في تدهور القيم


محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 6013 - 2018 / 10 / 4 - 18:20
المحور: القضية الفلسطينية     

البنية الاقتصادية القائمة على التنافس والتضارب والتزاحم والنزعة الاستهلاكية والفردية وعدم الاكتراث للصالح العام مصحوباً في ضعف دور الدولة بالحماية الاجتماعية لصالح اعتماد قوانين السوق الذي يخدم القطاع الخاص دون الاهتمام بالقوى الاجتماعية من الفقراء والمهمشين الذين يخرجون من دائرة السوق لاسباب مختلفة ، تعتبر من ميزات الاقتصاد الراسمالي الذي بالضرورة يفرز قيمه الثقافية على بنيته الفوقية بالمجتمع .
تنتشر هذه المفاهيم والعادات الثقافية السلبية الناتجة عن قوانين السوق والراسمالية المتوحشة في فترة التراجع الوطني والسياسي وتبرز من خلال العديد من المظاهر كالشللية والانتهازية وتغير التحالفات والبرغماتية العارية عن المبدئية ، كما تبرز من خلال تقليد الاعمال التي يقوم بها نشطاء فاعلين وناجحين أو العمل على احباط النماذج الناجحة من خلال محاولات عديدة ابرزها تقليد اعمالهم وعدم الابتكار والابداع وغياب التكامل بالعمل لصالح التضارب بهدف ارسال رسائل عدة للراي العام بأن ما قام به الشخص الناجح ها هو يتم اتجازه والقيام به من خلال الاخرين ، كما تبرز مظاهر التقهقر القيمي من خلال استغلال الموقع والنفوذ لتحقيق مكتسبات ذاتية مصحوباً بالواسطة والمحسوبية والاستعانة بالحكم او السلطة أو قوى النفوذ لتعزيز الذات على حساب الآخرين من الزملاء كل ذلك بسبب البحث عن المصالح الذاتية التي تريد الموقع لاستثمار موارده وليس لخدمة الناس والمجتمع أو تحقيق الرؤية الثقافية والاجتماعية المنشودة .
وتبرز كذلك مظاهر التراجع القيمي الناتج عن تعزيز قيم السوق ومفاهيم المنفعة الخاصة وليس العامة من خلال غياب التضامن واستبداله بالمضاربة والمنافسة فبدلاً من مواجهة التحدي بصورة مشتركة وهذا يتطلب التنسيق والتعاون نجد أن الافراد أو المنظمات المجتمعية تبحث عن خيارها الفردي ظانة انها خرجت من الازمة وقامت بحماية ذاتها مصحوباً بعدم الاكتراث بمصالح الافراد أو المنظمات المجتمعية الأخرى ، الأمر الذي أضعف من قيم التعاون والتضامن والتآزر والترابط ، وتم استبدالها بالنزعة الفردية والاستهلاكية والبرغماتية والوصولية ، حيث أدى ذلك إلى التبخيس بالآخر ومحاولة الاساءة له والتقليل من مكانته والذي يفترض ان يصطف في ذات الخندق ويحمل ذات القيم والمبادئ ،ومحاولة اضعافه بطرق مختلفة منها تكرار وتقليد اعماله وتعزيز المنافسة غير النزيهة والغير مبنية على التكامل والابداع والابتكار بل مبنية على التنافس والمضاربة ، في ظل غياب ثقافة التسامح وتشجيع الآخر المبدع ، حيث يعتبر ذلك من ابرز مظاهر التراجع القيمي التي نحياها بالمجتمع.
وتبرز ايضاً حالة التدهور القيمي من خلال استغلال اخطاء وأداء الزملاء وخاصة في بنية بعض الاحزاب السياسية أو المنظمات المجتمعية باتجاه اضعافهم والحصول على المواقع التي كانوا يشغلونها بدلاً من اسناد هؤلاء الزملاء وتقويتهم والتآزر معهم ، حيث يتم ذلك في ظل تراجع مفاهيم العمل الطوعي وتقدم البحث عن المصالح الشخصية او الفئوية .
ليس غريباً في ظل انحدار القيم ان نجد استمرارية للتمسك بالسلطة والحكم وعدم الوصول إلى قواسم مشتركة لحل معضلة الانقسام ،وإن يتقدم الخلاف الداخلي والتناقض الثانوي على الصراع الرئيسي مع الاحتلال ، الأمر الذي ادى إلى تدهور اوضاع الناس على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك بخصوص الحريات العامة واحترام مبادئ حقوق الانسان ، علماً بأن الاحزاب والتي هي ضرورة وطنية واجتماعية نحترمها و نقدر دورها يفترض انها اسست لخدمة الناس وتعزيز صمودهم بما يتضمن أهمية تحقيق مفاهيم الايثار ونكران الذات وليس العكس .
كما تبرز من خلال عدم قدرة القوى السياسية التي تحمل ذات القيم الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية لتحقيق آليات من الوحدة بسبب الانشداد للمصلحة الذاتية سواءً الشخصية أو الفئوية .
تزداد عملية انحدار القيم والمفاهيم المبدئية في ظل التراجع وغياب النماذج الحريصة على المصلحة العامة وليس الخاصة ، ولكنها تستبدل بالمفاهيم الايجابية كالتضامن والتآزر والتسامح والتعاون والاسناد والتقوية والتمكين في ظل حالة المد الوطني ، كما حدث إبان الانتفاضة الشعبية الكبرى ، حيث سادت هذه المفاهيم الايجابية وتعزز بالتالي تماسك المجتمع ووحدة نسيجه الاجتماعي والثقافي .
من الهام العمل على وقف التدهور بالقيم والمساهمة باستنهاض القيم الايجابية من جديد ، وهذا يتطلب سلسلة من الخطوات ابرزها انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة وتعزيز فلسفة الشراكة والابتعاد عن الفئوية وتحقيق الشفافية وتجنب استخدام الموقع والنفوذ لتحقيق المنافع الذاتية او الفئوية أو الحزبية وتجير العام خدمة إلى الخاص ، حيث يتطلب ذلك تعزيز الجهد التربوي بالمدارس والجامعات ومنظمات المجتمع المدني والاندية الرياضية والاحزاب السياسية ، فنحن بحاجة إلى قصيدة تربوية جديدة تعيد تصويب الاختلالات بالمجتمع على قاعدة قيمه الايجابية بوصفها أحد الشروط الهامة للصمود ولاستمرار مسيرة الكفاح الوطني ومن اجل بناء مجتمع مدني ديمقراطي جديد مبنى على سيادة القانون وقيم المواطنة المتساوية والمتكافئة بين الناس .
واخيراً من الهام ان نستذكر ما كان يردده د. حيدر عبد الشافي عن أزمة الاخلاق التي اعتبرها أحد أبرز اسباب أزمة النظام السياسي الفلسطيني .