تأملات فى الإنسان


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5995 - 2018 / 9 / 15 - 20:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود (87) .
هى تأملات فى الإنسان تحاول الغوص في أعماقه لإدراك الأسباب الدفينة التى تنتج فكره وسلوكه بعيداً عن التمويه والمراوغة التى يمارسها ليدارى ما فى أعماقه .. هى تأملات نتزع ورق السلوفان الملون التى تحجب الرؤية عن دواخله .

- مشكلة الإنسانية أنها حائرة بين طبيعتها العنيفة القاسية الأنانية وبين إرثها التطوري الحضاري , فطبيعتنا تدفعنا للصراع والعنف والتسلط والأنانية , بينما تجاربنا وإرثنا الحضاري يكبح جماح هذا التسلط والعنف لتتأرجح الإنسانية بين هاذين القطبين , ولكن للأسف تميل الكفة كثيراً لصالح العنف والأنانية فيحظى كل من يمتلكهم على السطوة , ولنا أمريكا والإستعمار وكل القوى الباغية على مر الزمان مثالاً .

- لو تصورنا زوجان أحدهما مخلص لزوجته والآخر يمارس الجنس مع نساء عديدة فأيهما أفضل فى البقاء ؟ بالطبع الذي يُصدر جيناته فى نساء عديدة سينتج نسل يكون إحتمالية بقاءهم أكثر , بالرغم أن سلوكه هذا قبيح ومُستهجن وفق المعايير الأخلاقية , وهذا ما أقصده بالإنسان الحائر بين طبيعته وإرثه الحضاري , فطبيعته تميل للإنفلات الذى يضمن له البقاء , وإرثه الأخلاقي يكبح هذا الإنفلات .

- ماهو الفرق بين الإنسان والحيوان ؟ الحيوان يعيش واقعه الموضوعي فقط بينما الإنسان يعيش حالة إزدواجية بين واقعه الموضوعي وفرضياته الخيالية محتضناً حافظاً ومتأثرا بخيالاته متبنياً إياها في داخله لتؤثر على ذهنه وسلوكه ونهجه الحياتي وواقعه الموضوعي .. مصيبة الإنسان عندما ترتفع الفرضيات الخيالية لتحكم واقعه الموضوعي . (الفرضيات الخيالية هى كل أيدلوجية وإعتقاد وإيمان وفلسفة بفكر ليس له وجود موضوعى ) .

- ونحن صغار كنا نطرح على بعضنا سؤال : هل أنت تعيش لتأكل أم تأكل لكي تعيش ؟ . كنا نجاوب على هذا السؤال بفذلكة مقصودة بأننا نأكل لكي نعيش .. كانت إجابتنا هذه تحاول أن تعطى إنطباع بأننا لسنا أسرى بطوننا وأن الحياة فيها من المعرفة والفنون والجمال الممتع أكثر من ملأ بطون خاوية , ولكن دعونا نتعمق فى السؤال : هل تأكل لتعيش أم تعيش لتأكل؟ ..لو تأملت قليلاً فنحن نعيش لنأكل ولكن عندما يتوفر حد من الأمان الغذائي فإننا نأكل لكي نعيش , وعندما يتبدد هذا الأمان فلا نضمن الوجبة التالية فحينها نعيش لنأكل ولتذهب المعرفة والفنون والجمال للجحيم .

- هل ممارسة الجنس من أجل التكاثر ونقل الجينات أم حاجة طبيعية لممارسة الجنس ليأتى التكاثر فى الطريق وكنتيجة حتمية للممارسة ؟ الجنس حاجة طبيعية لا تضع التكاثر كأولوية , فالكائن الحي الغير عاقل لا يقول هلم لأصدر جيناتى , كذا الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يمارس الجنس للمتعة أولاً وعلى إستعداد لمنع التكاثر فداء متعته .
التمعن فى هذا التأمل جيداً يجعلنا ندرك العشوائية التي أنتجت نظام فليس هناك خطة , فنحن نعيش الطبيعة لنخلق من عدم جدواها وإنعدام غايتها جدوى ومعنى وغاية .

- هل من الصحة القول بأن الإله يُحرم السرقة والعلاقات الجنسية الحرة أم أن الحقيقة أن المُلاك هم من إنزعجوا من سرقة ممتلكاتهم ومن يشاركهم أوانيهم الجنسية مما يعنى اختلاط الأنساب وتبدد أملاكهم فإستدعوا فكرة الإله المُنزعج المنتقم الذي سيعذب من يقترب من أموالهم ونساءهم .

