شيوعيون ومع ذلك يعرضون عن التعرف على الإتحاد السوفياتي !! (4)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5977 - 2018 / 8 / 28 - 19:03
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

شيوعيون ومع ذلك يعرضون عن التعرف على الإتحاد السوفياتي !! (4)

راجعت أمس الجزء الثالث من هذا المقال ولاحظت أن أحداً من الشيوعيين المفلسين أيتام خروشتشوف لم يتداخل معترضا على ما بدا تعظيماً لغريمهم الأبدي ستالين واعتبار ذلك طقساً من طقوس عبادة الفرد أو عبادة الذات وهي التهمة الفاجرة التي وجهها خروشتشوف إلى ستالين في جطابه السري الفاجر في العام 56، ويوصف بالفاجر لأنه يمكن اتهام ستالين بكل التهم ما عدا عبادة الذات إذ لم يظهر حتى اليوم في التاريخ وحتى بين الشيوعيين أنفسهم من ينكر ذاته كما فعل ستالين وهو ما حدا بتشيرتشل لأن يصفه قاسياً مع نفسه . لم يعنَ ستالين بكل متاع الدنيا غير قضية البروليتاريا الأولى والأخيرة وهي الشيوعية .
لم يعترض أحد من الشيوعيين المفلسين لأنهم لا يعرضون فقط، بل يعارضون أيضاً بقوة التعرف على الاتحاد السوفياتي وقوى تطوره السريع وقوى اضمحلاله البطيء، لأن ذلك يفضح خيانتهم لقضية البروليتاريا الشيوعية وقد انحطوا حتى اللحاق بمعسكر البورجوازية الوضيعة العدو الرئيسي للشيوعية . هم وبكل وقاحة يعلنون اليوم أن استراتيجيتهم العليا هي الديموقراطية البورجوازية التي تقضي فيما تقضي بالمساكنة الطبقية وقبول العمال باستغلالهم من قبل البورجوازية لكن على الطريق "الكينزية" التي يتم ابتسارها اليوم إلى العدالة الإجتماعية بينما لم يعن مينارد كينز (M. Keynes) بغير تأبيد الرأسمالية .

نحن الشيوعيين البلاشفة لم ترد في قاموسنا مفردة الذات وذلك لأننا نقدس المبدأ الشيوعي القائل بالنقد والنقد الذاتي وهو الحارس الأمين لكل الحقائق كما هي، الحقائق الإيجابية كما الحقائق السلبية سواء بسواء . فلئن كان موقف ستالين عظيما فيما تعرضنا إلية فلماذا نتجاهله ؟ الأزمة المصيرية التي واجهها الاتحاد السوفياتي في العام 1951 والمتمثلة بالإنتقال من الاقتصاد الحربي إلى الإقتصاد الإشتراكي ما كان لأحد آخر غير ستالين قادراً على إنجاز هذا التحول الهائل والخطير وعبور الأزمة بسلام . ولهذا يمكن تفسير عزوف ستالين عن الكشف عن حقيقة الأزمة حتى لقادة الحزب في المكتب السياسي، مثلما لم يفسر أيضاً دفاعه عن التآخي الطبقي في الندوة كما في الكتاب .
قرر ستالين شخصياً تغيير الإقتصاد السوفياتي من الصناعات الثقيلة وهي الأم التي تحمل بصناعة الأسلحة إلى الصناعات الخفيفة وهي الأم التي لا تحمل بالأسلحة بل بالرفاه للشعب لا بل ما هو ذو الأولوية على الرفاه وهو استعادة البروليتاريا سلطتها الدكتاتورية بعد أن تضعضعت بفعل الحرب وتقدمت عليها سلطة البورجوازية الوضيعة المتمركزة في الجيش وفي الفلاحين منتجي الحرب والغذاء مع الغياب شبه التام للصناعات المدنية . في خطة ستالين الخمسية كان الاتحاد السوفياتي سيكون في العام 55 أغنى دولة في العالم والدولة التي لا سلطات فيها لأحد آخر غير البروليتاريا وتكون عندئذٍ على استعداد تام لعبور عتبة الشيوعية التي هي حلم الإنسانية .

