جنون العَظَمَة- الطبّ النفسي الاجتماعي- حكايتي 9


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5998 - 2018 / 9 / 19 - 23:31
المحور: الادب والفن     

من يعتقد أنّه أفضل من أي شخص على هذه الأرض ساذج أو مغرور…
الرهان على أفضليتك يحكمه نبلك في التعامل.. تستطيع أن تكون الأفضل في علاقة ما: إن كان تعاملك هو الأفضل.
**********


فيما كتبت سها:
“ يا دكتورة جميع أصدقائي لم يصونوا الخبز و الملح، و منهم تلك الوضيعة التي رافقتها بعد حادث سيارتها لمدة شهرين في المشافي.. لا تتصل بي إن لم أتصل، و قالت لأمي أنني يجب أن أتزوج- تحاول الإيقاع بيني و بينها- تضع منشورات على الفيسبوك و تويتر حول عمليات تجميل الأنف.. هي تعرف أني أكره أنفي.
لست في حاجتها أنا أكره العلاقات الحميمة… عندي كثيرمن الزملاء، فأنا اجتماعية كثيرة كجميع مولودات برج الميزان.. لكني لا أثق تماماً بهم.. كما يقولون سوء الظن من أذكى الفطن”.


ليس في الطب النفسي من تعميم..لكن ليست رساله سها الوحيدة التي وصلت تحمل نفس الشكوى، رسائل أخرى مطوّلة حكت ما يشبه ذلك…

أشكر سها على ثقتها بنفسها و طرحها للمشكلة.
**********


الحياة ليست طويلة لتحتمل العتب و اللوم.. أو لتحتمل توقف الثقة بالآخر و تحوّل الإنسان إلى عدّاد أخطاء، و مترجم لنوايا غيره.

كثيراً ما نمزح كأطباء نفسيين حول تحليلنا لكل شيء، لكننا نعرف أن غالب تأويلاتنا في علاقتنا الشخصيّة و العائلية تخضع للعاطفة قبل العلم، لذلك نحملها كإنسان و يهزها أضعف الإيمان.. يعني ببساطة لا نمتلك الحق و لا الحقيقة و لا نخسر الناس تبعاً للغيبيات.

من يفعل ذلك ؟
الأغبياء؟ليس تماماً..
المتكبرون؟ ليس دائماً..
الطيبون؟ لا
النساء عموماً؟ طبعاً لا..

نحن في الفضاء الواسع ل:

اضطراب الشخصية المرتابة: Paranoid personality disorder (PPD):
و يسمى في اللغة العربية المحكية ( جنون العَظَمة):
و يتسم بالشك الدائم في نوايا الآخرين، الحساسية الشديدة تجاه أي موقف مسيء، الحقد على المسيء.. عدم القدرة على الغفران، الارتياب المستمر، و تفسير الكلام و التصرفات من الزملاء على أنها عدائية أو تحمل نوايا خبيثة.
غالباً مايكون صاحب هذا الاضطراب في الشخصية شديد الاعتداد بذاته، و هو يحمل فكر نظرية المؤامرة سواء في حياته الشخصية أو على نطاق عالمي.
يكثر هذا الاضطراب عند الرجال، لكن للنساء حصة كبيرة فيه. لا يحتاج الشخص لجميع الأعراض السابقة ليحمل التشخيص، بل ثلاثة منها كفاية…

لا أذكر الأمراض النفسيّة من صلب العلم، لأنني أحرص على سلاسة الطرح لا على تشخيص الناس.. لذلك إن كان الوعي الذاتي عند أي شخص كافٍ لزيارة طبيب نفسي، فهو سيد المرض لا عبده. لذلك ببساطة سأشرح حول أنماط للشخصية المرتابة:


اضطراب الشخصية المرتابة المتعنت: Obdurate paranoid
و يفسر بعض الأشخاص ك النكد، العنيد، العدائي… “ لا تحاول إقناعي لقد عنيت هذا.. أنت لست صدق أنت عدو”.

اضطراب الشخصية المرتابة المتعصب: Fanatic paranoid
و يضم من صفات الشخصية النرجسيّة: و يفسر بعض المتعالين، محتقري الناس، أصحاب التصوّرات الشخصيّة الكثيرة، و تأويلات المواقف الأكثر.. “ أنا وصلت لوحدي، تعبت من غدر الجميع بي، هم يريدون فشلي، يحاولون تعليمي الحياة و أنا أفهم منهم…”

اضطراب الشخصية المرتابة المعاتب: Querulous paranoid
و يضم كثير من الصفات السلبية، شخص تعيس يحب الجدل و يعيش فيه و به، تحكمه الغيرة و تفسير التصرفات و الأقوال على هواه، و لا تجد منه إلا قول “ أنت فعلت هذا.. و قد قلت ذاك.. قصدت هكذا و عنيت كل هذا…”.

اضطراب الشخصية المرتابة المتجنب: Insular paranoid
هنا و بعد التأويلات الخاطئة، ينسحب الشخص من حياتك.. و يمزح الناس حوله قائلين: “ هل أخطئنا في حقك في المنام…؟” في الحقيقة عند صاحب هذا الاضطراب تصورات و تأويلات أخرى لمواقف و كلمات عادية أو حتى بريئة ممن حولهم.

اضطراب الشخصية المرتابة الخبيث: Malignant paranoid
هنا تكون صفات الساديّة و القسوة واضحة، و نحن أمام مستبد يظن الناس أعداء حقيقين فيحاربهم و يؤذيهم قبل أن يؤذوه.


و برغم صعوبة التفصيل و الشرح بين أنماط هذه الشخصية، يبقى العنوان الوحيد لعلاجها هو زيارة الطبيب النفسي بشكل منتظم.. و الركيزة الأولى للتحرر من سيطرتها على حياة الأشخاص هي المعرفة بها من قبل صاحبها و تحجيمها إلى مرض بدلاً من جعاها شخصيته و سيدة الموقف.


و لا أنسى أن أذكر أن بعض الناس يحملون شيئاً شديد البساطة من االأعراض و غير مؤثر على العلاقات الاجتماعية والعمل و هنا نحن لسنا أمام مرض أو اضطراب، بل أمام خلّة : خلّة الشخصية المرتابة، و هذا لا يحتاج طبياً نفسياً، بل كثيراً من المطالعة و الهوايات.

و إذا أردنا أن نعمم اضطراب هذي الشخصية عل شعب كامل، فنحن حتما ًمخطئون.. على الرغم من كثير النظريات التي تسم -تعميماً- العرب بصفات الشخصيّة المرتابة، كما تسم الغرب بصفات الشخصيّة النرجسيّة.. و للحديث صلة.
***********

بشكل مباشر، شديد البساطة و خفيف جداً، سأستمر في " حكايتي"...
طرح الحكاية قد يفيد صاحبها قليلاً، لكنه يساهم بشكل كبير في زيادة التوعية بالطب النفسي و محاربة الوصمة تجاه الأمراض النفسية.
في القرن الحادي و العشرين إن شاهدت من يقول لك، لم و لن ألجأ إلى الطب النفسي في حياتي.. اعرفْ أنك تتحدث مع شخص لا يعاني فقط من أعراض بسيطة، بل قد يطول علاجه لسنوات.

أنتَ كما تحلم أن تكون...

لا تنسوا أرسلوا حكايتكم إلى موقع الطب النفسي الاجتماعي: https://www.sociosomatics.com