آن الأوان لتبديد وهم المصمم..إهداء للأخ مروان


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5974 - 2018 / 8 / 25 - 23:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود (86) .
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (79) .
- ثلاثمائة حجة تُفند وجود إله - من 241 إلى 263 .

هذا البحث أهديه للأستاذ مروان سعيد من منطلق محبتى وإحترامى له كمفكر مخلص وصادق مع نفسه معتنياً إعتناء شديد بفكرة الإله المصمم الذكي , لأصيغ هذا البحث فى تفنيد فكرة التصميم والمصمم من خلال طرح فلسفي منطقي , فلا يجوز حضور أطروحات علمية كالتطور مثلاً مع فكر لا يملك سوى الظن بأن هناك من فعل هذا , ثم أختم بحثى ببعض التأملات المشاغبة التى تطلب التوقف والتفكير .. أأرشف فى الطريق بعض الأفكار لتخدم سلسلة مقالاتى : " ثلثمائة حجة نتُفند وجود إله ".

يعتبر دليل التصميم والنظام من أقوى الأدلة التى يتصورها المؤمنين أنها تبرهن على وجود إله , من خلال فهم يرى الكون والحياة تحتاج لمصمم شخصاني عاقل قام بتصميمها عن إرادة وغاية , لتقول هذه الرؤية إذا رأيت بيت فهناك من صممه ليبدو هكذا , فهو لم يوجد بدون تصميم وغاية , لذا فالكون المنظم هناك من أوجده ولم يأتي بلا غاية .
لم يختلف حال الإنسان المعاصر عن حال الإنسان القديم فى المنطق الذى يعتمد على حل الغموض والحيرة بإجابة سهلة سريعة فإنساننا القديم إحتار فى تفسير ظواهر الطبيعة من مطر وشمس وقمر فعزى هذا أنها آلهة أو جاءت بواسطة آلهة بينما المؤمن المعاصر أكثر فذلكة فهو أدرك ما كان يُحير الإنسان القديم ليبحث عما يُحيره فى أشياء أكثر تعقيداً وغموضاً بالسؤال عن الخلية والجينات والمخ ليهرول لنفس نهج الإنسان القديم بتبديد حيرته بأن هناك من فعل هذا .

- بداية من الخطأ القول أن الطبيعة منظمة أو عشوائية , فقولنا هذا هو إعطاء سلوك شخصي للطبيعة لنقع في نفس خطأ فكرة الإله .. فالقول أن الطبيعة منظمة أو عشوائية هو تقييمنا نحن لها كون الإنسان هو مصدر كل الأفكار والإنطباعات والأحاسيس والتقييمات ومنها خلقنا الأفكار والفلسفات والآلهة , ومن هنا تبدأ مواجهتنا لتصحيح المفاهيم بتقديم حجج تُفند قكرة الإله المُصمم .

241- رؤية التصميم التى يتبناها المؤمنون بفكرة الإله الصانع هى رؤية خاطئة , فهذا المنطق لا يجب أن يسرى على فكرة الإله , فالإله المفترض ليس مادة حسب إيمانهم وعليه لا يسرى عليه المنطق المادي , كما أنه ليس كمثله شئ حسب تصوراتهم لذا فلا يسرى عليه المنطق المحكوم بالوجود المادي .

242- إن مقولة الإله العاقل الذى يُصمم ويُخطط مقولة تنال من ألوهية الإله , فالإله لا يجب أن يكون عاقلاً وهذا ما يفطن له اللاهوتيين بينما يستغربه عامة المؤمنين , فالعاقل يعنى الإلتزام بقوانين العقل والمعقول ليتحدد بهما , أى أنه خاضع لمحددات صارمة لا يستطيع الحيد عنها وإلا بدا غير عاقل ليتحدد الإله هكذا وفق قوانين ونظام ومعقولات لا يحيد عنها , بينما يُفترض فى الإله القدرة المطلقة بأن يفوق المعقولات والمستحيلات غير خاضع لقوانين وإلتزامات العقل والمعقولية , لذا ففكرة الإله العاقل تنفى ألوهيته فهو صار معقولاً كأى شئ معقول , فكونه عاقل يعنى أنه محكوم بما هو معقول لا يحيد عنه ليقع تحت الجبرية خاضعاً للمادة وقوانينها , لذا فالسببية فى الإستدلال لا تعنى أن المُسبب عاقل لتنسف فكرة المُصمم العاقل , فليس بالضرورة أن يكون وراء الشئ سبب عاقل لإنتاجه , فالإله ذاته ليس عاقلاً , كما أن المؤمنين يرونه فوق العقل , وبالتالي فالإله ليس عاقلاً .
- الإله أيضا لا يفكر , فالتفكير يعنى الإلتزام بمحددات الفكر ومتطلباته ونظامه وترتيبه ومنطقه بينما يُفترض في الإله أنه غير خاضع لمتطلبات وترتيبات ومنطق , وهذا يعنى أنه غير مُصمم .

