سمير أمين في تونس.‏


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 5962 - 2018 / 8 / 13 - 19:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

سنة 2014 وبتكليف من قسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الانسانية / صفاقس ، اتصلت ‏بسمير أمين بتوسط صديقي جلبير الأشقر الذي مكنني من رقم هاتفه وعنوانه الالكترونى ‏، جاء صوت الرجل على الخط صافيا ، واضحا ، سريع الايقاع ، مرحبا ، وعندما علم ‏بدعوته الى تقديم مداخلة في ندوة فكرية عنوانها الفلسفة والمقاومة وافق على الفور ‏مشترطا فقط أن تكون على السكايب فالعمر لم يعد يسمح بالسفر ، أعددنا كل ما يلزم ‏لذلك وكانت مداخلته التى حضرها كثيرون بين طلبة ومدرسين عقبها نقاش ثري وقبلها ‏كان قد أرسل الينا تلك المداخلة مكتوبة ومرقونة في احترام قل نظيره لمن خاطبهم .‏
كانت علاقتي بسمير أمين عن بعد منذ زمن طويل عندما رن إسمه في أذنى يوم دخلت ‏الجامعة التونسية لأول مرة طالبا ، قبل عشرات السنين ،فقد سمعت عن تقديمه محاضرة ‏في معهد الصحافة وعلوم الأخبار ، ثم بدأت رحلتي مع ما كتب من التبادل اللامتكافئ و ‏التطور اللامتكافئ و الأمة العربية الى نقد روح العصر الخ...وكان دوما حاضرا في ‏النقاش مع الأصدقاء و التلاميذ والطلاب والرفاق بنظريته حول المركز والأطراف ‏وغيرها . وبإمكاني القول أن سمير أمين كان حاضرا في جامعات تونس ونقاباتها ‏وأحزابها السياسية وجمعياتها الثقافية ، وحتى هؤلاء الذين لم يقرأوه كانوا غالبا ‏حريصين على اظهار معرفتهم بأفكاره . ‏
كتب سمير أمين بغزارة في الاقتصاد والسياسة من موقع الماركسية النقدية الكفاحية التي ‏لا تجد حرجا في اعلان مواقف سياسية دون مواربة و كان شغوفا بالتنوير والحداثة ‏مثل شغفه بالاشتراكية باعتبارها مستقبل البشرية مع تأكيد لا يلين على تفسخ الرأسمالية ‏وهلاكها المحتوم ،ولم ينزو ضمن اختصاص أكاديمي منفصل عن الحياة مخاطبا ‏المختصين وحدهم ،وإنما توجه الى عموم الناس .وعندما اندلعت خلال السنوات الأخيرة ‏الانتفاضات العربية كان سباقا لمساءلتها وتحليلها والكشف عن الممكن من مآلاتها ، ‏محذرا من سيطرة الأصولية الاسلامية عليها بتواطؤ مع الامبريالية كما تحذيره في ‏الآن نفسه من تقسيم الوطن العربي الى دويلات متقاتلة على قاعدة الانتماء الي الدين ‏و الطائفة والمذهب والعشيرة ، ولم يفقد في ما كتبه الثقة في المستقبل فالتراجعات وان ‏حدثت فلن تكون إلا مؤقتة .‏
واليوم أودع مثل آخرين في تونس والوطن العربي والعالم ممن عرفوا سمير أمين ‏بطريقة من الطرق الرجل الذي سيظل حيا في ذاكرة الثقافة العربية والإنسانية فكتبه لن ‏تموت وستظل تدل عليه .‏