الجنس ودوره في حياة الإنسان


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5946 - 2018 / 7 / 28 - 22:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

الجنس ودوره في حياة الإنسان


تكاد تكون الكتابة عن الجنس والممارسات الجنسية في حياة الإنسان واحدة من المحاذير المتصلة بفهمنا لدور المعرفة وعلاقتها بالأخلاق والعيب والمحرمات الفكرية، خاصة في المجتمعات التي تتغطى بساتر ديني أو تخضع بتقيماتها الفكرية لواقعها الأجتماعي ومحموله الإرثي عن فكرة ما يصح أو لا يصح، في حين أن مجتمعات أخرى لا ترى في الموضوع أكثر من كونه بوابة من بوابات معرفة إشكالية الإنسان في الوجود، لذا ترى من الضروري أن لا تغلق هذه البوابة وأن لا تكون مجرد تنفيس عن رغبة فضولية لهذا الإنسان لكشف مستور قد يجلب معه بعض التشويش أو اللغط اللا مجدي من خلال طرح مواضيع يمكن دراستها برمزية، أو الإشارة لها بأساليب أكثر حياء لا تخدش طبيعة المحافظة الفطرية على بعض خصائص الإنسان التي بدأت معه وكأنها مأمور أن لا يكشفها أو ينكشف عليها.
الجنس قد يكون الهم الإنساني الأول بعد همه في البقاء حيا أو كما يرى البعض أن تفكير الإنسان اللا واعي سواء أكان مصدره الأساس ديني أو حسي تجريبي هو أن يعيش ليمارس اللذة، هنا في عالم الحقائق والموجدات أو حتى في عالم اللا محسوس وغيبيات الدين، فمن المحفزات التي يسوقها الدين لترغيب الإنسان بالفضيلة هو وعده الأخروي بممارسة الجنس بلا حدود وبأعلى المواصفات الترغيبية، هذا ما إذا أخذنا أن البعض ممن يثق بالوعد الديني مستعد للتعجيل في نوال هذا المكسب حتى دون أن يعيش واقع الجنس فعلا في الحياة العادية، إذن موضوع الجنس ليس من المحرمات التي يحرص بعض المتدينين أو الأخلاقيين المثالين ليصوره على أنه خط أحمر عيبي وأخلاقي لا حاجة أن نكتب عنه أو نبحث في قضاياه مهما كانت المبررات والمحاذير، لأنها تقود بالمحصلة إلى الإثارة الجنسية التي يجب أن تقمع خارج أطارها الطبيعي.
السؤال الذي طرح مرة في نقاش بين البعض من المفكرين حول مفهوم الجنس هل هو نتاج أحاسيس مادية وأنفعالات نفسية تشاركت لتجعل من الإنسان حيوان جنسي، أم أن العنصر الحيواني في التركيبة التكيفية للبشر هي من أفسدت على الإنسان فطريته الأخلاقية الملائكية، في مقابل ذلك هناك من يطرح فكرة أن الإنسان لا يمن أن يكون إلى نتاج كيفية الخليقية وقوانينها، فهو ليس بالملاك الذي أفسدته العناصر الحيوانية فيه، ولا هو شيطان جذبته المحركات المثيرة والمثارة ليتحول إلى وحش جنسي من فصيلة مدمني الرغبة والباحث عن اللذة، وكل ما في الأمر هو أن الإنسان كائن طبيعي ككل الكائنات التي تشترك بضرورة بقاء الجنس النوعي لها ومستجيب بدرجات متفاوته لهذا الميل، لكنه لا يستطيع أن يدرك اللذة التامة الي تغنيه عن تكرار الممارسة والأكتفاء النوعي منها، كما لا يستطيع ترك فكرة العودة مرة أخرى للبحث عن لذة متكررة وشهوة متحكمة بالمزيد، إذا الأمر الذي نبحث عنه ليس أكثر من تفاوت في فهم الوظيفة الجنسية لدى البشر بين مقصر وموسع لأهميتها ودورها في حياة الإنسان.