243- الإله لا يمكن أن يكون مصمماً وخالقاً في نفس الوقت , فهو إما خالقاً وإما مصمماً , فالمُصمم يتعاطي مع ماهو موجود من مواد ليعيد ترتيبها وصياغتها وفق لرؤيته وفهمه , فالفكر المُخطط يلزم وجود المادة أولا فمنها يأتي التصميم والتخطيط , فيستحيل وجود فكر مُخطط بدون المادة , فالمهندس أو المخترع لا يُصمم ولا يَخترع شيئاً بدون وجود وحدات مادية موجودة ليقوم بتركيبها بطريقة خاصة , بينما الخلق هو الإيجاد من عدم وبدون تعديل أو تطوير أو إعادة إنتاج وعليه لا يكون الإله مصمماً فلو كان خالق ففكرة أنه مُصمم ستنفى صفة الخلق عنه .

244- فكرة الإله المُصمم يعنى أن الإله خاضع لقوانين المادة فلا يستطيع أن يحيد عنها لأنه ليس عشوائياً , فهو ملتزم فرضاً في كل تصميماته بقوانين المادة أي أن قوانين المادة هي الفاعلة القاهرة , والنتيجة المترتبة على هذا عدم الحاجة لتدخل الإله في الطبيعة بوصفه من أرسى القوانين المُسيرة للكون , إذ لا معنى لأن يجعل الكون متحركاً وفق هذه القوانين وفي الوقت نفسه يتدخل بنفسه لتسييره , فالقوانين متكفلة بتسييره بدون تدخله , لتكون فرضية الإله هنا فرضية زائدة يمكن الإستغناء عنها وفقاً لنصل أوكام المنطقى أي ذاك المنطق الذي نعتمده بأن كل فرضية زائدة يمكن إهمالها .
هذا التفسير الذي يعطي الأولوية للقوانين التي تقف خلف الظواهر تضع فكرة القدرة والتدبير الإلهي للكون على المحك , فهي تعفيه من المسئولية عن الكوارث الطبيعية مثلا , ولكن المؤمنين لن يقبلوا بهذا التفسير لأنه يضع الإله في دائرة العجز وعدم القدرة والهيمنة وخاضع لقوانين المادة مثلهم , لذا يفسرون الكوارث الطبيعية بإرادة ومشيئة وإبتلاء الإله .

245- هناك إشكالية أخرى فى فكرة الإله المصمم , فهم يقولون أن صفات الإله أزلية أبدية ولكن فعل الخلق والتصميم فعل حادث ليس من الأزل وهذا يعنى أن صفة التصميم مُستحدثة وليست أزلية مما يضع فكرة التصميم وصفات الإله على المحك .!

246- فرضية الإله أنه عليم وعلمه مطلق يعلم ما كان وما سيكون , يعلم الذرة وما دونها و المجرة وما فوقها , يعلم الأسباب أزلية القدم والتداعيات الأبدية التأثير , فهذا يتناقض مع فرضية التصميم .. فهذا الإله لا تخفى عليه خافية لا في الأرض ولا في السماء وهذا يتنافى مع فرضية التصميم , فالتصميم هو علم حادث مُستجد فقبله لم يتحقق العلم المطلق .

247- من فرضيات الإله أن قدراته مطلقة أي لا يعصى عليه معجزة أو مستحيل , و لا يخالف إرادته ومشيئته أيا كان عاقل ولا معقب لحكمة , وقدرته لا تحدها الأماكن أو الأزمان و أمره ان يقول لكن فيكون فرضاً , وهذا يتنافى مع التصميم حيث القدرة محكومة بالموجود والممكنات وحالة وظروف وقوانين الحالة المادية الموجودة التي تفرض نفسها على التصميم .. فلو أخذنا إرادة الله في إبقاء الانسان حياً مثلاً فيجب أن لا يحتاج إلى شمس وماء وغذاء وزراعة وهضم وإخراج وكلية وبنكرياس وامعاء وقلب ألخ .. هذا يعني ان تصميم الله محدود بحدود خصائص الكيمياء العضوية, وهذا ينفي عنه صفة القدرة المطلقة .

248- التصميم يرتكز على التعاطى مع المحددات والمحدوديات , وبما أن الله لا يحده شيء فهذا يعنى أن التصميم ينفي وجود اله , فتصميم سيارة مثلاً يتطلب أن يتم الأخذ بعين الإعتبار قوة المحرك وخصائص الوقود وقدر الحمولة ونوع الطريق ومحددات كثيرة جداً تشكل الاطار العام للتصميم بالاضافة الى الذوق العام و تقبل المستهلك , لكن بما أن الله لا يحده شيء, فإن مبدأ التصميم ينفي وجوده , لأنه حينها يكون قد إلتزم بمحدوديات المادة والزمان والمكان في مقابل تحقيق مشيئته .

249- نأتى إلى نقطة أخرى تهدم فكرة التصميم من كائن شخصاني من مفردات الإيمان بوجود إله كامل العظمة والدقة فى تصميماته بالضرورة , لنجد هناك خلل كبير فى الكون لا يقترب من أى شئ إسمه تصميم ذو إرادة وغاية وهيمنة , فهناك أخطاء عديدة في تصميم الكائنات الحية سيأتى ذكرها , كذا العشوائية والفوضى ضاربة فى أطناب الكون لتنهار نجوم وتتصادم مجرات وثقوب سوداء تبتلع في عشوائية تفرض نفسها على المشهد الوجودي , فنحن نهلل بنظام الحياة على الأرض وننسى أو نتناسى الفوضى العارمة الموجودة خارج الأرض , فهناك بلايين البلايين من الكواكب و النجوم التي لا سبب لوجودها ولا غاية ولا نظام فهي تولد وتنفجر في عمليات عشوائية صماء كما أن أغلبها لا تصلح للحياة عليها .
نعتبر ان هناك نظام وتصميم فى مجرد وجود كوكب واحد يصلح عليه الحياة ولكن يعتريه أيضا الكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وبراكين فهذا لايزيد عن مجرد حتمية رياضية إحصائية تؤدي الى وجود جزئيات يبدو عليها النظام في داخل مجموعات عشوائية .

250- هناك إشكالية منطقية أخرى فى فكرة المصمم العاقل فهى تنقلنا من شيء واحد لا دليل عليه إلى شيئين لا دليل عليهما , الشيء الأول أن الكون بحاجة إلى خالق , فلا دليل على هذا الكلام بل لا يوجد خلق من عدم أصلاً كما يؤكد العلم , كذا فرضية أن الأشياء المعقدة يجب أن يكون لها خالق , لتتولد فرضية ثالثة لا دليل عليها أيضا بأن صانع الكون ليس بحاجة إلى خالق بالرغم أنه أكثر تعقيداً من مخلوقاته , لنجد أنفسنا أمام تناسل للفرضيات بدون أي دليل أو إثبات فلا يوجد أي دليل أن الكون مَصنوع وأن صانعه عاقل وليس مصنوع .

