الشخصية العراقية..من أين اتتها بشاعة القتل والتمثيل بالخصوم؟ دراسة علمية


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 6010 - 2018 / 10 / 1 - 12:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الشخصية العراقية..من أين أتتها بشاعة القتل والتمثيل بالخصوم؟!
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
تقديم
شدّني بشاعة مشهد قتل الأمام الحسين..ولأن من عادتي استطلاع الرأي في موضوعات كهذه فقد توجهت بالآتي:
تساؤل للمعنيين بالطبيعة البشرية:
(جسارة عمر بن سعد والشمر في قتل الحسين..قد تجد ما(يبررها) في دافع الحصول على منصب كبير في السلطة..العشرات او المئات او الآلاف الذين تدافعوا لقتله..ما اسبابها،مع علمهم بأنه سبط نبيهم..وشيخ في السادسة والخمسين؟وهل من تلك الواقعه استسهلنا القتل والتمثيل بالضحية بتلك البشاعة المروعة؟)
تصنيف الأجابات:
بلغ عدد المستجيبين( 341 ) بينهم اكاديميون ومثقفون واعلاميون،تم تصنيف اسبابهم للحدث على النحو الآتي:
• السلطة والجاه
يرى المستجيبون ان حب السلطة والجاه هي الصفة المميزة في الشخصية العربية.
• طاعة المسؤول
يرى آخرون أن العرب كانوا ينفذون أوامر زعيم العشيرة او رئيس القبيلة بطاعة عمياء،وتحديدا في عمليات الغزو والحصول على الغنائم.وان هذه الطاعة انتقلت فيما بعد الى الحاكم حتى لو كان طاغية..ومن دون غنائم!
• العقل الجمعي:
يعتقد فريق آخر ان العرب مجتمعات دونية تحركها دوافع كامنة في عقل جمعي متخلف،الفرد فيه يذوب مع الجموع وينفذ ارادتها دون تفكير. والعقل الجمعي هو الوتر الذي عزف عليه المشتهي للسلطة لدى هذه الجموع ليحركهم بمعتقد ديني بتلك الوحشية،فما هو ديني لايمكن ان يحرك ضده الا بما هو ديني اكبر منه مستقر في اللاوعي الجمعي للجماهير.
• تردي الأخلاق:حين تتهرأ الأخلاق وينعدم الضمير يتحول الانسان الى سلعة للبيع،بدليل التملق الذي دمرنا بالماضي والحاضر..والعراقيون معروفون من زمن بتملقهم للحاكم القوي،طمعا بالتقرب منه او خوفا من بطشه.
• نوعية الفكر:جذور الفكر الاسلامي المتطرف انطلقت من واقعة الطف بخليط من التفكير العقائدي المنحرف والاستسلام للمطامع ونزوات السلطة والاستئثار وممارسة الارهاب والتوحش،الذي افرخ القاعدة وداعش.
• الحقد والثأر:التمثيل بجثة الامام الحسين وقتله ببشاعة ناجم اساسا عن حقد اسود وثأر من الذي فعله ابوه الأمام علي بآبائهم.
• البيئة:طبيعة الصحراء هي التي منحتهم هذه القسوة المفرطة،يطلبون المال والجاه عن طريق ما تجود به سيوفهم،ويعتبرون النهب السلب صفة من صفات الشجاعة.
• الجينات وصراع القيم:الصراع منذ القدم هو بين القيم المادية والقيم الفكرية بحسب نوع جينات الانسان.والغالبية المطلقة تغلبت عندهم القيم المادية،باستثناء الانبياء والرسل الذين آثروا الفكر على المادة.وقصة الامام الحسين ليست وليدة الحاضر المعاش بقدر ما هي تجديد الولاء للفكر الشيعي وتأصيله كل سنة فيما التاريخ مليئ بهكذا أحداث.
تحليل سيكولوجي
لا نريد الدخول في جدليات من قبيل ان مشهد قتل الحسين بتلك البشاعة هو (سرد روزخوني)،وأن حادثة مقتل الخليفة عثمان التي سبقت حادثة الطف كانت بشعة ايضا..فما يعنينا هنا ان الشخصية العراقية ترتكب ابشع حالات القتل وأخس افعال التمثيل بالخصوم..اليكم تذكير بما حدث في تاريخكم الحديث:
1. قتل الملك فيصل الثاني صبيحة 14 تموز 1958،وقطعت أيادي الوصي وآخرين وطاف بها الناس في شوارع بغداد .
2. وقتل في عام 1959، وسحل بالحبال ،وعلّق على المشانق ، أشخاص في الموصل وكركوك.
