-اقرأنّ- الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 11


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6029 - 2018 / 10 / 20 - 22:16
المحور: الادب والفن     

-ماذا قرأتم في المدرسة يا ألما؟
-قرأنا عن المرأة القوية!
-أحكي لي الحكاية...
***********


من حكاية جميلة:
“بعد طلاقي أصبحت ضعيفة و مكتئبة.. لجأت إلى عوالم التجميل و أصبحوا الآن يطلقون عليّ اسم جميلة الجميلة.. لكنني لست سعيدة هناك وحش غاضب و حزين في داخلي..” .

من حكاية سمر:
“ أغار من إصرار صديقتي على النجاح.. هي ناجحة في كل شيء، مع أني أجمل منها بألف مرة، عاديتها بلا سبب لأنها تضيء فوق عتمتي” …

من حكاية جهينة:
“ تزوج زوجي من امرأة ثانية.. كنت طوال الوقت أعيش من أجله.. من أجل من أعيش الآن؟”.

شكراً لكنّ جميعاً.. أحترم الطيبة بين سطوركنّ.
*************


تنهمر نصائح التجميل على النساء.. و تغدق عليهن طرق الجمال الخارجي الكثيرة.. فيما تصارع النساء داخليّاً وحش الاكتئاب و غول القلق...
يصبح العمر رقم نحس يلحق صاحبته، فتراها تخجل منه و تفعل ما تفعل لتبدو منفوخة كدمية سيئة الصنع...
تصبح تابعةً داخلياً للرجل، بدلاً من كونها نصفٌ مكمّلٌ له..تبحث عن سيدها عوضاً عن بحثها عن شريك حياة.

منذ عدة سنوات جرى هذا الحوار أمامي بين طبيبتين، غيرت اسميهما لحفظ الخصوصية:

قالت فتكات:
-ليس فقط لأنك في بلد الحريّة، بل لأن شكلك أجمل بالحجاب.. يجب أن تخلعيه..
شعرك في حاجة إلى العناية.. نحن نضعه من أجل تقليل الجمال صح؟

فأجابتها دلدع:
-و أنتِ ما علاقتك و هذا..

فتكات:
-أنتِ سألتني عن رأيي في نفخ الشفاه و إن كان حلال؟ نفخ الشفاه و عمل الخدود لزيادة الجمال؟ لماذا تضعين الحجاب إذاً؟

دلدع:
-معك حق لا يجب سؤال سافرة مثلك...

فتكات:
-كل أخواتي محجبات و أنا أكلمك كأخت...

دلدع:
-أن تدليني على طريق الحرام عيب.. دليّ أخواتك...

فتكات:
-في رأيك طريق الحرام أن تتخلي عن عادة الحجاب و تحفظي الطبيعية في وجهك...و في رأيي النفخ و تغيير سمات الوجه للتجمل حرام.

دلدع:
-أتجمل لزوجي و ليس الغرباء..

فتكات:
-و من قال لك هنا ينتظرون جمالك.. الجميلات كثيرات .. كالبطاطا...


طبعاً تطور الموضوع إلى عراك و إلى الآن لا تتحدث فتكات و دلدع مع بعضهما…
انتظروا:
غيّرت الاسمين لضمان التناسب أيضاً.. هكذا حوار قشري متسرطن لا ينفع أن يكون إلا ل فتكات و دلدع...
*********


تذكرت هذا الحوار البارحة و أنا أنظر إلى صديقتي الطبيبة الأمريكية-مصريّة الأجداد- و هي تحكي عن قصة تطوعها في بلد عربي و عملها مع أطباء بلا حدود في إيصال ثقافة الطب النفسي إلى بلدان العالم الثالث..
قالت لي:
-النساء مهدمّات الكيان بشكل يدعو للبؤس، تابعات بشكل مطلق.. ليس فقط للذكر بل للقال و القيل.. لكلام الناس.


مع أنها لم تقل جديداً، لكن المشكلة غادرت حيز اهتمام المتعلمات.. ونرى اليوم قلةً قليلة تتحدث ما يسميه العامة سخريّة (ثقافة)، فيما طرقت أكثرية النساء أبواب: القشور أو السياسة أو للأسف الموروث.