* المغالطات المنطقية .
- يقولون لا يمكن أن يكون الكون بهذا التعقيد بدون عقل مفكر صنعه , وأقول أن هذا العقل المُفكر الجبار الذى صنع الكون لابد أن يكون مُعقد أكثر مما خلقه , فلماذا ننسب للأقل تعقيداً ضرورة وجود مُصمم وصانع ونلغي للأكثر تعقيداً وجود صانع له ؟! . بمعنى أن الإله الأكثر تعقيداً وتركيباً من المخلوفات التى خلقها فليس من المعقول حسب الإيمان والمنطق أن يكون الإله أقل من مخلوقاته , وطالما البسيط يحتاج للمُعقد ليركبه فحرى بنا أن نقول من صَمم ورَكب إلإله , وطالما هذه الحجة تزعجهم بإعتبار أن الإله بلا سبب فعليهم قبول وجود الكون بدون سبب , فالكون أقل تعقيداً , فأنت تسأل مثلا عن سببية الكمبيوتر ولا تسأل عن سببية حجر .

- القول بأن وجود كائنات لها تكوين مُعقد مُنظم يعنى وجود خالق ذكي وإرادة واعية أوجدت هذه الكائنات قول فاسد , لأنه يفسر الوجود بتسلسل من المُعقد بالتكوين إلى الأعلى بالتعقيد , وبهذه الطريقة لن تصل لنهاية , فسبب له سبب وخالق له خالق له خالق إلى مالا نهاية , بينما التفسير العلمي المنطقي يقول كائنات لها تكوين مُعقد منظم يعنى أنها نشأت من عناصر بدائية غير ذكية غير واعية , وهذا ما نعهده ونعلمه بل لا يوجد مشهد واحد من تريليونات المشاهد الوجودية إلا ويثبت أن المُعقد والمٌركب جاء من البسيط , بينما الفكرة معكوسة في الفكر الإيماني لتقلب معادلة الوجود حيث ترى البسيط جاء من المُركب المُعقد , كما أن هذا يخالف التفسير العلمي الذى يبدأ بالتسلسل من البسيط إلى المعقد , ومن هنا لو نرجع بالتسلسل سنصل لمكونات لن تناقض مع ذاتها لأنها أساساً بدأت من عناصر بدائية .

- مغالطة من فعل هذا ؟ . هناك مغالطة فكرية شائعة فى إننا نبحث عن الفاعل من البدايات لتكون كل قضيتنا إعطاء إسم لهذا الفاعل وهذا مخالف للعلم والمنطق , فالعلم يفكر بعقلية كيف حدث هذا ؟ ليبدأ رحلة البحث والمعرفة بالتسلسل بتعقب الأسباب , أما المؤمن فيضرب بتعقب الأسباب عرض الحائط ليقفز على المنطق للبحث عن إسم فاعل والمصيبه أنه يدعي بأنه توصل لهذا الإسم بدون أي دليل عقلاني , فهو لم يجد الأسباب والجواب فلابد من القفز بالإستنتاج , لذا نجد أنفسنا أمام إله الثغرات والفراغات المعرفية .
البحث عن إسم الفاعل وإهمال البحث عن كيفية حدوث هذا سيأتى بالضرورة بالخرافات والإجابات الخاطئة , فلنتذكر أن الأغريق عندما كانوا ينظرون للغيوم والعواصف فبدل من أن يبحثوا عن أسباب حدوثها ذهبوا ليسألوا عن من فعلها وتسميته ثم قفزوا بالإستنتاجات لتحديد الفاعل وبدأوا يدعون أن للسحاب إله فاعل وأطلقوا عليه إسم وتعبدوه , وأدعوا للبحر إله فاعل وألفوا له إسم وتعبدوه ألخ .. لذا إن بدأت بالفكر الخرافي مثل الأولين بالبحث عن إسم فاعل غامض فقط لأنك ترى الإنسان يفعل , فهذا هو منبع خرافات الأولين لم تبتعد عنهم قيد أنملة .
عندما ترى الغيوم عليك أن تسأل عن أسباب تكون الغيوم فإن بحثت ووجدت أنها تتكون بسبب تبخر المياه وتكثفه فأنت نجحت بتعقب الأسباب لنشأة الغيوم , لذا لا داعي على الإطلاق بالتسرع لإعطاء سببية المطر بإسم فاعل , فالبحث العلمى سيعطيك السبب ويمكن من هنا إدراك الفاعل الطبيعي .
بتقدم علم الإنسان وإكتشافاته أدرك أن هناك شيء يتواجد بالغيوم ينتج عنه حدوث عملية البرق والصواعق بعدها وجدوا الإسم لفاعلها المادى المتمثل فى شحنات كهربائية لذا لا يجب التسرع بسؤال من فعل هذا , فالسؤال خاطئ من ناحيتين الأولى أنه لم يبحث فى كيفية حدوث هذا , ومن ناحية أخرى وضع السؤال بمن التي تعنى العاقل ليحصر الإجابة فى التي يريدها بدون أى دليل .

