رقصة الكيكى تفضح مجتمعاتنا الهشة وثقافتنا البائسة


سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5949 - 2018 / 7 / 31 - 22:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

لماذا نحن متخلفون (58) .

- شاعت فى الآونة الأخيرة رقصة تدعى "الكيكى " وبدأت قصة هذه الرقصة مع مقدم برنامج "The Shiggy Show" الكوميدي بالرقص على أنغام أغنية "In My Feelings" للمغني الكندي دريك , والتي نشرها على صفحته الخاصة على "إنستغرام"ولتجتاح بعدها هذه الرقصة الشوارع العربية ومواقع التواصل الإجتماعي .
نالت رقصة الكيكى شيوعا غير مسبوق بتأدية الكثير من المشاهير العرب والفنانين خاصة المصريين منهم لتلك الرقصة بالرقص العفوى بجوار سياراتهم التى تسير ببطئ بمحاذاة الطريق كما المغنى دريك مع بعض التصرف كإستخدام مقاطع أغنيات مصرية ولا بأس من بعض الحركات العفوية المغايرة التى تحافظ فى النهاية على روح رقصة الكيكى .

- يُذكر أن تحدي “كيكي” كان قد لاقى انتشارًا واسعًا حول العالم خلال الأيام الماضية , وشارك في التحدي مجموعة من المشاهير العرب كما لاقت تلك الرقصة إنتشاراً وشيوع بين الشباب العربى ليقتصر على أفراد الطبقة الثرية فى الغالب والتى تمتلك سيارات فاخرة وتؤديها فى منتجعاتهم وكمبونداتهم الفخمة وإن لم تمنع من مشاركة أفراد من الطبقة المتوسطة .
كما لاقت تلك الرقصة النفور والإستنكار من مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية , فقد علق محمود مهدي الأستاذ في جامعة الأزهر على إنتشار الرقصة قائلا: "إن المشاركة في تلك الرقصة حرام شرعاً كونها تُعرض حياة مؤديها وحياة الآخرين إلى الخطر وإمكانية الموت" ..وأضاف “مهدي” في تصريحات صحفية, أن تعاليم الدين الإسلامي تمنع مثل تلك الحركات على الطريق العام, لأن الإسلام حرم تعطيل حياة الناس والطرق العامة , كما تلاشت الحرية الشخصية حال اختلاطها بضرر الآخرين .

- إتخذت مصر والإمارات إجراءات قانونية صارمة ضد "رقصة كيكي" التي اجتاحت العالم والمنطقة العربية هذه الأيام , بدعوى الخطورة على سلامة من يؤديها في الشوارع .
وفى السعودية ألقت شرطة محافظة الخبر القبض على فتاة نشرت مقطعاً لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهي تؤدي رقصة الكيكي , في مخالفة للنظام العام في المملكة .
وانتشر مقطع فيديو صورته الفتاة بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تؤدي هذه الرقصة التي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة , وتعتبر السلطات السعودية مثل هذه التصرفات مخالفة صريحة للقوانين والأنظمة المعمول بها في المملكة .

- إنضمت الكويت إلى قائمة البلدان العربية التي اتخذت إجراءات قانونية صارمة ضد من يخرج من سيارته أثناء سيرها ببطء لأداء "تحدي كيكي الراقص" المنتشر بكثافة في العديد من دول العالم .. ومن جانبه أفتى عضو هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية أحمد الحجي الكردي , بحرمة أداء رقصة "كيكي" , وإعتمد الكردي في فتواه على أمرين الأول هو "تقليد الأجانب بغير حاجة أو مصلحة أو ضرورة" , والثاني هو "تعريض النفس والغير للخطر لإعتماد هذه الرقصة على النزول من السيارة أثناء سيرها ".

دعونا نتأمل تلك الجلبة المفتعلة ومدى مشروعية الإستنكار والرفض لرقصة الكيكى , فهل تعبر عن حالى صواب أم مجتمعات وثقافات هشة مأزومة ترتعد من أى جديد حتى ولو كان بسيطاً تافهاً .
- لاتعلم سر هذه الثورة على رقصة الكيكى التى لاقت قبولاً من الشباب العربى الاثرياء ومشاهير الفن لتعلن عن نفسها من خلال مئات الفيديوهات على الفيس بوك وليعلن الشباب والمشاهير عن تحديهم عندما تناثرت أقوال الإستنكار والتحريم بل التجريم لممارسى هذه الرقصة .

- بداية رقصة الكيكى لا تنم عن حركات فاجرة مثيرة خادشة للحياة , كما لا يمكن إعتبارها رقصة بمفهوم الرقص لأراها لا تزيد عن حركات عفوية من اللهو والمرح والفرح , لذا رفضها وإستنكارها فيه الكثير من التعنت والتزمت والوصاية .

- الرفض المصاحب لظاهرة رقصة "الكيكى" يأتى من إدعاء رجال المرور أنها تعيق حركة المرور ولكن كل الرقصات تتم فى منتجعات وكمبوندات راقية لا تتسم بالضغط المرورى وعلى جانب الطريق بسرعات منخفضة ,, وللطرافة فحالة المرور فى شوارع مصر تدفع الناس دفعاً للرقص والغناء واللطم بجوار سيارتهم .. كما أن القانون المرورى يحاسب على الخطأ وليس على الظن بحدوث الخطأ , ولنسأل سؤال : هل لو تم الرقص على الرصيف بدون وجود سيارات مرافقة فهل حينها سيصمت رجال الدين والساسة أم ستظهر دعاوى خدش الحياء العام لذا دعكم من قصة تعطيل المرور هذه .

- أما رجال الدين فهم مسكنون بفوبيا تقليد الغرب والإنزعاج منها كما سنوضح , ولكن ماهو الشئ الذى لا نقلده من الغرب , فكل العلوم والتكنولوجيا والتقنية والفنون والآداب ونظم الإدارة وحتى تطلعاتنا السياسية والديمقراطية هو تقليد للغرب , فالغرب هو المنتج الوحيد للحضارة والمدنية والتقدم ونحن المستهلكين دوماً .

- من ظواهر تخلفنا وثقافتنا البائسة أن علماء الإجتماع والنفس لم يحاولوا بحث سبب ظهور وشيوع رقصة "الكيكى" فى المدن العربية لتحظى على كل هذا الإهتمام , فهكذا حال مجتمعاتنا تعيش بلا طبيب يُفسر ويُحلل ويُشخص ليكتفى وجهاء هذه الأمة باللطم والرفض والإستنكار والتحريم واللعن والقيام بدور الإفتاء سواء أكانوا شيوخ أو ساسة أو مفكرين .. إدرسوا لماذا يندفع الشباب لأداء هذه الرقصة وحينها ستعرفون العوار وتعالجونه .

- عندما تتأمل مشهد رقصة الكيكى وتسترجع ذاكرتك السينمائية بفيلم "غرام فى الكرنك " وأداء فرقة "رضا" لنفس رقصة الكيكى ولكن بالإستعانة بحنطور بدلاً من السيارة (الحنطور مركبة يجرها حصان لنقل الركاب) ستدرك المعنى والمغزى من الإستنكار فرقصة فرقة رضا نالت إستحسان جميع المصريين , بينما الإستياء جاء مع رقصة الكيكى , فهل يرجع هذا إلى الفرق بين الحنطور والسيارة أم أن هذه رقصة مصرية والأخرى رقصة غربية .

- أرى أن قصة الحنطور والسيارة تفرض نفسها فقد يكون سبب القبول هناك والرفض هنا هو رؤية طبقية , فالرقصة بجوار الحنطور هي رقصة شعبية , والرقص بجوار السيارة هي رقصة الأثرياء ولاد الرايقة أصحاب السيارات .

- قد يدخل رفض الكيكى كونها رقصة غربية آتية من الغرب الكافر المنحل كسبب من أسباب رفض الجهات الدينية والمؤدلجة , فهناك نفور دائم فى ثقافتنا من الغرب وتحذير المسلمين من تقليده وإتباعه "فلن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم"..
إمتلكوا القليل والقليل جدا من الثقة فى أنفسكم . فالغرب لا يبغى أن تغيروا عقائدكم وتنصرفوا عن إسلامكم , فمن يقول هذا غبى مهترئ ساذج , فالغرب ليس له دين بديل يقدمه وكل ما يبغيه هو مافى جيوبكم من مال كحال الذين يستغلهم من أفراد شعوبه .

- ثقافتنا مفلسة لا تقدم شيئا لأصحابها , فلا تقدم أى رؤى إبداعية فى مجالات الحياة لتكتفى بثقافة النقل والفتوى والمنع , فهكذا حال رجال الدين ومثقفينا ليكتفوا بالفتوى والتعاطى مع الحياة المعاصرة بمسطرة القدماء وفكرهم ووعيهم المحدود .. ثقافة تنتفض من الجديد والتجديد بل كلمة التجديد تعنى الزندقة والشذوذ .

- الثقافات الهشة لا تعيش إلا على النفور والتحذير والتجييش .. ثقافتنا لا تكون لها قائمة بدون الحجب والمنع والمصادرة , فهى ثقافة هشة تستمد حضورها بتفردها وإنغلاقها لتكون أى نسمة جديدة تهديد لوجودها لذا يحتشد رجال السياسة والدين ورجال الإجتماع التابعين والمؤدلجين في تحريم وتسخيف أي مشهد يرونه أنه مُقوض لمجتعاتنا وثقافتنا .

- ثقافة التحريم التي تحشر نفسها فى كل مشهد حياتى لنحظى بما يشبه حالة كهنوتية سيكون لها مردود عكسى , عندما يَمل ويَضجر المواطن من حجم المُحرمات والتابوهات والتدخلات السافرة فى أمور بسيطة , مما سيدفعه إلى النفور وإلقاء كل الإرث الدينى ورجاله وراء ظهره .

- ثقافة الحجب والمنع والحظر لم تعد تجدي فى عصرنا , فبشيوع وسائل التواصل من ستالايت وإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعى لم يعد هناك شئ محجوب ومحظور , لينطلق المواطن العربى فى الوعي والمعرفة والحراك وتحمل وجود أفكار مخالفة وإبداء رأيه , ليكون مساهماتكم أن تطرحوا وتقنعوه برؤيتكم وفكركم وليس بحجب الفكر والسلوك المغاير .. تذكرت مشهد واجهته فى السعودية حينما كنت أعمل لأجد حجب صحف ومجلات أجنبية من الدخول ومن نجا منها ودخل للشارع السعودى قام جيش من المراقبين بتسويد أى صورة لمرأة عارية الذراعين أو الفخدين بحبر أسود !! هذا لم يمنع أن يمتلك السعوديين أكبر كمية من شرائط الفيديو الأباحية بصورة لا تصدق .

- فلنعلم أننا فى عصر فقدت فيه كل النظم السلطوية سواء أكانت مؤسسات حاكمة أو مؤسسات دينية قدرتها على التسلط والوصاية والقمع والقولبة فبشيوع وسائل التواصل الإجتماعى من فيس بوك وتويتر تحرر المواطن العربى لحد كبير وإمتلك القدرة على البوح والصراخ والرفض .. إفتحوا المجال لكافة الحريات والأفكار والسلوكيات بالنشر والحضور وواجهوا ما ترونه مخالفاً لثقافتكم بدراسته وتحليله ومواجهته بحججكم ورؤيتكم والبقاء للأقوى , فهذا السبيل الوحيد لخلق شخصيات إنسانية حرة غير متقولبة ولا سطحية ولا منبطحة .

- شاهدت بالأمس فيلماً وثائقياً عن كاتب روائى فرنسى يُبشر فى روايته بمستقبل لفرنسا الإسلامية تحت حكم المسلمين الأصوليين كرؤية تخيلية وليست بحثية , وبالرغم من أن الرواية أثارت إستياء الكثيرين إلا أنها نُشرت ولم يصادر عدد واحد منها بل نالت إقبالاً كبيراً .. تعلموا الحرية والثقة فى الإنسان وأن الأفكار الخاطئة تتبدد فى مناخ من الحريات .

- ماذا فعلتم بمنهجية الحجب والمنع والحظر والتحريم .. حرمتم حضور الملحدين والإلحاد واللادينية فقفزوا لكم من شباك مواقع النت والتواصل الإجتماعى لتشهد المنطقة العربية أكبر إنتشار للإلحاد فى العشر سنوات الأخيرة , كذا حظرتم التبشير بالمسيحية فى بلادكم فقفزت لكم من النت أيضا .!

- فلتنطلق الشعوب العربية نحو التحرر من القولبة والوصاية والتخلف وليكن الطريق بتحدى رقصة الكيكى .!

دمتم بخير.
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته "أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع".