قراءة في كتاب داعش حكاية مسخ أو افسلام السياسي من المنبع إلى المصف للدكتور جواد بشارة


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 6010 - 2018 / 10 / 1 - 17:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

قراءة في كتاب داعش حكاية مسخ أو افسلام السياسي من المنبع إلى المصف للدكتور جواد بشارة

صدر للباحث العراقي المقيم في باريس د. جواد بشارة كتاب بعنوان " داعش: حكاية مسخ ـ الإسلام السياسي من المنبع إلى المصب عن دار نشر ميزوبوتاميا في بغداد ــ شارع المتنبي


يتحدث الكتاب عن تطورات الفكر السياسي في الإسلام منذ بداية الدعوة من خلال النشاط السياسي إبان فترة الخلافة الأولى ، منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى انتهاء مرحلة الخلافة الأولى وهي الخلافة العثمانية ، على يد كما أتاتورك سنة 1924 ، والعودة المعاصرة للفكر السياسي للإسلام من خلال نشاط الأحزاب والحركات الإسلامية السياسية ودعوتها لإقامة دولة الخلافة الإسلامية ، متمثلة بأطروحات المودودي وشعار الحاكمية لله والخميني وشعار ولاية الفقيه ، وأدبيات وتنظيرات تنظيم الإخوان المسلمين وحزب الدعوة الإسلامية، ومن ثم أطروحات القاعدة وداعش ، أي فكرة الدولة الإسلامية بشقيها الشيعي والسني واعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع مقابل الدولة المدنية الحديثة ، حيث تتلخص مقاربة الكتاب أن القاعدة وداعش وجهان لعملة واحدة تعكس نوايا الإسلام السياسي المعلنة والخفية ، والتأكيد على مسلمة أن الإسلام هو دين ودولة في آن واحد.

و يتناول هذا الكتاب موضوع " الإسلام" ليس باعتباره كتلة هجينية وآيديولوجية واحدة متناسقة ومتجانسة ومتماسكة، بل كحدث تاريخي مر بمراحل أدت إلى تنوعه إن لم نقل تشويهه . فهناك إسلام محمد وفي حياته، وهناك إسلام مابعد محمد بعد وفاته. وحديثنا سيتركز على هذا النوع الثاني من الإسلام، أي إسلام مابعد محمد الذي تأطر بخلافتين: الأولى هي تلك المسماة الخلافة الراشدية، والثانية هي التي عرفت حديثاً بالخلافة الداعشية، وبينهما حقبة زمنية امتدت لقرون ، ابتدأت بحكم معاوية بن أبي سفيان وانتهت بآخر حاكم عثماني سنة 1924 على يد كمال أتاتورك، وهي نوع من الحكم اتخذ تسمية الخلافة الإسلامية لكنه كان في حقيقة الأمر مجموعة من الحكام توارثوا الحكم على صيغة ملوك وسلاطين وأباطرة حكموا بإسم الإسلام وحملوا صفة الخلفاء. تميزت الفترة المحمدية من الإسلام بوجود صاحب الرسالة جسدياً وكان حياً يعيش بين الناس ويخبرهم بأنه تلقى تعاليمه من السماء وعليه واجب نشرها بين الناس وتعريفهم بها ومحاولة إقناعهم بصحتها ومصداقيتها بكل الطرق والوسائل الممكنة المتاحة بين يديه بما في ذلك إعمال السيف واستخدام القوة والعنف إذا تطلب الأمر ذلك. أما بعد وفاته فلقد اختلف الأمر وانتقلت السلطة السياسية والدينية إلى الصحابة ومن ثم التابعين وبعدهم المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية التي كانت تحكم بإسم الدين بتواطؤ ودعم وتأييد المؤسسات الدينية ورجال الدين. إن موضع الإسلام السياسي المعاصر خلق حالة من الفوبيا من الإسلام في العقل الغربي والتي صارت تعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا وهي ظاهرة خطيرة بدأت تغزو عقول وأذهان ونفوس الغربيين والرأي العام في الغرب بمختلف انتماءاته وتوجهاته ، فهناك حالة من الهلع والرعب من كل ما له علاقة بالإسلام اليوم ، ومنذ الحادي عشر من أيلول عام 2001 وإلى يوم الناس هذا. تجلت هذه الظاهرة من خلال سلوك الأفراد والجماعات ونفورهم العنصري من مظاهر التدين التي يمارسها المسلمون في الغرب كالزي الإسلامي والحجاب والنقاب والبنطلون القصير والجلابيه القصيرة، وذلك في كل مكان وعلى نحو خاص في أمريكا وفي المجتمعات الأوروبية ولقد تعرض الكتاب بالتفصيل لهذه الحالة . ومن المقدمة يتناول الكتاب النص الديني وآفة التقديس القران كنموذج القران كنص منزل من السماء ومحاولة تفنيد هذه الخرافة والتركيز على تناقضات النص القرآني واقتباساته وسرقاته من النصوص الأقدم ومن تراث الحضارات القديمة. لقد غدا الإسلام لدى الكثيرين لغزاً محيراً، فهل هو دين سلام وتسامح كما يدعي المسلمون المعتدلون، أم إنه حقاً دين متوحش يتسم بالعنف والقتل والحروب واستباحة كل شيء، كما يبدو جلياً من خلال تصرفات الإرهابيين الإسلامويين وتنظيماتهم الإرهابية الدموية بمختلف مسمياتها، طالبان والقاعدة وداعش وبوكوحرام وغيرها، وهو ما يعرف في وسائل الإعلام بالإسلام السياسي أو الإسلام الحركي؟
وأكثر ما يخيفهم ويخشونه كأنه وباء الطاعون، هو موضوع الخلافة الإسلامية التي تثير في نفوسهم الذكريات الأليمة وغزوات المسلمين للعالم منذ عهد الخلافة الإسلامية الأولى التي تأسست بعد وفاة نبي الإسلام محمد ولغاية إعلان الخلافة الجديدة من قبل أبو بكر البغدادي والتي صارت تعرف بسمة مقيتة هي الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش.
فالخلافة كانت وماتزال حلم المسلمين السنة في كل مكان ، سواء أكانوا متشددين أو معتدلين، بل وحتى حلم الشيعة ولكن بشرط أن يؤسسها ويقودها المهدي المنتظر ، فحتى أسامة بن لادن صرح بذلك في أول خطاب له غداة أحداث الحادي عشر من أيلول الإرهابية سنة 2001 وقال فيه: إن الأمة الإسلامية في حداد منذ موت الخلافة الإسلامية سنة 1923 على يد التركي كمال أتاتورك " فحتى ذلك التاريخ كانت هناك مؤسسة رسمية للخلافة وإن كانت رمزية محض لا تتمتع بسلطة مركزية قوية على باقي البلدان افسلامية لكنها كانت تؤمن الاستمرارية الثيولوجية والفقهية والسياسية للدولة الإسلامية الدينية التي أسس نواتها محمد في 622 ميلادية في المدينة وسهر على دوامها واستمرارها الخلفاء الأربعة الذين أعقبوه ، ومن ثم حدثت انعطافة في سيرورة وهيئة وشكل الخلافة التي تحولت إلى وراثية في عهد السلالة الأموية وبعدها السلالة العباسية وكلها كانت خلافات سنية ماعدا خلافة علي بن أبي طالب القصيرة التي لم تستمر لأكثر من أربع سنوات ونيف حيث تم اغتياله على يد أحد الخوارج المتمردين على جيشه، وكذلك فترة الدولة الفاطمية. وإثر سقوط الإمبراطورية العباسية انتهت السلطة الزمنية الدنيوية للخلافة وبقيت السلطة الروحية والدينية التي كانت الأقاليم الإسلامية وأمراؤها وسلاطينها يتقيدون بها شكلياً . وبالتوازي كانت هناك دولة شيعية إسماعيلية عرفت بالدولة الفاطمية في المغرب العربي وفي مصر تعايشت لفترة من الزمن مع الخلافة العباسية في بغداد في أواخر عهدها ثم اضمحلت الخلافة لثلاث قرون تقريباً لصالح السلطات والممالك الدنيوية قبل أن حدوث الغزو العثماني في 1525 لمصر وإعادة الخلافة الإسلامية السنية بدفع وضغط من مؤسسة الأزهر في القاهرةوفي نفس الفترة تقريباً اعترض الحكام الصفويين الشيعة في إيران على الخلافة العثمانية لأن الشيعة لايعترفون بخلافة أحد سوى خلافة علي بن ابي طالب ونسله من زوجته فاطمة بنت محمد وعلى نحو حصري من نسل الإمام الحسين بن علي والأئمة ألإثني عشر من صلبه كما تقول الشيعة الإمامية فهم وحدهم الخلفاء الشرعيين وباقي الخلفاء ليسوا سوى مغتصبين للخلافة الشرعية. ولقد تبنى تنظيم الإخوان المسلمين السني مهمة وهدف إعادة إحياء الخلافة الاسلامية منذ تأسيسه سنة 1923 على يد حسن البنا . تناول الكتاب عبر فصوله المتعددة موضوع الخلافة ونشوء الفكر السياسي السلطوي وتحويل الدين إلى دولة منذ النواة الأولى في حياة محمد . ومن ثم حدثت الإنعطافة الخطرة الأولى في بنية الإسلام حسب الظروف التي سبقت وأعقبت حياة محمد ووفاته حيث استعرض الكتاب مقاربة مختصرة للمراحل المبكرة للإسلام التي تم اختزالها بجملة لقد مات الدين الإسلامي بموت مؤسسه محمد ابن عبد الله وما نعرفه اليوم هو دين آخر ابتكره الصحابة ليحل محل الدين الحقيقي الذي نادى به صاحب الدعوة وتجسد بشخصه وانتهى مع اختفائه ورحيله إلى العالم الآخر. لذلك ينبغي القيام بمقاربة جديدة لهذه الفترة الحرجة من تاريخ الإسلام والمسلمين لما لها من أهمية قصوى لأنها خلقت الظروف التي قادت إلى نشوء التفرع المذهبي والطائفي منذ نشوء الصراع الشيعي السني كما يعرف اليوم وهو في الحقيقة بداية لصراع طبقي بين فئة الفقراء والمعدمين الذين يسميهم القرآن المستضعفين من جهة، وفئة ألأثرياء المترفين المستغلين والتي كانت موجودة قبل ظهور الإسلام وحاربته بشراسة بقياد الأمويين ، ومن ثم اخترقت الإسلام ودخلت فيه لتدميره من الداخل وصارت تحكم باسمه فيما بعد، بل إن ذلك انعكس حتى داخل البيت المحمدي ذاته بين نسائه اللواتي انقسمن إلى مجموعة بقيادة عائشة ومعها حفصة بنت عمر، وهي الفئة السنية، وأخرى بقيادة أم سلمة، ومعها فاطمة بنت محمد، وهي الفئة الشيعية . كان هناك صراع طبقي منذ بواكير الإسلام بين الأرستقراطية القرشية التي دخلت الإسلام وبين الطبقة المسحوقة من العبيد والفقراء والموالي وتوزع المسلمون بين هاتين الطبقتين . كان علي بن أبي طالب، ومن حوله من الصحابة المتقشفين يمثل فئة المستضعفين، ومنهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي، من جهة، وعثمان بن عفان ومن حوله، من جهة أخرى، يمثلون المستغلين الأقوياء والأثرياء الذين سيطروا على الإسلام منذ الأيام الأولى لمرض محمد الذي أدى إلى وفاته في ظروف غامضة، ربما مسموماً على يد جزء من أصحابه الذين كانوا يخشون أن تفلت السلطة من بين أيديهم واستقرارها بيد الثوريين بقيادة علي فقامت المجموعة المضادة للثورة بعملية انقلاب عسكري بمواصفات العصر الحاضر كتطويق المدينة عسكريا وفرض منع التجوال والإقامة الجبرية على بعض الصحابة ، وهي الإجراءات التي أتخذها عمر وأبو بكر ومن معهم من صحابة محمد واستبعدوا قصداً علي بن أبي طالب من مفاوضات السقيفة بالرغم من إلحاح الأنصار بقيادة سعد إبن عبادة على حضور علي بن أبي قبل البت في موضوع خلافة محمد في السلطة ، في حين فرض عمر وأبو بكر وعبيد بن الجراح أنفسهم بأنفسهم كممثلين عن المهاجرين وقريش ولم ينتخبهم أحد أو يفوضهم لذلك الدور، بل بادروا هم بأنفسهم لفرض خليفة لمحمد ولو كان ذلك بقوة السلاح ومخاطر اندلاع حرب أهلية، وهي التي حدثت بالفعل منذ الأيام الأولى لخلافة أبو بكر والتي سمتها مصادر التاريخ الإسلامي بحروب الردة. كان محمد واعياً لمخاطر تلك الأيام العسيرة التي سبقت وفاته وكان يشك ببعض صحابته، حيث كان يشك أيضاً بما يقدم له من علاج لمرضه الغامض مما حدا بأحد أصحابه وهو عمر باتهامه بأنه يهذي و لا فائدة للاستماع له ولما يريد أن يكتبه كوصية مكتوبة في آخر لحظة، فالقرآن يكفي في تسيير أمور المسلمين بعد محمد حسب اجتهاد عمر بن الخطاب. ومن هنا نشأت المشاكل والقضايا التي تؤرق المجتمع الإسلامي منذ 1500 سنة تقريباً. وبالرغم من هذا الموقف السلبي تجاه محمد ورغبته في كتابة وصيته قبل انطفائه ورحيله للعالم الآخر، تعمدت هذه الفئة فيما بعد في أصنمة محمد وإضفاء القدسية على شخصيته وحولته إلى إنسان بدون ظل وجردته من صفاته البشرية ووضعته خارج إطار الزمان والمكان طيلة قرون طويلة. وحولت كلامه وأحاديثه إلى نصوص مقدسة غدت أهم من الدستور القانوني الوضعي. كان محمد غارقاً في أيامه الأخيرة في زوبعة من مشاعر الحب والكره والغيرة والطمع والطموحات المتنافرة والمعارك الداخلية الخفية والمعلنة بين أصحابه ونسائه، والتي تلبست بصيغة ملحمية. كان الإسلام على مفتقر طرق في اللحظات الأولى التي أعقبت وفاة محمد، وكانت مراكز القوى داخل التكوين الإسلامي تتربص ببعضها البعض. كانت مراكز القوى عبارة عن تكتلات لعدد من الصحابة ويقف على رأس كل كتلة أحد الصحابة المتنفذين أو المقربين من محمد ، ولكن بشكل عام أفرزت الدعوة الدينية الجديدة فئتين متنافستين هما فئة الأغنياء والأقوياء ممن تقف خلفهم قبائل قوية ، وفئة الفقراء الضعفاء وأغلبهم من العبيد والموالي وبعضهم ينتمي لقبيلة ليست ذات شأن في مكة أوالمدينة، باستثناء علي بن أبي طالب الذي هو ابن أبو طالب أحد وجهاء مكة وحفيد عبد المطلب وأشهر وجهاء بني هاشم بعد محمد والذي أصبح عميدهم بعد وفاة هذا الأخير. كان هذا الاستقطاب ملحوظاً وواضحاً حتى في فترة حياة النبي محمد ولكن على نحو أقل حدة. كان بنو أمية أشد المعادين للدين الجديد وهم الذين حاربوا محمد بشراسة وكان الاستثناء هو الثري عثمان بن عفان الأموي وأحد الصحابة المقربين لمحمد، والذي نجح الأمويون من خلاله إحداث اختراق خطير في جسد ونسيج ومنظومة الدين الجديد ليتقلدوا الخلافة بشخص عثمان باعتباره ثالث الخلفاء الراشدين، وبذلك سيطروا على مقدرات الإسلام والمسلمين وحولوه من دين إلى دولة وسياسة وأسرة حاكمة تقوم على التوريث منذ معاوية ابن أبي سفيان. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن صحابة محمد ليسوا كلهم عدول كما يعتقد ويروج أهل السنة ، وبينهم الكثير من ضعيفي الإيمان أو المنافقين والانتهازيين وأصحاب المصالح الذاتية والشخصية حيث حققوا طموحاتهم وراكموا ثرواتهم ونفوذهم باسم الإسلام. وللحديث عن هؤلاء الأشخاص وتلك الفترة الحرجة والمبكرة من تاريخ الإسلام السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي، لا بد من نزع هالة القدسية عن هذا التاريخ والفصل بين مسألة الإيمان والعقيدة ، من جهة ، والتطور التاريخي للحركة وشخصياتها. المراجع الإسلامية ومصادر التراث والتاريخ الإسلامي كثيرة وتعج بالتفاصيل عن تلك المرحلة التي لم تكن مجهولة ولا محظورة في السابق بيد أن المؤسسات الدينية الرسمية هي التي تعمدت على إضفاء قدسية زائفة عليها وعلى شخوصها وأبطالها وحرمت الخوض فيها أو اقتحامها والبحث في تفاصيلها وأسبابها وظروفها بمقاربة علمية وعلمانية محايدة . فهي متخمة بالعنف والمناورات الخفية والدسائس والمؤامرات والاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية، لذلك فهي بحاجة إلى إعادة قراءة تفكيكية معمقة بعيداً عن التقديس و بمعزل عن السلطات الدينية التي تفرض قراءتها ورؤيتها الخاصة لما حدث في تلك الانعطافة التاريخية الخطيرة التي نعيش اليوم تداعياتها المدمرة. فالمؤسسات الدينية الرسمية جعلت المسلمين رهائن لصورة مزيفة وتاريخ مزيف ومزور للإسلام وقادته. وهذه الصورة الضبابية هي التي فتحت باب التساؤلات المجردة للبحث عن إجابات ممكنة أو مفترضة . كيف أمضى محمد أيام مرضه الأخيرة قبل وفاته؟، وما هو مرضه الحقيقي الذي جعله يحتضر ويتألم لمدة خمسة عشر يوماً؟، هل كان هناك أطباء يعالجونه ويشخصون حالته المرضية أو علته كما يقال في تلك الأيام؟، وكيف كانت طبيعة علاقته بأصحابه وبزوجاته؟، لا سيما عائشة بنت أبي بكر التي لعبت دوراً جوهرياً في توجيه مسار الأحداث؟،هل كان الناس يزورونه بلا تحفظ ولا شروط مسبقة؟ وهل كان يسمح لأي شخص كان بأن يزوره؟، وهل كان مسروراً وراضياً عما يدور ويجري من حوله؟، وهل رحل وهو مطمئن أم حزين ويحمل أسراراً كثيرة لا يعرفها غيره وقلة قليلة من المقربين إليه وعلى رأسهم علي بن أبي طالب مما أثار غيرة وحسد عدد كبير من الصحابة؟