* الأسباب التى دعت الأنسان لتبنى فكرة الصانع المُصمم .
- الجهل . من الأمور المتوهمة عن الوجود أن ثمة تصميم فيه لذا فهو فى حاجة إلى مُصمم فيستحيل أن يكون هناك نظام رائع ودقيق بلا مُنظم عاقل ومُريد كما يتصورون , ومن هنا تم فتح الباب الملكي للخرافة أن تمر معتمدة على جهل الإنسان الذي يفتح فاه ويعقد حاجبيه من الدهشة , فما هذه الروعة التي تجعل الأرض تدور حول الشمس في مدارها فلابد من مُصمم ومُنظم لتجد تلك الإجابة السهلة الساذجة القافزة قبولاً لعقلية تتوسم تبديد الحيرة .

- مغالطة لا يجوز تعميم صفات البعض على الكل . ومن هنا جاء الزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمسبب شخصاني وهذه مغالطة منطقية تأتى إما بتعمد خلط الأوراق أو فى الغالب نتاج غفلة وإسقاط مفاهيم ذاتية تستقى وعيها من الأنا , حيث تقول هذه الحجة بما أن الكائن الشخصاني "الإنسان" يخلق نظاماً متمثلاً في آلة , بناء , سيارة الخ .. فهذا يعنى أن أي نظام كالكون مثلاً لابد أن ينتجه كائن شخصاني مُصمم وهو ما يدعى بالإله .
وجه المغالطة في هذا القياس الفاسد أن حكم البعض لا يسري على الكل بالضرورة , فقولك مثلا أن حك عود كبريت يشعل ناراً لا يعنى ولا يسمح لك بالقول على الإطلاق بأن كل نار قد صدرت من حك عود كبريت , فعود الكبريت هو أحد مصادر النار وليس كل مصادر النار فتعميم كل مصادر النار غير جائزة , ومن هنا لا يجوز تعميم صفات البعض على الكل إلا إذا درسنا صفات هذا الكل دراسة تجريبية حصرية ينتج عنها ما يفيد بأن كل أجزاء هذا الكل له نفس الصفات , وعليه فالزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمُسبب شخصاني عاقل لأن هناك نظام إحتاج لمثل هذا المُسبب هو زعم فاسد لأن معاينة مُسببات الكل هنا ممتنعة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ .

- عندما نقول أن الكون مُصمم ومنظم فهو تعبير ينم عن خلل كبير وتعسف في الحكم لا يوجد ما يُبرره , فالقول بأن الكون مٌنظم ومُصمم لا يخرج عن إطار فكر تقييمى نسبى , والذى يفضح هذا التوصيف أننا لم نرى أكوان أخرى حتى نحكم على كوننا بتميز التصميم , فإدراكنا للتوصيف والتقييم لا يأتي إلا بوجود الضد حتى تتولد المقارنه ويتحقق التوصيف , فأنت لا تستطيع أن تقول عن إنسان أنه كريم إلا بوجود إنسان آخر بخيل حتى تتحدد هوية الكرم , لذا لا نستطيع أن نقول كون منظم إلا إذا كانت هناك أكوان عشوائية حاضرة .. وحتى لو تواجدت أكوان أخرى عشوائية فيجب أن نقارن كوننا بها لتبيان الفروق فإذا كان الوجود له مُصمم واحد هو الإله كما يدعون , فهنا ستسقط عنه الحكمة ودقة الصنعة فهو صمم كون بنظام والباقى بلا نظام .

