الجنس ودوره في حياة الإنسان ح3


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5971 - 2018 / 8 / 22 - 01:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

نعود للسؤال لنحاول الأجابة عنه وفقا لهذه المقدمة البسيطة ونقول أن الإنسان كائن متعدد الفعل كما هو متعدد في تأثيرات التفاعلات عليه، سواء أكانت داخلية ذاتية أو خارجية موضوعية، وبالتالي لا يمكن لنا حصر وتحديد السبب الرئيسي المكون والخالق للفكرة الجنسية لديه، وحتى لو نجحنا على سبيل الفرض أن نعزل الإنسان عن المؤثرات الخارجية التي تتيح له الشعور والإحساس الجنسي، لا يمكننا أن نتبأ بما في تكويناته الداخلية (العقل والنفس) من أثر على صياغة هذه الفكرة.
من هذه الفكرة الأساسية ننطلق لتحديد المفهوم الفلسفي للفكرة الجنسية عند الإنسان بأعتباره شبكة من المؤثرات والتأثيرات المتبادلة بينه وبين الذات الواعية واللا واعية من جهة وبينه وبين الأطار الخارجي الذي يعيش فيه ويتفاعل معه، بمعنى أن الفهم هنا ليس أحاديا قائم على علة واحدة أو سبب مباشر ليكون جنسيا أو يتعامل مع الجنس كمتعة خاصة أو كوظيفة فسيولوجية تكيفية أرتبط معها من حيث لا فكاك منه، أو حتى لا كضرورة بدية له في الحياة لا يمكن تجاوزها أو أنتفاءها لسبب ما أو علة مانعة، إذن ما يجعله كذلك هو خضوعه الدائم لكل العوامل والمسببات والمؤثرات حسب قوتها ودورها في كل حالة منفردة وحسب معطيات هذا التفاعل والتأثير المتبادل بينها وبينه.
فلا يمكن مثلا كما يذهب بعض مفكري وفلاسفة علم النفس إن الميول الجنسية عند الإنسان هي وليدة إنعكاسات نفسية لحالة الحرمان السابق في عهد الطفولة مثلا، أو نتيجة تصورات إنعكاسية لما حدث في حياة الإنسان من وقائع طبيعية تجري كقانون عام على كل المجموعة الحيوانية بما فيها الإنسان، وإن كنا لا ننكر أن بعض المؤثرات الذاتية ربما ترتبط بهذه الظاهرة، وجزما لا يمكن عدها السبب الأول بأي حال من الأحوال، والدليل أنها لم تتحول على طول الفترة التي تعامل الإنسان معها على أنها قانون عام سيال في حدوثه أضطراديا.
إذن حصر الفكرة الجنسية عند الإنسان بأتجاه واحد أو جعلها دلالة على ميول أساسية أستنادا على وجهة نظر ما، يعد خطلا علميا لا يماهي الحقيقة ولا يؤشر جدية في فهمها حقيقيا، الإنسان بجميع الأحوال وكقاعدة عامة كائن جنسي في تفكيره وفي أسلوب حياته وتفسيراته لها أو ما يعرف بأنسنة الوجود هو كذلك، وحتى في المعرفة بجانبها المثالي ومنها (الدين) وضع بصماته الجنسية هناك أما كمحفزات يراد منها تحقيق غايات محددة يظن أنها هدفه القادم، أو حتى كأفكار أخلاقية تحاكي الأنا البعيدة داخله ليعبر بها عن مكنونه العميق، ليس عيبا أن نقول هذا الكلام ولا من المخدش لقيمنا أن نتتناول الحقائق كما هي، العيب أن نغلف كل ذلك بعناوين ومسميات تتجاوز حقيقة الإنسان هذه أو نتهرب منها.
أخيرا لا بد من التوسع أفقيا وعموديا في بحثنا عن مفهوم الفكرة الجنسية وأن نجعل منها واحدة من أدوات فهم الإنسان كسلوك ووكائن متعدد الجوانب الخفية دون أن نهرب من قيمة الحقيقة أو جوهر المشكلة، وهذا ما يساعدنا في مرحلة لاحقة من الكشف عن جوانب مهمة من الفكر الإنساني العام، ليس لأنه مرتبط بها بل لأن الشاخص الأول في تفكيره يبقى الإشكال الأول وهو الجنس وما يتصل به وما يتفرع منه، مع لحاظ أن الدراسات ما فوق المعرفية تؤكد أن العمق الدفين في الإنسان هو المنبع الأساسي لأفكاره ونتاجه المعرفة مصهورا بقالب عقلي يشكل تلك الأفكار ويلونها ويخرجها للعلن.
ومن المفيد أيضا في هذا المجال أن كشف خطوط التشويش وتصحيح معلوماتنا الكلية وفقا لمباني كلية، وليست جزئية أو شاذة عن القواعد يساهم أيضا في تحسين رؤيتنا للذات البشرية في جوانبها المتعددة، ويضع خطوات هامة ومنجزة في طريق معرفتنا أنفسنا دون أن نربط الغير ضروري والغير حاسم والأصولي وجعله مقدمة للبحث هذا، قد تكون هذه الأفكار بداية لسلسة من المحاولات الجادة والرصينة التي تربط في الإنسان مفاهيم حدية مع مفاهيم نسبية، العقل والعاطفة، المشاعر والهواجس، الطبيعي والمختلق وهكذا يمكننا أن نفهم الصورة بأجمالية أكثر وضوحا وأدق في تفاصيلها مما نحن عليه الآن.