عن تقسيم فلسطين والتبعية لموسكو (تكملة حوار مع الرفيق آرام محاميد)


سلامة كيلة
الحوار المتمدن - العدد: 5931 - 2018 / 7 / 12 - 10:11
المحور: القضية الفلسطينية     

عن تقسيم فلسطين والتبعية لموسكو
(تكملة حوار مع الرفيق آرام محاميد)
أخشى أن يكون الدفاع عن الموافقة على قرار تقسيم فلسطين قد بات عورة تحتاج الى ستر مستمر، يفرض الاستعادة المتكررة للخطاب الذي بررها في حينها دون أخذ كل ما كُشف عنه من وثائق. وأيضاً أن تكون الوثائق التي كشفت حول علاقة الأحزاب الشيوعية بموسكو ليست دليلاً على تأكيد هذه التبعية. مرّ أكثر من ثمانين سنة، وانهار الاتحاد السوفيتي، وأصبحت الوثائق متاحة، بالتالي لا بدّ من إعادة دراسة تاريخ الحركة الشيوعية بمنظور جديد، وعلى ضوء الوثائق الأصلية، وليس على ضوء خطاب إعلامي تبريري كان يصدر حينها.
على كل، يكمل الرفيق آرام محاميد حول هذين الموضوعين، على أمل أن يناقش الموضوع الذي هو جوهر نقدي للحزب الشيوعي الإسرائيلي، أي حل الدولة الواحدة في فلسطين، في وقت لاحق. لهذا سأبدي بعض الملاحظات على رده الجديد المعنون قرار تقسيم فلسطين والتبعية لموسكو- حوار مع سلامة كيلة2 ( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=604868).
أول ما يبدأ به الرفيق آرام هو رسالة الرفيق فهد، حيث أشرت الى أنها ترفض قرار التقسيم وتؤكد على الاستمرار في موقف الحزب، حيث تسأل لماذا لم أذكر النص، ليورده هو، وحسناً فعل، حيث أن النص يؤكد ما قلت، حيث يشير الى " ولكن إذا لا يمكن ذلك بسبب مواقف رجال الحكومات العربية ومؤامراتهم مع الجهات الاستعمارية فهذا لا يعني اننا نفضل حلا آخر على الحل الصحيح"، هذا ما قلته، لكن آرام يقول أن ذلك ينفي ما قلت، كيف؟ هو يقول أنه رغم مؤامرات رجال الحكومات العربية لا يجب أن نفضل حلاً آخر غير الحل الصحيح الذي هو ذاك الذي كان مطروحاً بالأساس في وثائق الحزب الشيوعي أي رفض وجود دولة صهيونية، وإقامة دولة ديمقراطية في فلسطين. وهناك وثائق أكثر تطرح أكثر من رفض قرار التقسيم، حيث " أصدرت القيادة الميدانية نشرة داخلية في ضوء توجيهات الرفيق فهد في رسالته المذكورة في أعلاه، بعد قرار التقسيم مباشرة وذلك في اوائل كانون الأول 1947 يرفض فيها الحزب قرار التقسيم بشكل قاطع. وقد جاء فيها أن:

"موقف الإتحاد السوفيتي بخصوص التقسيم وفـّر للصحف المرتزقة ومأجوري الإمبريالية فرصة لا للتشهير بالإتحاد السوفيتي فقط، بل أيضا بالحركة الشيوعية في البلدان العربية... ولذلك، فإنه يجب على الحزب الشيوعي تحديد موقفه من القضية الفلسطينية حسب الخطوط التي إنتمى اليها والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

أ ــ إن الحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية رجعية، مزيفة بالنسبة الى الجماهير اليهودية.
ب ــ إن الهجرة اليهودية... لاتحل مشكلات اليهود المقتلعين في أوربا، بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية... وإستمرارها بشكلها الحالي... يهدد السكان الأصليين في حياتهم وحريتهم.
ج ــ إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم ... يستند الى إستحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب...