- منطق التعميم والإختزال . المؤمن يستخدم منطق التعميم فى كل المسائل المطروحة للسؤال , فبدءاً من تعميم السببية التى تناولناها فى بحث سابق إلى فكرة المُصمم العاقل , فهو يرى أنه طالما الفخار والساعة والكرسى لها صانع عاقل فالكون والطبيعة لها صانع عاقل وهذا الإدعاء لا يرتقى بتهافته وتحايله ومرواغته للمنطق , فكما ذكرنا سابقاً أن ليس مَنشأ كل النيران جاء من عود كبريت , كما أن الزعم أن كل مُنتج فى الكون من صانع عاقل يُلزمك معاينة مُسببات الكل وأنها جاءت من كيان عاقل , فأي محاولة لاثبات صفة للكون ككل بالإعتماد على صفات الكينونات أى الأجزاء به يكون غير صحيح منطقياً فتكون المغالطة هي تعميم الكل على صفات الأجزاء بلا أي دليل .. الحقيقة أننا نجد من المعاينة والفحص والإدراك أن المنتجات الطبيعية جاءت من وجود مادى غير عاقل كالأمطار والزلازل والبراكين ألخ .

- هناك مغالطة أخرى جديرة بالإنتباه , فالأشياء لا تُنبأ ولا تبوح بنظام أو فوضى أو تصميم أي أن الأشياء لا تحتوى على جزيئات نظام أو فوضى فى ذاتها ومكوناتها الداخلية ليكون التوصيف هنا هو قراءة وتقدير وتقييم إنساني يسقطه على الأشياء وينسبه إليها لندخل فى دائرة النسبية والتقييم والتقدير .

- إن الطبيعة ليس مثل الإنسان تُفكر وتُخطط وتَحتار وتتعامل بالصدّفة وتعتنى بالنظام أو العشوائية , فالواقع مجموعة معادلات مادية لها محصلة حتمية واحدة دائما , لذلك ما حدث لم يكن من الممكن أن يحدث غيره , وما سيحدث ليس بالإمكان أن يحدث غيره .

- التصميم هو ترتيب وتركيب أشياء موجودة أصلا فيستحيل أن تصمم شئ لا توجد مفرداته أليس كذلك ؟ وهذا يقودنا إلى أزلية المادة التى جاء منها الفكر الواعى المصمم .

- فكرة الإله المصمم هى مغالطة إسقاط الإنسان لذاته على الأشياء أى أنسنة الأشياء لتخلق فكرة إله شخصاني خارق القوى يُسميه البعض "الله" ,"يهوه", "كرشنا" ألخ . فهكذا حلول سهلة للعقل البشري تمليه العادة بتحقيق التجانس لمُسببات الأشياء المَعلومة والمَجهولة بتصور صور أكثر قبولاً للذهن البشري المُفتقد للمعرفة ليرقع هذا الذهن فجوات عجزه التي هي مصدر حيرته حين يستشعر الطبيعة ولا يُدرك البدايات , ليتم الإختزال والترقيع برقع بالية من الأفكار القبلية المجردة .
أنسنة الاشياء تعكس نرجسية هذا الإنسان وإحساسه بالعظمة حيال ذاته فتملي عليه تلك العظمة الذاتية أن يستنسخ ذاته المتضخمة بإسقاطها على الأشياء من حوله ليحصل على عدة صور لها في مرآة الوجود تزيده إحساسه بالزهو والسعادة فيكون كل عظيم ملكاً له , فإن كان الكون عظيما فسبب عظمته هو ذات إنسانية عظيمة خارقة .

- نحن نعيش وجود طبيعى غير عاقل ولا مَعنى ولا مُهتم بتصدير رسالة لنا أو حكمة ما للإقتداء , فنحن من نحاول أن نجمع المشاهد المتواجدة لنلصقها مع بعضها لنكون فكرة هى نتاج ما هو موجود وكل محتواها وجذورها من واقع مادي , ثم نتخيل وهما بأن هناك رسالة ما ورائها .

-لا يعرف العقل الواعي العيش فى الحياة بدون أن يخلق روابط سببية بين الأشياء , فالحياة بالنسبة لنا هى قدرتنا على تجميع الصور فى صورة منطقية أو خيالية لخلق مفهوم نتعاطى معه .. ومن هنا نحن من خلق الإله بلصقنا صور مادية مع بعضها لنسقطها على صورة تشبهنا لنجعله قادر على التصميم وتشكيل وتكوين الصور وإرسال الرسائل .

