- المعارضة السورية ودورها في هزيمة شعبها


منذر خدام
الحوار المتمدن - العدد: 5974 - 2018 / 8 / 25 - 16:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


بداية ينبغي التدقيق في مفهوم "المعارضة"، وفيما إذا كان يقبض على وجود مميز له في الواقع السوري. من الناحية التاريخية ولد المفهوم جنينا في ظل الديمقراطية الأثنية، وتطور لا حقا في ظل الديمقراطية الرومانية، لينضج أكثر في ظل الرأسمالية ، مع تطور ونضج الديمقراطية ذاتها، وهو مستمر في التطور والنضج معها، ولذلك يعد من اكثر المفاهيم التصاقا بها. تعد المعارضة في الديمقراطية الرأسمالية جزءا وجوديا وضروريا لنجاح النظام الديمقراطي. ولا يمكن تصور وجود ديمقراطية بدون معارضة تتمتع بكامل الحرية في ممارسة نشاطاتها السياسية، وفى نقدها لسلطات الحكم الثلاث، وفي دعوتها السلمية للمواطنين لمعارضة هذا القرار الحكومي أو ذاك، أو لرفض هذا القانون أو ذاك، وفى طرحها فكرا وبرنامجا سياسيا مخالفا للفكر السائد او مطورا له، وفى محاولتها القانونية للحصول على الأكثرية في المجلس النيابي، أو المجالس العامة الأخرى. وهى تتمتع بحق إقامة الندوات الحوارية، والمهرجانات الشعبية السياسية من أجل بث أفكارها وبرامجها بين المواطنين .بكلام آخر إن العلاقة بين المعارضة والقوى الحاكمة في ظل الديمقراطية هي علاقة ضرورية، كل طرف فيها يستدعي وجود الطرف الأخر بالضرورة، وإذا انتفى وجود طرف من اطرافها انتفى وجود الطرف الآخر، وانتفى وجود الديمقراطية ذاتها. في إطار هذه العلاقة تتحدد قوة الطرف الحاكم بقوة الطرف الآخر المعارض، الذي يسعى دائما إلى استبداله، والحلول محله في الحكم بطريقة سلمية، عبر صناديق الاقتراع، لتنفيذ رؤاه وبرامجه السياسية المختلفة. بهذا المعنى المعارضة تكون سياسية وسلمية دائما.
يختلف مفهوم "المعارضة" في سورية، وفي البلدان العربية بصورة عام، عنه في الدول الديمقراطية، فهو هنا يدل على العدو الوطني للقوى الحاكمة، ولذلك ينبغي القضاء عليه، او التضيق عليه في الحد الأدنى، ومنعه من الوصول إلى الحكم. وعليه فإن العلاقة بين القوى الحاكمة والقوى المعادية لها هي علاقة نفي، كل طرف فيها يعمل على نفي الطرف الآخر، وليس التكامل معه. وبالفعل وعلى امتداد تاريخ سورية المعاصر كانت دائما القوى الحاكمة تعمل على التضييق على القوى "المعارضة"، بل وتحاول القضاء عليها. ففي ظل الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية ليس من الصواب النظري أو العملي القول بوجود معارضة، بل عناصر معادية للحكم، متمردة عليه، أو ظواهر "معارضة" في أفضل الحالات، حتى ولو أخذت أبعادا كبيرة كما حصل خلال الأزمة الراهنة في سورية.
" المعارضة" في سورية ثلاث انواع، النوع الأول منها يمكن تسميته جوازا بالمعارضة التاريخية، أو التي لها تاريخ، وهي تمثل بقايا الأحزاب السياسية التي تشكلت في الحاضنة الأيديولوجية القومية او اليسارية او الدينية منذ ما قبل الاستقلال عن فرنسا، وبعده خلال الخمسينات والستينات على وجه العموم. من السمات الدالة على هذا النوع من المعارضة هو امتلاكه لرؤية سياسية ايديولوجية يزعم انها تخالف سياسة وأيديولوجيا القوى الحاكمة، وتعمل على اسقاط نظام الحكم لتطبيقها.
النوع الثاني وقد أسميته بـ "المعارضة بالصدفة"، وهو، خلال الأزمة الراهنة في سورية، شمل قطاعا واسعا من السوريين، كان أغلبهم جزءا من الموالاة، وقسم منهم كان جزءا من الحكم. هذا النوع من "المعارضة" هو وليد تفجر الأزمة السورية، وما رافقها من أوهام، غزتها الأموال المتدفقة عليها من مصادر عربية وغير عربية لها اجنداتها الخاصة في سورية، وكذلك الأبواق الاعلامية التابعة لهذه الدول، إضافة إلى المعارضة الحرباء السورية. السمة الدالة على هذا النوع من المعارضة استعداده لتبني اكثر الخيارات تطرفا لإسقاط السلطة الحاكمة، في مرحلة سيطرة الأوهام عليه، وفي المقابل سهولة تخليه عن الخيارات المتطرفة وقبوله الدخول تحت عباءة النظام من جديد في مرحلة هزيمة أوهامه. القضية الرئيسة بالنسبة لهذا النوع من المعارضة هو قضية شخصية، فهو يعارض بشخوصه شخوص السلطة فحسب، وإن تستر تحت غلالة من الإسلامية السياسية بأشكالها المختلفة.
أما النوع الثالث من المعارضة فقد أسميته بالـ "معارضة الحرباء"، اذ تتلون مواقفها ورؤاها بحسب الظرف الذي هي موجودة فيه، فتارة تجدها أقرب إلى الموالاة، تحاول تغليف مواقفها ينوع من العقلانية والواقعية، وتارة اخرى تجدها متشددة في عدائها للسلطة. وكلا الحالين يمثلان انعكاس لتغيرات الميدان، ولتقلبات البازار السياسي بصورة رئيسة. ينتشر هذا النوع من المعارضة بصورة خاصة في أوساط المشتغلين في الحقل الثقافي- السياسي.
جميع فئات المعارضة السورية، إلا بعض الاستثناءات الشخصية القليلة، هي من طينة القوى الحاكمة، وليس نقيضا لها لا سياسيا، ولا برنامجيا، ولذلك كان من الطبيعي ان يكون الصراع بينها، هو صراع نفي يسعى كل طرف للقضاء على الطرف الآخر، وكان من المنطقي أن ينتصر الطرف الذي ادار صراعه بصورة أفضل، وهو هنا النظام.
وإذا كان الهدف من الصراع السياسي بين المعارضة والقوى الحاكمة في ظل الديمقراطية يتمحور حول خدمة الشعب، ومنعة الدولة، فإن هذا الصراع في ظل الانظمة الاستبدادية يتمحور حول السلطة، وإن ادى إلى تمزيق وحدة الشعب، ودمار البلد، كما حصل في سورية. وبالفعل فقد عملت القوى الحاكمة في سورية من خلال تمسكها بالسلطة والدفاع عنها إلى خوض صراع مسلح مدمر ودموي استمر ما يزيد عن سبع سنوات ونصف ضد القوى التي تمردت عليها فكانت النتيجة تدمير البلد وتمزيق وحدة مجتمعه. في هذا الصراع لم تستطع المعارضة بكل انواعها، ما عدى استثناءات شخصية قليلة، التفوق على القوى الحاكمة، لا سياسيا، ولا اخلاقيا بل كانت في كثير من الحالات أسوا منها. الشيء الوحيد الذي ربما تكون قد ماثلتها فيه، هو اشتراكها معها في تدمير البلد والشعب.