، وهل ظهرت حقائق وأسرار كنت مطوية ومكتومة في زمن النبي وظهرت بعد وفاته؟، وكيف يمكن لصاحب دعوة دينية مهمة أن لا يخطط ويمهد لخلافته وهو حي؟، ولماذا يتعمد أهل السنة في التقليل من أهمية خطبة الوداع في غدير خم والتي قال فيها: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم عادي من عاداه وانصر من نصره، الخ الخطبة؟، هل كان يخطط لأمر لكنه كان يخشى عواقب ونتائج مخططاته؟، وهل حدث فعلاً ما كان يخشى منه بعد وفاته مباشرة؟، بل وحتى قبل وفاته بساعات؟، وهل منع حقاً من كتابة وصية للمسلمين قبل خمسة أيام من رحيله؟، ولماذا منع؟، ومن الذي منعه؟، وكيف تم منعه؟، هل خالف أبو بكر وباقي كبار الصحابة أوامر الرسول بالالتحاق بجيش أسامة المتوجه إلى سوريا والذين أمرهم جميعاً بالالتحاق بالحملة ما عدا علي بن أبي طالب؟، وهل حدثت مؤامرة سياسية وانقلاب عسكري على علي بن أبي طالب في حادثة سقيفة بني ساعدة التي أستبعد منها قصداً؟، هل كان محمد يخشى أن يقوم بعض صحابته بتسميمه؟، ولماذا ثار غضبه بعد أن استفاق من غيبوبته ووجد مستحضرا طبياً على فمه ومطالبته لصحابته الحاضرين من حوله بوضع المستحضر على أفواههم أيضاً؟، وهل كان حقاً يهذي كما وصفه عمر ابن الخطاب أم كان واعياً تماماً لما يجري من حوله وخارج بيته وسط أمته؟، كيف كانت علاقة فاطمة بنت محمد بعائشة بنت أبي بكر؟، وهل كانت هناك ترتيبات وتنسيق بين عائشة وحفصة بنت عمر زوجتا محمد ووالديهما لترتيب خلافة النبي؟، وهل حقاً أكلت الماعز آية الرجم كما ادعت عائشة؟، وكم آية من القرآن فقدت بهذه الطريقة أو بغيرها؟، وكيف تم جمع القرآن؟ ولماذا استبعدت نصوص الصحابة الآخرين الذين قاموا بحفظ وجمع القرآن كل على طريقته كابن مسعود وعلي بن ابي طالب ,ابي بن كعب وزيد ابن ثابت وغيرهم؟، لماذا حرم أبو بكر فاطمة من ميراثها من أبيها وصادر أرض فدك منها؟ وكيف وماتت وهي غاضبة منه ورفضت أن يسير في جنازتها أو يمس نعشها لذلك دفنها زوجها على ليلاً وبالسر؟، ، و هل حقاً مات أبو بكر وهو نادم وخائف من تبعات غضب فاطمة عليه؟، هذه وغيرها عشرات بل مئات من الأسئلة المحيرة التي بقيت بدون أجوبة ناجعة وصريحة وحقيقية والتي يحرم أهل السنة الاقتراب منها ومناقشتها . المسلمون أسرى لماضيهم ومكبلين بقدسية الأحداث والأشخاص وخرافات ذلك الماضي المزيف فهل هناك عقل علمي في القرن الواحد والعشرين يمكن أن يقبل ويصدق ما ورد في إحدى المراجع الإسلامية الرسمية المقرة والمعترف بها :" بأن النبي ولد مختوناً مكحلاً ومدهوناً وحاجبه مقروتان ولأجله شق القمر وكانت أمه آمنة تقول : لما خرج محمد من بطني نظرت إليه فإذا به ساجداً قد رفع إصبعيه كالمتضرع والمبتهل لله"؟ أو حادثة شق الصدر عندما كان محمد في عمر الثالثة مع ابن مرضعته حليمة السعدية حين أخذه رجلان غريبان عليهما ثياب بيضاء فأضجعاه وشقا بطنه دون أن يشعر بشيء أو يتألم ثم جعلا يسوطانه ويغسلان قلبه ويطهروه من المعصية ثم يعيدان غلق الشق في الصدر دون ترك أية ندوب أو آثار؟ ولقد وردت أكثر من خمس روايات عن هذه الحادثة. كما نقلت المصادر الإسلامية حادثة عن الرسول رواها أبو ذر الغفاري أن محمد قال: فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبرائيل ففرج صدري،ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتليء حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا. ولقد تسللت الخرافة في النصوص حتى في تفاصيل الوفاة فهناك نصوص تقول أن هناك شخص مجهول دق باب محمد وطلب مقابلته لكن ابنته فاطمة رفضت السماح له بالدخول وزيارة أبيها لأنه مريض جداً وغارق في شبه غيبوبة ولقد ألح الزائر المجهول ثلاث مرات بالاستئذان بالدخول على محمد لكن رد فاطمة كان هو الرفض في كل مرة. وفي هذه اللحظة نزل الملاك جبرائيل على محمد وأخبره أن ملك الموت يقف في خارج البيت وهو الذي طلب الإذن بالدخول، وهي المرة الأولى منذ أن وجد البشر على الأرض، يطلب ملك الموت الإذن من الشخص الذي يريد أن يتوفاه ويأخذ روحه ، حينئذ طلب محمد من فاطمة أن تأذن للزائر الغريب بالدخول . فدخل ووقف أمام محمد بأدب وخشوع وقال له يا رسول الله إن الله أرسلني لك وأمرني أن أتصرف حسب رغبتك فما عليك سوى أن تأمرني ماذا أفعل هل أتركك حياً أم أغادر ومعي روحك الطاهرة وسوف أطيع أمرك، فتدخل جبرائيل وقال لمحمد إن العلي القدير مشتاق لك ويرغب في رؤيتك بجواره عندها أمر محمد ملك الموت عزرائيل بأن يقوم بعمله كما ينبغي فودع جبرائيل محمد وتواعد معه على اللقاء في السماء ، هكذا روت كتب التراث هذا الحدث الخرافي. وقبل أن يتوفى محمد قال: والذي نفسي بيده إن عودة عيسى ابن مريم لقريبة جداً" وهذا نوع من التنبوء الغريب بنهاية العالم وهنا يحق لنا أن نتسائل لماذا بشر محمد إذن بدين جديد إذا كان يشعر أن نهاية العالم ويوم القيامة قريب جداً؟. هل كان المسلمون يعتقدون بأن محمد سيعود إلى الحياة بمعجزة إلهية بعد موته بأيام قليلة على غرار ما حصل للسيد المسيح عيسى بن مريم كما ورد في عدد من النصوص المقدسة الإسلامية والمسيحية، وهذا ما يفسر تأجيل دفنه لعدة أيام رغم حرارة الطقس المرتفعة في تلك المنطقة والتي تؤدي إلى تحلل الجسد؟ والدليل على ذلك صدمة عمر بسماعه موت محمد وتهديده لكل من يقول بذلك بقطع رأسه ما يعني أنه كان يعتقد بأن محمد خالد لن يموت وإنه رفع إلى ربه كما حدث مع موسى ليغيب أربعين يوماً ثم يعود ، ولقد تدخل أبو بكر ليعيده إلى رشده وتلى عليه آية قرآنية :" إنما أنا بشر مثلكم – سورة الكهف الآية 110 "، وما محمد إلا رسول خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم وأضاف : من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. وكان محمد قد أمر قبل وفاته أن يقوم بتغسيله علي ابن طالب فقط فلا يحق لأحد أن يراه عارياً إلا علي لأن من ينظر لجسده العاري سيصاب بالعمى فيما عدا علي الذي غسله محمد بيده عند ولادته ورباه في بيته وهو ابن عمه وزوج ابنته المفضلة فاطمة ووالد حفيديه الحسن والحسين الذين منهما نشأت ذرية محمد ومن هنا كان من المفترض والبديهي أن يحل علي محل محمد في مركز القيادة وهذا ما كانت تخشاه قريش وعدد كبير من صحابة النبي، وكان لابد من إيجاد آلية جديدة لمواصلة لعبة الحكم وهي آلية الخلافة الراشدة والتي سرعان من اضمحلت وحلت محلها سلطة سياسية دنيوية و ثيولوجية قبلية على يد بنو أمية إبتداءاً من معاوية والتي دامت حوالي القرن من الزمن. وبالتالي فإن ما وصلنا من تاريخ السيرة النبوية وحياة محمد، لا سيما المرحلة السابقة لعهد النبوة والسنوات الأولى للدعوة لغاية لحظة وفاة النبي كان على نحو يبعث على الشك بصحتها لتعدد الروايات وتناقضها خاصة وإن تدوين وكتابة التاريخ حصل بعد مرور عدة قرون من وقوع الأحداث المروية. وبعد ذلك يدخل الكتاب في تفاصيل الجذور التاريخية كخلفية للإنقسام الشيعي السني في الإسلام وتفاقم المواجهات الدموية الشيعية السنية عبر تاريخ هذا الدين . إلى تاريخ وقوع الثورة الإسلامية في إيران التي أحدثت منعطفاً خطيراً في مسار الإسلام السياسي. ف لقد نجحت إيران في التمركز في العالم العربي باستغلالها للتشيع المنتشر في العالم العربي باعتباره الفرع الثاني للإسلام والتأثير على دبلوماسية العالم العربي بينما تولت السعودية قيادة الفرع السني في العالم العربي بعد عزل مصر إثر توقيعها لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في كامب دافيد سنة 1978. تصاعدت حدة المواجهات الشيعية ـ السنية وتأججت مرة أخرى منذ العام 1992 واتسمت بصبغة عالمية تعدت حدود العالم العربي. ففي سنة 1992 هاجم زعيم الحرب الأفغاني في المقاومة الأفغانية ضد السوفييت، القائد مسعود قبيلة الهازارا الأفغانية ذات الأغلبية الشيعية بنسبة 90 %والتي تعيش في وسط أفغانستان في إقليم باميان ويمثل الشيعة في أفغانستان نسبة 12 إلى 13% من مجموع السكان الأفغان وكانت قبيلة مضطهدة تاريخياً. كانت هذه الحادثة قد زادت من حدة التوتر والحقد لدى الشيعة إزاء السنة الذين لم يدينوا هذه الجريمة أو يستنكروها. لقد وقعت تلك الحوادث في ظرف غاية في الخصوصية والتميز حيث كانت أفغانستان آنذاك فريسة لحرب أهلية تدور رحاها منذ أربع سنوات 1992 ــ 1996 التي أعقبت مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية لمسرح الحرب الأفغانية بعد استسلام السوفييت وهزيمتهم في أفغانستان حيث انتهت تلك الحرب الأهلية بانتصار وهيمنة الطالبان على الحكم في أفغانستان. اعتبر أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة تخلي أمريكا وانسحابها بمثابة الخيانة بعد أن قدمت له الدعم والاسناد والتسليح والتمويل ووسائل الحرب والقتال. كان بن لادن قد جعل من أفغانستان مختبراً لمشروعه لإحياء الخلافة الإسلامية، لكنه شاهد حلمه ينهار بسبب اندلاع الحرب الأهلية فتحول من حليف وعميل إلى عدو لدود للولايات المتحدة الأمريكية. هناك ثلاث محاور تتركز حولها المواجهات الشيعية السنية في العالم والتي من شأنها أن تزعزع استقرار الإسلام برمته على لأمد المنظور. وهي محاور دينية وعرقية أو إثنية واستراتيجية وسياسية بحتة. فالمرحلة الأولى لحصول الانشقاق في الجسم الإسلامي سنة 632 ميلادية بعد وفاة الرسول وحدوث معركة الخلافة التي استمرت لعقود طويلة، انتهت باختفاء الخلافة في الأمة الإسلامية سنة 1924 على يد التركي أتاتورك، ولم تعد هناك أية سلطة دينية حقيقية قادرة على إطلاق أحكام عقائدية قطعية ملزمة من قبل جميع المسلمين حتى ولا من قبل ملوك يدعون انتسابهم للبيت النبوي مثل ملك المغرب أو ملك الأردن. من هنا لا يمكن الفصل بين فرعي الإسلام الرئيسيين عند البحث في تطور تاريخ الفكر السياسي للإسلام وتشكيل المدار السياسي للشرق الأوسط المعاصر: فالعائلة الصفوية الحاكم في إيران اختارت المذهب الشيعي كدين رسمي للدولة وفرضته بالقوة على الغالبية السنية التي كانت سائدة في إيران قبل الحكم الصفوي في الإمبراطورية الفارسية في القرن الخامس عشر الميلادي بهدف التمييز بين الفرس والعرب. وكان ذلك بمثابة المؤشر للجغرافيا السياسية للمنطقة لاحقاً حيث الجيوبولتيك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدين. فالتداخل بين التاريخ الديني والتاريخ السياسي للشرق الأوسط هو الذي قاد باحث مثل أنطوان صفير Antoine Sfeir لاصدار كتابه باللغة الفرنسية وعنوانه: إسلام ضد إسلام الحرب الشيعية السنية التي لاتنتهي L’Islam contre l’Islam, l’interminable guerre des sunnites et des chiites " والذي يبحث في جذور التشيع Aux origines du chiisme " لكي يعتبر موشور الدين أساسياً لإجراء قراءة ملائمة وكاملة للشرق الأوسط المعاصر وللعالم الإسلامي تفادياً للسقوط في رؤية غربية مختزلة ومبتورة أو مقتضبة للأحداث التاريخية والحالية التي تعصف بالمنطقة. من المتفق عليه اليوم أن الانشقاق الذي حصل في الإسلام ليس عقائدياً بل سياسياً بالدرجة الأولى ويعود أساسه التاريخي إلى أواخر فترة حياة الرسول ووفاته حيث نشب صراع مستتر، في بداية الأمر بين فريقين من الصحابة، الأول يضم الارستقراطية والاغنياء والوجوه المعروفة من الوجهاء الذي تجمعوا حول عمر ابن الخطاب، والثانية تضم الفقراء وذوي الأصول المتواضعة الذي أحاطوا بالإمام علي إبن أبي طالب، صهر النبي وإبن عمه وربيبه ووارث علمه والمدافع الأول عن الإسلام في أحلك الظروف وأخطرها لا سيما معركة الخندق عندما برز للفارس المشرك عمر بن ود العامري ووصف النبي هذه المبارزة بقوله : " لقد برز الإسلام كله للشرك كله". الفريق الأول أراد أن تكون الخلافة خارج بيت النبوة وخارج عشيرة بني هاشم والفريق الثاني أرادها أن تبقى في بيت النبوة وفي شخص الوريث الشرعي الأنسب من وجهة نظرهم وهو الإمام علي، وعرفوا باسم شيعة علي أي أتباع وأنصار علي. وبسبب النزاع حول من هو الخليفة الشرعي للنبي انشق الإسلام إلى شطرين، ومن ثم ازداد الخلاف وتعمق وتحول إلى خلاف عقائدي بعد أن صار يمس طبيعة الخليفة ودور الخلافة وهل الخلافة شأن دنيوي أم سماوي منصوص عليه من الله؟ وانطلاقاً من تلك الأوضاع ظهر مفهومان للإسلام بعد موت مؤسس الرسالة سنة 632: الأول مفهوم الجماعة وهم الأغلبية والمقصود بهم أهل السنة والثاني مفهوم أهل البيت وهم الأقلية والمقصود بهم شيعة علي أو الإمامية. دام هذا الفرز خلال فترة الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولكن على نحو مستتر وغير معلن بيد أن الاستقطاب كان واضحاً بين الفريقين. تغيرت المعادلة عند مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان إبان أحداث الفتنة الكبرى وترسخ الانشقاق الطائفي بعد اغتيال الخليفة الرابع علي بن أبي طالب سنة 661 ميلادي والذي كان يقف على قمة الهرم الشيعي واعتبر بمثابة مفتاح التشيع السياسي والديني والعقائدي الذي تم توثيقه في الكتاب الذي عزي لعلي بن أبي طالب وهو نهج البلاغة الذي يجمع خطب وأحاديث وحكم ووصايا الإمام علي. مازال تصرف النبي محمد إزاء موضوع خلافته يشكل لغزاً كبيراً فلم يكن هناك من ينازعه أو ينافسه على السلطة لا دينياً و دنيوياً أو سياسياً، وكان يعرف توازنات القوى داخل مجمع الصحابة المحيطين به وامتداداتهم القبلية، فلماذا لم يحسم المسألة علنا في حياته ويصرح باسم خليفته؟ و كذلك بسبب غياب نص ديني إلهي مقدس صريح ينص على شخص بعينه ليخلف الرسول في مهمته، كما يقول أهل السنة والجماعة بينما يدعي الشيعة أن هناك نصوص وإشارات صريحة صدرت من قبل النبي بتولية علي بن أبي طالب خاصة في خطبة الوداع في غدير خم التي قال فيها:" من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والي من ولاه وعادي من عاداه الخ..." وهكذا حدث في سنة 632، وهي سنة وفاة الرسول محمد، فراغ تشريعي وقضائي لعدم وجود مؤسسات بديلة لقيادته في حال غيابه. كانت التجربة الإسلامية في طور التوسع والتنامي عند وقوع الانقسام المميت في جسد الأمة. كانت بذور وجذور الانشقاق والانشطار موجودة حتى في حياة محمد لكنها لم تكن صريحة وعلنية بل خفية لكنها محسوسة. كان هناك إجماع بين المسلمين فيما يتعلق بسماوية الرسالة ومصدرها الإلهي باعتبارها منزلة من السماء، لكن الإجماع كان مفتقداً فيما يتعلق بشخص من سيخلف النبي وصلاحياته وشروط اختياره ومبايعته وحدود سلطته وهل هي دينية سياسية فقط أم دينية أيضاً؟ بمعني آخر، هل الخلافة أمر إلهي أم بشري؟ أعتبر قسم من المؤمنين أن الشرعية الإلهية مستمرة من خلال حقوق وشرعية آل بيت النبوة وعائلة النبي المتمثلة بابنته فاطمة وولديها الحسن والحسين وزوجها إبن عم النبي وربيبه ووارث علمه وتجربته وموضع أسراره، علي بن أبي طالب لذلك فمن البديهي والمنطقي أن يكون هو الخليفة الشرعي للنبي محمد لأنه أقرب الناس له وأول المصدقين والمؤمنين برسالته من الذكور، وأكثر المدافعين عنها بسيفه وجهاده وأفضل العرافين بأسرار الرسالة وعقائدها وتشريعاتها وظاهرها وباطنها، كما يعلن الشيعة. في حين اعتبر قسم كبير من المسلمين وهم الغالبية الساحقة، أن الجانب الإلهي من الرسالة قد انتهى بموت صاحب الرسالة وبات من الضروري تطبيق التقليد القبلي، أي اختيار من تنطبق عليه الأوصاف التي حددها النبي قبل وفاته والتي تتعلق بمكانة وشجاعة وحكمة من يتولى القيادة، وفقاً للتقاليد والعادات والأعراف القبلية التي كانت سائدة قبل الإسلام وبناءاً عليه تم اختيار أبو بكر للخلافة وبويع من قبل المسلمين، عدا بنو هاشم عشيرة النبي وعلى رأسهم علي بن أبي طالب وزوجته ابنة النبي فاطمة بنت محمد وعدد من الصحابة الموالين لعلي بن ابي طالب. وهناك روايتان تناقلتهما كتب التاريخ والتراث الإسلامي عن حيثيات وتفاصيل اختيار الخليفة، وعما جرى في سقيفة بني ساعدة من مساجلات حادة، الأولى شيعية، وفيها تفاصيل كثيرة عن مؤامرة أعدت في الخفاء قبل وفاة النبي وأثناء احتضاره لعب فيها عمر بن الخطاب دور البطولة وقام بما يشبه الانقلاب العسكري بمواصفات عصرنا الحديث بغية الحصول على السلطة بالقوة المسلحة وبالمناورات السياسية، والثانية سنية تطعن بالكثير من المصادر التي استند إليها الشيعة وتختصر ما حدث في السقيفة وما بعدها بعملية اختيار طوعية وسلسة تمت بالمحاجة والاقناع بين الأنصار بقيادة سعد بن عبادة والمهاجرين بقيادة أبو بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح نجح فيها المهاجرون بإقناع الأنصار بصدقية حججهم فمالت الكفة لصالحهم وطلب عمر من أبو بكر أن يمد يده ليبايعه وتقاطر الحاضرون من الأنصار لمبايعته ، على اعتبار أن مسألة الخلافة شأن دنيوي بحت يقرره المسلمون وحدهم دون الرجوع لكتاب الله ووفق حديث ردده المسلمون عن النبي أنه قال :" أنتم أدرى بشؤون دنياكم" وهو حديث قيل في ظروف مختلفة تماماً لا علاقة لها بمسألة اختيار الخليفة، وكان اختيار أبو بكر، لاعتبارات لا تمت بالشرعية بصلة عدا إمامة للصلاة في المسلمين بدل محمد عندما كان النبي مريضاً، ولأنه والد عائشة أحب زوجات النبي إلى قلبه، وأقرب أصدقائه وأخلصهم وأكبر الصحابة سناً بعد النبي، بينما لم يتجاوز عمر علي بن أبي طالب آنذاك الثلاثينات. وكان أبو بكر قد خرج على المسلمين خاطباً بعد إعلان وفاة النبي محمد قائلاً:" من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت" وتلى عليهم الآية التي تقول:" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين". لم يحكم أبو بكر كخليفة سوى سنتين كانتا مليئتين بحروب الردة وإعادة فرض هيبة وهيمنة وسلطة الدين على القبائل والشعوب المرتدة التي امتنعت عن دفع الزكاة والجزية. وكان أبو بكر يعمل على تهميش الإمام علي وبني هاشم وإبعادهم عن الشأن السياسي وحصرهم في مهمة الإرشاد والوعظ الديني البحت، بل وصادر بعضاً من حقوقهم وصادر أرض فدك من فاطمة التي ورثتها عن أبيها بحجة أنه سمع النبي يقول إن الأنبياء لا يورثون، وهو الوحيد من بين الصحابة الذي يدعي أنه سمع هذا الحديث، وإن آل بيته لا تحل عليهم الزكاة. عهد أبو بكر قبل وفاته بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب بوصية أخذن شكل الأمر القطعي الذي لا يقبل الاعتراض أو الطعن وذلك سنة 634 ميلادي، وانطلق في فتوحات في شمال أفريقيا، أي الجزائر وتونس والمغرب الحالية والشرق الأوسط، أي مصر والعراق وفلسطين والأردن وسورية ولبنان حالياً، وشبه القاره الهندية وبلا فارس أو إيران الحالية، وأسس جيشاً إسلامياً جراراً وحقق بعض الانتصارات وأغتيل سنة 644. واختار عمر ستة من الصحابة لخلافته قبل وفاته على أن يختاروا أحدهم وكان من بينهم علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان اللذين كانا يتمتعان بأفضل الحظوظ من بين باقي المرشحين، وفي لعبة محبكة تم استبعاد علي من الخلافة واختيار عثمان بن عفان من البيت الأموي الذي كان ألد أعداء الإسلام وكان زعيم الأمويين أبو سفيان العدو اللدود لمحمد، لأن علي رفض أن يحكم بالقرآن والسنة ونهج الشيخين، أي الخليفتين السابقين أبو بكر وعمر، وأصر على الاجتهاد بنفسه في الإدارة، في حين وافق عثمان على هذا الشرط التعجيزي بالنسبة لعلي بن أبي طالب. أحدث عثمان بن عفان تغييرات كثيرة في منهجية الإدارة والحكم فحابى أبناء عشيرته وقربهم ومن بينهم مروان بن الحكم الذي نفاه النبي لسنوات طويلة، وجعل منه مستشاره الأقرب بل وأكثر من ذلك حيث كان بمثابة رئيس الوزراء في التركيبة الهرمية لسلطة الخلافة، وبيده ختم الخلافة. وعين معاوية ابن أبي سفيان والياً على الشام، أي سوريا الحالية وفلسطين ولبنان. وتصرف بحرية وبدون قيود برأس مال المسلمين أي بخزينة الدولة، وعامل بقسوة معارضيه من أجلاء الصحابة كعمار ابن ياسر وغيره. ثم قام بجمع القرآن في كتاب واحد واختار صيغة واحدة هي صيغة زيد وأحرق باقي الصيغ كصيغة ابن مسعود وغيره من كتبة القرآن وحافظيه، من باقي الصحابة. وبالطبع تجاهل صيغة القرآن التي جمعها وأعدها الإمام علي، وهذه قصة طويلة ومعقدة تحتاج لعدة مجلدات لدراستها وتحليلها. وبالطبع كان الهدف من جمع القرآن سياسياً أكثر من دينياً. لقد تنامت ضده حركة الاحتجاج ووصلت الى حد التمرد المسلح حيث طوق المتمردون على حكمه قصر الخلافة و اقتحموه وقتلوه بداخله سنة 656 ميلادي. اتهم الأمويون الإمام علي بتحريضه على قتل عثمان أو التستر على قاتليه وعدم الكشف عنهم ومحاكمتهم، ويشاع أن من بين الثوار محمد ابن أبو بكر شقيق عائشة زوجة النبي. بل إن هذه الأخيرة نفسها كانت تحرض الناس على قتل الخليفة وتقول:" اقتلوا نعثلاً فقد كفر" وتقصد به عثمان بن عفان. والحال أن الإمام علي لم يستخدم العنف والقوة قط ضد أي من معارضيه ممن سبقه من الخلفاء الثلاثة. وبعد مقتل عثمان اختار الناس ومعهم كثير من الصحابة الإمام علي كخليفة على المسلمين وهو الخليفة الراشدي الرابع بعد مضي 24 عاماً على وفاة الرسول. وحكم أربع سنوات وتسعة أشهر 656-661 كانت مليئة بالحروب والاضطرابات التي يمكن وصفها بأنها أول حرب أهلية بين المسلمين. كان الإمام علي محارباً شديد البأس، شجاعاً وكريماً وزاهداً وتقياً وعالماً فذاً ومتكلماً بليغاً، لكنه لم يكن سياسياً ناجحاً. أسلم في عمر العاشرة ورافق النبي منذ طفولته حتى مماته وكان يعتبر نفسه الخليفة الشرعي والمنطقي للمرشد الذي رباه وعلمه وزوجه ابنته وجعل منه منبع آل بيت النبوة ولم يكن يرغب بالسلطة من أجل السلطة بل كان يرغب بمواصلة نهج الرسالة المحمدية وتوحيد الأمة. كان يرى أن مهمته دينية لأنه يمتلك ناصية العلم المحمدي وكان النبي محمد يردد أنا مدينة العلم وعلي بابها. وخلال حكمه كان يحاول تفادي الصراع المسلح مع خصومه والمعترضين على خلافته وكان يعتبر كافة المسلمين متساوين في الحقوق والواجبات وإن الانتماء للإسلام يأتي فوق أي انتماء آخر للقبيلة أو العشيرة أو العائلة وكانت أولوية علي بن أبي طالب إيجاد نوع من المواطنة الإسلامية أو الدينية كأساس لا بد منه لنشر دين محمد وتوطيد أركان الرسالة الإلهية. كان يهتم بتنظيم شؤون الأمة أكثر من اهتمامه وحرصه على السلطة فالدولة ليست غاية بل وسيلة لتوحيد المؤمنين وكان متحمساً لدين محمد ونشره ولم يكن متحمساً لممارسة السلطة السياسية أو راغباً بتحقيق غايات ومصالح شخصية من خلال استغلال سلطة الخلافة. لم يكن هناك إجماع على خلافته لكنه كان يحظى بتأييد ومبايعة الغالبية العظمى من المسلمين في المدينة. تفاقمت التوترات الداخلية في جسد الأمة الإسلامية وتزايدت الصدامات والتمردات ونقض البيعة في عهده والطعن بشرعية خلافته من قبل عدد من الصحابة تتقدمهم زوجة النبي عائشة بن أبي بكر وكانت لديه ثلاثة أهداف