العولمة الرأسمالية والتحالفات الوطنية


لطفي حاتم
2018 / 8 / 27 - 14:24     



اثارت التغيرات الدولية بعد انهيار الكتلة الاشتراكية وسيادة وحدانية التطور الرأسمالي الكثير من التساؤلات الجادة الفكرية والسياسية منها ــ ما هو مستقبل الكفاح الاشتراكي في الحقبة التاريخية المعاشة ؟ .ومنها ما هو مستقبل الدول المستقلة وأساليب تنميتها الوطنية ارتبطا بقوانين التبعية والتهميش , التي تحملها الرأسمالية المعولمة ومنها ــ ما هي طبيعة التناقضات الداخلية والخارجية التي تحكم عالمنا المعاصر. ؟ وما هي مضامين التحالفات الوطنية والطبقية القادرة على مواجهة نزعات الإقصاء والإلحاق ؟ . وما هو مصير النزعات القومية والوطنية في التغيرات الدولية المشار اليا ؟.
محاولة التقرب من التساؤلات المشار اليها نجتهد في التقرب من مضامينها عبر أفكار ورؤى عامة أراها في الموضوعات التالية ــ
الموضوعة الاولى ـ انهيار الاشتراكية وأثرها على التحولات الاجتماعية في الدول الوطنية .
ــ الموضوعة الثانية ـ الرأسمالية المعولمة وميول الالحاق والتخريب.
الموضوعة الثالثة ـ طبيعة التناقضات الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية العالمية .
استنادا الى تلك المنهجية الفكرية نحاول التقرب من الموضوعات المثارة بصياغات عامة تساعدنا لاحقا على تفكيك مضامينها الفعلية وتأثيراتها بصورة شمولية .
الموضوعة الاولى ـ انهيار الاشتراكية وأثرها على التحولات الاجتماعية في الدول الوطنية .
1 _ ادى انهيار الكتلة الاشتراكية وسيادة وحدانية التطور الرأسمالي الى تغيرات كبيرة في العلاقات الوطنية / الدولية حيث اصبح الطور المعاصر من العولمة الرأسمالية هو الوصفة الاقتصادية ـ الاجتماعية الموجه للتطور العالمي ومراكزه الرأسمالية .
2 ــ افضى انتقال العالم الى وحدانية التطور الرأسمالي الى تفكك روافد حركة التحرر العالمية بفصائلها الثلاث الدول الاشتراكية ، الطبقة العاملة العالمية ، وحركة التحرر الوطنية ، فضلا عن تبدل المواقع التاريخية لكل طرف فيها .
3 ــ النزعات الوطنية في الطور الجديد من التوسع الرأسمالي بدأت تتمتع بأهمية كبيرة في عملية التصدي للتوسع الرأسمالي لاعتبارات عديدة منها ـ
أ ـ تفكك الدول الاشتراكية وانتقالها الى اسلوب الانتاج الرأسمالي وما يفرزه ذلك من تناقضات وتحالفات جديدة.
ب ـ انكفاء الطبقة العاملة في الدول الرأسمالية على مطالبها الاقتصادية الامر الذي اضعف تضامنها الأممي مع الهموم الطبقية العالمية .
ج ـ مفاعيل قوانين التبعية والتهميش التي تنتجها الرأسمالية المعولمة وأثرها على كفاح الدول الوطنية وقواها لاجتماعية .
د ــ ظهور التكتلات الدولية الكبرى وما افرزته من حدة المنافسة الرأسمالية على البلدان النامية فضلا عن اشتداد النزعات الوطنية في مسار نضالها الوطني .
4 ــ ميول الرأسمالية المعولمة المتناقضة المتسمة بالاندماج بين الشركات الوطنية والاحتكارية من جهة وبين التفكك والتهميش من جهة ثانية يدفع البلدان النامية الى بناء اصطفافات جديدة في الحركة العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية.
5 ــ افضى انتقال المواجهة بين الرأسمالية المعولمة وبين الدول الوطنية وقواها الاجتماعية الى مستوى التناقض الرئيس وما ينتجه ذلك من تبدل في طبيعة ومهام الكفاح الوطني في التشكيلة الرأسمالية العالمية .
6 ــ التبدلات التي افرزتها الرأسمالية المعولمة تؤكد على أن هناك مناخا كفاحيا جديدا يشير الى اتساع القوى الطبقية في الدول الوطنية المناهضة لاسلوب الانتاج الرأسمالي وميوله المتناقضة.
ــ الموضوعة الثانية ـ الميول التخريبية للرأسمالية العالمية والكفاح الديمقراطي
ـــ ميول التهميش والتفكك التي تحملها الرأسمالية المعولمة تدفع القوى الطبقية في التشكيلات الاجتماعية الوطنية الى التوحد الوطني لمواجهة التبعية والتفكك الاجتماعي ويساعد الطور الجديد من الرأسمالية المعولمة في فرز وتسريع المواجهات الطبقية في الداخل الوطني بين القوى المناهضة لميول التبعية والتخريب وبين القوى الكومبرادورية والليبرالية المساندة لتوجهات الرأسمالية المعولمة.
ـ تسعى المراكز الرأسمالية الى تمييع كفاح الطبقات الاجتماعية الوطنية عبر احالة نزاعاتها الطبقية الى نزاعات طائفية / عرقية لغرض تأجيل التضامن الطبقي الجديد المناهض لميول الرأسمالية التخريبية ناهيك عن تميع الوعي الطبقي بعد إحالته الى خانات مذهبية .
