لماذا طلّقني؟-الطب النفسيّ الاجتماعيّ- حكايتي3


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 5945 - 2018 / 7 / 26 - 00:57
المحور: الادب والفن     

يعمل الحب كأسفنجة، تمتص أخطاء الشخص، صعوبات الحياة، الملل، المشاكل.. هذه الإسفنجة في حاجة للتجديد الدائم، و إلا بدأت المصائب.. ينتهي الحب تنتهي قدرتنا على التنازل و امتصاص المشاكل…
قراءة الكتب، استمرار التعلم، بناء صداقات جديدة و هوايات جديدة.. كلها تمنحك إسفنجة جديدة.. و حتى الشكليات السخيفة تهم :تغيير نمط الملابس-مع استمرار بساطتها- تغيير قصة الشعر.. و ما يناسب بفردانية صاحبه من تغييرات مادية أخرى…
العلاقات التي يحكمها الملل تنتهي انتهاء السيل، بينما تبقى علاقات الإسفنجة بقاء ينابيع المياه العذب…

من رواية علي السوري بقلم :" لمى محمد"
*************


جزء من حكاية عادل: “ دكتورة لا أنجح في علاقاتي.. بعد طلاقي من زوجتي الأولى، تزوجت علا و هي سيدة مهذبة و جميلة لكن التفاهم بيننا مستحيل.. أنا عصبي و انفعالي و لا أستطيع الثقة بها مطلقاً(شكاك ) أخاف من طلاق جديد.. و وضعي النفسي صفر”.

جزء من حكاية سها: “ ليس عندي ثقة في الرجال، لذلك أفرّ من العلاقات كلما أصبحت جديّة.. أخاف الفشل.. أصبحث في الثلاثين و أمي تلح عليّ أن أتزوج.. أمي شخص مسيطر جداً.. زَوَّجَتْ أخواتي البنات -و في السياق : كلهنّ تعيسات…”.

جزء من حكاية خديجة: “ طفلي عصبي و نزق، ليس من السهل إرضاؤه.. لا أعرف كيف أجعله يسكت.. يبكي طول الوقت.. أعيش في بيت أهل زوجي، و كلنا نعتني به ما العمل”.


مع اختلاف التفاصيل، و مع احترام كون كل حالة خاصة و خاضعة لظروفها.. لكن الخيط الرفيع -ذو الأثر الكبير- الذي يربط الحالات الثلاث هو: اضطراب التَعَلُق: Attachment disorder.

في قول آخر: تخضع العلاقات بين الأشخاص لتأثير طفولةِ كلٍّ منهم.. هذا يفسّر بطريقة أوضح عبر نظرية التعلّق، سأتكلم ببساطة شديدة، و بعيداً عن تعقيدات الموضوع الشائكة، لسهولة الفهم:

بدأ الكلام يكثر عن نفسيات الأطفال في الحرب، و أخذت تحليلات الأطباء النفسيين تزداد بعد الحرب العالمية الثانية، و ظهرت نظرية التعلّق Attachment Theory في الستينيات على يد “ جون بولبي” John Bowlby الطبيب النفسي بريطاني المولد، الذي عَرَّفَ التعلق بأنه: "نزعة فردية داخلية لدى كل إنسان تجعله يميل لإقامة علاقة عاطفية حميمة مع الأشخاص الأكثر أهمية في حياته، تبدأ منذ لحظة الولادة- تكون تجاه مقدّم الرعاية الأول و الذي هو الأم في الغالبية المطلقة من الحالات.. وتستمر مدى الحياة، لتنعكس على علاقات الشخص مع من حوله”.
رأى بولبي أن الطفل إما أن يتطور بشكل طبيعي، فيكون عنده تعلق آمن.. أو بشكل مرضي : تعلق غير آمن..كما نقول بالعربية : إما أبيض أو أسود..

و بالطبع كأي شيء يخضع لهذه النظرية، أثبت العلم/و يثبت صحة تدرجات اللون الرمادي.. و عُرِّفَت أربعة أصناف للتعلق،

1-التَعَلُق الآمن: و يتطور عندما يكون مقدّم الرعاية الأول(غالباً الأم) موجود بشكل دائم، و يلبيّ احتياجات الطفل الروحيّة و الماديّةبطريقة إيجابيّة ومناسبة، فيكبر الطفل مع ثقة جميلة بمن حوله.. و في المستقبل يميل لتكوين علاقات عقلانية و عاطفية مستقرة.. خصوصاً إذا تزوج من شخص ذي تعلق آمن أيضاً.

2- التعلق المُقَاوِم: يتطور عندما يكون مقدّم الرعاية الأول غير موجود بشكل دائم.. فيتحوّل الطفل إلى عدة مقدمي رعاية- كما يحدث في العائلات الكبيرة غير المستقرة و عند كثير من أطفال الملاجئ-، لكل ممن يرعى الطفل طريقة و نظرية، و الأم ليست بأفضل حال نفسي -فلا تشبث حقيقي غالباً- فينمو الطفل قلقاً.. ممتلئاً بالشكوك.. حذراً.. يفكر و يحلّل كل شيء و يظهر هذا بوضوح عند البلوغ .. يعيش هؤلاء الأشخاص تعساء لأنهم يفقدون الثقة في أنفسهم و في من حولهم.. يفشل هذا الشخص في ارتباطه في المستقبل إلا إن حصل الارتباط مع شخص من النمط الثالث المُتَجنب.

3-التعلق المُتَجنب: يتطوّر عندما يشعر الطفل بعدم الثقة حيال مقدّم الرعاية الأول(الأم غالباً).. حيث أن الأخير غير موجود لتلبية احتياجات الطفل، أو موجود و يهمل احتياجات الطفل الروحيّة و الماديّة.. أبسط مثال له: الأم (مقدّم الرعاية) التي تصرخ في طفلها كي يتوقف عن البكاء، عوضاً عن تهدئته و فهم احتياجاته، و كأنه بالغ و عليه فهم كل شيء.. هنا يتطور في لاوعي الطفل إحساس بعدم الثقة في أقرب الناس له، و يصبح أي غريب في نظره كأي قريب.. القدرة على الثقة، طلب المساعدةو تكوين علاقات حميمة عند هذا النمط مختلة و تستمر كذلك حتى تظهر بشكل واضح في سن الارتباط- الذي إن حصل ينتهي بالفشل بطريقة ما- إلا إن حصل الارتباط مع شخص من النمط الثاني المُقاوم…

4-التعلق المُشَوّش: هنا يكون التعلق بالأم (أو مصدر الرعاية الأول) أثناء الطفولة غير منتظم: ببساطة مقدّم الرعاية موجود أحياناً بشكل رائع، و في أحيان أخرى يهمل الطفل أو يصرخ في وجه حاجاته الروحيّة و الماديّة (لعب مع الطفل.. التكلم معه.. قراءة قصص..حليب..تغيير (حفاض).. تهدئة.. الخ).. هنا يتطور لدى الطفل إحساس بعدم الأمان لأنه لا يعرف ماذا سيحدث.. و في سن الارتباط يتحول هذا الشخص ليصبح “كازانوفا” يترك البنات قبل أن تتركه و ينط بين صداقات حميمة مؤقتة و عداوات متأصلة أبديّة…


في قول آخر ترتبط اضطرابات الشخصية (وخاصة الهيستريائية، النرجسيّة و الحدّيّة ) ارتباطاً مقدساً مع اضطراب التعلّق.
ليس من السهولة علاج اضصرابات التعلق، لكن الوعي الذاتي النفسي يفيد كثيراً ، و تفيد المعالجة النفسيّة في مساعدة الشخص في فهم ظروف طفولته و نمط تعلقه و بالتالي صفاته و مخاوفه، و محاولة وصف مشاعره الحقيقية بدلاً عن رمي اللوم على الأطراف الأخرى، و نستخدم الأدوية لعلاج الأعراض(ك: الشك، الهيوجية.. العصبيّة المفرطة.. القلق..).

إن كنت ضحيّة اضطراب تعلّق، حاول قدر الإمكان ألّا تجعل أطفالك ضحايا له أيضاً.. مراجعة الطبيب النفسي، العلاج النفسي الزوجي.. ضرورة في زمن العولمة.

**********

بشكل مباشر، شديد البساطة و خفيف جداً، سأستمر في " حكايتي"...

طرح الحكاية قد يفيد صاحبها قليلاً، لكنه يساهم بشكل كبير في زيادة التوعية بالطب النفسي و محاربة الوصمة تجاه الأمراض النفسية.
في القرن الحادي و العشرين إن شاهدت من يقول لك، لم و لن ألجأ إلى الطب النفسي في حياتي.. اعرفْ أنك تتحدث مع شخص لا يعاني فقط من أعراض بسيطة، بل قد يطول علاجه لسنوات.

أنتَ كما تحلم أن تكون...

لا تنسوا أرسلوا حكايتكم إلى موقع الطب النفسي الاجتماعي: https://www.sociosomatics.com

يتبع...