-الخناثة- ليست من مفردات علم وطب الجندر!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 6036 - 2018 / 10 / 27 - 07:49
المحور: الطب , والعلوم     

"قيل لأفلاطون: مالك تعارض سقراط في أقواله وأنت تحبه؟! قال: أحب سقراط ولكني أحب الحق أكثر منه!"
---------
كتب الصديق العزيز الاستاذ وديع العبيدي مقالة بعنوان
"عولمة الخناثة"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=616134

ومقالتي هذه تلخص بعض ملاحظاتي العلمية بخصوص مقالة الاستاذ وديع العبيدي وباختصار فائق لان الموضوع معقد جدا والدخول في تفاصيل فنية قد يربك القاري الغير المتخصص و يضل الهدف.

وملاحظاتي هي نتاج تخصصي في الطب النفسي والجنسي وعملي في هذا المجال لعشرات السنين, اضافة الى عملي في عيادة اضطرابات الجندر Gender Dysphoria Clinic في احد مستشفيات جامعة لندن- تعريف الجندر سيأتي بعد بضع لحظات.

هدفي من كتابة هذا المقال القصير هو:
اولا, تصحيح بعض الافكار المخالفة للعلم و الشائعة اجتماعيا بسبب ضعف او انعدام الثقافة الجنسية في منطقتنا واعتبار مناقشة هذه الامور من المحرمات. وقد كتبت قبل سنوات مقالا حول الاهمية الفائقة والملحة لاشاعة الثقافة الجنسية في منطقتنا
The urgent necessity of sex education and scientifically informed sexual policies in our Arabic/Islamic societies
http://www.ssrcaw.org/eng/show.art.asp?t=2&userID=0&aid=666

ثاتيا, ان افكار المقالة قيد النقاش, او بعضها على اقل تقدير, قد تساهم, بشكل غير مقصود, في تعزيز سلوكيات العنف والتمييز ضد المختلفين جنسيا, وكما تجسد ذلك مؤخرا في قتل الشاب العراقي محمد المطيري بسبب مثليته الجنسية وبشكل وحشي.

يقول كاتب المقالة في مقدمتها
"الخناثة: هي رجولة تستأنث، وأنوثة تسترجل!".

"الخناثة" للاسف هي بحد ذاتها مصطلح مستهجن ولا ينبغي ان يستخدم في الاوساط العلمية والاكاديمية وتعتبر في العديد من الدول تمييزا جنسيا ضد البشر على اساس جنسانيتهم sexuality او سلوكياتهم الجنسية ويحاسب عليه القانون.

وعلماء واطباء الجنس لا يتكلمون عن جنسانية واحدة لكل البشر, بل عن جنسانيات sexualities, وهنالك كتب عديدة اضافة الى مجلة متخصصة تصدر دوريا بهذا الاسم, وهي من المجلات الاكاديمية الرصينة علميا وتصدر ستة مرات كل عام, ويكتب فيها متخصصون في الجنس من خلفيات مختلفة مثل الطب, علم النفس, الانثروبولوجي, الخ.
واحدى مقالات هذه المجلة تعالج, على سيبل المثال, موضوعة الجنسية التحولية لدى المهاجرين الايرانيين الى كندا.
http://journals.sagepub.com/doi/pdf/10.1177/136346079900200203

الجنسانية لها, حسب مؤرخ الفكر ميشيل فوكو, تاريخ
The History of Sexuality: An Introduction, Volume 1 Summary
https://www.sparknotes.com/philosophy/histofsex/section1/
وان الجنسانية ادخلت كمصطلح في قاموس Oxford Dictionary of English لاول مرة في عام 1840.

