القيمة


محمد عادل زكي
الحوار المتمدن - العدد: 5963 - 2018 / 8 / 14 - 05:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

القيمة
-------
الأصل الّلغوي لكلمة Value في اللغة اللاتينية Valeo وتعني: القوة، الإقدام، الصلابة، وفي اللغة الأكدية القديمة Pelu وتعني قوي، ثور، دراهم، ثمن، قيمة. وفي الّلغة الكنعانية Paal وتعني قوي، سيد، رب، إله. ويمكننا أن نلاحظ هنا أمرين: أولهما: أن الكلمة تدل، ضمن ما تدل، على القوة البدنية والمعنوية، والصمود وبذل الجهد في سبيل أمر شريف. ثانيهما: يتم الخلط بين القيمة والثمن، ويتأكد هذا الخلط في اللغات الأوروبية الحديثة؛ إذ تعني Value في الإنجليزية و Valeurفي الفرنسية و Valorفي الإسبانية وValore في الإيطالية: القيمة، الثمن. الثروة، وإن كان المعنى أكثر وضوحاً، في مرحلة متقدمة تاريخياً، في قاموس أكسفورد، وتأثراً بسميث؛ حيث الإشارة إلى عنصري المنفعة والمبادلة، وقدرة السلع على شراء بعضها البعض. أما علماء اللغة العربية وفقهاء الأصول، فالقيمة لديهم:"أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين درهماً ثمن يقول: بعه، فما زاد فهو لك،... والقيم، وأصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء، والقيمة ثمن الشي بالتقويم". لسان العرب (ج5/ص 402) ونقل عنه البستاني في معجمه فاكهة البستان (ص1312). ويمكننا ابتداء من كلام ابن منظور أن نجد اتفاقاً بين القدماء من الفقهاء المسلمين على الخلط بين القيمة والثمن، من ناحية، وبين القيمة ومقياس القيمة من ناحية أخرى، فقد أجمعوا تقريباً على أن القيمة هي:"ما يقدر به الشيء حسب سعره في السوق". راجع: شرح المحلى (ج3/ص248)، بدائع الصنائع (ج4/ص51)، فتح القدير (ج7/ص437)، شرح الزرقاني (ج6/ص208). وللتهانوي الحنفي (القرن الثامن عشر) في كشاف اصطلاح الفنون، تعريف يبدو ظاهرياً أنه يفرق، بوعي، بين القيمة والثمن، ولكنه في التحليل النهائي يخلط بين عدة مصطلحات، فهو يخلط أولاً بين الثمن الاتفاقي والثمن الجاري، ثم يخلط، ثانياً، بين الثمن الجاري والقيمة، فقد كتب في اصطلاح الفنون:"الثمن بفتحتين، هو ما يلزم بالبيع وإن لم يقوم به... فالقيمة ما قوم به مقوم، والثمن قد يكون مساوياً للقيمة، وقد يكون زائداً منه، وقد يكون ناقصاً عنه. والحاصل أن ما يقدره العاقدان، بكونه عوضاً للمبيع، في عقد البيع يسمى ثمناً، وما قدره أهل السوق وقرروه فيما بينهم، وروّجوه في معاملاتهم، يسمى قيمة". (ج1/ص240) بيد أننا في مرحلة متقدمة تاريخياً نجد تفرقة لدى ابن عابدين في حاشيته بين القيمة وبين الثمن؛ وكأن التفرقة بين القيمة ومظهرها النقدي، الذي يطلق عليه الثمن، صارت ضرورة تاريخية ملحة، فقد كتب الشاطبي، إنما مع الخلط بين القيمة ومقياسها:" الثمن هو ما تراضى عليه المتعاقدان سواء أزاد على القيمة، أو نقص، وأما القيمة فهي ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان". (ج4/ص51)، وقد أخذ صاحب كتاب مرشد الحيران، حرفياً، بتعريف ابن عابدين في رد المحتار في المادة 320. ونلاحظ أن العقل العربي، وفي لحظات استثنائية، خلال هذا التاريخ من الخلط، لن يتمكن من تحليل ظاهرة القيمة على يد ابن خلدون، وابن الأزرق الذي أخذ عنه، إلا حينما يتحرر من سلطة الذهن الفقهي، فلدى ابن خلدون في الفصل الخامس من المقدمة:"لا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب أو متمول، لأنه إن كان عملاً بنفسه مثل الصنائع فظاهر وإن كان من مقتنى الحيوان والنبات والمعدن فلا بد فيه من العمل الإنساني... وإلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع...، فإن كثرت الأعمال كثرت قيمها".ثم يرى أن الأشياء تنتج ابتداءً من احتياج الناس إليها أي أنه يعتد بحال أو بآخر بالمنفعة كشرط للقيمة:"أن الصنائع إنما تستجد إذا احتيج إليها وكثر طلبها". ويكاد يصل إلى ضفاف ما سوف يصطلح على تسميته في ما بعد القيمة الزائدة، فقد ذهب إلى أن:"صاحب الجاه مخدوم بالأعمال، فالناس معينون له بأعمالهم في جميع حاجاته. فتحصل قيم تلك الأعمال كلها من كسبه وجميع معاشاته، أن تبذل فيه الأعواض من العمل، يستعمل فيها الناس من غير عوض؛ فتتوفر قيم تلك الأعمال عليه".وعند المقريزي في كتابه شذور العقود في ذكر النقود:"أن النقود التي تكون أثماناً للمبيعات وقيماً للأعمال". (ص129) ولدى ابن الأزرق:"أن الله تعالى خلق حجري الذهب والفضة من المعدنيات قيمة جميع المتمولات". (ج2/ ص 717) وعلى مذهب ابن خلدون يرى ابن الأزرق أيضاً:"أن الكسب هو قيمة الأعمال الإنسانية، أما بالصانع فظاهر، وأما ما ينضم لبعضها كالخشب مع النجارة والغزل مع الحياكة، فالعمل فيه أكثر فقيمته أزيد، وأما بغيرها، فلا بد في قيمته من قيمة العمل الذي به حصوله. نعم، ربما يخفى ملاحظته، كما في أسعار الأقوات في الأقطار التي لا خطر لعلاج الفلح فيها، لخفة مؤونته، فلا يشعر بها إلا القليل من أهل الفلح". (ج2/ص717).