جور الاعتقال وقسوة التعذيب في العراق


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5953 - 2018 / 8 / 4 - 23:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تشير أخر المعلومات والمعطيات الموثقة إلى تعرض المعتقلين في المظاهرات الأخيرة إلى ممارسة شتى أساليب القسوة المرضية (السادية المفرطة) في إهانة وتعذيب الشبيبة العراقية التي طالبت بالإصلاح والتغيير وتوفير الخدمات للشعب العراقي الكادح. المتظاهرون الذين تعهد لهم الحاكم العراقي العبادي بتوفير الحماية التامة باعتبار التظاهر حقاً من حقوق المواطنة التي كرَّسها الدستور، كان هو أول من خرق هذا التعهد بإعطاء أوامر استخدام الرصاص الحي والغزل المسيل للدموع وخراطيم المياه والهراوات في تفريق المتظاهرين ومطاردتهم واعتقالهم وتعذيبهم وأخذ البراءات منهم. لقد استخدم الجلادون ليس الركلات واللكمات والهراوات والعصي المطاطية والشتائم البذيئة فحسب، بل استخدموا الصعقات الكهربائية المديدة باتجاه القلب والرئة والمناطق الحساسة من جسم الإنسان المعتقل أيضاً.
ثلاثة من المعتقلين الشباب يتعرضون للتعذيب. أحدهم طريح الأرض رهينة بيد جلاديه الأوباش. فالفيديو يعرض الضحية كيف يتلقى الضربات والصعقات الكهربائية، ولكن لا يعرض رأس الجلاد ووجهه، بل يعرض كيف يمارس التعذيب الوحشي بحق المواطنين المعتقلين. وقد نّشَرَ الجلادون هذه الفيديو ليبثوا الرعب في صفوف المتظاهرين ويبعدونهم عن المشاركة في المظاهرات الشعبية العادلة والمشروعة، ولكن هيهات أن ترعبوا المجتمع والموجات القادمة ستكون أوسع وأعمق وأشمل!! أنتم مسؤولون عن أفعالكم أيها الجلادون ولكن الأكثر مسؤولية هو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء الذي أعطى الأوامر بالقتل والاعتقال والتعذيب وأخذ البراءة!!!
مّنْ هم هؤلاء الجلادون؟ إنهم، دون أدنى ريب، عناصر موغلة بالطائفية السياسية والوحشية والحقد والسادية المرضية، إنهم يشكلون جزءاً من أجهزة الأمن العراقية المتخصصة بهذا النوع من الإذلال، إنهم جزء من المليشيات الشيعية الطائفية المسلحة، وهم في الوقت ذاته يشكلون جزءاً أساسياً ورئيسياً من الحشد الشعبي، الذي أمر السيستاني بتشكيله ولم يلغ فتواه حتى الآن!، إنهم باختصار جزء من النظام السياسي المحاصصي الطائفي الذي مزق وحدة الشعب، والتي، رغم ما فعله الدكتاتور الأهوج صدام حسين بالكرد وببقية القوميات في العراق، لم يستطع تحقيق مثل هذا التمزيق الذي حققته الأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة وحكمها البغيض.
التعذيب سُنة المستبدين على مدى التاريخ وفي كل البلدان. والعراق واحداً من البلدان التي ابتلت بالمستبدين الجلادين القساة على مدى العصور. فما أن يَطَّلع الإنسان على الكتاب بمجلداته السبعة الموسوم "موسوعة العذاب" للكاتب الديمقراطي والقانوني المتميز الفقيد عبود الشالجي (1900-1996م)، [صادر عن الدار العربية للموسوعات، بيروت-لبنان، دون تاريخ]، حتى يدرك عظم المعاناة التي تحمَّلها بنات وأبناء هذا الشعب على أيدي الطغاة والمستبدين، ومنهم حكام غزاة ومن أبناء البلد. ومن جانبي أنجزت ونشرت في العام 2005 كتاباً بعنوان "الاستبداد والقسوة في العراق" [صدر عن مؤسسة حمدي للطباعة والنشر في السليمانية، 2005]، لخصت فيها ما تعرض له العراقيون والعراقيات من اعتقال وسجن وتعذيب وقتل وتشريد على مدى عمر بلاد ما بين النهرين حتى بعد سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة، مشيراً فيه إلى همجية الأجهزة الأمنية والشرطة العسكرية الأمريكية فيما اقترفته من جرائم بشعة في "سجن أبو غريب" في أوائل عام 2004 حين تفجرت فضيحة انتهاكات جسدية ونفسية وإساءة جنسية تضمنت تعذيب، اغتصاب وقتل بحق سجناء كانوا في سجن أبو غريب، وهي التي عرفت بـ "فضيحة أبو غريب!".
لقد استخدم البعثيون شتى أساليب التعذيب التي مورست في القرون الوسطى في أوروبا، أو تلك التي مارسها الخلفاء والولاة والحكام في العراق أو في السعودية ودول عربية وغير عربية أخرى، مثل إيران، تركيا باكستان.. إلخ، إضافة إلى إدخال أحدث أساليب التعذيب التي ابتكرها النازيون في المانيا والفاشيون الإسبان في فترة حكم فرانكو ...الخ، وأحدث أدوات وأجهزة التعذيب التي أنتجتها مصانع الدول الرأسمالية المتقدمة. لم يستثن البعثيون من التعذيب المفرط والهمجي النساء والأطفال والمرضى والشيوخ. وقد قدمن مناضلات شيوعيات عدداً من شهاداتهن عما تعرضن له من تعذيب مروع على أيدي الجلادين الجناة البعثيين، إضافة إلى شهادات كثيرة أخرى منشورة أم لم تنشر ومنها معرفتي الشخصية بشهادة الرفيق المناضل الدكتور حسان عاكف (أبو يسار) في معتقلات البعثيين. ولم تكن تجربتي في معتقلات وسجون الحكم الملكي في أعوام 1955-1958 أو في فترة البعث في صيف عام 1978، سوى صورة لأساليب التعذيب الشرسة التي تعرض لها عشرات الألوف من الشيوعيين والتقدميين والديمقراطيين من النساء والرجال ومن أحزاب أخرى بمن فيهم كوادر وأعضاء بعض الأحزاب الإسلامية السياسية، التي تمارس هي اليوم أساليب التعذيب الشرسة والحاقدة ضد المنتفضين على تدهور الخدمات في ظل نظام حكم جائر وطائفي بغيض سرق أموال الشعب وقوت الناس، وما زال قادة هذا النظام يرتدون العمامة، بألوانها المختلفة، أو يتحدثون باسم الدين الذين يناسب سلوكهم قول شاعر الشعب الفقيد محمد صالح بحر العلوم:
يا ذئاباً فتكت بالناس آلاف القرون اتركيني أنا والدين فما أنتِ وديني أمن الله قد استحصلت صكاً في شؤوني وكتاب الله في الجامع يشكو... أين حقي؟
حين وصل حزب البعث وصدام حسين إلى السلطة ثانية في العام 1968 صرخت سيدة مفجوعة بابنها: لماذا عدت يا حجاج؟!! وحين تسلّم الإسلاميون السياسيون شيعة وسنة قيادة الحكم من الإدارة الأمريكية والحكم الإسلامي والمرشد في إيران، تيقن للكثير من أبناء وبنات الشعب العراقي بأن سنوات عجاف ومرحلة مريرة قد بدأت، وسيبدأ الناس يترحمون على العهود المنصرمة، رغم المآسي والكوارث والحروب التي عاشوا تحت وطأتها، لأن القادم كان أبشع للغاية في ممارسته للتمييز والطائفية والمحاصصة والتعذيب، ولاسيما في عهد الطاغية الصغير رئيس وزراء العراق السابق، وكذلك في الفترة الراهنة، حيث التعذيب لا يعرّض كرامة الإنسان إلى الإساءة الشديدة، بل وصحته ووضعه النفسي إلى مخاطر جمة!! ولاسيما في المعتقلات السرية! يفرض الوضع الراهن على القوى الديمقراطية وكل الخيرين في العراق خوض النضال ضدها وتعبئة الرأي العام العراقي والعالمي والمجتمع الدولي ضدها وفضحها بكل الطرق والوسائل المتوفرة، لأن استمرار وجودها تمزيق لوحدة الشعب وتدمير للوطن!
إن ما يجري في العراق من اعتقال وتعذيب وإساءات جارحة للكرامة الإنسانية كلها محرمة وفق شريعة حقوق الإنسان والمواثيق واللوائح الدولية، ومخالفة صريحة للدستور العراقي على نواقصه الكبيرة، وكذلك للقوانين المرعية، ولكنه مطابق لذهنية الحاكمين ومن يمارس باسمهم تعذيب المعتقلين لـ "تأديبهم!!!". إن من واجب نقابة المحامين في العراق رفع قضية التعذيب في المعتقلات والسجون العراقية إلى محكمة حقوق الإنسان الدولية في هولندا لتنظر في قرارات الاعتقال والتعذيب وقتل المتظاهرين في العراق لإصدار الأحكام المناسبة بحق الفاعلين ومن أصدر الأوامر لهم بذلك!!
04/08/2018