حنا مينه :العالم يموج .‏


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 5971 - 2018 / 8 / 22 - 16:39
المحور: الادب والفن     

‎ ‎ربما كان ذلك سنة 1994 خلال معرض الكتاب بتونس العاصمة ، كتب مكدسة ‏‏على الرفوف ، أناس غادين رائحين ، بحثا عن مآربهم ، كنت رفقة زميلة دراسة ‏‏نسير مع السائرين ، بحثا عن كتاب هنا وكتاب هناك ، عندما أدركنا دار الآداب ‏‏البيروتية وجدنا حنا مينه متربعا على عرشها وهي التي نشرت جل رواياته ، ‏‏وغير بعيد عنه صاحب الدار الروائي الذي لا يقل شهرة سهيل ادريس ، شيخ ‏‏الدين الذي تحول الى أديب مفعم بعشق الفلسفة الوجودية .‏
‏ كان حنا مينه جالسا بوقار في الوسط كأنما على ناصية مرساة يرقب السفن ‏‏العائدة بهدوء الى أوكارها ، دون انتباه من أحد ، بادرناه بالتحية فاستقبلنا باسما ‏‏عندما علم أننا طلاب فلسفة ، أمسك بيد زميلتي معبرا عن اعجاب بجمالها وظل ‏‏يتكلم مرحبا . ‏
‏ كان الاتحاد السوفياتي في نسخته البروسترويكية في تلك الأيام قد تفكك ، وهجر ‏مثقفون وأحزاب مواقعهم ‏في اليسار ليسيروا على اليمين فاستفسرته عما حدث ‏وهو الروائي الماركسي ‏المولع بالواقعية الاشتراكية ، أما زميلتي فقد أردفت : ‏كيف ترى العالم الآن ؟ الى ‏أين يسير ؟ وأتت اجابته مقتضبة : إن العالم يموج ‏‏!!!إن العالم يموج !!! وبقيت ‏تلك الاجابة محفورة في الذاكرة .‏
حنا مينه الذي سيكتب بعد ذلك في روايته‎ ‎‏"امرأة تجهل أنها امرأة " ( 2009 ) ‏‏هذه الكلمات : "خرج الى الشارع ، توقف أمام باب الفندق ، يذهب يمينا أم يسارا ‏؟ ضحك في سره وقال : أيها الشقي ، أمضيت عمرك في اليسار فهل يعقل أن ‏تذهب يمينا ؟" . كان كأنما يجيب عن تلك الأسئلة مقدما أجوبة ‏مؤجلة !! فالرجل ‏الذي كأنما قذف به البحر يوم ميلاده الى اليابسة كان يرى العالم ‏بحرا والتاريخ ‏أمواجا ، موجة تعقب أخرى . ...و منارة تضئ من بعيد .‏