رئيسية وهي فرض السلام على حدود الدولة الإسلامية وهيبتها وتأمين الاستقرار السياسي وكشف قتلة عثمان ومحاكمتهم وهذا هو تسلسل أولياته. ولقد تبلورت الأساسية آيديولوجياً للإسلام السياسي الشيعي حيث أن أهم ما يميز الفكر الشيعي عقائديا وسياسياً هو مفهوم الإمامة التي جعلها الشيعة من الأصول و كذلك طبيعة الإمام الذي اعتبروا أنه منصوص عليه من الله بالنص وبالتالي فهو معصوم عن الخطأ، أي أضافوا مفهوم العصمة، وإن الإمامة متوارثة حيث ينص كل إمام على من سيخلفه بالاسم الصريح تفاديا للإشكال الذي حدث بعد وفاة النبي وادعاء اهل السنة والجماعة ان النبي لم يسمي احداً بالاسم الصريح وبالنص المكتوب لكي يخلفه، وإن الأمر يبقى محصوراً بنسل النبي وذريته من فاطمة ابنته وعلي صهره زوج ابنته وابن عمه وربيبه ويستمر في نسل الحسين بن علي حصراً وهذا ما ثبته منظر الشيعة واشهر أئمتها جعفر الصادق 703-765 وهو ابن محمد الباقر ابن علي ابن الحسين السجاد ابن الحسين بن علي ابن ابي طالب، وهو الإمام السادس من الأئمة الإثني عشر الذي قال إن النص ووراثة الإمام ناجم عن إرادة إلهية خفية أو مستترة لا يعرفها إلا الأئمة المعنيين أنفسهم، بينما لا يعني الإمام في الفقه السني سوى الشخص الذي يؤم الناس في صلاة الجماعة فهو الذي يقود صلاة الجماعة يوم الجمعة. كما أضاف الشيعة مبدأ التقية، أي إخفاء إيمانهم وإظهار ما يخالفه علناً حماية للنفس من القتل والأذى، ولقد مارسوا هذا المبدأ منذ وفاة علي الخليفة الراشدي الرابع، وذلك خوفا من بطش معاوية وباقي الخلفاء الأمويين الممارس ضد الشيعة. وهناك مبدأ البداء ومفهوم الغيبة وهي جزء جوهري من عقائد الشيعة وغير موجودة عن أهل السنة. فالبداء يعني أن الله أراد شيئاً وبداء له بعد ذلك شيئاً آخر فالإمام السادس جعفر الصادق عين ابنه البكر إسماعيل إماماً يخلفه حسب نص إلهي عليه كما أخبر أتباعه إلا أن إسماعيل توفي قبل أبيه جعفر الصادق ومن المفروض أن تبقى الإمامة في نسل إسماعيل لذلك انشق الشيعة بعد وفاة جعفر الصادق وظهرت الطائفة الإسماعيلية، نسبة لإسماعيل ابن جعفر الصادق وابنائه واحفاده ونسله، احتجاجاً على اختيار جعفر الصادق 703-765 بديلاً لإسماعيل في شخص موسى الكاظم 745-799 الذي حبسه الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد سنين عديدة ومن ثم اغتاله بالسم، واعتبر الشيعة الإثني عشرية موسى الكاظم بمثابة الإمام المعصوم السابع بينما اعتبر الإسماعيليون إسماعيل المتوفي قبل والده هو الإمام السابع وتوقفوا عنده وسموا بالشيعة السبعية واعتبر بعضهم ان إسماعيل هو المهدي المنتظر. فبعد استشهاد الإمام الحسين في كربلاء على يد جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، تعاقب تسعة أئمة وشكلوا القاعدة الإيمانية والعقائدية للشيعة الإثني عشرية. وتنتهي سلسلة الإمامة عند الإمام الثاني عشر محمد المهدي ابن الحسن العسكري الذي اختفى وغاب عن الأنظار بأمر إلهي سنة 874 ميلادية. ويعتقد الشيعة بضرورة وجود الإمام، حاضراً أم غائباً لإدارة شؤون الأمة الإسلامية والعالم. ولقد كان هناك انشاق طائفي آخر في نسيج المذهب الشيعي عند وفاة الإمام السجاد علي ابن الحسين 658-713 فانحاز بعض الشيعة نحو ابنه زيد ابن علي الثائر ضد الحكم الأموي الذي اعتبره بعض اتباعه انه لم يستشهد بل غاب وانه هو الامام المنتظر، بينما التفت الأغلبية حول شخص الإمام محمد الباقر 676-743 الذي اختاره السجاد خلفاً له. وسمي اتباع زيد بن علي بالزيدية الذين ما يزالون الى اليوم متواجدون في اليمن الحالي. وخلف الإمام علي الرضا 765-818 والده موسى الكاظم وأعقبه ابنه محمد الجواد 810-835 باعتباره الإمام التاسع ومن بعده علي الهادي 827-868 باعتباره الإمام العاشر وخلفه في الإمامة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري 846-874 ، الذي يتبعه العليون من خلال ابن نصير لذلك سموا النصيرية، وأخيرا الإمام الثاني عشر محمد المهدي الذي يدور حوله لغط كبير وغموض، حتى أن البعض أنكر وجوده وإنه لم يولد أصلاً في حين اعتبره الشيعة الإثنا عشرية الامام الغائب الذي سيعود في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد أن ملئت ظلماً وجورا. يقول الشيعة الإثني عشرية أن الإمام الثاني عشر المهدي غاب مرتين الغيبة الصغرة والغيبة الكبرى وبين الغيبتين كان يتصل بسفراء له كان عددهم طيلة الغيبة الصغرى أربع سفراء. وبوفاة آخر السفراء غاب غيبته الكبرى التي ما تزال مستمر الى يوم الناس هذا، منذ سنة 874 ميلادية. وعندما وصل الشيعة إلى السلطة العليا واقاموا أول دولة دينية شيعية في التاريخ الحديث ، بعد تجربة القرامطة وتجربة الدولة الفاطمية،نشأت مشكلات الدولة ومتطلباتها والسياسة والتشريعات الخ... فقد جاء في سورة النور الآية 55 :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني و لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون". وهذا نصح صريح لا يحتاج لتأويل أن على الأنبياء، ومنهم محمد، أن يؤسسوا على الأرض دولة دينية ثيوقراطية يسميها البعض الدولة الإسلامية. ويمكن أن يكون رئيسها، لدى السنة على الأقل، شخص مدني متدين، وليس بالضرورة رجل دين ولا إمام معصوم كما يشترط الشيعة خاصة في الصيغة الجديدة المتمثلة بولاية الفقيه، ولكن عليه أن يطبق الحدود والعقوبات والأحوال الشخصية و تعاليم وقوانين الشريعة الإسلامية. وأشهر منظر للصيغة السنية هو أبو الأعلى المودودي ، وللصيغة الشيعية الإمام الخميني. إذن فإن طبيعة الحكومة دينية لأن القائم عليها يعمل على تطبيق التشريعات الدينية كما وردت في النصوص المقدسة أي القرآن والحديث والسنة النبوية حرفياً. ويشترط المودودي في شخص الحاكم على أن يكون غير راغب و لا طالب يسعى للسلطة حسب التوصية النبوية والحديث النبوي. رجل الدين الأزهري علي عبد الرازق عارض هذا الرأي في كتابه" الإسلام وأصول الحكم" الذي اثار زوبعة من الانتقادات لدى المؤسسة الدينية الأزهرية . ويعتقد بعض المعتدلين من رجال الدين أن على التشريعات الدينية أن تتوافق مع متطلبات العصر وتكون أكثر ليونة وطواعية كي تحوز على قبول الناس فلكل عصر ظروفه وأعرافه الاجتماعية التي قد تتوافق وقد تتعارض مع النصوص التشريعية الجامدة حتى لو كانت مقدسة أو منزلة من السماء. فهي أرسلت حسب ظروف المجتمع في ذلك الوقت. يتفق الشيعة مع أطروحة المودودي في طبيعة الحكومة في أن تكون دينية، لكنهم يختلفون معه في باقي التفاصيل ويشترطون أن يكون الحاكم إمام من نسل الرسول ، وهو هنا الإمام المهدي المنتظر الغائب المختفي منذ ألف وأربعمائة عام تقريباً، لكونه معصوم عن الخطأ والأجدر في تطبيق شرع الله والعدالة الإلهية على الأرض. من هنا يمكننا القول أن أول سياسي في الإسلام هو محمد وهو أول حاكم وأول زعيم وأول قائد عسكري ومدني بالمعنى الحديث للمصطلح. وهو الذي أسس أول دولة، أو شبه دولة ناشئة ظهرت فيها بوادر انقسامات و صراعات طبقية واجتماعية بين فئات من الارستقراطية القرشية القديمة السابقة للإسلام والتي دخل بعضها للدين الجديد محاولاً الاحتفاظ بمكانته وموقعه الاجتماعي وتميزه الطبقي، ومن هؤلاء عثمان بن عفان وآل أبي سفيان أوبني أمية فيما بعد، وعدد آخر من الصحابة، من جهة، وفئة من العبيد والموالي والفقراء المعدمين والطبقة الوسطى التي ألتفت حول الزعيم الرمز المثالي في سلوكه وقسوته على نفسه وهو علي ابن أبي طالب وحوله معشر بني هاشم وفقراء الصحابة كسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار ابن ياسر والمقداد ابن الأسود وحذيفة ابن اليمان وهم فئة الضعفاء الأنقياء الذين يريدون الحفاظ على صفاء الإسلام ونقائه والذين وصفهم الكاتب الماركسي هادي العلوي باللقاحيين. فجذور الصراع بدأت حتى في حياة محمد ولكن على نحو كامن وخفي أو غير معلن، ثم بدا واضحاً في عهدي أبو بكر وعمر ابن الخطاب، واستعر في فترة الخليفة الثالث الأموي عثمان ابن عفان ثم ترسخ على نحو تام في فترتي الإمبراطورية الأموية والعباسية، ولم ينجح العصامي علي ابن أبي طالب في إعادة القيم اللقاحية الناصعة والنقية التي ميزت صدر الإسلام في حياة مؤسس الدعوة، في فترة حكمه القصيرة التي كانت مليئة بالحروب والدسائس، والتي انتهت باغتياله على يد الخصوم من داخل معسكره وخارجه. كانت أسس الصراع الطبقي تعود عهد عمر ابن الخطاب ومصدرها الارستقراطية التي نشأت وتعاظمت مع الفتوحات وزيادة الموارد المالية والثروات في الدولة الإسلامية الفتية. ومن المحتمل أن تكون الفئة الغنية من الصحابة القوية النافذة هي التي دبرت مكيدة التخلص من عمر واغتياله على يد أبو لؤلؤة الفارسي مولى الأشعث ابن قيس أحد كبار ارستقراطية كندة الذي دخل الإسلام مراءاة ونفاقاً وكان دائما يكيد له الكيد خفية ، ويتعاون مع بني أمية ومع معاوية وعمر بن العاص للتخلص من عمر وفيما بعد مع الخوارج للتخلص من علي ابن أبي طالب وإنهاء الحقبة الراشدة في تاريخ الدولة الإسلامية الفتية. فالذي حدث في الفترة الراشدية يدل على الجوهر الدنيوي للمجتمع الإسلامي المغلف بغلاف ديني شكلي. كان محمد في مكة داعية ومبشر ونذير وصاحب رسالة دينية يدعو الناس لمعرفة الله وعبادته بدلا من الأوثان ولم يكن يفكر بقيادة المجتمع المكي أو يصبو لزعامة قريش التي عرضت عليه مقابل تخليه عن الدعوة، لكنه سرعان ما تغير وتحول إلى حاكم وقائد سياسي وعسكري في المدينة وصار يقود مجتمعاً بأكمله في كافة نواحيه الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والقضائية والتشريعية وتقولب الإسلام المديني في شكل دول ومجتمع منظمين على نحو مدني يستمد شرعيته من الخلفية الدينية المرتبطة بالوحي وبالتالي اتسم المجتمع بكل مظاهر الشقاق والتنافر والصراع والتنافس السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفيها الأنصار والأتباع والخصوم والمعارضين والأعداء والمنافقين والمتسللين والجواسيس والمخربين الخ.. لم تكن هناك قداسة أو تقديس مطلق حتى لشخص النبي نفسه ولا للنصوص الدينية التي كانت عرضة للنقاش والتداول والاعتراض والتفسير والقبول والرفض فكان الجميع، عدا محمد في المسائل الدينية وليس الدنيوية، عرضة للتخطئة والانتقاد والمحاسبة على الخطأ بمختلف معاييره وتاريخ الإسلام مليء بالأمثلة على ذلك الذي ينقل لنا الكثير من الوقائع بشأن سلوك الصحابة تجاه النبي وسلوكهم تجاه بعضهم البعض الذي يصل إلى حد التصفيات الجسدية أحياناً وما اغتيال عمر ومقتل عثمان واغتيال علي إلا أمثلة جلية على ذلك. فلم يقتل عثمان لأنه خالف الدين أو خرج عنه أو حرف فيه بل لارتكابه أخطاء وانحرافات ومخالفات سياسية وليست دينية ونفس الشيء بالنسبة لعلي ابن أبي طالب الذي اغتاله رجل من الخوارج الذين انشقوا عنه وانسلخوا من معسكره ليس لأنه خليفة غير شرعي أو خان الرسالة الدينية بل لأنه أخطأ في قراره بقبول التحكيم في حرب صفين وهو عمل سياسي وعسكري بحت لا علاقة للدين فيه. فلم يتهمه أحد بالتقصير في العبادات والفرائض أو بخروج على الشريعة . كان المعيار المرجعي للحكم على شرعية وسلامة أي حاكم في الظاهر هو تطبيقه أو عدم تطبيقه للمصدر الدستوري للحكم أي القرآن الذي اكتسب صفة الإلزام تجه الخلفاء بعد وفاة النبي محمد. فعلي ابن أبي طالب كان يسعى ما استطاع لتقويم الانحرافات الدينية وتطبيق الشريعة كما تلقاها مباشرة من محمد وتربى عليها وناضل من أجلها بيد أن الأكثرية المناهضة والمعارضة له كانت هي الأقوى والأكثر دهاءاً منذ عهد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان التي اختطت منهجاً دنيوياً ومصلحياً خارج إطار وقيود الشريعة ولو كان ذلك باسمها رسمياً وشكلياً . فكل الخلفاء الذين حكموا الدولة الإسلامية من معاوية إلى آخر خليفة عثماني في بداية القرن العشرين، حكموا دون مراعاة أحكام الكتاب والسنة وكان حكم معاوية قد سجل بداية الانفصام بين الدولة والشريعة، وسار الإثنان في اتجاهين ومسارين متعارضين. واضطر الخلفاء في أحيان كثيرة لشراء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لاختلاق أحاديث موضوعة على لسان النبي لتبرير سلوكياتهم المخالفة للشريعة والدين وإلباسها حلة الشرعية والصبغة الدينية. كان محمد ذو أسلوب خاص في الحكم وكان يكره أن يشبه بكسرى أو هرقل أو بالملوك والأباطرة ، وهو الأسلوب الذي رغب علي ابن أبي طالب إتباعه والسير على هداه ومواصلته ولكن في ظروف تختلف تماماً عن ظروف المرحلة المحمدية . ففترة حكم أبو بكر وعمر وعثمان قلبت الموازين وغيرت كل شيء وقلبت القيم الأخلاقية وأنعشت المصالح الفردية والنزعة الذاتية على حساب المجموع ومصالح الأمة. لذا بات من المستحيل إعادة التجربة المحمدية التي تلبست ثوب الطوباوية، وكانت أنظمة الحكم المتعاقبة منذ معاوية، اقرب للعلمانية الحديثة منها للدولة الدينية الثيوقراطية. وينتقل الكتاب إلى بحث الطبعة السنية للإسلام السياسي ومفهومه للخلافة ويخرج بأول استنتاج بديهي وهو إن القاعدة وداعش وجهان لعملة واحدة وهما نتيجية طبيعية للفكر الأصولي السلفي المتشدد والمتعصب للمذهب الحنبلي وتأويلاته على يد إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي المعاصر. ويكرس الكتاب عدة فصول لعرض كيفية نشوء القاعدة وداعش وتطورهما ميدانياً ، عسكرياً وآيديولوجياً وعرض الكثير من التفاصيل والأسماء والأحداث الموثقة والتي تعود كلها لوثيقة مرجعية مهمة تمثلت بكتاب " إدارة التوحش" لمؤلف وضع إسماً مستعاراً هو أبو بكر ناجي الذي أستخدم كدليل عملي طبقته المنظمات الإرهابية الإسلامية المعاصرة كداعش والقاعدة ولقد استخدم المؤلف مفردة " التوحش" ويقصد بها حالة الفوضى والضياع التي دبت في أوصال دولة ما أو منطقة ما عندما تنزاح عنها قبضة السلطة الحاكمة وبالتالي فإن حالة غياب السلطة يقود إلى نوع من الفوضى المتوحشة التي تغرق السكان لذلك يجب على الجهة الإسلاموية كالقاعدة وداعش ، التي ستحل محل السلطة الحاكمة المستقيلة أو المندحرة، أن تبدأ بالتمهيد لقيام الدولة الإسلامية القائدة للأمة وأن تدير حالة التوحش السائدة في مجتمع الأمة الإسلامية، إلى أن تستقر الأمور وتأخذ طابعها وإيقاعها الطبيعي . من هنا يتعين على المجاهدين الإسلامويين المقاتلين المسلحين أن يسيطروا بالكامل على المجتمعات الإسلامية وأن يطبقوا فيها شرع الله والقوانين الإسلامية أي الشريعة الإسلامية بكل حذافيرها مع توفير احتياجات الناس الضرورية الأولية من ماء وطعام وعلاج وأمن وبكل الوسائل ولو بقوة السلاح والترهيب وتخضع هذه العملية للقيادة المركزية العليا للحركات الجهادية الإسلاموية البديلة للسلطات القائمة سابقاً وتأمين عملية التواصل والتنسيق وفرض الأولويات . وهذا الكتاب عبارة عن مقالات متفرقة وضعت كفصول داخل الكتاب تبدأ بعرض تاريخي للوضع السائد في العالم اليوم منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو وهيمنة القوى العظمى ، ثم يأتي إلى تعريف التوحش ومايقصده المؤلف بهذا المصطلح أو المفهوم وسوابقه التاريخية ، ثم