ما زال العالم يعيش عصر الثورة الإشتراكية - 7


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5941 - 2018 / 7 / 22 - 22:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

يقر عامة السياسيين حقيقة أن العالم الذي نعيش فيه اليوم هو ما أورثته لنا الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945. غير أن الأمر المفاجئ والمدهش حقاً هو أن عامة السياسيين، كيلا نقول جميعهم، لا يعرفون شيئاً عن الحرب العالمية الثانية التي ورثوا عنها ليس العالم الذي يعيشون فيه فقط بل ويتنطحون لمعالجة مختلف قضاياه أيضاً . وكيلا نتهم بالحط من قيمة السياسيين يكفي أن نشير إلى أحد أدعياء الفكر السياسي وقد كتب بعد أن ألف أكثر من عشرين كتاباً في الفكر السياسي، كتب يقول .. أن الدول الغربية حملت الاتحاد السوفياتي على أكتافها في الحرب العالمية الثانية في مواجهة ألمانيا النازية . الكتب العشرون التي ألفها هذا الدعي المارق لا تساوي الورق الذي كتبت عليه ولا تحتوي جميعها إلا الهشر والفشر .
السياسيون بعامة لا يختلفون كثيراً عن مثل هذا الدعي المارق فهم يجهلون الحقائق الرئيسة في مجريات الحرب وتطوراتها لكن ليس إلى حد القول أن الدول الغربية حملت الاتحاد السوفياتي على أكتافها في مواجهة ألمانيا الهتلرية .
القول بأن من لا يعرف الحرب لا يعرف السياسة يبدو ظاهرياً أنه قول دوغماتي لكنه صحيح إلى حد بعيد فالطفل يرث كل خصائصه الجينية والحسيّة عن والديه وبالمثل فإن عالم اليوم ليس إلا وليد الحرب العالمية الثانية وقد ورث عنها كل جيناته ورهافته الحسية، وأن يجهل السياسي الحقائق الكبرى في الحرب فهو يجهل السياسة بالتبعية .
الحقيقة الكبرى التي يجهلها عامة السياسيين هي أن الدول الغربية العظمى الثلاث، بريطانيا وأميركا وفرنسا، لم تحارب ألمانيا الهتلرية على الإطلاق إلا عندما دافعت فرنسا عن خط ماجنو لأربعة أسابيع في مايو 40 ثم استسلمت، وهي لم تستسلم فقط بل جندت جيشاً فرنسيا حارب مع هتلر في حصار موسكو .
لدى احتلال هتلر لبولندا في الأول من سبتمبر ايلول 39 أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا . لم تطلق رصاصة واحدة في تلك الحرب التي استمرت تسعة شهور ولذلك سميت الحرب الكاذبة (Phoney War) . في مايو ايار 40 دافعت فرنسا عن خط ماجنو لأربع أسابيع ثم استسلمت في 14 يونيو حزيران .
طيلة الحر ب من 4 سبتمبر ايلول 39 إلى 6 يونيو حزيران 44 لم تواجه أية قوى غربية أية قوى ألمانية على الإطلاق باستناء دفاع فرنسا لأربعة أسابيع . قضت الدول الغربية الثلاث بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا طيلة سنوات الحرب الخمسة تحارب إيطاليا على شواطئ المتوسط الجنوبية أولاً ثم الشمالية تالياً وإيطاليا لا تمتلك أكثر من 30 فرقة فقط سيئة التدريب والتسليح .