كيف ننقذ أنفسنا في زمن “لا تغريد خارج السرب” ..سؤال صعب و جوابه أصعب.

مثال بسيط: في أغلب العائلات تسأل الأمهات بناتهنّ عن مظهرهنّ.. أما سؤال ماذا قرأتِ البارحة فغير مطروق، بل غريب..
مثال آخر : ينتشر الجمال الخارجي و الشكل المكرر بطريقة غريبة، بينما يقلّ جمال الروح و يندر العقل الجميل..

و آخر: حتى في بعض العائلات القارئة.. تجد الكتب و قد ابتعدت عن إنارة العقل و تعليمه كيفية التعامل مع الحياة و اقتربت من سطوة التاريخ و السياسة.. و محاولة حلّ النزاعات الدينية و السياسية التاريخية.. هذي ليست ثقافة.. هذه خطوة في طريق الذهان.. القلق و الاكتئاب…
بمعنى آخر المواضيع المقروءة غالباً لا تخدم الحاضر ولا المستقبل في تربية النفس و لا الطفل، بل تشحذ سيف الأنا العالمة بكل شيء و المدافعة عن الملوك بدءاً من ملك الأنا الغول إلى الملك السياسي.. الأنا الداعسة بنرجسية و غرور على بساطة المحبة و الامتنان.
**************

ما الحل؟

غداً أجمل إن نحن قررنا أن نصبح أجمل من الداخل.. كيف نصبح أجمل من الداخل: نقرأ!
اقرأي كل يوم..
كوني فأرة كتب.. لا يهم ما تلبسين و لا علاقة لأحد في معتقداتك…
لا الرجل يصنع شخصيتك، ولا الأهل.. لا الأصدقاء و لا الأعداء.. بل عقلك و طريقة تعامله مع الأمور.

قوّيّ عقلك:
اقرأي عن السعادة.. عن التضحية.. عن الحب..النفس.. الجنس.. الصداقة.. الأخلاق.. المحبة.. الغدر.. الخيانة.. الموت.. القهر و الظلم…

(اقرأنّ ) عن الحياة و فن الحلم.. عن الإرادة و التصميم.. قبل أن تتحولنّ إلى القراءة في التاريخ و حقوق الملوك.

(انفخنّ)أحلامكنّ لا شفاهكنّ…
(اشفطنّ) دهون الجهل قبل الخلفيات…
أما عن الشدّ فأولاً للهمم.. لا للوجوه..

استخدموا اليدين في تقليب صفحات الكتب النافعة لا في قتل الوقت (لشحذ الأظافر) يومياً و بلا مناسبة…
عندما تضعين الصباغ على شعرك.. امسكي كتاباً.. لا تمسكي بعرض صديقتك…

عندما تلبسين بأناقة، تذكري لباقة ما تعلمته من مطالعتك البارحة…

عندما تريدين أن تبصقي في صحن أكلتِ منه.. تخيلي أكلك من لحم أختك.. انسحبي وعقلك ولا تكوني منافقة.

اقرأن عن الحياة و في الحياة و تعلمنّ فنّها، قبل أن نصبح جميعنا ساسة.. أصحاب فتاوي.. أو مكررات ملكات جمال خارجي.

(اقرأنّ) كلمة فيها من القرآن الكريم الحق الشيء الكثير، و فيها من روح الله: لكِ.. لكَ و لي…
**********



بشكل مباشر، شديد البساطة و خفيف جداً، سأستمر في " حكايتي".
طرح الحكاية قد يفيد صاحبها قليلاً، لكنه يساهم بشكل كبير في زيادة التوعية بالطب النفسي و محاربة الوصمة تجاه الأمراض النفسية.
في القرن الحادي و العشرين إن شاهدت من يقول لك، لم و لن ألجأ إلى الطب النفسي في حياتي.. اعرفْ أنك تتحدث مع شخص لا يعاني فقط من أعراض بسيطة، بل قد يطول علاجه لسنوات.

أنتَ كما تحلم أن تكون.. أنتَ من تحلم أن تكون.

لا تنسوا أرسلوا حكايتكم إلى موقع الطب النفسي الاجتماعي: https://www.sociosomatics.com