الجنس ودوره في حياة الإنسان ح2


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5952 - 2018 / 8 / 3 - 20:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

الفكرة الجنسية

ولد الإنسان ككل الكائنات الحية نتيجة عملية جنسية مستمرة فهو نتاجها الفعلي والمحصلة المتوقعة من ممارستها، بعيدا عن كونها محكومة بقوانين وضوابط أو جرت بتلقائية دون أن تنعقد وفقا ما يعرف بشروط العلاقة الجنسية الشرعية، هو كائن يخضع لمعادلات ذاتية بين الذكر والأنثى وما يمكن أن يكون أو لا يكون بموجب القواعد الفسيولوجية، أما مسألة الشرعية والأعتراف بالبنوة وغيرها من العلاقات البعدية لا قيمة لها في تكوينه وأنتاجه، إذن التركيز في هذا المبحث يتصل بالفكرة الجنسية بذاتها ومن دون أن نلحق بها ما هو خاص وخصوصي.
الفكرة الجنسية إذا هي الصورة التي يطلبها الإنسان ذكرا كان أو أنثى من الممارسة أو الرغبة فيها أو تلك الأفكار التي بنيت عليها مقدماته فتحكم بسلوكياته فتحولت لنتائج تتحكم في النظرة للجنس أو عنه، السؤال الذي يجب أن يتقدم هنا هو (هل هي تنبع من حاجة فطرية تكوينية لا تحتاج لمنبه أو مثير ؟ أم أنها كامنة بأنتظار من يوقظها أو يستدرجها من مكمنها الطبيعي؟)، بالمختصر العلمي نقول أن الجنس حالة سايكولوجية تنمو مع الإنسان حتى تبلغ في فترة ما حدودها التامة، أم أنها ترتبط بعوامل ثانوية قد يكون العقل التفكيري له الدور الأهم في نشأتها وتطورها؟ وبالتالي يمكننا أن نشير لحالات عقلية يختفي الحس السيكولوجي الطبيعي عند الإنسان المصاب بالنقص العقلي من أن يفهم أو حتى تكون لديه ميول جنسية طبيعية.
قد يكون المصاب بعاهة أو مرض عقلي أو أختلال في الوظائف المتصلة بالدماغ أو المجموعة العصبونية المسؤولة طبيعيا عن الإحساس والإدراك، له نوع ما من تلك الأحاسيس النفسية الحسية المتعلقة بالجنس وقد يكون له نوع من الفكرة بحدود ما يدرك أو ما يفهم منها، وما يمنع ظهورها أو أنها تظهر مشوشة أو مضطربة غير واضحة هو أن هذا الشخص غير قادر أن يعبر عنها بالصورة التي نألفها عادة، فتخرج أما مهملة أو ناقصة أو أحيانا مفرطة في عدم أستوائها الطبيعي، إذا العقل هنا يتدخل ليس كمنشئ للحالة بقدر ما يكون دوره في صياغتها وضبطها بالشكل الذي لا يجعل منها شاذة أو غريبة أو حتى مهزوزة.
السؤال المتكرر هنا (العقل بمن يسترشد في ضبط إيقاع الفكرة وأخراجها للوجود؟، وهل كل العقول تشترك في نمط واحد من الأداء الوظيفي ؟ أم أن المقدمات التي تصيغ العقل أصلا وتعده هي المسؤولة عن ثقافة الفكرة الجنسية ورسمها في الواقع الإنساني، بمعنى هل للمجتمع ككيان معرفي ومفهوما أجتماعيا دورا أساسيا في رسمها وتحديد أطرها، بناء على ثقافته ومعرفته والأفكار الي يؤمن بها بما فيها الدين؟).
الجواب لا بد أن يكون متماهيا مع التجربة التي عاشها الإنسان حسب ما دونها أو تلقاها من السماء حسب مفهوم الميثلوجيا الدينية، نحن لا ننكر أن الدين بشكل عام لعب دوراهاما وأساسيا في حياة الإنسان عموما، وفي صياغة فكرته الجنسية خصوصا بحسب طبيعة كل دين ونظرته للإنسان أولا، فمثلا لو أخذنا المجتمع الهندي كأكبر مجتمع عالمي تتنوع فيه الأديان لحد التناقض واللا إتساق بالمفهوم العام لها فيما يتعلق بأصل الفكرة، نجد بشكل خاص أن فكرة الجنس من أكثر ما أهتمت به الأديان الهندية من تقديس له أو نبذ تام بالمقابل.
حسبما ورد في الملاحم والنصوص الهندية الكلاسيكية إذ اعتبرت أن العلاقات الجنسية خارج نطاق الرباط الزوجي في ما يخص الرجال أمرا مقبولا في وصفه جزءا لا يتجزأ من الحياة، (فقد كان ثمة محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لإشباع الحاجات الشهوانية لدى الرجل الذكر، وكانت الفتيات بمنزلة (الهيتيري) عند اليونان و فتيات (الجيشا) لدى اليابانيين كن على ثقافة عالية، وينبغي أن تدفع الدولة لمعلميهم) ومن المهام التي كن يضطلعن بها أضافة لتقديم خدمة البغاء المقدس الرقص والغناء والتمثيل، و للتوضيح فإن تاريخ البغاء قد أولته الديانات القديمة احتراما، قبل أن ينقلب تحقيراً وإنكارا، فقد كان هناك البغاء المقدس حيث كان يقام عند فض بكارة العذراء احتفالا مقدسا تمنح الفتاة فيه نفسها لمن منحه الإله قوة الإخصاب وقدسية الجنس، ولم تكن الفتاة لتحصل على اكتمال أنوثتها إلا بمنحها نفسها لهذا الشخص ويحق لها بعد ذلك الزواج .
هذا مثال بسيط يبين قيمة الجنس في الثقافة الهندية القديمة والتي ما زالت أوجه منها معتبرة وتمارس برغم ما قام به الإصلاحيون الهندوس من دور في تلطيف الكثير من هذه المعتقدات والأفكار المتصلة بالجنس، وأيضا تلاحظ أن الثقافة البوذية المجاورة والمتشاركة مع الثقافة الهندوسية تتخذ موقفا بالأتجاه المعاكس وأكثر صرامة وتشدد حيال فكرة الجنس وخاصة في الطبقات الدينية التي تؤمن بأخلاص للفكرة الدينية، فمثلا نجد أن دور الجنس في الديانة البوذية دور تخريبي يمثل دور الشيطان مثلا في الديانات الإبراهيمة (إذ كان الجنس مثار خوف عند هؤلاء، لأنه قد يغدو ندا للسكينة التي ينشدها الراهب بطريقته التي اختارها لنفسه في إنكار ألذات، وكم من قصص رويت عن قمع الرغبات الجنسية وعن فتنتها لدى الرهبان البوذيين).
نعود للسؤال لنحاول الأجابة عنه وفقا لهذه المقدمة البسيطة ونقول أن الإنسان كائن متعدد الفعل كما هو متعدد في تأثيرات التفاعلات عليه، سواء أكانت داخلية ذاتية أو خارجية موضوعية، وبالتالي لا يمكن لنا حصر وتحديد السبب الرئيسي المكون والخالق للفكرة الجنسية لديه، وحتى لو نجحنا على سبيل الفرض أن نعزل الإنسان عن المؤثرات الخارجية التي تتيح له الشعور والإحساس الجنسي، لا يمكننا أن نتبأ بما في تكويناته الداخلية (العقل والنفس) من أثر على صياغة هذه الفكرة.

يتبع ح3