* دعونا فى الجزء الثانى من هذا البحث تناول بعض التأملات المخربشة المشاغبة فى فكرة المصمم الذكي الذى يروجون ويغنون له ليل نهار.
251- المصمم الذكى صاحب التصميمات الخارقة للخلية والجينوم هو نفسه المُصمم الذي قدم لنا كم هائل من الخرافات والمغالطات العلمية فى الكتاب المقدس والقرآن .. مغالطات يخجل منها أهل الأديان ولكنهم لا يخجلون عندما يحتالوا على الإنجازات العلمية لينسبوها إلى إلههم .. أنظر إلى سلسلة مقالاتي مائة خرافة مقدسة التي تفضح المغالطات الفجة المضحكة بالكتب المقدسة فهى لذات الإله المصمم البارع مبدع الخلية والجين الذي يروجون له بلا حياء .
-المصمم الذكي الذي اخترعوه صانعاً ومُصمماً للخلية والجينوم والمخ لم يعرف غير طريقة صانع الفخار فى الأداء ليستحضر طين ويخلق منها الإنسان فلا خلية ولا جينات ولا إعجاز ولا تعقيد ولا يااااه .

252- إذا سلمنا جدلا أن المُصمم الذكي إخترع قوانين الفيزياء فهو خاضع لها لا يستطيع التخلص منها , فعرشه يحمله ثمانية من الملائكة الأشداء , والحمل هنا يعنى الحيلولة دون سقوط العرش بفعل الجاذبية , فصاحب التصميمات البارعة خاضع لقوانين المادة لا يستطيع أن يقيم علاقة جديدة يتحرر فيها من الجاذبية , ولكن هكذا جاء فكر وخيال إنسان قديم رسم إلهه كملك عظيم يحمل عرشه مجموعة من العبيد ليأتى أحفاد هذا المُتخيل ويحكون عن المصمم الذكي .

253- يقولون أنظر لعظمة ودقة التصميم الإلهى فى الحياة على الأرض لنقول , أننا أمام مصمم فاشل عاجز عن تعميم الحياة فى مليارات الكواكب الأخرى , فالأرض بمثابة حبة رمل في صحراء الكون الشاسعة , فلماذا توقفت قدرات الصانع العظيم وعجز عن تكرار التجربة .
ليت الأمور تتوقف على عظمة خلق الأرض , فثلاثة أرباع مساحة الأرض بحار ومحيطات ومعظم الربع الباقى صحارى شديدة الحرارة ومناطق جليدية لا تقيم حياة مريحة .

254- أنظر لدقة وجمال الخلق الذي يدل على مُصمم وصانع فائق القدرة والعظمة , لأقول : أنظر للتشوهات الجنينية الخلقية والعقلية فأين المصمم البارع؟ .. فلا تقل لي أن التشوهات نتاج عدم حرص الأم على تجنب الأشعة والمخدرات والأدوية . لأقول المصمم البارع لن يترك هذه الهفوة دون أن يضعها في حسبانه و يعالجها في تصميمه كما تفعل الشركات الصناعية .

255- أنظر لدقة وتعقيد جين الدى ان ايه فهو يدل على صانع مُصمم ماهر , لأقول : وماذا عن التشوهات الخلقية التى سبق الإشارة إليها , وماذا عن تباين لون البشرة بين البشر , فهل الإله يستحسن الألوان والتشكيل من هذا التنوع والتباين فى لون البشرة ولكنها أنتجت عنصرية وتمايز عانت منه البشرية طويلا .

256- المصمم العظيم والرحيم في نفس الوقت صمم وبرمج غريزة الكائنات الحية على الإفتراس والتوحش والتطفل , فلم يوجد فى كتاب تصميماته إلا هذا النهج من التوحش والإفتراس , بينما يُفترض في مُصمم بارع ورحيم وقادر أن يبدع نهج يحافظ على الحياة وعلى الكائنات الضعيفة .

