مرآتك -الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي6


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5973 - 2018 / 8 / 24 - 00:22
المحور: الادب والفن     

كل كلمة في هذا الكون تحمل بين حروفها معنيين أحدهما جيد و مشجّع، و الآخر مكروه و مزعج..
إن أزعجك أحدهم بكلامه و كرهتهُ: اعتذرْ منه..
لأن سواد قلبكَ جعلك تأخذ كل كلامه بالمعنى السلبي.. أو أنك ترى حقيقتك التي تكره فيه!

وصلت موقع الطب النفسي الاجتماعي العديد من الرسائل التي تطرح مشاكلاً في العلاقات الاجتماعية اليومية.. مثالها حكاية روز، التي شرحت بالتفصيل حكايتها، و من ضمن ما قالته:
“ دكتورة أنا أم فاشلة.. ببساطة أنا لا أنفع كأم.. ابني الكبير لحق التطرف و الصغير لحق الكحول.. أعلم أنك طبيبة و ليس موقعك الطبي لحل المشاكل لكن لماذا يحدث معي كل ذلك.. كل عائلتي لا تنفع لشيء.. أنا مريضة بشيء لا أعرف له اسماً”.
*****************


إن الطب النفسي يسميّ المشاكل اليومية بأسماء أخرى.. و يعزوها إلى أسباب أخرى..
نسمي كثيراً منها تشوهات معرفيّة.. و التشوهات المعرفية قد تكون سبب و/أو نتيجة اضطرابات أخرى.. مثلاً: تتهم اضطرابات الشخصيّة و القلق و الاكتئاب في كثير من التشوهات المعرفيّة.


تشويه المعرفة في الطب النفسي: (Cognitive distortion): بشكل عام هو أسلوب مبالغ به للتفكير أو نمط غير منطقي للتعامل مع الأمور، يسبب مشاكلاً لصاحبه و من حوله دون أن يدري.. حيث أن الشخص (المصاب) لا يرى أن في تفكيره خللاً ما، بل على العكس يحاول قدر الإمكان إقناع نفسه بصحته.

وضع الطبيب النفسي الأمريكي آرون بيك أسس هذا الخلل.. وعرّفه بأنه تشوهات في طريقة التفكير تجعل صاحبها يتعامل مع الواقع بطريقة مرضيّة.

للتشويه المعرفي أمثلة عديدة: للتبسيط أذكر منها:

-القفز إلى الاستنتاجات : Jumping to conclusions:
و هو التنبؤ بنتيجة الموضوع من دون دلائل ماديّة.. مثال بسيط: رسّام موهوب يعتقد أن لا أحد سيحب لوحاته في المعرض، فيقرر عدم المشاركة.
مثال آخر: تعتقد هدى أنها ستفشل في الدراسة لأن أمها غير متعلمة.. فتقرر الزواج و عدم التعلم.

-الاعتقاد بكونكَ دوماً على صواب: Always being right:
و هنا يعتقد المرء أنه دوماً مصيب.. و يحاول إثبات أفكاره لمن حوله ليل نهار.. هذا الشخص لا يهمه رأيك المخالف، بل همه الوحيد أن يغيّره. مثال: تعتقد سهام أن النقاب فرض من الله و تحلل و تحرّم تبعاً لذلك.. أي محاولة لتغيير رأيها ستجعل منها غير مستقرة نفسياً…
مثال آخر : النقاش بين معارض و موالي لشخص/حكومة/ نظام ما…

-التصفية العقلية: Mental Filtering:
و هو التركيز على السلبيات في الحديث، و حذف الإيجابيات، كما يحدث عند تقديم النصح لأحد ما.. فإنه يتجاهل ما قيل في حقه من إثناء و يركز على ملاحظات بسيطة للتغيير.
-مثاله: عند استشارة فرح لصديقتها في مشكلة مع زوجها.. شعرت بالغضب لأن الصديقة لفتت انتباهها إلى أخطائها الشخصية في العلاقة، و تجاهلت كل ما قالته الصديقة من أشياء إيجابية.
مثال آخر : مايحدث عندماينسف مغترب ما كل إيجابية في بلده الأم و يعتقد أن وطنه واجب التدمير.

-اللوم: Blaming
إلقاء اللوم على شخص آخر في مشكلة ما، مثاله: صديق يُحمّل صديقه مسؤولية فشل علاقتهما… شخص يحمّل أبيه مسؤولية فشله…
مثاله أيضآ: لوم الرجل لعمل النساء و تحميله مسؤولية فشل الأطفال في المجتمعات المغلقة.


-و عكس اللوم: التخصيص: و جعل الموضوع شخصي:Personalizing:
إلقاء كامل اللوم على النفس و جلد الذات في مشكلة ما.. أو عزو النجاح للشخص وحده دون مساعدة من حوله.. مثاله: الأم التي تعزو فشل طفلها في المدرسة إلى كونها أم فاشلة.
أو طالب الطب الذي يعتقد أنه ليس عليه مساعدة صديقه.. لأنه نجح دون مساعدة أحد!

-الفصل/الشق: Splitting :
تقييم الأشخاص و المواقف بشكل حدّيّ متطرف: : مطلق الشر أو مطلق الخير.. أسود أو أبيض: و التأرجح بينهما.
و مثاله: مراد شاب معجب بالفنان الفلاني.. يعشق صوته و كلمات أغانيه.. و يقول أنه ملاكه على الأرض..(أبيض) عند سماع الرأي السياسي للفنان الفلاني قام مراد بنسف سمعته و قال أنه شيطان. (أسود).
عند موت الكاتب الفلاني، لم ينسَ البعض سلبياته، بل استخدموها كورقة تجارة ضده.. متجاهلين أن البشر جميعهم رماديون.

-التعميم: Overgeneralizing:
تعميم صفة ما أو نتيجة ما على كل الأشخاص أو المواقف..
مثال: بعد طلاقها بسبب خيانة زوجها.. قالت سمر أن الرجال جميعهم خونة.. و أصبح من الصعب عليها الثقة بأحد.
-بسبب اختلافه مع جاره اليهودي بسبب المال.. قال خيرت أن جميع اليهود بخلاء…
-بسبب طرده من العمل من قبل مديره الهندي.. اعتقد عماد أن جميع الهنود متعالون.



هذا جزء يسير من تشوهات التفكير التي تتسبب في المشاكل المجتمعية و التي تمر من غير ملاحظة أصحابها.. و هو يجيب عن الرسائل التي وصلت الموقع في هذا الخصوص.

ما العلاج:
يقترح العلاج السلوكي المعرفي: cognitive behavioral therapy (CBT): و هو نوع من أنواع العلاجات النفسيّة، لتبسيطه يمكن القول بأنه تداخل نفسي-مجتمعي يهدف إلى:
تغيير التشوهات المعرفية والسلوك الناتج عنها، وتطوير استراتيجيات للتعامل مما يجعل من الشخص أكثر قدرة على الاستمرار في العلاقات الاجتماعية السليمة و أقل عرضة للفشل في حياته.
للتبسيط: أقول لطلاب الطب أنّ الطبيب النفسي الناجح يستطيع أن يكون مرآة من حوله.. يعني: يساعد الطبيب النفسي أو المعالج النفسي الشخص في رؤية داخله.. مشاكله و حياته من وجهة نظر مراقب خارجي و يحوّله من شخص (انفعالي) لا يرى المشكلة برمتها.. إلى شخص مستقر ذو رؤية واضحة عن الموضوع.. و في أحيان كثيرة إلى شخص حكيم ذي وعي ذاتي.
*************


بشكل مباشر، شديد البساطة و خفيف جداً، سأستمر في " حكايتي".
طرح الحكاية قد يفيد صاحبها قليلاً، لكنه يساهم بشكل كبير في زيادة التوعية بالطب النفسي و محاربة الوصمة تجاه الأمراض النفسية.
في القرن الحادي و العشرين إن شاهدت من يقول لك، لم و لن ألجأ إلى الطب النفسي في حياتي.. اعرفْ أنك تتحدث مع شخص لا يعاني فقط من أعراض بسيطة، بل قد يطول علاجه لسنوات.

أنتَ كما تحلم أن تكون...

لا تنسوا أرسلوا حكايتكم إلى موقع الطب النفسي الاجتماعي: https://www.sociosomatics.com