إن تزور بيروت هذه الأيام...(3)


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 5973 - 2018 / 8 / 24 - 02:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تتصدر صحف بيروت اليومية عناوين كثيرة هذه الايام، أبرزها ما يتعلق بتشكيل الحكومة، في الأسباب والتوقعات، في المعوقات والمؤثرات، في الإدارة والقيادة، في الارتهان والارتباطات، في الضغوط والتهديدات، وكانت الانتخابات التشريعية قد تمت يوم 2018/5/6 وانتجت لوحة جديدة، ربح من ربح فيها، وخسر من خسر، من بينهم رئيس الوزراء المنتهية ولايته، سعد الحريري، وتياره وحلفاؤه، ورغم ذلك اعيد تكليفه بتشكيل الحكومة ايضا، ليستمر التعبير بذلك عن اوضاع لبنان وخارطة ما تسميه وسائل الإعلام بالطبقة السياسية المتنفذة في حكم لبنان، والعرف المتحكم به كنظام طائفي ومحاصصة بين الطوائف والأقليات المكونة للمشهد السياسي، يقوم على أساس "الديمقراطية التوافقية"! في تاريخ لبنان المعاصر.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من أوّل انتخابات برلمانية في لبنان منذ تسع سنوات، جرت باعتماد صيغة معدّلة للنظام النسبي، من خلال ما يسمّى "الصوت التفضيلي" والتقسيم الطائفي للمقاعد الانتخابية، وما حملت نتائج الانتخاب، ونسبة المشاركة التي أعلنها وزير الداخلية والتي بلغت 49.2%، لم تتشكل حكومة ولم يعقد البرلمان جلساته ويقوم بدوره التشريعي والرقابي، كالمعتاد. وهو أمر ليس جديدا وليس غريبا، في لبنان خاصة، حيث تتفاعل العملية السياسية مع عوامل خارجية مؤثرة، وقد تعكس صراعاتها على الوضع في لبنان باكثر مما هي عليه، أو تكابده. وفي الوقت نفسه عكست هذه النسبة المئوية للمشاركين في الانتخابات عزوفا واضحا للناخبين، ومقاطعة مقصودة للعملية الانتخابية، رغم أهميتها وضرورتها كحل ممكن لأزمات السياسة والحكم في بلد كلبنان.
واضح أن النتائج الانتخابية لها تأثيرها فيما يجري في العملية السياسية. فقد اعتبر حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله في خطاب متلفز، نتائج الانتخابات التشريعية "انتصارا" كبيرا له. في المقابل، اعترف رئيس الحكومة سعد الحريري بخسارة تياره ثلث المقاعد التي كان يشغلها في البرلمان المنتهية ولايته. وقد اكد الأمين العام لحزب الله إن نتائج الانتخابات التشريعية التي حققها حزبه مع "القوى الحليفة والصديقة" تشكل "انتصارا" كبيرا لخيار "المقاومة" في لبنان. واعتبرها بمثابة "انتصار سياسي ومعنوي كبير لخيار المقاومة الذي يحمي سيادة البلد"، معتبرا أن "تركيب المجلس النيابي الجديد يشكل ضمانة وقوة كبيرة لحماية هذا الخيار الإستراتيجي ولحماية المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة".
من بين العناوين الأخرى في وسائل الإعلام اللبنانية، ما يتعلق باللاجئين السوريين واعادتهم أو عودتهم إلى ديارهم. وبما حصل بين وزارة الخارجية ومفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والتي لم تحترم قواعد عملها ولا مهامها الاساسية. ورغم اجبارها على التراجع، فقوافل اللاجئين السوريين في لبنان بدات بالعودة إلى ديارهم في إطار عملية وصفتها الحكومة اللبنانية بأنها طوعية وتمت بموافقة السلطات السورية. وانطلقت الدفعة الأولى من العائدين وبينهم نساء وأطفال من بلدة عرسال الحدودية والتي تستضيف وفق الأمم المتحدة، حوالي 36 ألف لاجئ سوري غالبيتهم من قرى سورية محاذية للحدود مع لبنان. ويتوقع أن يصل عدد السوريين الذين سجلوا أنفسهم للعودة نحو 3194 شخصا، في الأسبوع الأخير من شهر حزيران/ يونيو، وما بعده. وتنشر وسائل الاعلام وتصريحات مسؤولين لبنانيين أو من منظمات دولية بان لبنان يستضيف حوالي مليون لاجئ سوري يشكلون ربع السكان، ويحذر مسؤولون لبنانيون خصوصا من تداعيات ذلك على اقتصاد البلاد الهش.
أمور أخرى تشغل المشهد اليومي في بيروت، تبرز فيها البنوك، التي هي مثل المقاهي في بغداد في المثل القائل بين مقهى وأخرى مقهى، أسماؤها أجنبية وعربية، ومنها ما يحمل اسما عربيا، وهو في الواقع بعيد بعد السماء عن الارض عن اسمه، ومعروف في لبنان أن البنوك مثل غيرها من مؤسسات تمارس ادوارا أخرى مختلفة أو متوازية مع أعمالها لخدمة أهداف أخرى لا تصب في خدمة الشعب والوطن، بحكم نوع مهماتها غير المعنونة باسمها، أو العاكسة لمدلوله. اي أن أسماءها أو عناوينها مجرد اسماء أو عناوين، إذ يكمن خلفها ما هو ادهى واخطر ..
دائما يتوقع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، نمو الاقتصاد اللبناني بنسب تتوازى مع توقعات صندوق النقد الدولي، أو تتجاوزها، ولكن ظل لعقود صرف الدولار بالف وخمسمائة ليرة لبنانية، أو حواليها بحركة عشرة ليرات، زيادة أو نقصانا، حسب اجراءات أو رغبات القائمين بالتصريف أو البيع والشراء، والتضخم في حركة متصاعدة. ويشدد المسؤولون في لبنان على آليات العمل المصرفي والبنكي تماشيا مع السيطرة والرقابة الدولية لأوضاع لبنان وما تصدره وتبثه من اخبار كثيرة تستهدف الحركة السياسية وقواها المقاومة ومواقف لبنان المواجهة للمشاريع العدوانية والإمبريالية.
كانت جهات لبنانية، ومنها حاكم مصرف لبنان، تصرح بان "لبنان سبق له أن وضع آلية للرقابة والمصارف تعمل تحت مسمى احترام قوانين البلدان عند التعامل بعملتها أو مع مصارفها، ووصف الآلية الموضوعة بالعادلة، مصحوبة بمراجعة لحركة الحسابات المشكوك فيها، وعلى أساسها يتم اتخاذ القرار المناسب بالتعاون مع الخزينة الأميركية بهذا الخصوص، وقد عبرت المصارف الأجنبية عن ارتياحها لطريقة تعامل وامتثال المصارف اللبنانية"!. فضلا عن توفر ما يزايد في هذه المواضيع أو يكون أداة فعالة بعنوان بنكي و مصرفي.
ولابد من الإشارة إلى تشوهات متزايدة في الشوارع اللبنانية، لاسيما الشوارع الرئيسية كشارع الحمرا التجاري، أو الكورنيش وعند الروشة. من هذه التشوهات التسول واستغلال الاطفال والرضع خاصة، وفي أوقات مختلفة، بينها ما بعد منتصف الليل، في هذه الممارسات الاجتماعية المخلة والمعرية للتفاوتات الطبقية والتمييز والاستغلال الراسمالي او غض النظر عنها لاسباب أو غايات أخرى. وهي تضيف مؤشرات اجتماعية واقتصادية تعكس ما وراءها وما يدفعها إلى هذه التناقضات الكبيرة. وكذلك مجموعات النساء المتشحات بالعباءات السوداء والراكضات وراء المارة عند منطقة الروشة لقراءة الفنجان أو التبصير أو ما شابه ذلك. وهي صور مؤسفة يتطلب العمل على إيجاد الحلول الأفضل وعدم تركها بشكلها أو بوضعها القائم الان. بمعنى ضرورة تطوير الرقابة والتصدي لمثل هذه الظواهر السلبية، والاهتمام دائما بمشهد لبنان السياحي ودور النافذة المفتوحة، المشرعة على البحر وفضاءات الوطن العربي، واستمرار عناوين بيروت المعروفة بها، بيروت الحرية والديمقراطية والمقاومة والابداع.

لقراءة الحلقتين الاولى والثانية يمكن العودة إلى المدونة:
http://www.kadhimmousawi.blogspot.com