3 . وقتل عبد الكريم قاسم في رمضان 1963،وشوي في الشهر نفسه بالنار سكرتير الحزب الشيوعي العراقي وعدد من أعضاء الحزب وهم أحياء، وآخرون محسوبون على نظام قاسم جرى التمثيل بهم.
4 . وعقب هزيمة الجيش العراقي في الكويت عام 1991،وصل العنف بالعراقيين أن وضعوا إطارات السيارات في رقاب عناصر من البعثيين وأحرقوهم أحياء .
5 . وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في 1988 أبيد اكثر من مائة وثمانين ألف كردي في عمليات الأنفال،وأحرقت آلاف القرى الكردية،فضلا عن مجزرة حلبجة.
6. وفي زمن النظام السابق،استعملت وسائل العنف في التعذيب بينها وضع الشخص وهو حي في الأحماض التي تذيب اللحم والعظم،والكي والحرق وتقطيع الأعضاء.
7 . وفي عام 2003 اكتشف العشرات من المقابر الجماعية تضم رفات آلاف العراقيين،بينهم نساء وأطفال دفنوا وهم أحياء .
ومع ان عددا من كبار السيكولوجيين والمفكرين( فرويد،لورنز الحاصل على جائزة نوبل،نيتشه، المتنبي القائل: والظلم من شيم النفوس فأن تجد ،ذا عفــة فـلعـلــّة لا يظلـــم..يرون ان الناس يميلون بالفطرة الى العنف والتدمير المتبادل ويعزون الأمر لأسباب بيولوجية خالصة،الا أننا نرى ان نوعية الأحداث التي يعيشها الفرد هي التي تصنع منه انسانا مسالما او عدوانيا..وهذا ما حصل للشخصية العراقية عبر تاريخها البعيد الذي تعرضت فيه للأحباط والأستلاب والتغريب من أنظمة حكم استأثرت بالسلطة والثروة.
غير أن العنف في العراق اشتد وأخذ منحى جديدا" بدءا" من عام 1980،الذي أشاع ( ثقافة العنف) وقدح غريزة العدوان في اللاشعور الجمعي لدى العراقيين،يوم شن النظام السابق حربا" على إيران استمرت ثمانية أعوام،لم تقتصر فيه على الجيش النظامي،بل عسكرة الناس فيما يسمى بـ ( الجيش الشعبي ) حتى ما عاد بيت عراقي في حينه ليس فيه عسكري في الجيش أو منتسب الى تشكيلات الجيش الشعبي أو قوى الأمن الداخلي،فضلا" عن توظيف أجهزة الإعلام وتسخيرها لرجال فكر وأساتذة جامعة وأدباء وشعراء وفنانين ومطربين،اسهموا في إشاعة ثقافة العنف،ليتحول فيه شعب كامل الى(عسكر) بمن فيهم أساتذة الجامعة الذين سلّحوا بالكلاشنكوف حتى من كان عمره فوق الستين!.
والأغرب انه ما ان توقفت الحرب في 8/ 8/ 1988 حتى دخل العراق في حرب جديدة بغزو الكويت في 2/8/1990 ،كان من نتائجها السلوكية والنفسية أن جرى تعزيز وتعميق لثقافة العنف،لا سيما في جيل المراهقين آنذاك،الذين كانوا فتحوا عيونهم في طفولتهم على مشاهد العنف في ( الثمانينيات )،ثم حصار شكّل بسنواته الثلاث عشرة سببا" إضافيا وإسنادا" لخبرة العنف،كثرت فيه سرقة السيارات المصحوبة بالقتل..ليتبعها في (2003)حروب اقسى اجتماعيا في عنف يستعصي وصفه ويصعب استيعابه،لتقدم لنا تفسيرا علميا بأن استسهال عمليات القتل والتمثيل بالضحية التي استسهلتها الشخصية العراقية تعود في أهم اسبابها الى ان الحروب انتجت جيلا من الشباب متخما بثقافة عنف اتخذت ابعادا أقسى في الزمن (الديمقراطي)..صار فيه القتل والتمثيل بالضحية بمشاهد شبيهة بفجائعية واقعة الطف،ومن عراقيين لا يقلّون جسارة عن عمر بن سعد والشمر..في حدث غير مسبوق ان التصفيات صارت تستهدف نساء ايضا،ما يجعلنا على يقين بان القادم سيشهد تصفيات بين كبار السياسيين،منطلقين من حقيقة أن العراق هو البلد الذي تؤخذ فيه السلطة بالقوة المصحوبة بالبطش بمن كانت بيده..وان كان النظام ديمقراطيا كما يصفون!.
1 تشرين اول 2018