- هل التعاضد والتكافل الإنساني بدعم الفقراء والمحتاجين رؤية إنسانية رحيمة أم رؤية تخشى ثورة الفقراء خشية أن يقلبوا الطاولة , فلنهدئهم ببعض المساعدات , وليتولى مُبدعي الدين ورجاله بتخديرهم بأن هكذا هي إرادة وقسمة الأرزاق الإلهية .

- هل الفقر والظلم الإجتماعي نتائج سلبية لنظم إقتصادية إجتماعية أم نتائج حتمية مُتعمدة من قِبل نخب إجتماعية هكذا رؤيتها وغايتها , فلن يحس الأغنياء بغناهم وتميزهم بدون وجود الفقراء .

- لماذا غطى الرجل جسد المرأة هل للحفاظ على الجسد من الطقس الحار والبارد ؟ فالمرأة عاشت آلاف السنين عارية ومازالت قبائل فى أفريقيا والأمازون وفى جنوب شرق آسيا عارية حتى الآن .
الرجل غطى المرأة ليؤجج الشهوة والهوس الجنسي في داخله , فالعرى سيخلق حالة من الإعتياد , بينما الحجب سيخلق الفضول والهوس فيما وراء الرداء ليتصاعد الشغف والهوس الجنسي , فلا يتوهم أحد قصة الفضيلة والعفة , فالغاية هى هوس وفضول وشغف .. إعلم أنه كلما زاد الحجب والتغطية فهذا يعنى إرتفاع حجم الهوس الجنسى .

- جرائم الشرف التى تنال من إمرأة كونها أحبت وتزوجت شاب من خارج القبيلة دون إرادة أهلها كذا قصة قتل المرتد , لاعلاقة لهما بالشرف أو الغيرة على الدين كما يُروج , بل لكون المرأة ستعطى نسلها لقبيلة أخرى مما يعنى خصم من رصيد قبيلتها الإنتاجى وإضافة لرصيد القبيلة الأخرى , كذا المرتد خصم مقاتل من الدين ليضيف رصيد لدين آخر .!

- لا يوجد شئ إسمه جمال فى ذاته أى به جزيئات تدعو جميلة , فالجمال إحساس وإنطباع يتم إسقاطه على الأشياء عندما تتوفر مصلحة وفائدة ومعنى , فعلى سبيل المثال نرى النهد الشاب جميلاُ كونه يمنح اللبن لنماء الأطفال ونرى نفس النهد قبيحاً عندما يكون عجوزاً مترهلاً , كذا نرى مؤخرة المرأة المنحنية جميلة مثيرة كونها تعنى أنها قادرة على الحمل والولادة بصورة سهلة .. نحن نخلق الجمال من المردود والفائدة وفى معظم الأحيان نغفل ذلك .

- ناموس الحياة هو الصراع حتى الموت , فمن الموت نبنى الحياة , فنحن نبنى حياتنا ونحافظ عليها بنزع الحياة من كيانات وجودية أخرى , فنذبح الحيوانات والطيور لنأكلها ونقتل الفيروس لنحافظ على وجودنا , كما أن الحيوانات والفيروسات تفترسنا لتبنى حياتها وتحافظ على وجودها .. لماذا نعتقد أن هناك عناية وإحتفاء خاص بنا فنحن نعيش بين قطبي الحياة والموت والصراع شأن أى كائن حي آخر بلا أى ميزة إضافية .

- الإنسان كائن باحث عن الصراع والعنف بطبيعته , وما إستحداثه من منافسات رياضية ليس سوى تفريغ طاقة الصراع والعنف بطريقة سلمية بعيداً عن الدم لتبقى طاقة وشهوة العنف تحت الجلد لا تفارقه ليستمتع بالألعاب العنيفة كالمصارعة الحرة والملاكمة ممارسةً أو مشاهدةًً كدليل على شغفنا بالعنف .

- لماذا يضحى الإنسان بالحيوانات ذبحاً تقرباً للإله أو طلبا لمغفرة الخطايا , ولماذا لا يأكل الحيوانات إلا مذبوحة من الوريد للوريد ؟!.. هل كما يشاع من فكرة أنها إرادة الإله وأن هكذا التقرب له ومراضاته أم هو إستحضار العنف والوحشية الكامن فينا وإيجاد لها مخرج وممارسة .