257- المصمم الذكى بتاع كن فيكون خلق الكون في 13.5 مليار سنه وإنتظر 9 مليار سنه حتى تبدأ الأرض في الظهور كشظية متأججة لينتظر مليارين من السنين حتى تبرد وتهدأ الأرض من تأججها وبراكينها وحرارتها وغازاتها السامة , ثم ينتظر حتى تتكون أول خلية حية , فالمصمم خاضع لقوانين المادة .!

258- لو إفترضنا جدلاً بوجود إله وأنه مُصمم فهذا يعنى أن كل مشاهد الوجود من تصميمه بلا إستثناء لنسأل هنا عن صور من الطبيعة كمنحوتات طبيعية قد تقترب من موجودات كهيئة حيوان فهل الإله هو من نحت الجبل , كذا مشهد فى الغيوم توحى برأس إنسان , ثم لنا أن نسأل عن صور طبيعية عشوائية فوضوية ليست ذات أى معنى وجمال , فأليس الإله هو من صممها أيضا .!

259- سبحان الله .. شفت المصمم الذكي الذى يرفض الممارسات الجنسية بدون زواج , فقد صمم غشاء البكارة فى المرأة حتى نعرف هل مارست الجنس قبل الزواج أم لا , ولكن هذا المصمم الذكي نسى أن يخلق إشارة في قضيب الذكر لنتبين منها أنه مارس الجنس أم لا , فما تفسير ذلك سوى أنها رؤى انسان قديم لإله مصمم ذكوري الهوى فلا تصميم ولا بطيخ .

260- المُصمم الذكى أفلح فى الداء وفشل فى الدواء فقد إخترع الميكروبات والفيروسات العديدة والأوبئة التى تنال من جسد الإنسان لتحصد مليارات البشر على مر العصور , ولم يقدم لنا الدواء بل نحن من إكتشفناه , فهل المصمم عاجز أم شرير , هو شرير إذا كان موجوداً بدليل أنه يطور من أداء الميكروب والفيروس بعد معالجتنا له بمضاد حيوي أم أن الأمور تحتاج منا إلى القليل من الإستفاقة .

261- المُصمم الذكى ينتج منتجاته بدقة ومهارة ليكون لها الديمومة والبقاء ولكن مُصممنا يفشل فى الحفاظ على منتجاته فهناك تصادم للمجرات وإنفجارات وانهيارات للنجوم ليكون مصيرها بالوعة الثقوب السوداء وهناك نيازك وشهب تضرب الأرض بل نشأة الأرض شهد وابل شديد من النيازك إستمر لملايين السنين جعل الأرض كرة بركانية .

262- تعلمنا فى الهندسة أن التصميم الجيد هو ما يفى بالغرض دون زيادة لا داعي منها , فإذا كانت الكمرة فى منشأ تتحمل أحمال ليكون عمق خمسين سم كاف لتحملها , فلا داعي ولا معنى لجعل عمقها متر فهذا إسراف وتبديد لا داعي له , كذا عندما تكون الحياة على الأرض يكفيها شمس وقمر واحد فلا معنى ولا داعي لسماء تحتوى على مليارات النجوم والأقمار .!

263- اكتشفنا أن المصمم الذكى أخفق وفشل فى التصميم للكثير من أجزاء أجسادنا وأجساد الحيوانات , كذا وجود أشياء بلا جدوى فى أجسادنا , بالنسبة لأخطاء التصميم كرؤوس مواضيع يمكن الإستفاضة فيها : خطأ فى شبكية العين - وضع مجرى البول في البروستاتا– بلعوم الانسان - مشكلة الأقراص الفقرية في الظهر ألخ , وهناك أجزاء فى أجسادنا لا فائدة حلمات الثدي عند الرجال - الزائدة الدودية - ضرس العقل- شعر الجسد - بقايا عظام الذيل- اللوزتين ألخ .
العلم والتطور يجيبنا عن هذه الأجزاء فى أجسادنا التى بلا جدوى , كما يمنحنا فكر أن الطبيعة لم تنتج منتجاتها بوعى ولا بتصميم ذكى لينتاب بعض المشاهد الخلل والقصور , ولكن ماذا عن صاحب التصميم الذكى ؟!.

دمتم بخير وعذرا على الإطالة .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .