عن التوتّر في تواطؤ روسيا مع إسرائيل في سوريا


جلبير الأشقر
الحوار المتمدن - العدد: 6005 - 2018 / 9 / 26 - 09:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


ليس من كاشف للحقيقة في العلاقة بين الناس، أفراداً أكانوا أم جماعاتً أم دولاً، خيراً من الأزمات، إذ أنها تدفع بالناس إلى البوح بأمور كانت مستورة، فغالباً ما تنجلي خلال الأزمات حقائق كانت لتوّها محاطة بالسرّ والكتمان. وقد تأكّدت القاعدة مرّة أخرى في تأزّم العلاقات بين روسيا وإسرائيل، الذي نجم عن تسبّب طيران الدولة الصهيونية بإسقاط طائرة استطلاع إليوشينIl ـ 20M روسية فوق مياه البحر قبال الشاطئ السوري، وذلك يوم الإثنين في 17 الشهر الجاري. وقد نقلت الأزمة إلى العلن جملة أمور منها ما كان الجميع يدركه ومنها ما لم يكن معلوماً، من عامة الناس على الأقل.
الحقيقة التي كان الجميع يدركها هي التعاون الوثيق القائم بين الدولة الروسية والدولة الصهيونية، وهو تعاون على حساب إيران إذ أنه يقوم على اتفاق بين الدولتين على التزام روسيا الحياد حيال التصدّي الإسرائيلي لتواجد إيران وحليفها اللبناني «حزب الله» على الأراضي السورية. ويتضمّن الاتفاق جانباً سلبياً وآخر نشطاً: الجانب السلبيّ يتمّ من خلال إبلاغ إسرائيل روسيا بطلعاتها الجوّية فوق سوريا وغاراتها على مواقع إيران وأتباعها بحيث لا تقوم الدفاعات الجوّية الروسية المتقدّمة والمنتشرة فوق الأراضي السورية بالتصدّي لها.
أما الجانب النشط، فهو التزام روسيا بمنع القوات الإيرانية وحليفاتها من القيام بأي أعمال مباشرة تستهدف إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، وقد تجلّى هذا الجانب على أوضح وجه بالتزام روسيا مؤخّراً إبقاء تلك القوات على مسافة كبيرة من تخوم الجولان المحتلّ. وفي هذا الدور الأخير، تواصل روسيا بكل بساطة الدور الذي قام به نظام آل الأسد بصورة دائمة، ألا وهو منع أي عمليات ضد الاحتلال الصهيوني انطلاقاً من الأراضي السورية ومنع أي تواجد عليها قد يشكّل تهديداً للاحتلال ودولته.
أما الطريف في هذا الصدد خلال الأزمة الأخيرة، فهو البراءة التي عاتب بها إسرائيل المتحدّثُ باسم «وزارة الدفاع» الروسية، آخذاً على الدولة الصهيونية «نكرانها للجميل»، وهو بذلك يقرّ علانية أن دولته تقدّم خدمات جليلة لإسرائيل في سوريا وتتوقّع منها اعترافاً بهذا الفضل عليها. غير أن ما كشفته الأزمة بصورة أوضح مما في السابق، هو أن الاتفاق بين روسيا وإسرائيل يخصّ القوات الإيرانية وتوابعها حصراً ولا يشمل القوات السورية التي تعتبرها موسكو تحت حمايتها، وكيف لا وقد تدخّلت في سوريا لنجدتها.
صحيح أننا رأينا في حالات سابقة كيف تبدّلت لهجة موسكو كلّما تعرّض الطيران الإسرائيلي لمواقع سورية عوضاً عن مواقع محسوبة على إيران. بيد أن الأمر تجلّى بصورة أوضح في الأزمة الأخيرة من خلال تبادل العتاب والتبرير بين الجيشين الروسي والإسرائيلي. فقد صدر عن قوات العدوان والاحتلال الصهيونية، التي تطلق على نفسها لقب «قوات الدفاع الإسرائيلية»، بيان يتأسف بالطبع لما حصل ويُبدي «حزنه» على أرواح ضحايا الحادث، لكنّه يبرّر تخطّيه للخط الأحمر الروسي بأن الطيران الإسرائيلي كان يتصدّى لما أسماه البيان «تهديداً لا يُطاق» يتمثّل بأن الموقع العسكري السوري الذي جرى استهدافه كان على وشك تسليم أنظمة انتاج أسلحة إلى «حزب الله» اللبناني، حسب زعم البيان. أي بكلام آخر مستعار من فنّ الإفتاء، كان الاعتداء على الموقع السوري، وهو محرّم بذاته، حلالاً في الحقيقة لأنه موقع كان يتعاون مع طرف حلّل الاتفاق بين روسيا وإسرائيل الاعتداء عليه.
وثمة أمرٌ آخر انجلى في الأزمة الأخيرة، هو الفرق الواضح القائم بين بوتين وقواته المسلّحة في صدد العلاقة مع إسرائيل. ولا بدّ لكل من تابع تطوّر الأحداث أن يكون قد لاحظ الفرق الجليّ في اللهجة بين «وزارة الدفاع» الروسية والرئيس الروسي. فقد جاء البيان الأول للقوات المسلّحة الروسية عنيف اللهجة ضد إسرائيل، تلاه تصريح فلاديمير بوتين الذي بدا كأنه يبرّئ إسرائيل مُعزياً الحادث إلى «تسلسل ظروف عارضة مأساوية»، ليعقبه بعد أيام عتابٌ جديد شديد اللهجة من «وزارة الدفاع» الروسية لإسرائيل، يتّهم طائراتها بتعمّد الاختباء وراء طائرة الاستطلاع الروسية ويحمّلها بالتالي مسؤولية مباشرة عن إسقاط الدفاعات الجوّية السورية لتلك الطائرة.
ومن المرجّح تماماً في ضوء كل ذلك أن قرار موسكو تسليم صواريخ أرض/جوّ S ـ 300 لقوات النظام السوري إنما جاء إرضاءً للقوات المسلّحة الروسية وإخماداً لامتعاضها، على أن يكون استخدامها محصوراً بالخط الأحمر المرسوم من قِبَل موسكو وتحت رقابتها المباشرة.
أي أن القوات الروسية لن تأذن باستخدام هذه الصواريخ إلّا في حالات تخطّي الطيران الإسرائيلي للخط الأحمر الروسي بتعدّيه على مواقع سورية، ولن تُستخدم الصواريخ بتاتاً في توفير غطاء للقوات الإيرانية وتوابعها. وبكلام آخر، فإن القرار الروسي هو في جوهره رسالة لإسرائيل لتذكيرها بشروط الاتفاق بينها وموسكو وحثّها على إبلاغ القوات الروسية بتحركّاتها بما يكفي من الوقت مُسبقاً بحيث يتمّ تفادي مثل الحادث الذي حصل.
هذا على الأقل ما يُرجّح أن تكون موسكو قد قصدته. لكنّ رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو لم يتأخر في الاتصال بصديقه بوتين، يوم الإثنين الماضي وبعد الإعلان الروسي على الفور، ليحذّره من خطورة وضع صواريخ متقدّمة بين «أيادٍ غير مسؤولة»، حسب التعبير الذي ورد في التصريح الصادر عن مكتبه. وقد حذّر مسؤول سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية في تغريدة نقلتها صحيفة «نيويورك تايمز» في اليوم ذاته من خطورة تسليم الصواريخ لأناس «غير محترفين» بما يشكّل تهديداً حسب رأيه ليس للطيران الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً لطيران التحالف الذي تقوده أمريكا في التصدّي لتنظيم «داعش»، بل وللطيران المدني. وإزاء هذا الضغط والتنويه بما ينطوي عليه تسليم الصواريخ من مخاطر جمّة، تكوّن لدى عدد من المراقبين شكّ في أن تسليم الصواريخ سوف يتمّ بالفعل، بينما تكهّن آخرون بأن الصواريخ، إن جرى تسليمها، سوف تبقى تحت السيطرة المباشرة للأيادي الروسية «المحترفة والمسؤولة» بحيث لن تبدّل شيئاً في الواقع.