عودة داعش بين الظلم الطائفي والسياسة الامريكية


سمير عادل
الحوار المتمدن - العدد: 5948 - 2018 / 7 / 30 - 00:13
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

سيكون داعش سيفا مسلطا على رقاب الجماهير طالما ظل الظلم الطائفي من جهة، ومن جهة اخرى لم تحسم الولايات المتحدة الامريكية نفوذها السياسي في العراق في خضم المنافسة مع نفوذ الجمهورية الاسلامية في ايران.
التقارير الاعلامية تفيد بأن داعش اعاد تنظيم نفسه وكيف نفسه مع المتطلبات الجديدة التي فرضتها هزائمه العسكرية في العراق وسورية وفقد اغلبية الاراضي التي كانت يمسك بها. وليست التقارير الاعلامية وحدها تؤكد ذلك، بل اكد على ذلك ايضا حيدر العبادي رئيس الحكومة كما اكد عليه المسؤولين العسكريين الامريكان في العراق. واي كانت صحة مزاعمهم واستفادة كل طرف من تضخيم وجود داعش، فالمعطيات السياسية وسلوك وبرامج سلطة احزاب الاسلام السياسي الشيعي في العراق، واعادة تقاسم النفوذ والامتيازات على اساس المحاصصة وسياسات امريكا في المنطقة تؤكد بأن داعش برأس جديد سيطل علينا.
ان واحدة من المهازل التي يحاجج بها رموز وشخصيات احزاب الاسلام السياسي الشيعي والمنافحين عن سلطتها الطائفية، بأن هناك ممثلين لما يسمى بالبيت السني في العملية السياسية، وعليه ليس صحيحا بأن هناك ظلم طائفي في عراق الانتخابات والديمقراطية المجيدة.
ان الوقائع المادية ومنذ تأسيس العملية السياسية على اساس المحاصصة، تثبت دون اي شك، أن ممن يسمون انفسهم بممثلي السنة، هم اكثر الاطراف التي استفادت واعتاشت على الظلم الطائفي. ان الامتيازات التي يستمتعون بها ومشاركتهم احزاب الاسلام السياسي الشيعي بحصصهم من الفساد والسرقة والنهب، عبر الوزارات والمؤسسات الحكومية التي يتبادلون المناصب والمواقع فيها، يعود الفضل في ذلك الى الظلم الطائفي. فالتقسيم الطائفي للسلطة هو من يؤهل الى المشهد السياسي، شخصيات مثل خميس الخنجر احد عرابي الاخوان المسلمين في المنطقة وعضيد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وصالح المطلك وجمال الكربولي وسليم الجبوري وغيرهم. فمن الحماقة ان يتوهم المرء بان وجود هؤلاء في السلطة السياسية لا يعني ان ليس هناك ظلما طائفيا. ليتخيل المرء دون ظلم طائفي ودون تقسيم طائفي للسلطة هل يبقى لمثل هذه الشخصيات الذين هم سماسرة لأجندات دول اقليمية من مكانة واعتبار في المشهد السياسي العراقي.
ليس عامل الظلم الطائفي الوحيد والذي يلعب دورا كبيرا لا شك فيه في بقاء طفيليات وفيروسات تحولت الى وحوش مثل داعش، بل ان السياسة الامريكية ومن قبلها سياسة الدول الاقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر الامارات، كان لها الفضل في تسمين داعش من خلال دعمها العسكري والمادي وحتى اللوجستي في بعض المرات. ان وجود داعش هو الذي اعاد انتشار القوات الامريكية في العراق، وهو وراء الزيارة غير الميمونة للحلف الاطلسي الذي ستطول مدة اقامته في العراق. وسيكون العراق مكان للعديد من الزوار الذين كانوا حتى يوم امس يحركون داعش وعصاباته طولا وعرضا في العراق، مثلما تحرك العاب التسلية مثل "Play station". فالاحتجاجات الاخيرة للجماهير بينت كيف ان حكومة العبادي لا تحسد على وضعها في خضم الصراع بين الدول الاقليمية وخاصة ايران والسعودية. فمن جهة ايران تقطع المياه والكهرباء على المدن الجنوبية لاملاء شروطها في تشكيل الحكومة، بينما تسارع السعودية في تقديم مساعدات من مولدات كهربائية وغيرها لضمان موقع قدم لها في المرحلة المقبلة. وبين هذا وذاك فجماهير العراق تدفع ثمن اخر من رفاهها وعيشها الكريم وكرامتها، بعد ان دفعت القسط الاخر من فساد ونهب احزاب الاسلام السياسي الحاكم.
ان الوجود الامريكي في العراق وتعزيزه السياسي والعسكري يعزز ويطول من حياة داعش في العراق. فامريكا تنتظر اين ستؤول الامور وخاصة بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، والعزم على فرض حصار اقتصادي خانق على ايران. فطالما لم تحسم نفوذها السياسي وبشكل قاطع ودون منافس لها اي امريكا، فأن داعش واخوانه سيكونوا ضيوفا معززين ومكرمين في العراق.
ان المفارقة التي توضح وجهين في آن واحد للمناطق التي اجتاحتها داعش، هي الوضع المزري لاهالي مدن الموصل والرمادي وتكريت وبيجي..الخ على جميع الاصعدة الخدمية والمعيشية، اضافة الى الوضع الذي يعيشه النازحون الذي لا يوصف الى جانب الاف من المعتقلين والمغيبين، يعكس مدى الظلم الطائفي تجاه هذه المدن وتحت عنوان سري ومخفي "كلهم دواعش وارهابيين" بالرغم ان الجعفري والمالكي افشيا بالسر قبل عام، ومع هذا ليس هناك احتجاجات تذكر في صفوف جماهير تلك المناطق بسبب آثام داعش والخوف من قمعهم بشكل وحشي وتحت يافطة محاربة داعش بمادة ٤ ارهاب والمخبر السري، وهذا هو الوجه الاخر للمفارقة المذكورة.
ان المطبلين للاحتلال والغد الديمقراطي الامريكي في العراق هم من كانوا وراء نشر الاوهام التي مفادها ان امريكا تدعم وتساند حكومة علمانية في العراق. بيد ان التجربة العملية بينت ان امريكا اخر من تفكر بوجود حكومة علمانية في العراق، بل كانت وراء دعم كل الحركات الاسلامية في المنطقة سواء الاخوان المسلمين او عصابات الكونترا الاسلامية ومن هب ودب بما فيها داعش في سورية.
ان انهاء عمر داعش والى الابد لم ولن يكن عبر الحملات العسكرية لحكومة العبادي ومليشيات الحشد الشعبي، بل يكون عن طريق انهاء سلطة الاسلام السياسي وحكمه الطائفي الجائر، وتأسيس حكومة ذات هوية علمانية وغير قومية، هوية تعرف البشر في العراق على اساس الهوية الانسانية، وهذه ستكون خطوة عظيمة لأنهاء الوجود الامريكي وسياساته التي تتخذ من وجود داعش ذريعة للبقاء في العراق.