سلطة الميليشيات وشبح الدولة ودور الشيوعيين


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5976 - 2018 / 8 / 27 - 00:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

اذا كان خطر تسمم المياه يهدد سكان البصرة لوحدها فأن دولة المليشيات او مليشيات الدولة تهدد امن وسلامة ومستقبل جماهير العراق برمتها.
من يظفر بقيادة المليشيات المنضوية تحت عنوان "الحشد الشعبي" يظفر بتشكيل الحكومة وبالتالي يظفر بحسم هذه المرحلة على الاقل.
ميليشيات "الحشد الشعبي" كيان غير متجانس، بسبب اختلاف ولاءات قياديها بالرغم ان تمويلها يأتي من اقتطاع رواتب العمال والموظفين والمتقاعدين، اي ان مصدر تمويلها من المؤسسة الرسمية الحكومية.
ان الاوامر التي صدرت بانسحاب تلك الميليشيات من المدن المصنفة السنية، وبعد ذلك الغاء عملية الانسحاب المذكور يصب في خانة احتدام الصراع بين اجنحة الاسلام السياسي الشيعي.
كما ان اعلان عدم تسييس "الحشد الشعبي" من قبل العبادي ردا على الغاء عملية الانسحاب، هي عباراة فارغة من المحتوى ومحاولة فاشلة لكسر هيبة منافسيه وتجريدهم من سلاح ميليشيات الحشد الشعبي، الذي طرد رئيسه وهو فالح الفياض من منصب مستشار الامن الوطني بأوامر من العبادي، بعد رفضه الخضوع للتحالف الذي يهندسه العبادي - الصدر برعاية امريكية لتشكيل الحكومة.
ان الاهداف التي وقفت خلف تأسيس "الحشد الشعبي" كما اشرنا في مناسبات سابقة ليست الحرب على داعش، بل كانت الاخيرة هي الذريعة او المبرر لتأسيس تلك الميليشيا بعد انهيار شبح الدولة في الموصل ووصول داعش الى ابواب المنطقة الخضراء. وعلى نفس الخطى التي تشكل الحشد الشعبي بها كان الهدف الحقيقي ان يكون الحشد الشعبي الاداة البديلة عن الجيش، لاحتفاظ الاسلام السياسي الشيعي بالسلطة التي باتت مهددة من داعش الذي وقفت خلفه قوى اقليمية ودولية منافسة لنفوذ الجمهورية الاسلامية في ايران، ولاحقا لحسم مصير السلطة بشكل نهائي، اعيدت بنفس الخطى القوات الامريكية الى العراق. اي ان عنوان "الحرب على داعش" كان استراتيجية لجميع القوى المتصارعة في اعادة ترتيب اوراقها السياسية بالقوة العسكرية.
التحالف الجوبي كما يسمى في بعض وسائل الاعلام او المحور السني "الوطني" المدعوم من تركيا – قطر، يرى بوجود الحشد الشعبي تهديد لنفوذه والتمتع بامتيازاته ونهبه وسرقاته خلال المرحلة القادمة. وفي عالم تتغير فيه المعادلات السياسية في المنطقة، تتأثر تحالفات وولاءات القوى المحلية العراقية بسرعة تنافس سرعة الصوت اذا لم نقل الضوء. فالعقوبات الامريكية على ايران والدعم الامريكي اللامحدود للسعودية على حساب قطر وتدهور العلاقات بين تركيا امريكا، دفعت مصالح ايران ولاية الفقيه وتركيا – قطر الأخوان المسلمين بالتدخل لتشكيل تحالف يعمل على تأسيس حكومة تضمن مصالحهما. وعلى جسر هذه المصالح تشكل المحور السني في اسطنبول وسوق سياسيا في قم، وقام بتصديره الى احضان قادة ميليشيات الحشد الشعبي في العراق كي يكون رقما في معادلة الكتلة الاكبر، لتتشكل حكومة ولأول مرة برعاية ايرانية – تركية - قطرية لو قدر لها ا ترى النور.
مسالتان مهمتان يجب الانتباه لهما خلال المرحلة القادمة بالنسبة للشيوعيين والطبقة العاملة والجماهير التواقة الى الحرية والرفاه؛ الاولى هي انه ليس هناك على الاقل في هذه المرحلة، اي طرف يستطيع حسم السلطة السياسية في العراق، واي كان الطرف الذي يشكل الكتلة الاكبر في البرلمان فلن تنتج عنها سوى حكومة في أفضل الاحوال تكون ذات رتوش ليبرالية بمحتوى رجعي، تمضي في سياسة افقار المجتمع، ومعادية للعمال والنساء، معادية للحريات والحقوق الانسانية، ولن تكن قيد شعره بمنأى عن المحاصصة والفساد. اما المسألة الثانية فهي ان تداعيات الصراع بين القوى الاقليمية والدولية في المنطقة الذي ينعكس بشكل مباشر على صراع القوى المحلية على السلطة في العراق، فسيفتح الطريق الى صولات وجولات جديدة لمليشيات الحشد الشعبي، التي اذا اقصيت عن تشكيل الحكومة فستلعب دور الدولة داخل شبح الدولة، او في حال تشكيل قادتها الحكومة فستكون اليد الضاربة ضد جميع المعارضين والمخالفين. وفي كلتا الحالتين سيكون صوت المليشيات اذا لم يكن اعلى، فسيكون موازيا لصوت شبح الدولة.
ان سلطة المليشيات وسياسة الافقار بالمعنى المطلق ستكون سيدة المشهد السياسي والاجتماعي في عراق ما بعد مهزلة اكبر انتخابات شهدها تاريخ البلدان الحديثة، وبعد انتهاء الفصل الاول من سيناريو داعش. وان مواجهة هذه السلطة وسياستها المعادية حتى النخاع لمصالح الاغلبية المطلقة المحرومة لجماهير العراق، هو الاستعداد لتنظيم كافة القطاعات المختلفة للجماهير وبأشكال متنوعة، بدء من العمال ومرورا بالنساء والشباب والطلبة وانتهاء بالتحررين والعلمانيين والرافضين لكل مظاهر وممارسات الاسلام السياسي. ولن يكن تسليح هذه القطاعات بالدفاع عن نفسها وعن امنها وسلامتها بوجه هذه المليشيات بعيد وخارج الاطر التنظيمية لهذه القطاعات.