وقد نشر في السنوات الاخيرة عدة كتب مهمة تعالج موضوعة الجندر من جوانبه المختلفة, مثل موسوعة الجندر والمجتمع, الجزء الاول, في ما يقارب الف صفحة
encyclopedia of gender and society pdf
https://books.google.at/books?hl=de&lr=&id=Lr91AwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PP1&dq=encyclopedia+of+gender+and+society+pdf&ots=KYQjsJQNxX&sig=fpeL3BRW-95YGablVAe1a1XGzaI#v=onepage&q=encyclopedia%20of%20gender%20and%20society%20pdf&f=false

ان المقالة قيد النقاش لا تفرق للاسف بين الجنس sex والجندر gender. الجنس مفهوم بيولوجي في ان يكون الشخص ذكرا او انثى او intersex ولكني لا اعالج هذا الاخير لعدم صلته المباشرة بموضوعنا.
اما الجندر فهو شعور الشخص بكونه رجل او انثى (ليس بسبب اضطراب نفسي كالذهان مثلا.) اضطرابات الجندر متعددة وهناك نوعان رئيسيان. الاول, اضطراب يقوم به الشخص بارتداء ملابس الجنس الآخر لغرض التهيج الجنسي, عادة في الرجال اكثر منه في النساء, ولا يحتاج هذا الاضطراب عادة الى علاج الا اذا سبب ضررا للشخص نفسه او لعلاقاته الحميمية. الاضطراب الثاني هو الجنسية التحولية, وهو رغبة الشخص في ان يكتسب الجنس الملائم والمناسب لشعوره. فالانثى تحس انها رجل ولذلك تلجأ الى الاستشارة الطبية, اذا توفرت, والعلاج لتحويلها الى رجل. ونفس الكلام ينطبق على الرجل الذي يشعر داخليا انه امرأة. وهنالك ايضا ما يسمى الجندر الثالث الذين لا يشعرون بانهم نساء او رجال. وقد اقرت السلطات الرسمية في المانيا في عام 2016 وجود الجندر الثالث
Germany introduces third gender option for official records
https://www.independent.co.uk/news/world/europe/germany-third-gender-identiy-official-records-diverse-binary-a8494766.html

وهنالك جمعية عالمية تضع قواعد لمعالجة اضطرابات الجندر للبالغين والاطفال واسمها
The Harry Benjamin International Gender Dysphoria Association
http://www.cpath.ca/wp-content/uploads/2009/12/WPATHsocv6.pdf
معايير الرعاية
https://www.wpath.org/media/cms/Documents/SOC%20v7/SOC%20V7_Arabic.pdf
وقد كنتٌ عضوا في هذه الجمعية اثناء عملي في طب الجندر.
واسم الجمعية مشتق من اسم الطبيب هاري بنيامن الذي يعتبر رائد طب الجندر, وتقول الرواية ان استحداثه لهذا النوع من الطب بدء عندما استشاره رائد علم الجنس الشهير الفريد كينزي في معالجة صبي اراد ان يصبح صبية, وكان ذلك في فرانسيسكو في عام 1948
Harry Benjamin
https://www.britannica.com/biography/Harry-Benjamin

وفي ايران, اصدر مرشد الثورة الاسلامية الاعلى خامنئي فتوى في عام 1986 بعدم تحريم الجنسية التحولية وامكانية علاجها طبيا بالهرمونات والجراحة!
Khamenei (passed) a fatwa in 1986 declaring gender-confirmation surgery and hormone-replacement therapy religiously acceptable medical procedures
https://qz.com/889548/everyone-treated-me-like-a-saint-in-iran-theres-only-one-way-to-survive-as-a-transgender-person/

ان اضطرابات الجندر هي امراض كغيرها من الامراض. وهي ليست خيارا من قبل الشخص. انها تستدعي التشخيص والعلاح الطبي, كما تستدعي ايضا التفهم من قبل المجتمع وتقبل هذه الظاهرة وبدون اعتبارها مسلكا اخلاقيا شائنا لأنها لا علاقة لها بالاخلاق, او بالآيديولوجية الرأسمالية او عولمتها, لا من قريب او بعيد, وهي لا تشكل تحللا او ميوعة لدى الرجل او "استرجالا!" لدى المرأة.

وبخصوص الجنسية المثلية في المرأة والرجل فهي ليست اضطرابا نفسيا او جنسيا وقد عالجتها من قبل في مكان آخر.
الجنسية المثلية/ حمورابي وكلكامش
http://ahewar.org/rate/bindex.asp?yid=2051