ــ نجاح المراكز الرأسمالية بتحويل الوعي الطبقي الى خانات طائفية يفضي الى تفكيك التشكيلات الاجتماعية الوطنية وتفجير استقرارها الاجتماعي عبر الصراعات المذهبية والعرقية .وتتمتع مساندة المراكز الرأسمالية لقوى الكومبرادور الجديدة والبرجوازية الطفيلية بأهمية كبيرة في مجرى النزاعات الوطنية.
ــ التغيرات الجارية في التشكيلات الوطنية ومحاولة تفكيكها وتحويلها الى نزاعات طائفية / عرقية تدفع القوى الوطنية الى بناء تحالفات طبقية واجتماعية بهدف مواجهة الرأسمالية المعولمة ، وسياسة التبعية والتهميش .
ــ تسعى القوى الوطنية الى اقامة تحالفات سياسية فاعلة تتشكل من الطبقة العاملة وفئات من البرجوازية الصغيرة فضلا عن البرجوازية الوطنية استنادا الى وحدة النضال الوطني والطبقي المناهض لميول التبعية والتهميش التي تفرزها الرأسمالية المعولة .
ــ الموضوعة الثالثة ـ طبيعة التناقضات الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية العالمية
على اساس التحولات الجارية في عالمنا المعاصر المتسم بسيادة اسلوب الانتاج لرأسمالي المعولم يواجهنا السؤال التالي ما هي طبيعة التناقضات الرئيسية المتحكمة بالتغيرات الجارية على الصعيد الدولي ؟ وكيف تنعكس تلك التبدلات على التشكيلات الاجتماعية الوطنية .
ـ قبل الاجابة على التساؤلات المذكورة بشكل عام لابد من تأكيد موضوعة يتلخص مضمونها في ان التناقضات الرئيسية في عالمنا الرأسمالي المعاصر تحولت في مجرى التغيرات الدولية إلى تناقضات بين الدول الوطنية الساعية الى صيانة ثرواتها وتنمية اقتصادها الوطني وبين العولمة الرأسمالية الهادفة الى جعل سياسة الإلحاق والتبعية قوانين فاعلة في العلاقات الدولية / الوطنية.
ــ مواجهة ميول التبعية والتهميش
ان بناء تحالفات سياسية /طبقية فاعلة في مواجهة التبعية والتهميش التي تفرزها الرأسمالية المعولمة ترتكز على المحددات التالية ـــ
المحدد الاول ــ بناء تحالفات سياسية وطنية تضم القوى الطبقية الناشطة في مناهضة الميول التخريبية للرأسمالية المعولمة والتي أجدها في الطبقات العاملة وشرائح وطنية من البرجوازية المتوسطة فضلا عن أقسام من البرجوازية الصغيرة.
ــ المحدد الثاني ـ تعمل القوى الاجتماعية المؤتلفة في التحالفات السياسية على بناء برنامج وطني ـ ديمقراطي يناهض التبعية والتهميش واضعا تطور التشكيلات الوطنية الاجتماعية على اسس وطنية ديمقراطية تهدف الى صيانة وحدة البلاد الاساسية ورعاية مصالحها الاجتماعية.
المحدد الثالث ــ بناء توازنات طبقية هادفة الى التطور الاقتصادي ـ السياسي الضامن لنمو مكونات التشكيلة الوطنية الاجتماعية بما يخدم مصالح القوى والكتل الطبقية المنضوية في التحالفات الوطنية.
المحدد الرابع ــ بناء علاقات دولية متوازنة تستند على رعاية المصالح الأساسية للدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية بعيدا عن سياسة التبعية والإلحاق والإملاء .
المحدد الخامس ــ المشاركة في بناء تكتلات اقتصادية اقليمية تهدف الى تشكل علاقات تضامنية إقليمية / وطنية فضلا عن موازنة المصالح لمواجهة العولمة الرأسمالية وروحها التخريبية .
ان المهام السياسية والفكرية المشار اليها تشترطها وقائع أساسية على الصعيد الوطني يتقدمها ــ
أولا ــ الانتقال من هيمنة الحزب الواحد على الدولة والمجتمع الى سياسة الجبهات الوطنية باعتبارها الغطاء الشرعي لتحالفات طبقية اجتماعية وطنية مناهضة لكسموبوليتيه الطبقات المتحالفة مع الرأسمالية المعولمة .
ثانيا ــ بناء دولة الموازنة الطبقية على قاعدة المزاوجة ين القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة وتطوير مقاومتها ضد ميول التبعية والتهميش .
ثالثا ــ اعتبار أجهزة التحالفات السياسية أجهزة وطنية يتم تطويرها من قبل الدولة الوطنية ومنظومتها السياسية ناهيك عن مشاركتها في صياغة التوجهات الاقتصادية ـ السياسية للدولة الوطنية
رابعا ـ الحد من انشطة شرائح الكمبورادورية والبرجوازية الطفيلية الوكيلة للدول الكبرى وتحجيم دورها السياسي والاقتصادي في الحياة الاقتصادية والسياسية للدولة الوطنية.
خامسا ــ بناء علاقات متوازنة بين الدولة الوطنية والدول الاخرى على اساس احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الوطنية فضلا عن توازن المصالح الوطنية / الدولية .
ان الأفكار والآراء التي جرى تناولها كدالات لبناء دولة التحالفات الوطنية يكتمل توصيفها عندما يتم توعية الكتل الشعبية بأهمية كفاحها الوطني الهادف الى بناء دول وطنية ديمقراطية يحيط بها الاخاء والتضامن الطبقي باعتباره المسند الرئيسي لكل التحولات الاجتماعية والسياسية .