ينظر إلى ضرورة التحايل للوصول إلى السلطة وبعدها لا بد من عملية التمكين والسيطرة الكلية على السلطة من خلال وضع قواعد عامة لتسيير وتطبيق خطة العمل وإنجاز مرحلة شوكة النكاية والإنهاك وتحديد أهداف إدارة مرحلة التوحش. ومن ثم اتقان فن الإدارة ومصادر القرار ومن يملك مفاتيح السلطة واتخاذ القرارات السياسية والعسكرية والإدارية الأساسية . ومعرفة قواعد المجابهة العسكرية من خلال قراءة خارطة القوى العدوة والمناوئة واستخدام أقصى أساليب الشدة والصرامة لتحقيق الشوكة ومعرفة قواعد اللعبة التي يمارسها الخصوم والأعداء تجاه الدولة الإسلامية والتحرك لمواجهتها من خلال الهجوم وليس الدفاع واتقان أساليب الاستقطاب والتحشيد والتعبئة والتجنيد والجذب وقواعد الالتحاق واتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من الناحية الأمنية والاستخباراتية والتجسسية واختراق صفوف العدو ، بث التربية الإسلامية السلفية بين الأطفال والشباب ومعالجة مشكلة نقص الكوادر الإدارية المتخصصة والمخلصة وذات الولاء المطلق للدولة الإسلامية ومنع الارتدادات والخروقات والخيانات الفردية والجماعية والاستعداد للتعامل معها بجدية وصرامة وتأصيل المعنويات والتحمل والصبر في ساحات المعارك لأن مرحلة التوحش هي أخطر مرحلة تمر بها الأمة الإسلامية اليوم منذ اختفاء الخلافة الإسلامية الشرعية الأولى في بدايات القرن العشرين على يد أتاتورك ولا بد من تركيز أسس الخلافة الإسلامية الثانية الجديدة التي تسعى لإعادة أمجاد الإسلام الأول وهيمنته على العالم. فالإسلام السياسي متعدد الأشكال وواجهاته هي الأزهر وتنظيم الإخوان والقاعدة وداعش وولاية الفقيه. فمنذ أن ظهر الإسلام الحركي السياسي وهو يشكل عقدة وتحدي كبير للغرب والفكر الغربي وسياساته تجاه الإسلام والمسلمين . عندما تأسس تنظيم الإخوان المسلمين وأعلن أهدافه كان على رأسها تطبيق شريعة الإسلام على المجتمع الإسلامي وبث الرسالة إلى جميع أنحاء العالم ومواجهة الاستعمار البريطاني في مصر والاستعمار الغربي في العالم الإسلامي برمته ، أي إقحام الإسلام في السياسة وممارسة السياسة باسم الدين. ومن ثم تفرعت من هذا التنظيم أشكال ومسميات أخرى للإسلام السياسي الحركي الجهادي الذي لجأ إلى العنف والإرهاب في نشر آيديولوجيته وتطبيقها وفرضها بقوة السيف. وكل ذلك كان برعاية وحماية وتمويل العربية السعودية. فالحركة الوهابية تسعى لأن تكون هي القائدة والمتزعمة للعالم الإسلامي لذلك رسمت استراتيجية طويلة الأمد بدأت بتمويلها للمدارس الإسلامية في جميع أنحاء العالم لا سيما في الباكستان ومصر وأندونيسيا وماليزيا بل وحتى في أمريكا وأوربا وغيرها من البلدان كما ذكر سفير الولايات المتحدة الأمريكية ريشارد هولبروك لدى الأمم المتحدة، الذي كسر حاجز الصمت والتواطؤ الغربي حيال هذا الموضوع، ثم جاء الباحث الاستراتيجي الفرنسي بيير كونيسا الذي أكمل تحطيم جدار الصمت لينشر كتابه المعنون " دكتور سعود ومستر جهاد Dr. Saoud et Mr. Djihad" ، كناية عن الازدواجية في السياسة السعودية وموقفها من التطرف والجهاد الحركي الإرهابي ، وقال فيه أنه يدين الغرب وعلى وجه الخصوص السلطات الفرنسية التي لم تتجرأ على فتح هذا الملف الحساس والخطير ودراسة النظام الثيوقراطي القبلي القائم في المملكة العربية السعودية على نحو جدي وصارم ومسؤول لأنه هو الذي عمل على تصدير الوهابية وأفكارها السلفية المتشددة والتي تخرج منها الكثير من قادة الإرهاب اليوم وعلى رأسهم أسامة بن لادن وأتباعه وهم لا ينكرون أنهم الأصل والأساس للتفكير السلفي والأصولي الإسلامي المتعصب والمكفر للمدارس الفقهية الأخرى غير المدرسة الحنبلية لا سيما المذهب الشيعي. فالعالم الغربي جعل من السعودية شريكه التجاري الأول يشتري منها البترول ويبيع لها السلاح والبضائع الأخرى عبر صفقات تقدر بمئات المليارات من الدولارات على مدى عقود طويلة. أما بخصوص الاختلاف الظاهر حالياً بين داعش والسعودية فهو ليس اختلافاً آيديولوجياً بل هو في الحقيقة تنافس على قيادة العالم الإسلامي السني فالسعودية تريد أن تثبت أنها هي المدافع الحقيقي عن العالم السني وليس دولة الخلافة المزعومة التي أعلنها أبو بكر البغدادي بنفسه ، ويمر ذلك من خلال تصعيد الخطاب العدائي تجاه إيران والشيعة للمزايدة مع الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش. فالشباب السعودي الجهادي الإرهابي نشأ وترعرع مع المناهج التعليمية والتربوية السعودية التي زرقت العقيدة الجهادية المتطرفة في عقولهم منذ الصغر، وسوف يعود هؤلاء المقاتلين الإرهابيين السعوديين إلى بلدهم ويقومون بدحر العائلة المالكة المتهمة بالانحراف عن الدين والتحالف مع الكفار الغربيين لإقامة نظام ديني أكثر راديكالية وتطرفاً من النظام الملكي القائم في المملكة العربية السعودية حالياً. فالغرب لا يعي ولا يدرك خطورة التطورات القادمة إذا لم ينتصر ويبيد هذا التنظيم الإرهابي الخطير . ولا يمكننا أن ننسى خطاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، وزعيم العالم الحر كما يقال ، في أيلول 2014 عندما صرح " لا أريد أن أضع العربة قبل الثيران ، فنحن لا نمتلك بعد استراتيجية واضحة تجاه الدولة الإسلامية داعش". وكان ذلك في وقت تمكنت فيه داعش من احتلال مناطق واسعة وشاسعة من الأراضي العراقية والسورية .
فداعش تبدو متينة التكوين والتركيب وموحدة القيادة لكنها في حقيقة الأمر هجينية وغير متجانسة وليست متماسكة كما تبدو لأول وهلة. فيلتف حول البغدادي أغلب السلفيين ومعظمهم من العراقيين وخاصة ضباط صدام حسين السابقين الذين تحولوا للنشاط الجهادي الإرهابي ويأتي بعدهم الحلقة السورية من القياديين، وهؤلاء هم الذين يحددون التوجهات العامة لداعش. فهذا التنظيم هو بمثابة آلة جهنمية خرجت من رحم الإخوان المسلمين وتطورت لتصبح مسخاً كفرانكنشتاين يدمر كل ما حوله حتى خالقيه. الإسلام السياسي هو الأرضية التي نبتت فوقها جميع الإفرازات الجهادية التكفيرية من نوع القاعدة التي تأسست في بشاور في الباكستان سنة 1987، والدول الإسلامية في العراق والشام داعش التي تأسست في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003 وكانت إحدى واجهات تنظيم القاعدة الإرهابي الدولي، إلى جانب جبهة النصرة في سوريا، ونشرت الأيديولوجية السلفية والأصولية الإسلاموية بطبعتها السنية منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان ونشوء جماعات الجهاديين وطالبان بدعم وتمويل وتسليح من لدن الفكر الوهابي والمخططات الاستخباراتية الأمريكية والغربية والباكستانية. بيد أن الخلفية الفكرية والأيديولوجية تعود إلى أبعد من هذا التاريخ ، ويمكننا القول أنها انبثقت في بدايات القرن العشرين وعلى وجه التحديد مع تأسيس جماعة الأخوان المسلمين في مصر حيث كبر هذا التنظيم وترعرع في شكل أممية إسلاموية مخيفة تمثلت بالتنظيم الدولي للإخوان والذي أفرز بدوره كل ما نراه ونعرفه اليوم من مسميات وتفرعات تنظيمية إسلاموية مسلحة سنية وشيعية منتشرة في جميع أنحاء العالم. ويغوص الكتاب في فصول كثيرة لكشف حقيقة داعش الظاهرة والخفية فالإسلام السياسي هو الأرضية التي نبتت فوقها جميع الإفرازات الجهادية التكفيرية العنفية المتوحشة التي نسجت ما عرف باستراتجية الأخطبوط وشبكة العنكبوت. وأخيراً وليس آخراً عرض مفصل لخارطة الصراعات في عراق ما بعد داعش إثر تحرير الموصل من احتلال داعش سنة 2017 وبروز نوع آخر من الصراعات في هذا البلد الجريح.