- الإنسان يعيش وهم الحرية ليقع بين رحى فكر اللاهوتين والماديين اللذان يتفقا لأول مرة على إنعدام الحرية , فاللاهوتيون يعلنون عن إرادة وقدر وترتيب ومشيئة الإله وكتابه المحفوظ لكل إنسان فلا جنوح ولا شطط عما خططه , والماديون يرون أن الإنسان خاضع لظروف مادية لا فكاك منها ليتحرك كمحصلة للقوى المؤثرة عليه وتكمن حريته في إدراك الضرورة فقط , ورغماً عن ذلك يعيش الإنسان وهم الحرية وعلى إستعداد للتضحية فداء الحرية , ولكن الطبيعة لا تحاسب أحد على حماقاته .

- أكبر خدعة مورست منذ فجر التاريخ هو تصور أن هناك ممتلكات وحقوق شرعية للمُلاك في الإقتناء والإستحواذ لتقوم كل الأديان والمعتقدات بلا إستثناء بترويج وتكريس وتقديس الملكية والإستحواذ لتصل إلى إمتلاك البشر .. الملكية لا تزيد عن بلطجة وسطو وإغتصاب وإستغلال جهد البشر .. حينما نستفيق ونسحق الملكية سيزول شقاء الإنسان ولن يبقى للدين والإله أى وجود .

- الملكية شوهت الإنسانية فحب المرأة هو حب إمتلاك وإستحواذ وإعتلاء , فمتى إستحوذناها فقدنا كل الحب والرومانسية فقد صارت فى الحيازة .

- الوضع الطبيعى أن تنجذب المرأة لمن يستطيع أن يشبعها جنسياً وقادر على التلقيح , ولكن مع الملكية صارت الأمور لمن يقدر على دفع ثمن الإعتلاء والإعاشة , فأليس الزواج عهر مقدس ؟!

- حبنا لأطفالنا هو حب إمتلاك فهكذا هم نتاج تصدير جيناتنا وهكذا ممتلكاتنا ومن هنا نشأ الإمتعاض من عدم الطاعة والإمتثال , ومن هنا أيضاً تم رسم صورة الإله المالك فلا يحق لأحد الإنصراف عن عبادته وطاعته .

- الذهب معدن نفيس نادر بذل الإنسان جهود ضخمة منذ فجر التاريخ للتنقيب عنه وإستحواذه فى ظل ظروف غاية فى الصعوبة , فلماذا حرص الإنسان على التنقيب عنه ؟! أتصور أن الأمور لا تزيد عن تحقيق رغبات تمايزية فوقية للوصول لغاية أن هناك من يمتلك الذهب وهناك من لا يمتلكه لتحقيق لذة التمايز والفوقية .

- الإنسان والقيمة . تاجر الذهب يعرف قيمة الذهب جيداً ومشترى الذهب يعرف قيمته أيضاً , ولكن عندما يموت تاجر الذهب والمشترى فلن يكون للذهب أي قيمة .. القيمة ليست في الشئ ذاته بل نحن من نضع قيمة للأشياء .. كثيرا ما يتوه عنا هذا المعنى لنجعل للأشياء قيمة في ذاتها بدون تقييمنا .

- مشكلة الإنسان أنه صانع ومبدع المعنى والغاية , ومأساته أنه نسى ذلك ليتصور بوجود كيانات تبث المعنى والقيمة والغاية .

- الإنسان من الكائنات القليلة الذى يُمارس التوحش دون أن يكون جائعا .. الكائن الوحيد الذى يحتفظ بفرائسه ويخزنها .. لماذا يكتنز عشرات الأرغفة بينما يكفيه رغيف خبز واحد وتجد غيره لا يمتلك كسرة خبز .. إنها اللذة المجنونة الشريرة فى التمايز ..أن احس بسطوتي وقوتي وهيمنتي .. إنها اللذة الخبيثة أن أحس بالمتعة في عيون الجوعى والمحتاجين .!