في الساعات الأولى من 22 يونيو حزيران 41 دفع هتلر بكل ما تمتلك ألمانيا النازية من قوى حربية 180 فرقة رفيعة التدريب والتسليح في غزو الاتحاد السوفياتي خارقاً بذلك اتفاقية عدم الاعتداء الموقعة بين الطرفين في 23 أوغست آب 39 وفي ذهن هتلر أن يحتل موسكو قبل 7 نوفمبر فتنتهي ثورة أكتوبر البلشفية ولا يعود يذكرها أحد – من المفيد هنا أن نؤكد أن النظام النازي أو الفاشي هو النظام البديل للنظام الرأسمالي الإمبريالي فعندما تسد الطريق أمام تطور قوى الإنتاج الرأسمالية كما سدت الطريق معاهدة فرساي 1919 على ألمانيا وعلى ايطاليا أـيضاً تتحول إلى قوى إنتاج حربية وبدل أن يبيع النظام الرأسمالي فائض الإنتاج إلى المستعمرات يقوم النظام الفاشي او النازي بنهب الشعوب الأخرى بقواه الحربية دون مقابل - عند أبواب موسكو توقف الغزو النازي إزاء قوى غير متوقعة . في صباح 7 نوفمبر احتفت موسكو بالذكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبر وخطب ستالين في الساحة الحمراء يؤكد للسوفياتين أن لدى الاتحاد السوفياتي القوى الكافية لسحق قطعان النازيين وإبادتها تماماً . فكانت معركة موسكو أول معركة يخسرها هتلر طيلة الحرب . ولذلك قرعت أجراس كنائس بريطانيا فرحا بالنصر السوفياتي وهو نصر لبريطانيا أيضاً .
طيلة عامي 42 و 43 والاتحاد السوفياتي يطالب الدول الغربية بفتح الجبهة الغربية في أوروبا وأنه لا يجوز أن يترك حمل كل أعباء الحرب على الإتحاد السوفياتي . حتى بعد معركة كورسك في صيف 43 حيث كسر العمود الفقري للعسكرية النازية ومع ذلك لم تفتح الدول الغربية الجبهة الغربية لتشارك في الحرب ضد ألمانيا .
كان تحليل مختلف المراقبين لعدم فتح الجبهة الغربية هو أن قائد النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ونستون تشيرتشل كان يهدف إلى أن يتحمل الاتحاد السوفياتي وحده كل الخسائر الناجمة عن الحرب ضد النازية . أحداً في العالم لا يمكنه أن ينفي هذا الاتهام لتشيرتشل، لكنه أيضاً لا يمكنه أن ينفي حجة تشيرتشل التي تقول أن الوزن الحربي للدول الغربية الثلا ث مجتمعة لا تشكل وزنا له اعتبار أمام الوزن النازي، واصر دون انقطاع على أن أي جبهة غربية ستحشد فيها الدول الغربية كل طاقاتها العسكرية سيزدردها الغول النازي دون أن يغص بها . وقائع الحرب لم تنفِ توقعات تشيرتشل بل أشارت إلى صحتها .
في مؤتمر طهران في نهاية نوفمبر 43 اتفق الرؤساء الثلاث ستالين وتشيرتشل وروزفلت على فتح الجبهة الغربية في أقرب وقت ممكن . بدأت الولايات المتحدة تجمع جيوش الجبهة الموعودة من قوات أميركية بصورة رئيسية وبريطانية من بريطانيا والمستعمرات وفرنسية تابعة لحكومة فرنسا الحرة في بريطانيا بقيادة الجنرال إيزنهاور . تشيرتشل إمتنع عن اصدار الأمر بفتح الجبهة مما حدا بالجنرال ايزنهاور أن يقدم استقالته إلى الرئيس روزفلت مؤكدا فيها أنه ليس على استعداد للمساهمة في خيانة الحلفاء السوفييت . طلب روزفلت إلى تشيرتشل أن يأمر بفتح الجبهة فكان الإنزال في النورماندي في 6 يونيو حزيران 44 وكان مجموع ما أنزل 197 ألف جندياً لم تأبه بها كثيراً القيادة النازية المتورطة في حرب طاحنة على الجبهة الشرقية . تقدمت جيوش النورماندي دون مقاومة تذكر حتى شرق فرنسا . وبينما هي تحتفل بليلة الكرسماس في 25 ديسمبر في شمال شرق فرنسا في جبال الجاردنز وقعت في حصار محكم يتشكل من 20 فرقة نازية تتواجد في غرب أوروبا للإستراحة . عبثاً جهدت الجيوش الغربية النفاذ من الحصار وبات يتهددها الإبادة التامة أو التسليم أسرى في معسكرات النازي . في ليلة 5 يناير اتصل تشيرتشل على الهاتف بستالين يطلب النجدة ولما أكد له ستالين أنه لا يستطيع إنجادة حيث الجيوش السوفياتية في استراحة حتى 28 يناير انهار تشيرتشل باكيا يقول .. تذكر يا صديق ستالين أنه كان لك أصدقاء في بريطانيا . وهو ما أثر في ستالين كثيرا فاستمهل تشيرتشل لبعض الوقت كيما يتدبر الأمر . جمع ستالين ضباط غرفة العمليات وطلب إليهم أن يتدبروا أمر نجدة الحلفاء الغربيين . جميع الضباط عارضوا ذلك بشدة . إذاك أمر ستالين وهو القائد الأعلى أن تفتح أكبر معركة في الحرب في 12 يناير أي بعد أسبوع وطلب إلى تشيرتشل إنتظار النجدة لاسبوع واحد فقط .
الهجوم السوفياتي في 12 يناير 45 غطى كل عرض القارة الأوروبية وتشكل من 2.2 مليون جندياً وخمسة آلاف دبابة وخمسة آلاف طائرة . كان الهجوم ساحقاً ماحقا حتى الوصول إلى برلين وهو ما هوّن نفاذ الجيوش الغربية من الحصار .
حارب في معركة برلين 164 فرقة سوفياتية بينما كانت 40 فرقة غربية هي مجموع ما وصل إليه الإنزال النورماندي تعسكر بعيداً عن برلين . إحتل الاتحاد السوفياتي برلين ولديه تحت السلاح 6.5 مليون جندياً بعد أن فقد 9 ملايين من جنوده و 106400 طائرة و 83500 دبابة .

نحن ننقل الوقائع الرئيسة للحرب من الأرشيف السوفياتي كي يعلم العالم ما هي الحرب التي أورثته العالم الذي نعيش فيه اليوم حيث بدون معرفة الحرب لن نعرف العالم ولن نعرف السياسة المقبولة على هذا العالم . وما يستوجب الذكر في هذا السياق هو سيف الملك جورج، ملك بريطانيا، الذهبي المرصع بالجواهر الذي حمله تشيرتشل إلى طهران ليقدمه منحنياً أمام ستالين مع مذكرة موقعة من الملك ورئيس وزرائه ونستون تشيرتشل تقول .. "لن تنسى شعوب بريطانيا مدى الحياة أفضال الجيوش السوفياتية في الحفاظ على حريتها " ؛ ويتناول الرئيس روزفلت السيف ويلوح به مرددا ما نقش على السيف "إلى جنود ستالينجراد الذين قلوبهم قدت من الفولاذ" . وبذات السياق نذكر برقية تشيرتشل إلى ستالين في 6 ابريل نيسان 43 يقول .. "أنا أعي بكل مداركي أنكم العمالقة ونحن لسنا مثلكم ".

عالم اليوم أيها السادة السياسيون من مختلف الألوان والإتجاهات هو الإبن الشرعي لتلك الحرب وقد ورث عنها كل جيناته الخلقية ورهافته الحسية . ذلك ما يستوجب من كل سياسي أن يتقصى جينات العالم الموروثة ورهافته الحسية قبل أي انخراط في السياسة كيلا يكون أضحوكة الجيل مثل ذلك الدعي المارق أبو العشرين كتاب في الفكر السياسي .
(يتبع)