مآزقهم ومنافذنا ...


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 5947 - 2018 / 7 / 29 - 03:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مآزقهم ومنافذنا ...
يبدو ان احزاب الإسلام السياسي والقوى الداعمة لها في سياستها الطائفية المحاصصاتية ، التي ابتُلي بها وطننا منذ سقوط دكتاتورية البعثفاشية المقيتة قبل خمسة عشر عاماً وحتى الآن ،تعيش ازمة خانقة لا تعرف كيف تتخلص منها . لقد تفتقت عبقريات فقهاؤها عن وسيلتين تحاول من خلال نجاح احداهما او الإثنين معاً ،ان تكسب الوقت للتغلب على هذه الأزمة التي تبدو وكأنها غير خالية من التبعات التي لا تُحمد عقباها بالنسبة للأحزاب الحاكمة .
الوسيلة الأولى هي سلوك طريق الإعتراف ومن ثم استجداء الإعتذار من الشعب العراقي. والوسيلة الثانية هي توظيف نفس تلك الأقاويل التي يستخدمها كل الذين اجرموا بحق شعوبهم بنعت اي تحرك لمواجهة إخفاقاتهم او فشلهم او جراءمهم بكل الصفات التي في متناول ايديهم . وحكام العراق الفاشلون لا يختلفون عن اقرانهم في العالم حينما اتهموا المتظاهرين والمحتجين بمختلف الإتهامات بدءً بالعمالة للصهيونية ومروراً بالإنتماء إلى مجرمي البعث وانتهاءً بتخريب التجربة الإسلامية في العراق التي تقودها هذه الأحزاب منذ ان جاء بها الإحتلال الأمريكي على دبابات احتلاله في التاسع من نيسان عام 2003 وحتى يومنا هذا .
ما يتعلق بالوسيلة الأولى التي كتب عنها الكثيرون مستهزئين بها واصفينها باحسن ما يليق بها من اوصاف كتوبة ابن آوى ، او ذرف دموع التماسيح ، او بعد خراب البصرة التي تتصدر الموقف الإحتجاجي في هد مضاجع لصوص الإسلام السياسي ، وغير ذلك من الأوصاف لهذا الإعتذار الذي سألهم احد المعلقين عليه مخاطباً سارقي قوت الشعب : عن اية جريمة بحق الشعب العراقي تعتذرون ؟
الإعتذار المصحوب بالدمع التماسيحي هذا ما هو إلا تعبير عن انهيار العزائم التي بلغت مرحلة الهلع مما قد تؤول اليه الأمور التي بدأت تفلت من ايدي لصوص الأحزاب الحاكمة ومن يقف خلفها في تنفيذ سياسة المحاصصات الإجرامية المقيتة . فكيف تصدق إعتذار من زعم بالأمس القريب وبعظمة لسانه في احدى لقاءاته التلفزيونية بان " الفقر في العراق كذبة كبرى " معللاً ذلك بمجانية كل شيئ بدءً بالتعليم وانتهاءً بالرعاية الصحية وكل الخدمات الأخرى . ومن هذا المنطلق فانني اعتقد بان كذبة الإعتذار هذه لا تستحق حتى بعض كلمات التعليق وذلك لأنها ليست سوى كذبة مفضوحة ،
اما الوسيلة الثانية فقد تحظى باهتمام اكثر ، بالرغم من شيوعها عالمياً في اوساط الحكام الفاشلين البعيدين عن شعوبهم والمحتقرين لإراداتها وذوي النزعات الدكتاتورية التسلطية . إن مطلقي إتهامات العمالة للأجنبي على المتظاهرين المطالبين بحقوقهم المغتصبة من لصوص الإسلام السياسي إنما يعكسون عمالتهم هم للأجنبي دون ان يشعروا بذلك . إن مثل هذا التصرف المحكوم بالعوامل النفسية ، يتبناه اصحابه دون شعور منهم بانهم انما يعبرون عما هم فيه من انقياد للآخر اعجزهم عن التصرف الحر الذي لا يستقوي بالآخرين ولا يعتمد عليهم . لقد عاش هؤلاء الأوباش تحت رعاية عروش وكروش خلقت منهم إمعات لا قدرة لها على التصرف الذاتي الذي نقلوه معهم الى السلطة السياسية التي اوصلهم لها سيدهم المحتل للعراق . إن عمالتهم التي افرطوا بتوظيفها في سياساتهم اللصوصية في وطننا العراق ، خلفت كل الويلات التي يعاني اهلنا منها اليوم وتبلورت على شكل احتراب طائفي وانهيار اقتصادي وفساد مالي وخلقي وإداري وتخلف علمي وحضاري وتمزق اجتماعي وفقر مدقع ووضع امني مفزع وخدمات عامة مشلولة في كل مفاصلها.
اما الإتهام بالإنتماء للبعثفاشية المقيتة فمردود على مردديه الذين لم يستطيعوا هم انفسهم التخلي عن رموز البعث التي تشترك معهم في السلطة السياسية وفي المواقع القيادية لإدارة الدولة التي اصبحت في متناول عصابات البعث وقياديي حزبها المقيت ، في الوقت الذي تصدى فيه الشعب العراقي لدكتاتورية الجرذ المقبور وعصاباته وقدم الشهداء في نضاله الذي لم يتوقف حينما ظل يتفرج على انهيار الدكتاتورية ولم يستجب لنداءاتها من اجل انقاذه. قادة البعث بين صفوفكم ايها السيدات والسادة معممين وافندية ، وهم يشاركونكم الحكم واللصوصية ، وليسوا بين المتظاهرين .
إن مثل هذه الإتهامات التي يكيلها رواد الإسلام السياسي للمتظاهرين ما هي إلا محاولات لإيجاد منافذ لهم من مآزقهم التي يتمرغون في شرانقها اليوم ، لا يمكن وصفها إلا جريمة اخرى يقترفها الإسلاميون بحق الشعب العراقي حينما يجعلون منه شعباً غير قادر على استيعاب ما يدور حوله ولا قدرة له على التعامل مع واقعه بوعي يقوده للإحتجاج والرفض والدعوة لتغيير هذا الواقع البائس .
ما اكثر مآزق اللصوص حينما ينغمسون في غيهم دون ان يشعروا بما قد يؤول اليه مصيرهم . إن غباءهم السياسي وتخلفهم الفكري وجشعهم القاتل المفضي الى كل ما تقترفه اللصوصية من جرائم يعمي بصرهم وبصيرتهم ، هذا ان تركت لهم اموال السحت بعض البصيرة .
وهنا لابد للقوى الوطنية العراقية التي لم تتوان عن مشاركة الشعب العراقي همومه والتي اشعلت نيران الحراك الجماهيري الإحتجاجي منذ صيف عام 2015 وحتى يومنا هذا ، لابد لها من ان تصعد من حملتها الإحتجاجية ومشاركتها الجماهير الشعبية في تنظيم حراكها وبلورة مطاليبها العادلة في الحياة الحرة الكريمة . المظاهرات الجماهيرية والإحتجاجات المطلبية للشباب الثائر اليوم في العراق لابد لها وان تشدد من الخناق حول الأحزاب الحاكمة الفاشلة ، ولابد لها ان تصب في التوجه الذي تتبناه القوى الوطنية العراقية ، وان تشكل القاعدة الأساسية لمواصلة مسيرة الخلاص من حكم المحاصصات الطائفية وروادها من ساسة الإسلام السياسي واتباعهم ومؤيدييهم.
الدكتور صادق إطيمش