- يفتنى أشد الإفتنان عالم ماتحت البحار لأستمتع بثراء هذا العالم اللونى والجمالي لأدعوكم لمشاهدة هاذين الفيديوهين على سبيل المثال
https://www.youtube.com/watch?v=TGicnrS0fsk
https://www.youtube.com/watch?v=bwPgi4S7AFs
لأسألكم : هل هذا العالم الثرى المتنوع بأكثر من مليون نوع من الأسماك عاشت فى البحار وإنقرضت , كما يعيش غيرها الآن , ولا ندرك عنها شيئا , فمِن أجل مَن؟ فهل هي سخرت من أجلنا كما تروج بعض الميثولوجيات أم هكذا الطبيعة لا تحفل بأحد ولا تنتج منتجاتها من أجل أحد , فهل هكذا الأمور أم أننا أمام غرور ونرجسية إنسانية غبية ؟! غرور الإنسان جعله يتوهم أن الأشياء ذات غاية ووظيفة وإرادة .. نحن نولد ونأكل ونتناسل ونموت ولكننا جعلنا لدورة حياتنا معنى وأهمية .. الطبيعة التى إحتضنتنا نحن والسمكة لن يعنيها من وضع لدورة حياته معنى .

- هناك منهجان فى الفكر أحدهما متواضع يعرف قدر حجمه والآخر يحتلي بغرور متغطرس لا يوجد ما يبرره .. هناك من يرى أنه جزء من الطبيعة وكمفردة من مفردات الحياة بدون أي ميزة إضافية وهناك من يرى أن كل الحياة كلها جاءت من أجل عيونه .

- آفة الحياة البشرية هى الطمع والإستئثار ليحكم وليتحكم الطامعين والمستغلين في البشرية منذ فجر التاريخ وحتى الآن ولا يهم تحت أى مظلة وقفوا أتحت شرائع تم إلقاءها من السماء أو أيدلوجيات من إنتاج الأرض .

- بالرغم ان الحرية ليست شئ أصيل وذا وجود حقيقى فى الحياة فقد تم إيهام البشر بأنهم أحراراً , ولكن لكي تكون قيادتهم ممكنة تَم إقناعهم بأنهم عبيد , فأصبحوا يعشقون الحرية ويخشون تحققها ويرفضون العبودية ويُمارسونها طواعية , حتى باتت مطالبهم وأهدافهم غير واقعية حيث يُطالبون بحرية تحت سقف العبودية .!

- الإنسان تطور وترقى وتحضر من خلال الشك , فبالشك تمكن من إختبار الأفكار وفرزها لتجد أن أي إبداع جاء من فعل الشك وتوقفاته وتقليبه للأفكار , لذا أي أيدلوجية أو فكر أو دين ينفى ويسحق الشك يصير ملعوناً معرقلاً لنهوض وتطور الإنسان داعياً للجمود ويجب مناهضته أولاً .

- لا يوجد هذا الهراء عن الإيمان والقناعات ليس لكون الأديان والمعتقدات هى الهراء والخبل بعينه , بل لأن الإيمان هو عملية إنتماء لهوية مجتمعية فهكذا حاجة الإنسان المُلحة للإنتماء والإنتساب للمجموع , لذا عندما تُمحى الهويات والقوميات الخاصة نحو مجتمع إنساني أممي فلن نكون بحاجة للأديان بآلهتها .

- إشكالية الإنسان هو تأرجحه بين نهجي فى التفكير , نهج يرى أن الوجود هو الذى ينتج المشاعر والأحاسيس والإنطباعات , ونهج يرى أن المشاعر والأحاسيس تنتج الأفكار .

- إشكالية الأديان والعقائد ليس فى حجم التهافت والتناقض والبداوة فيها فحسب , بل لكونها إفترضت وجود حقائق , ثم إفترضت أن عدم إدراكها هو دليل على عجز البشر , ثم حَمّلت البشر مسئولية عجزهم ,الأمر الذي جعل من الكثير من البشر مجرد جلادين لأنفسهم وفاقدي الثقة بذاتهم .

- كيف نأمل لمجتمعاتنا أن تتقدم وتتطور لنناهز العالم الأول فى حضارته ونحن مازلنا نعشق الأغلال فى أيدينا بل تجد من ينشدون قصائد الحب والهيام للأغلال , بل بعض الحمقى يفتخرون بتلك الأغلال ويرونها تمايزاً عن الذين تحرروا من أغلالهم وعلى إستعداد لقهر الآخرين للخضوع لأغلالهم .

- مشكلة الإنسانية على مدار التاريخ وحتى عصرنا الحالى أن أصحاب الأفكار والرؤى الخاطئة المغلوطة هم الأكثر سطوة وتعسف .. يلزم للتطور ليس تنوير هؤلاء الرجعيين المتشددين بل كسر رؤوسهم العفنه .

دمتم بخير وإلى تأملات أخرى فى الإنسان .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .