كيف بدأت مغامرة طبعتي العربية للقرآن


سامي الذيب
الحوار المتمدن - العدد: 5999 - 2018 / 9 / 20 - 02:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

بعد الانتهاء من ترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن، بدأت بالإعداد لكتاب عن حقوق الحيوان في الديانات السماوية الثلاث، وهو موضوع كنت أود منذ زمن طويل البحث فيه بعد أن نشرت كتابًا ضخمًا بالفرنسية عن حقوق الإنسان في الإسلام. وفجأة اتصل بي رجل دين مسيحي عربي وسألني عمّا أفعله بعد تلك الترجمات. فأخبرته عن موضوع حقوق الحيوان. فضحك وقال: «لقد ترجمت القرآن إلى الفرنسية والإنكليزية والإيطالية، ولكن ماذا قدمت لنا نحن العرب؟» فاستغربت سؤاله وطلبت منه توضيح هدفه. فأجاب بأنه ينتظر مني طبعة عربية للقرآن بالتسلسل التاريخي مشابهة للترجمات الثلاث أنفع بها أبناء جلدتي. فرددت عليه بأن القرآن مطبوع بالعربية ويمكن لأي عربي أن يقوم بترتيبه وإضافة الهوامش له. فقال بأن ذلك مستحيل في الدول العربية، وأني أملك معلومات غير متوفرة بسهولة في تلك الدول، ولي خبرة في هذا المجال؛ ولذلك كان لزامًا علي القيام بهذه المهمة. وبعد نقاش طويل رضخت لطلبه وبدأت بالإعداد لهذه الطبعة. وبما أن إتمام هذا العمل استغرق عدة سنين، قررت توفير كتابي على الأنترنت مجانًا مع الإبقاء عليه مفتوحًا بحيث أضيف إليه كل ما يستجد من معلومات أجدها خلال أبحاثي أو يدلني عليها قُرائي. وقد شجعني على ذلك تحميل الطبعات الأولى منه بأعداد كبيرة لم أكن أتوقعها، مما أوضح لي بأن هناك طلب عليها. وقد كتب لي بعضهم بأن العثور على كتاب كهذا كان حلمهم منذ زمن طويل وأنني قد حققت ذاك الحلم لهم.

ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن المعتني بهذه الطبعة ليس مسلمًا بل مسيحيًا. وكنا نرغب أن ينجزها مسلمون، ولكن ذلك غير ممكن بسبب رفض السلطات الدينية في الدول العربية والإسلامية الخروج عن المألوف في طباعة القرآن رغم تحبيذ بعض المؤلفين المسلمين نشر القرآن بالتسلسل التاريخي، كما سنرى لاحقًا. فقمنا بعمل هذه الطبعة بدلًا منهم لخدمة المسلمين وغير المسلمين المهتمين بالقرآن. ونحن نعتبر أن القرآن ليس حكرًا على المسلمين وليس ملكًا لأحد وفقًا لما جاء في القرآن: «إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ» (7-81: 27)؛ «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (73-21: 107). فيحق لغير المسلم، لا بل من واجبه أن يقرأه ويحاول فهمه، ليس بالضرورة كما يفهمه مشايخ المسلمين، بل كما يمليه عليه عقله، خاصة أن القرآن ذاته يرفض كل سلطة دينية: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ» (113-9: 31). كما يحق لغير المسلم، لا بل من واجبه، أن يوصل هذا الكتاب إلى غيره بالطريقة التي يراها أكثر ملاءمة. فالقرآن جزء من الثقافة العربية لكل عربي مهما كانت ديانته، وجزء من الثقافة الإنسانية لكل أمرئ مهما كانت قوميته. وعلى كلٍ، نحن لا نفرض قراءة هذه الطبعة على أحد ولا نبتغي الربح من ورائها إذ أننا قمنا بإعدادها دون أي مقابل مالي ونضعها مجانًا تحت تصرف القراء: «وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» (47-26: 109). ونشير هنا إلى أن القصد الأساسي من هذه الطبعة ليس التعبد والتلاوة ولكن البحث العلمي وتدبر القرآن.

ونحن نرى أن على المسيحيين واليهود الشرقيين أن يهتموا بالقرآن كما يهتم به المسلمون، لا بل أكثر منهم، لأنه جزء من تراثهم ويعتمد على كتبهم بصريح نص القرآن، فهو يقول إنه مصدق لما بين يديه (انظر مثلًا الآية 66-46: 30). ويمكنهم القول مثلما قال إخوة يوسف عندما عادوا من عند أخيهم مع بضاعتهم: «هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا» (53-12: 65). وعليه، أرى أن على المسلمين أن لا يغتاظوا من اهتمام الشرقين المسيحيين واليهود بالقرآن، فهو كتابهم بقدر ما هو كتاب المسلمين، حتى وإن اختلفت نظرتهم إليه. فكل كتاب يمكن أن يُنظر إليه من زوايا مختلفة، ولكلٍ الحق في فهمه كما يمليه عليه عقله وضميره ومجال بحثه. فمثلًا كتاب «رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا» جزء من التراث العربي، بينما الإسماعيليون يعتبرونه أحد كتبهم المقدسة. وكل مجموعة تدرس هذا الكتاب وفقًا لنظرتها الخاصة. هذا وأشدد على أن هذه الطبعة لم تمس نص القرآن، واكتفت بترتيب السور بالتسلسل التاريخي وفقًا للأزهر، مضيفة في عمودين منفصلين النص القرآني بالرسم الكوفي المجرد والإملائي، وعلامات الترقيم الحديثة، وهوامش للمساعدة في فهمه.
-----
من مقدمة طبعتي العربية للقرأن بالتسلسل التاريخي
النسخة المجانية: https://goo.gl/MzdTib
النسخة الورقية من امازون: https://goo.gl/nKsJT4
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb