفس السلطة ويتحول الطالب إلى مكلوب ويالعكس، إذن السلطة الأجتماعية الأسرية مركز القوة أيا كان شكلها هي من تفرض قانون الجنس وبما يناسبها ليس على أساس دور الجنس وقيمته الطبيعية في حياة الإنسان، ولكن تظهر الممارسة الجنسية شكل العلاقة وحدودها وربما حتى التفسير بضرورتها كعنصر رئيسي في حياة المجتمع البشري أبتدأ من النواة وأنتهاء بثقافة المجتمع عموما.
مثلا نظرية (الأنثى هي الأصل) عند البعض من المفكريين والأجتماعيين لا تبرر دور الأنثى المحوري في الأسرة والمجتمع إلا من خلال البعد الأجتماعي الذي يرتبط في تصورها بعوامل طبيعية أو حتى أعتقادية، ويهملون موضوع السلطة والقوة اللذان يشاركان في نظري في رسم واقع النظرية وأطارها العام، وإن كانت هذه النظرية تتكلم عن مجتمعات لا تشكل قاسم مشترك عند الشعوب بقدر ما تشكل جزئية قد تبدو شاذة مع الواقع الأجتماعي البشري، حينما تملك الأنثى الأم زمام السلطة سواء في الأسرة أو المجتمع لا تمسكها لأن الطبيعة تنص على هذا الأمر وتتماهى معه، لكن السبب الأساس يعود إلى عوامل مؤقتة وخارجية مثل فقدان الكثرة الذكورية أو إنفلات قواعد السلطة منها، النتيجة وإن بقيت بعض الأثار الأجتماعية تتطور مع الزمن فإنها بالأخر ترجع للقاعدة الأس، وهي أن الذكورة الأبوية ستتغلب طبيعيا لأنها شكل القوة وفاعلها الرئيس في المجتمع.
التوجه الجنسي كمفهوم (Sexual Orientation) مرتبط مباشرة بالخريطة الدماغية للكائن الحي مهما كان شكل الجنس عنده، والخريطة الدماغية أو حتى الجنينية تشير إلى أن الجنس بمقدار ما هو أساسي ورئيسي أيضا مرتبط بالهدف من وجود الكائن ذاته كعنصر مصنوع ومتطبع معها، فلا يمكن للتوجه الجنسي أن ينحرف عن مساراته التي تعتمد على عنصري القوة والقدرة على تنفيذ هذه القوة، وكلاهما يملكها (الذكر ثم الأب) بصورة طبيعية، وعندما تتحول للأنثى الأم فهي تشكل خروج على الخارطة الدماغية والجينية، لذا تجد نظرية الأنثى هي الأصل نفسها محشورة في دائرة اللا منطق الطبيعي وتتراجع مع أول صدمة أجتماعية ليستعيد الذكر الأب دوره ويصبح هو الأصل.
أليست هذه النتيجة هي الخلاصة المتوافقة مع طبيعة الكائنات الحية التي يرتهن وجودها أولا وديموته بالممارسة الجنسية، الواقع يقول نعم والتجربة التاريخية تعززها على نحو قانون ضابط، فالطبيعة التكوينية هي من منحت الذكر القوة والقدرة وبالتالي فهو المختص برسم حدودها وغفا لمتطلباته هو وليس وفقا لمتطلبات الطبيعة وهذه نتيجة غريبة بعض الشيء عن منطق قانوني، فالأصل التكويني يقول أن الجنس يجب أن يبقى حرا كظاهرة عامة، لكن ليس على أساس الأباحة الفوضية بقدر ما هو مرتبط بالوظيفة العامة للكائن الحي الذي يتلخص بالأستمرارية.
هنا يتداخل ما هو عقلي وأخلاقي مع قانون الطبيعية ليخرج لنا بصيغة مزدوجة تبدو متناقضة ولكنها ضرورية أيضا، ومنها نستنتج أن الأخلاق بمفهومها المطلق هي أساس لكل ما هو رابط بما يعني أن أخلاق الذكر الأب هي التي تصيغ المشروع الوجودي الأجتماعي الكلي عند الكائن البشري على الأقل لجهلنا الواسع بما في الواقع الأجتماعي لبقية الكائنات التي تشاركنا المفهوم العام للجنس.
لا نستغرب إذا من ذكورية المجتمع ولا أبويته الطبيعية طالما أن المشروع التكويني صاغ الوجود على نحو يعزز هذه القاعدة ويحافظ عليها من خلال التوجه الجنسي لأفراده، السؤال هنا ألا يعد هذا الفكر إقصائيا معاديا للأنثى ومماهيا للواقع بقرائتنا التي تتهم عادة بالأحادية؟ الجواب بديهي هنا ويتلخص ليس بتطبيع الواقع ولكن بأحترام منطق التكوين والتكييف الذي عليه عنصري الوجود الذكر والأنثى وهو منطق يخضع للقوة والقدرة ولا يخضع كليا لرغبات لا تصمد أمام حقائق بشكلها العام قانون يحافظ على وجوده ما لم تتغير أساسيات هذا الوجود.