هل الأندلس كانت عربية أم بربرية؟


خالد سالم
الحوار المتمدن - العدد: 6007 - 2018 / 9 / 28 - 11:59
المحور: المجتمع المدني     

"إلى روح عبد الناصر في مئويته زعيم الوحدة العربية"

هل الأندلس كانت عربية أم بربرية؟
د.خالد سالم
لئن كانت الأندلس زمردة تاج الحضارة العربية والإنسانية لما شهدته من تعايش رغم لحظات الاحتراب بين أصحاب الأرض الأصليين وقاطنيها الجدد، عربًا وبربرًا، فإن صراعات البعض اليوم ورغبة الكثيرين في الإجهاز على "العدو الأخضر" ، بعد أن صلبوه بغية الاجهاز عليه، تكاد تفقد هذه الزمردة بريقها الذي يتمنى عقلاء العالم أن يعم مناطق العالم المثخنة بالصراعات، وفي مطلعها الشرق الأوسط.
وضع المهانة التي وصل إليها العرب لا مثيل لها رغم ما لديهم من ثروات من شأنها أن تجعل لهم وزنًا على الساحة الدولية، ومربط الفرس هنا قصور الحكم العربية التي أخذت في قبول الإهانة تلو الأخرى منذ انبطاح السبعينات وتخليها عن فكرة الوحدة بغية الحفاظ على سدد الحكم المنسوجة من خيط العنكبوت، إضافة إلى غياب الكلمة السحرية الأولى: الديمقراطية.
أظن أن لا وجود صنّاع حضارة في العالم تعرضوا لسرقات معلنة في وضح النهار مثل المصريين والعرب، فأحفاد الفراعنة يشهدون اليوم ادعاءات عبيد الأجداد، اليهود، يروجون بأنهم الذين بنوا الأهرامات، ولم لا وقد سرقوا التراث الفلسطيني ونسبوه لأنفسهم!! أما العرب فيتعرضون إلى الشئ نفسه في أفضل حلقة تاريخية في حضارتهم، الأندلس، إذ يحاول الأشقاء البربر نسبها إليهما رغم اختلاط الدم البربري بالعربي، وزاد الطين بلة موقف بعض المستعربين الإسبان في ادعاءات واهية بأن العرب لم يغزو الأندلس ولم يبنوا حضارتها، بل الإسبان أنفسهم!
الملاحظ أن بعض الأشقاء البربر، الأمازيغ مؤخرًا، ينفثون سمومًا غربية على العرب في المغرب العربي، ووصل إلى بعضهم التشدق على طرد العرب من المنطقة. وهناك دعوة لطرح الطابع البربري على الأندلس، الفكرة التي تلقفها بعض الباحثين الإسبان ليدّعوا أن لا العرب ولا البربر بنوا حضارة الأندلس، ما جعل منها صرعة تتسق مع الدعوة للتخلص من كل ما هو عربي في مصر وشمال إفريقيا.
لا يساورني أي شك في أن البربر أسهموا بسخاء في الحضارة الإسلامية على امتداد الوطن العربي قديمًا، ومثلهم الشعوب الإسلامية الأخرى من خارج الدائرة العربية، لكن هذه الشعوب الأخيرة لا تنازع العرب على ماضٍ بناه الجميع تحت لواء دولة الخلافة في دمشق وبغداد وبعد أن تفرقت الإمبراطورية العربية على الأمصار. وفي الأندلس أبلوا بلاء حسنًا وحالوا دون سقوط الأندلس حوالي ثلاثة قرون، لكن ثوراتهم المتواترة في الأندلس أضعفت حكامها العرب والبربر. بيد أن كل هذا لا يجعلهم يرغبون في نشر فكرة لا جدوى منها وهي أنهم هم الذين غزوا شبه جزيرة أيبيريا، الأندلس لاحقًا، نظرًا لأن طارق بن زياد كان بربريًا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يغزُ البربر شبه جزيرة أيبيريا قبل وصول العرب إلى شمال إفريقيا؟! وإذا كان هم "الفاتحون"، الغزاة، فلماذا لم تتكلم الأندلس اللغة البربرية وهي اللغة التي ينطقها الملايين في شمال إفريقيا؟ ولماذا كانت مظاهرة الحضارة الأندلسية بالعربية؟!
أعتقد أن العلاقات بين أطراف الأندلس، عربًا وبربرًا ومسيحيين ويهودًا، كانت أكبر وأكثر ثراءً وسلاسة من الالتفات إلى علامات الاستفهام المستهجنة هذه. وهنا يذكرني موقف الأشقاء البربر بادعاءات اليهود في الأندلس وإن كانت خافتة، بأنهم لعبوا دورًا في صناعة حضارة الأندلس، إذ يعلمون جيدًا أنهم نسخوا كل ما عندهم من قواعد لغة وعلم عروض من علوم اللغة العربية في هذه الحقول. ومن يتأمل الألفاظ العربية التي دخلت الإسبانية، وتزيد عن أربعة آلاف، يجدها جلها عربية وقلة منها من بربرية، أو أمازيغية كما يحلو للبعض اليوم.
المتأمل لما يحدث من نزاع على تراث الأندلس من طرفين نشيطين، البربر وبعض الأقلام الإسبانية المسمومة، تجاه الطرف الأصيل، العرب، صانعي هذه الحضارة الأصلاء، يدرك أن العرب في صمت مريب، يغطون في سُبات عميق، وكأن الأمر لا يعنيهم.
أعلم جيدًا أن هذا الكلام لا يرضي الكثير من الأصدقاء المغاربيين، وقد عاتني بعضهم على مقالات سابقة، وهنا أذكر لهم واقعتين لعلهم يتفهمون الأمور. وأولها هي أنني أنتمي إلى أسرة ذات أصول موريسكية، رمت عصا الترحال، الذي بدأته من الأندلس في مطلع القرن السابع عشر، في دلتا النيل في القرن التاسع عشر، بعد أن كانت قد دقت أوتاد خيامها في فاس المغربية ووهران الجزائرية. وهناك أخبار متواترة مفادها أن عائلة سالم كانت منتشرة في ربوع الأندلس، وربما كانت الأصول بربرية. ما يعنيني هنا أن شعوري بمصريتي وعروبتي يضاهي شعور أي مصري قبطي بمصريته أو أي بغدادي بعروبته وعراقيته. أما الحقيقة الأخرى فتكمن في أن واحة سيوة تسكنها غالبية بربرية، ما يضع الأشقاء البربر في حيرة أمام مصير أبناء جلدتهم المصريين، هل عليهم أن يعودا إلى حيث جاءوا منذ قرون أم يبقون في الواحة المصرية؟
الولوج في مثل هذه الأمور يعد سفسطة واضعاف للأمة بفسيفسائها العرقي والثقافي والحضاري والديني، يصب في مصلحة العدو الأول ومعها المتربصين بالعرب والمسلمين. وعلى أشقاء الثقافة والدين والوطن ألا ينزلقوا إلى هذه الهاوية التي ستأتي على الجميع بالتفتيت، وسيظل التاريخ في مكانه دون قدرة أحد على تزويره أو القائه بين النفايات. وما يحدث يجئ نتيجة شعور بالخواء أمام غياب الحريات والديمقراطية التي من شأنها أن تجمع أبناء الوطن كافة دون تمييز بين أبناء الأمة حيث يصبح الجميع سواسية عملاً بروح ثقافتنا المستقاة من القرآن والسنة.