على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 5943 - 2018 / 7 / 24 - 11:23
المحور: المجتمع المدني     


يقفون على عتبات باب مهمٍّ، يفصلُ بين عالمين. عالم رحبٍ ملوّن بخيالات الطفولة والصبا والبراءة حيث الكبارُ يحملون عنّا مسؤولياتنا، ويُسدِّدون عنّا فواتيرَ أخطائنا، وعالم أرحب ملوّن بريشة مموهة بالأمل والترقّب والأسرار والغموض، تحاول رسم صورة للغد الُمقبل حيث النضوج والجدية والمسؤولية، لأن أحدًا لن يحمل عنّا تبعات ما نفعل.
أبناؤنا الذين تركوا مقاعد المدرسة بالأمس ويتأهبون اليوم لدخول الغد الوشيك الذي يصنعونه في مدرجات الجامعة الواسعة، أهديهم هذه الكلمات عن "كهف الفيلسوف، وحبل الفيل".
الشهر الماضي كنتُ في ميساساجا بكندا، وطلبت مني السيدةُ المثقفة "فيبي وصفي"، مديرة مدرسة فيلوباتير الثانوية الكندية، أن أحضر حفلَ تخرج طلاب المدرسة الذين تأهلوا لدخول الجامعة، وأشاركهم فرحتهم بكلمة أُلقيها بالإنجليزية تحفزهم على الدخول من بوابة المستقبل نحو الغد المشرق.
وقررتُ أن تكون كلمتي بعنوان "I Have a Dream” “لديّ حُلمٌ”. حكيت للطلاب الكنديين، من أصول كثيرة من بينهم مصريون، حكايتين طريفتين.
الأولى عن "أسطورة الكهف" كما تصورها الفيلسوفُ الإغريقي أفلاطون. حين تصور أن بعض الأشخاص محبوسون داخل كهف منذ مولدهم. مقيدون بالسلاسل وجوههم مصوّبةٌ نحو حائط لا يرون سواه، تنعكس عليه ظلالُ مَن يسيرون بالخارج من بشر وحيوانات. فيتصور أولئك الأشخاصُ بالكهف أن تلك الظلال هي البشرُ وليس ظلالها. فلو تصورنا أن شخصًا من أولئك الأشخاص نجح في كسر القيود والسلاسل وخرج من الكهف المظلم، وشاهد ضوء الشمس لأول مرة في حياته. سوف يكتشف بعد برهة أن ما ظل يراه هو ورفاقه طوال أعمارهم ليست إلا ظلالا، وأن الحقيقة شيءٌ آخرُ تمامًا. ذلك هو "التفكير خارج الصندوق"، وعدم الاستسلام للفرضيات المغلوطة مهما عشّشت داخلنا سنوات وعهودًا. ذلك هو الدرس الأول الذي على أبنائنا تعلّمه في مقبل أيامهم.
الحكاية الثانية عن الفيل الصغير الذي كان صاحبُه يربط ساقَه بحبل صغير جوار باب البيت حتى لا يمشي بعيدًا. كل عام يكبر الفيلُ، والحبلُ هو الحبلُ الصغيرُ لا يتغير ولا يغلُظ. بوسع الفيل، حين كبر وصار قويًّا، أن يقطع الحبل بركلة واحدة صغيرة، ويهرب. لكنه لا يفعل، بل يظل واقفًا جوار الباب. لماذا؟ لأن الفيل يحمل من ذكريات الماضي أنه حاول كثيرًا، حين كان طفلا، أن يقطع الحبل ويركض في الحقول والمراعي. لكنه أخفق مرةً تلو مرة، لأن الحبل كان أقوى من أقدامه الصغيرة آنذاك. فاستقر في وعيه أنه أضعفُ من الحبل، فكفَّ عن المحاولة، غافلا أن حجمه وقدراته اليوم صارت أكبر كثيرًا من الحبل الصغير النحيل. ذلك هو فقدانُ الأمل والزهد في تكرار المحاولة في حل مشاكلنا. وهو ما على أبنائنا أن يتجنّبوه في مقبل أيامهم. ذلك هو الدرس الثاني ألا يكفّوا عن محاولة حل المشكلات التي واجهتهم وأخفقوا في حلّها.
هذان هما الدرسان اللذان تمنيتُ أن يدركهما التلاميذ الكندييين، وهما ذاتهما الدرسان اللذان أحكيهما للتلاميذ المصريين اليوم على مشارف الجامعة أيضًا. وأما الدرس الثالث والأهم هو ما قاله باولو كويللو في رواية "الخيميائي". إن حلُم الإنسانُ حلمًا ما، وآمن به جدًّا وأصرّ على تحقيقه، تآمر الكونُ بكامله من أجل تحقيقه معه.
وأذكّركم بأغنية "I Have a Dream" لفريق ABBA التي تقول:
لديّ حلمٌ/ أغنيةٌ أغنيها/ كي تساعدني على أن أواجه أي شيء./ إذا شاهدتَ العجائب في حكايات الجنيّات/ سوف تستطيع أن تصنع المستقبل/ حتى لو أخفقت مرّةً/ أنا أؤمن بالملائكة/ الشيءُ الطيبُ في كل شيء أراه/ أنا أؤمن بالملائكة/ حينما أعرفُ أن الوقت في صالحي/ سوف أعبرُ الشلال وأجتازُ النهر/ لأن لديّ حلمًا.”