على مذبح ثلاثية الحصة- الطائفة- الفساد، تنتفض البصرة!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 5983 - 2018 / 9 / 3 - 00:04
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

على مذبح ثلاثية الحصة- الطائفة- الفساد، تحولت مدينة البصرة الى مدينة منكوبة. فقد بلغ عدد الذين تعرضوا للتسمم بسبب عدم تعقيم المياه وارتفاع نسب ملوحته الى الان 18 الف، حسب تصريحات الجهات الصحية في المدينة مما يهدد بخطر انتشار مرض الكوليرا. ادت ملوحة الماء الى ان يهاجر المزارعون والفلاحون اراضيهم ويتحولوا الى عاطلين عن العمل، مضيفة اعداد جديدة الى البطالة التي نسبها عالية اساسا في هذه المدينة كما في غيرها من مدن العراق. حتى الحيوانات والاسماك تتعرض للموت بسبب ملوحة المياه. تعجز الدولة التي تصدر نفط المدينة الى كل انحاء المعمورة، ان توفر لها ماء صالحا للشرب لها. وما يترتب على ذلك من تداعيات.
الا ان هذا ليس احد نتائج الاستراتيجية القائمة على اساس المحاصصة وفقا للطوائف، وما ترتب عليها من فتح الفساد على مصراعيه بدون حسيب او رقيب، فكل الاطراف المتحاصصة لها مصلحة في السكوت عن الفساد.
هاهي البصرة تنتفض الان ولشهرين متواصلين، والاحزاب "الفائزة" في "الانتخابات"، التي هي نفسها وذاتها التي حكمت العراق من عام 2005 ولحد الان، مشغولة تتصارع فيما بيها على حصة الاسد في الحكومة القادمة، امريكا تساند اطرافا، وايران تساند اطرافا اخرى في "البيت الشيعي" الذي يقسمه عموديا الان الصراع على الحصص، وخاصة حصة الاسد.
جماهير البصرة المنتفضة تتطلع الى الحكومة الحالية او القادمة ان تقدم لها حلا. والحال لم يكن لدى الحكومة السابقة حلا ولن يكون لدى الحكومة القادمة. فالاحزاب هي ذاتها تعود من جديد. وكل المجربين سيجربون من جديد، على العكس من نداء السيستاني، مرجع الاحزاب الشيعية، الذي دعا الى "المجرب لا يجرب". انها نفس الاحزاب التي ادت الى ان توصل البصرة الى هذه الاوضاع، ستدير دفة الامور من جديد.
ولن يتغير شيء في الحكومة القادمة، مهما غيروا اماكنهم في لعبة الكراسي. والسبب واضح ولمسته الجماهير وهو نظام المحاصصة. ان سياسة المحاصصة تعني في جوهرها تقسيم الموارد على الاحزاب. وكل حزب يحصل عل حصة بفعل موقعه في السلطة تحت اسم "توزيع الوزارات" بين الاحزاب "الفائزة". والذي يحصل هو انه ليست هنالك مؤسسات الدولة، بل هنالك احزاب تستفرد بالوزارات. تعطي الاموال للاحزاب. يقوم الحزب باستخدام تلك الاموال لتقوية موقعه وميلشياته واعلامه ومقراته ويغدق على المسؤولين فيه. تستخدم موارد تلك الوزارات للاثراء والاثراء الفاحش، ولتقوية الحزب ورشوة اعضاءه ومؤيديه. ويوفر فرص العمل لاولئك المنتسبين لهم من اجل توسيع رقعة "جماهيريتهم" واتباعهم، ويوفر منافع لاتباعه فهم قاعدته الانتخابية. وتبقى مؤسسات الدولة بدون "صاحب"، لا احد مسؤول عنها. تبقى مؤسسات الدولة خالية من اية امكانيات مالية لتقدم خدمات للمواطن. وهذا ينطبق على كل الوزارات. فرغم كل المليارات التشغيلية التي منحتها ووزعتها الدولة على مسؤولي الاحزاب باعتبار لديهم وزارات، تبخرت في داخل الحزب. وبقي الناس بدون كهرباء وبدون ماء وبدون فرص عمل، وبدون تعليم وبدون صحة. كل شيء يجب ان يشتريه المواطن من السوق، وينسى قضية مسؤولية وواجب الدولة. ان الاحزاب معنية بادامة وجودها في السلطة، وليست معنية بتقديم خدمات او فرص عمل للمواطن. والانتخابات لا في عام 2005 ولا في 2018 كانت انتخابات على اساس صراع واختلافات حول برامج اقتصادية بل على اساس "تحالفات" بين احزاب، طوال فترة الاعداد للانتخابات صدعت رؤوسنا، من يتحالف مع من، ومن خرج من من. انه صراع بين احزاب وليس بين برامج للمجتمع.
ليس بوسع الحكومة، لا السابقة ولا اللاحقة، ان تقدم حلا لا لمشكلة الخدمات (ماء وكهرباء) ولا لمشكلة البطالة، السبب الذي تظاهر من اجله المتظاهرون على امتداد شهرين الان. فالحكومة العراقية مشروط عليها من قبل صندوق النقد الدولي بايقاف التوظيف الحكومي من اجل تقليص نفقات الدولة. الـ10 الاف وظيفة التي وعد بها العبادي للمتظاهرين في البصرة ووظائف اخرى في المحافظات ستوزع ان لم يكن للاحزاب فلشيوخ العشائر من اجل شرائهم، وتقوية مواقعهم لاخماد التظاهرات. نظام المحاصصة ينفي ما كتبوه وخطوه هم بايديهم في دستورهم، بان الدولة تتكفل توفير فرص العمل.
لماذا ستتغير هذه "الفورملة" بالحكومة الجديدة؟ مادامت "الديمقراطية" في العراق هي ديمقراطية توافقية، والتقسيم هو بين "المّكونات" من طوائف، وقوميات، وكل حزب من هذه "المكونات" يأخذ حصته؟ لماذا سيتصرفون بشكل مختلف بعد 2018 عما تصرفوا عنه قبل هذا التاريخ؟ لا سبب ولن يتغير اي شيء. ستستمر الطائفية، لانها مصدر الخيرات التي امطرت وتمطر عليهم ملايين الدولارات دون حسيب او رقيب، وستظل المحاصصة، وسيظل الفساد. كل حديث عن القضاء على الفساد او القضاء على الطائفية او انهاء المحاصصة هو كذب.
الجماهير خرجت متظاهرة عام 2011، وخرجت محتجة عام 2015، وهي تحتج وتنتفض الان في عام 2018، وستقوم بنفس الفعل في الاعوام القادمة. لان الارضية التي ادت الى الى الاحتجاجات (الطائفية- المحاصصة- الفساد) ستظل باقية ولن تتغير، مالم تطرح سياسة جديدة، سياسة نقيضة تماما، واول مبدأ في هذه السياسة، هو تجريم الطائفية، وبما ان الطائفية جاءت كوليد للاسلام السياسي، يجب النضال لانهاء دور الاسلام السياسي في العراق، باحزابه وكافة مؤسساته وميلشياته. انها مهمة صعبة، ولكن حياة "العّوشنة" كما عبر احد الاصدقاء، اي تحويل حياة المدن في البصرة وباقي المحافظات الى حياة عشوائيات هو الاصعب. يجب تقوية النضال ضد الاسلام السياسي وما تولد عنه من التقسيمات الطائفية، كشرط اول واساسي نحو التقدم خطوة باتجاه الاجابة على حاجات المواطنين والمحتجين.