الحقيقة الكبرى التي لا يحب أن يقف عندها الشيوعيون المفلسون من أبناء عرا بهم خروشتشوف هي اغتيال ستالين بالسم . خروشتشوف عمل ما لا يعمل من أجل طمس هذه الحقيقة كيلا تكتشف مشاركته في جريمة العصر ؛ فقد أمر باعتقال بيريا الذي قام بدس السم القاتل في شراب ستالين – وبعلم خروشتشوف – وأمر بمحاكمته محاكمة سرية خلافاً للنظام وأمر باعدامه حال صدور الحكم . كان ذلك قبل 65 عاماً دون أن تعرف أية حقائق عن محاكمة بيريا وإعدامه ؛ ولو كانت جريمته هي التعاون مع المخابرات البريطانية منذ الحرب في اسبانيا كما أذيع آنذاك لجرت المحاكمة علنيا وبشهود كما يقضي النظام بمحاكمة قادة الحزب .
لقد شارك كل من مالنكوف وخروشتشوف في جريمة إغتيال ستالين ليس لأن ستالين كان يحول دون تمتع قادة الحزب بأية إمتيازات مهما كانت تافهة بل لأن ستالين كان قد اتخذ قراراً لإحالة جميع قادة الحزب ومنهم ستالين نفسه إلى التقاعد ولا يحميهم من تجرع هذه الكأس المرة سوى اغتيال ستالين؛ أما بيريا فله قضية أخرى تسوقه إلى المقصلة إن لم يقتل ستالين قبلئذٍ وهي تنظيمه لمؤامرة الأطباء اليهود في الكرملين بهدف القضاء على قادة الحزب في حالة دخولهم المشفى للمعالجة .
ما يستوجب الإشارة إليه في هذا السياق هو أن مولوتوف وهو الشيوعي الأقرب إلى ستالين وكان قد تشكك في حادثة موت ستالين كما عرض في مذكراته إلا أنه لم يطالب بإجراء تحقيق طبي في الحادث ولا حتى كاغانوفتش عضو المكتب السياسي المحب لستالين . موت ستالين المفاجئ كان يضمن بقاء جميع أعضاء المكتب السياسي في القيادة ولا يسرّحهم كما توعد ستالين علانية .
نعود لنقول أن سخرية الأقدار قضت برحيل ستالين قبل مضي أكثر من عام على تنفيذ الخطة الخمسية التي لو تم تنفيذها ستعود دولة دكتاتورية البروليتاريا أقوى مما كانت في العام 38 ولكان المجتمع السوفياتي في رفاه لم يعرف العالم مثله من قبل .
كان ستالين خاصة فيما بعد الحرب قد اكتسب ثقة عظمى بين مختلف شرائح المجتمع وكانت تلك الثقة الفائقة ستمكنه من تنفيذ تلك الخطة النوعية حتى النهاية في العام 55 وحينها لن تتمكن قوى البورجوازية الوضيعة بكل أرتالها الماكرة الخبيثة أن ترتد ولو بمقدار على الإشتراكية . أما وقد غاب قائد البروليتاريا في العالم فإن الآخرين في القيادة كان قد شهد ستالين على تواضعهم وأعلن عزمه على إبعادهم عن قيادة الحزب .
قيادة الجيش كانت قد رأت ما رآه ستالين من تواضع القيادة المتقادمة في قيادة الحزب ولذلك تسلمت كل السلطات وأضحت صاحبة القرار الوطني وعليه فرضت على الحزب اتخاذ قرار يلغي الخطة الخمسية بكل مندرجاتها من أجل الإبقاء على الإقتصاد الحربي بزعم الأخطار المحيقة بأمن الاتحاد السوفياتي، هذا بالرغم من أن ستالين كان قد سخر من تشكيل حلف شمال الأطلسي في العام 49 وقال .. "لن نحاربكم لكننا سنهزمكم في المنافسة السلمية" . سخر ستالين من قوى الغرب العسكرية مجتمعة زالاتحاد السوفياتي لم يكن قد امتلك القنبلة الذرية بعد .
وجد الجيش الخاصرة الرخوة في الحزب وهي عضو المكتب السياسي خروشتشوف الغبي الذي كان قد تقرر طرده من جامعة دونيتسك لفرط غبائه . بضغط من الجيش نجح هذ الغبي في اجتذاب عدد من المكتب السياسي ليدعو اللجنة المركزية للحزب إلى الإجتماع في سبتمبر ايلول 53 واتخاذ قرار يلغي الخطة الخمسية لصالح الاقتصاد الحربي كما أفصح الإعلان دون حياء . من المعروف للقاصي والداني سواء بسواء أن قرارات المؤتمر العام للحزب واجبة التنفيذ دون اعتراض كائنٍ من كان، فكان استقالة مالنكوف من الأمانة العامة للحزب رفضاً لذلك القرار الذي قطع بالإنقلاب على الإشتراكية .
كان ذلك القرار هو الإنقلاب القاطع على الإشتراكية دون أدنى اشتباه لكن الأعضاء الشيوعيين "حقاً" مالنكوف ومولوتوف وفورشيلوف وبولغانين وكاغانوفتش ظلوا حيث هم وتم الإنقلاب على الإشتراكية باسمهم رغم أنهم مثلوا أغلبية أعضاء المكتب السياسي . إن خضوعهم للجيش حتى بمثل هذا القرار الإنقلابي يؤكد رأي ستالين بتقادم هؤلاء الأعضاء ولم يعودوا قادرين على القيام بمسؤولياتهم الشيوعية .
كان على هؤلاء الخمسة ذوي الأسماء اللامعة في تاريخ الحزب أن يعلنوا رفضهم لقرار اللجنة المركزية التي تجاوزت صلاحياتها في اتخاذ ذلك القرار المخالف لكل القوانين والأنظمة المعروفة والنافذة، وأن يعلنوا لملايين الشيوعيين في الحزب بطلان ذلك القرار وهو ما سيقضي بطرد خروشتشوف وزمرته من الحزب واستكمال خطة التنمية وتحقيق مراميها المصيرية أو بالمقابل قيا الجيش بانقلاب عسكري مثل ذلك الإنقلاب الذي قام به في يونيو حزيران 57، ولعل الجيش لم يكن ليستطيع القيام بانقلاب عسكري بعد ستة أشهر فقط من رحيل ستالين .
لو كان مولوتوف ورفاقه على استعداد للتضحية بأرواحهم من أجل الحزب وقضية الشيوعية لتغير وحه العالم .

(يتبع)