هناك إذا حتى في الثقافات التي تتمتع بتنوع وتعدد وتحرر في الأفكار حدود وأحيانا محاصرة لفكرة طرح النقاش عموميا في قضايا تتصل بالجنس والممارسة الجنسية والحدود الممكنة والحدود الواقعية، قد لا يكون ذلك غريبا أن نجد في مجتمعات ليبرالية بعض الحص المحافظ هذا وإن كان العنوان ليس بالضرورة دينيا أو أخلاقيا، فبعض الأعذار تنطلق من أسباب تعزو أما للسيكولوجية البشرية مثل أن طرح المواضيع الجنسية على النقاش العلني والمباشر قد يصدم بعض الأطفال لنقص في مرحلة إدراك ومعرفة فيها قد تجر الطفل لمفاهيم خاطئة إذا تم كبت الطفل عنها أو أعطائه أجوبة غير حقيقية أو مغلوطة، وهو ما يتعارض مع حقيقة وحق الطفل أن يحصل على معلوماته من مصادرها الصحيحة وبالطريقة المناسبة.
نعود إذا إلى أساس وعنوان المقالة وهو دور الإحساس الجنسي أو الحاجة الجنسية أو ما يسمى بظاهرة الجنس في حياة الإنسان، لنفهم لماذا كل هذا الأهتمام والإنشغال والتأثير الذي تلقيه بظلاله على حياة البشر، ولا بد قبل ذلك أن نفهم بالتحديد معنى المصطلح أو المفهوم الذي نتحاور أو نعرضه لنقاش، والسؤال الحالي هو (ما هو الجنس تحديدا كأطار عام يشمل منظومة كاملة من الافكار والممارسات كمالمقدمات والنتائج)، ليس بأعتباره مفهوم أجتماعي عام أو فسيولوجي متخصص أو فكرة مثالية ذات خلفية معرفية مسبقة)، الدنس عموما ليس أكثر من أستجابة طبيعية لوجود الكائن البشري المستوي (العادي) في الوجود، سواء أكان لديه فكرة مكتملة أو يجهل أسرار تفصيلية عنه، فهو مدفوع بالضرورة إلى أن يعيش جزء من هذا العالم الساحر اللذيذ بإرادته أو من خلال قوانين الجنس ذاتها، وحتى عندما يقرر أن يفهم أو يحاول فهم لماذا هو خاضع بالقوة الطبيعية لأن يبحث أو يعيش هذا العالم وبرغبته، فهو بالأخر يخضع للقانون الذي يتحكم به الهاجس الجنسي أو الضرورة الحتمية للخوض فيها.
القول السابق يفرض حقيقة واقعية ويكشف عما سبق وإن قلنا فيه، من أن الهم الإنساني الأول وبدون مثاليات أو فلسفة مدعاة تتجاوز الحقيقة وتظهر أن الضرورات الحياتية الأخرى مقدمة وأكثر أهمية من مناقشة أو الشعور أو الوقوع غي هذا الهم الذي يمثل بنظرتهم المغالات الطاغية للأنا الذاتية التي لا تعي إلا نفسها وميولها المنحرفة حسب تعبيرهم وخاصة أولئك الذين يعانون من عقدة الجنس، فيظهرون للناس الصورة المعاكسة لما في داخلهم حتى يثبتوا لأنفسهم أنهم قادرون على قمع النفس ولكن ليس من داخلهم بل من اللذة من قمع الأخرين بذات العنوان، أن الجنس ودائرته والأفكار التي تؤطره كمقدمات ونتائج هي الهاجس الإنساني الأول بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لا يغني عن هذا القول إقرارنا به أو إنكارنا له فهو الهاجس الوحيد الذي يسبق وجودنا ويلحقنا بأفكارنا حتى في حالة المغادرة النهائية أو الهلاك والعجز في أن نعيشه أو نحس به.
المسألة التقريرية هنا أننا في حالة دائمة من حيث ندري أو لا ندري وبالشعور المباشر أو غير المباشر نعيش الفكرة ونهتم لها وبها ليس لأنها تتحرك كما يظن البعض بفعل عوامل حسية محغزة أو مؤثرة فقط، بل لأنها أساس تكويني ينمو زيتفاعل مع الإنسان بحسب خصيصته الطبيعية، حتى الحيوان الذي قد يوصف بأنه غير مدرك لقيمة الجنس بقدر ما محكوم بالعوامل التي تستثار أو يستجيب لها هو الأخر يقع في نفس الدائرة التي يعيشها البشر، فمثلا وجود مواسم محددة أو أوقات زمنية تتحكم فيه لا يعني أبدا أنه يخضع لها بالمطلق، بمعنى أن الرغبة الجنسية لديه محكومة بعوامل خارجية فقط بل محكومة أصلا بالقدرة على التهيؤ الذاتي للحيوان أن يمارسها وفقا لتكوينه هو، وقد تختلف هذه القدرة والتهيؤ مع تغير المكون الأساس لها ويستجيب لها في أي وقت.
يتبع ح2