د ــ إن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يتحدد إلا من قبل الشعب الفلسطيني الذي يعيش في فلسطين فعلا، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أية منظمة أو دولة أو مجموعة دول أخرى...
ه ــ إن التقسيم سيؤدي الى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة.
و ــ إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جدياً على آمال السلام في الشرق الأوسط.

ولكل هذه الأسباب فإن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم..." (جاسم الحلوائي، قراءة في كتاب عزيز سباهي – عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي-4، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=104571. ويكمل " وقد ساهم الشيوعيون في المظاهرات الطلابية التي خرجت في كانون الأول من نفس العام احتجاجا على القرار المذكور. وتولت جريدة "الأساس"، التي صدرت في أواسط آذار من عام 1948، وكانت ناطقة بلسان الحزب ويحرر مقالاتها الإفتتاحية الفقيد زكي خيري، الدفاع عن موقف الحزب الرافض للتقسيم، ورفعت شعارات تحريضيةً ومساندة للحرب ضد اسرائيل مثل: "أبناء شعبنا! كافحوا للحفاظ على عروبة فلسطين وهزيمة مشروع الدولة الصهيونية" و" كل شيء للجبهة"". وفي كتاب الرفيق زكي خير "صدى السنين" كثير من التوضيح حول ذلك، حيث " انعكس استمرار تبني الحزب الشيوعي العراقي لهذه السياسة على صفحات جريدة الأساس التي صدرت علنية ابتداء من 18 آذار 48. ويصف الرفيق زكي خيري في صدى السنين موقف جريدة الأساس تجاه القضية الفلسطينية بالقول: " عندما أعدت الدول العربية قوات مسلحة لتحرير فلسطين بعد أن رفضت البديلين المعروضين عليها دولة مشتركة بين العرب واليهود أو دولتين منفصلتين واحدة للعرب وأخرى لليهود، بدأنا في جريدة الأساس الحملة تأييدا لحرب التحرير تحت شعارات مدوية ومنها " كل شئ للجبهة"…واستمرت الحملة…حتى أعلن قيام " الدولة الإسرائيلية" واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي بها فأخذنا على عاتقنا تغيير موقفنا من الحرب بحيث ينسجم مع موقف الاتحاد السوفييتي. وبعد عدة أيام من الاعتراف لم تعد الأساس تنشر الشعارات الحربية، وكتبت مقالا افتتاحيا ينتقد الدول العربية لأنها أهملت الحل السلمي." ص138، ويشير بطاطو إلى العدد الصادر في 24 أيار 48 الذي بدء فيه تغيير الموقف، والى الصادر في 22 أيار 48 الذي كان شعاره المرفوع " " يا أبناء شعبنا! ناضلوا من اجل الحفاظ على عروبة فلسطين ولإفشال مشروع الدولة الصهيونية".
وفي رسالة للرفيق فهد من سجن الكوت غير مؤرخة، ولكن يبدو أنها أثناء حرب فلسطين يكتب : " يلاحظ أن الرجعية الإستعمارية والمحلية في ورطة في قضية فلسطين وانها تفتضح أكثر فأكثر وأن السخط الشعبي الجماهيري أخذ ينعكس في الصحف المحلية حتى الرجعية منها لذلك ينبغي التهؤ التنظيمي والمباشرة فورا بتعبئة جماهير الشعب ." ص466 وأغلقت جريدة الأساس بعد أيام، وبدأت جريدة الوطن، جريدة الأستاذ عزيز شريف، في نشر مقالات ضد قرار التقسيم، انبرى زكي خيري للرد عليه في صحافة الحزب السرية، التي أخذ فيها كامل حريته، كما يقول. وفي بيان للجنة المركزية بتاريخ 6 تموز 48 أعلنت عن قبولها وتبنيها للموقف السوفييتي بالمطالبة" بإقامة دولة عربية ديمقراطية في القسم العربي من فلسطين"، وتكرس هذا الموقف بعد بضعة أسابيع بقيام الحزب في آب 48 بنشر كراس " ضوء على القضية الفلسطينية" الذي أرسلته " اللجنة العربية الديمقراطية في باريس، والذي يبرر قيام إسرائيل مع إضفاء صفة "التقدمية" عليها، فأساء نشره للحزب وسمعته النضالية الطويلة في سبيل القضية الفلسطينية واستغلت الحكومة ذلك ودفع الحزب الثمن غاليا، وعرف فيما بعد أن د.إبراهيم كبة كان من المعارضين لهذا الكراس عند مناقشته في اللجنةالعربية التقدمية في باريس.ورغم تبني الحزب لمواقف الضوء فانه جوبه بعدم القبول ليس فقط من خارج صفوف الحزب، مثل عزيز شريف، بل وكذلك من بين صفوف الحزب أيضا، إلى درجة قيام البعض من رفاق الحزب بترك صفوف الحزب. ويروى أن الكراس لما وصل للسجن وبدأ أحد أعضاء لجنة السجن في قراءته بالقاووش أمره فهد بالتوقف بعد قراءة بعض المقاطع، وحتى أن كتاب ( أضواء على الحركة الشيوعية ) الملئ بالأكاذيب والتشويهات يعترف ان ألرفيق فهد " لم يخف، وهو في سجن الكوت، استغرابه مما ورد فيه من أمور مشوهة ومعلومات مضللة "(ج1 ص118) ، الأمر الذي يطرح تساؤلا مشروعا فيما إذا كان الرفيق فهد قد وافق على تبني موقف الكراس هذا. ومن المعروف أن الحزب الشيوعي العراقي كان قد أعاد النظر في تقييم هذا الكراس في الكونفرنس الثاني للحزب، الذي عقد في أب 56، معتبرا أن ما ورد فيه يشكل تسريبا لمفاهيم خاطئة عن الحركة الصهيونية إلى صفوف الحزب" (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=252209). طبعاً يمكن سرد أكثر من ذلك، لأن هذا الموضوع حاز على جدل ونقاش وكتابة في الحزب الشيوعي العراقي ربما أكثر من أي موضوع آخر. وما أوردته يوضح ليس ما قلته بل أكثر منه. ورغم أن الرفيق يعتبر أن ما أورده ينفي ما قلت، إلا أنه يأتي بنصوص تؤكد ما قلت، التي منها ما قاله الرفيق زكي خيري، إلا إذا كان الأمر يتعلق بالزمن الذي تغيّر الموقف فيه، لكنه نسي أنه أورد نص البيان المشترك(أكتوبر/ تشرين الأول 1948) الذي نشر فقرة منه في رده الأول، والذي يحدد تغيّر الموقف، وكان أول بيان مشترك يشير الى هذا التغيّر. وحسب روايات رفاق فهد في السجن أن تغير الموقف الذي ظهر في كراس "ضوء على القضية الفلسطينية" الصادر عن اللجنة العربية الديمقراطية في باريس،لم يرضِ فهد لهذا طلب منهم التوقف عن قراءته (صادق البلادي، المرجع السابق، والذي يحوي مواقف أخرى).
بعد ذلك، يشير الرفيق آرام الى أن "الحركة الشيوعية العالمية عبارة عن حزب واحد له مركز وهو موسكو والأطراف (الفروع) هي بقية بلدان العالم"، هذا ما بدا في تشكيل الكومنترن، وكانت الفكرة هي فكرة تروتسكي التي ربما قبلها لينين، لكن لم يكن ذلك يعني أن المركز موسكو وبقية بلدان العالم هي الأطراف كما صيغ الأمر بعد سنة 1934، بل كان كل حزب في بلد من البلدان له هيئاته وقراراته، وبنيته التي تحدد سياساته، وهذا ما أشار إليه لينين في كتاب "مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية" حيث أكد على خصوصة كل بلد، وهو بذلك يطرح عكس مركز/ أطراف، لأنه ينظر الى أحزاب متكافئة في إطار الكومنترن، وليس فروعاً لحزب عالمي كما يطرح التيار التروتسكي. ومن يدرس مرحلة 1920/ 1934 سيلاحظ ذلك، وكان الكومنترن هو حاضنة نقاش وحوار وتفاعل أكثر مما كان مركزاً موجهاً، رغم أن الحزب حتى وإن كان عالمياً له أسس تتعلق ببنيته الداخلية لا تسمح بان يصبح المركز هو المقرر لكل شيء. وبالتالي فإن الفهم الذي يطرحه الرفيق هو ما ساد فقط بعد سنة 1934، وربما تكون العودة لمقابلة موسى البديري مع الرفيق رضوان الحلة أمين عام الحزب الشيوعي الفلسطيني بين 1934/1942 مفيدة في توضيح مدى "المركزية" التي ظهرت سنة 1934، حيث جرى تعيين أمين عام مطلق الصلاحيات، ويتلقى توجيهاته من موسكو (موسى البديري "شيوعيون في فلسطين، شظايا تاريخ منسي" مواطن، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية – رام الله – فلسطين، 2013). وفي هذه السنة جرى أيضاً تعيين خالد بكداش أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوري اللبناني، رغم أن الحزب كان له قيادة، لم يكن خالد بكداش فيها. وحين أشرت الى رفيق عايش تلك المرحلة وأشار الى كيفية تغيّر الموقف، بالتأكيد لم أعتمد على "شيوعي من –أذلاء – البعث" (وهو أيضاً ما كتبه الرفيق عبد المطلب)، فهؤلاء هم الحزبين الشيوعيين المشاركين في السلطة، بل اعتمد على رفيق ضد البعث، ومناضل، وعمل سنوات طويلة مترجماً في وكالة نوفوتسي، لو كتب مذكراته لاكتشفتم معنى التبعية بكل تفاصيلها. حيث أنني لا أعتمد أذلاء البعث الذي أقاتل ضده، بل اعتمد على ذكريات شيوعيين حقيقيين، وهذا جزء من توثيق التجارب.
ثم أن هذا "الحزب العالمي" قد جرى حله من قبل ستالين سنة 1943 (سنة مؤتمر يالطة)، بعد أن جرى توقيف مؤتمراته منذ المؤتمر السابع سنة 1935. بالتالي أصبح لكل حزب سياسته "الخاصة" كما يُفترض، لكن لم يكن الأمر كذلك، حيث أصبح المركز يقود الأطراف، ويقرر سياساتها، ومن يخالف يُطرد أو يُهمّش كما جرى مع الحزب الشيوعي السوداني لسنوات طويلة. وهذه هي التبعية يا رفيق. والتي كانت تعني امتيازات ومصالح للقادة.
معنى الحزب المطلبي أو الإصلاحي مكرر كثيراً في الماركسية، ويعني الحزب الذي يدافع عن مطالب طبقة، أو فئة اجتماعية، وأو بعضها، دون أن يكون معنياً باستلام السلطة. والحزب الماركسي هو حزب لاستلام السلطة هكذا بالضبط، لأن الماركسية طرحت على ذاتهل ذلك. يقول ماركس في موضوعات فورباخ أن الفلاسفة جهدوا لتفسير العالم بينما المطلوب تغييره، والبيان الشيوعي يطرح سبب تميز الحزب الماركسي عن بقية الأحزاب التي تطرح أنها تعبّر عن الطبقة العاملة. ومنظور لينين واضح في هذا المجال، حيث نشأ الحزب وتطوّر من أجل استلام السلطة، وهذه أحد أسباب الانقسام الى بلاشفة ومناشفة. والغريب أن الرفيق آرام يؤكد أنه " في فترة التحرر الوطني (في كلاسيكيات الماركسية) الحزب الشيوعي غير مطالب بالوصول الى السلطة بل بالتحالف مع حركات التحرر الوطني في حالة لم تقمع الشيوعيين". حيث أن "كلاسيكيات الماركسية" تقول عكس ذلك تماماً، حيث منذ لينين طُرح دور الشيوعيين وقيادتهم للصراع ضد الاستعمار، وسياسة الكومنترن بين نشوئها والمؤتمر السابع كانت تطرح ذلك، وهناك وثائق مهمة صادرة عن الأحزاب الشيوعية في المشرق، منها "مهمات الشيوعيين في الحركة القومية العربية"، و"في سبيل الوحدة العربية"، أو بعنوان بديل "في سبيل تحرير الشرق العربي"، وما كتبه سليم خياطة منظر الحزب الشيوعي السوري اللبناني من دعوة الشيوعيين لتأسيس حركة ثورية (كتبت سنة 1935). وربما تكون فيتنام المثال الأبرز في هذا المجال، حيث قدا الحزب الشيوعي حركة التحرر من الاستعمار الأميركي. ربما كان لينين بعد انتصار ثورة أكتوبر يدعو الى دعم حركات التحرر البرجوازية، وحتى القبلية كما مع ملك الأفغان، لكن سبب ذلك أنه لم تكن هناك أحزاب شيوعية، لكن بعد نشوء الكومنترن تغيّر الوضع وبات النضال من أجل التحرر مهمة أولية للشيوعيين. ثم أخيراً، يبدو أن الرفيق آرام لم يضطلع على خطاب سنالين في آخر مؤتمر حضره (1952) حيث قال لقد سقطت راية التحرر من يد البرجوازية وعلى الشيوعيين حملها.
وأوضّح هنا أن فكرة قيادة البرجوازية لم ترتبط بالنضال ضد الاستعمار فقط في منظور السوفييت، والتي تعممت على مجمل الحركة الشيوعية العالمية، بل باتت كل المرحلة هي مرحلة انتصار البرجوازية، وأن مهمة الشيوعيين دعمها. وهذا شأن آخر طويل النقاش.
أخيراً، ينهي الرفيق آرام نقاشة بالسؤال: ما الذي يتوجب على الاتحاد السوفيتي والشيوعيين فعله؟ يقصد ما كان يتوجب عليهم فعله. ببساطة عدم الاعتراف بالدولة الصهيونية، لكن براجماتية السلطة فرضت على الاتحاد السوفيتي أن يكمل تنفيذ اتفاق يالطا، بالتالي أن يقبل بهذه الدولة. أما الأحزاب الشيوعية العربية فكان رأي فهد هو الصحيح، أي الاستمرار في رفض قرار التقسيم ووجود الدولة الصهيونية، والتأكيد على الحل الذي جرى تبنيه من سنوات قبل ذلك، والذي أضاف عليه بعد قيام الدولة الصهيونية " " يا أبناء شعبنا! ناضلوا من اجل الحفاظ على عروبة فلسطين ولإفشال مشروع الدولة الصهيونية"، و أيضاً " وفي رسالة للرفيق فهد من سجن الكوت غير مؤرخة، ولكن يبدو أنها أثناء حرب فلسطين يكتب : " يلاحظ أن الرجعية الإستعمارية والمحلية في ورطة في قضية فلسطين وانها تفتضح أكثر فأكثر وأن السخط الشعبي الجماهيري أخذ ينعكس في الصحف المحلية حتى الرجعية منها لذلك ينبغي التهؤ التنظيمي والمباشرة فورا بتعبئة جماهير الشعب". لقد كان واضحاً أن الدولة الصهيونية قامت، وأن باقي فلسطين موزّع بفعل السيطرة على الأرض التي مكنتها إنجلترا، وبالتالي القبول بهذه الدولة لن يقود الى دولة فلسطينية، وسيكون خيانة وطنية لأنه تنازل مجاني عن الأرض. هنا، وفي ظل اختلال ميزان القوى يصبح التمسك بالمبدأ هو الأساس وليس القبول بالأمر الواقع وتكريسه، تحت حجة عدم القدرة وضعف الحزب، وغير ذلك من المبررات التي تُطرح. هذا ما يظهر في إعجاب الرفيق آرام بتعليق ورد على المقال يقول "هذا النقاش مبني على فرضية ان الشيوعيين كانوا قوة سياسية وجماهيرية يحسب لها حساب وكأنهم لو رفضوا قرار التقسيم لكان تغير التاريخ"، حيث أن أول مجموعة لحزب شيوعي تطرح تغيير العالم وهي لا زالت لم تبلغ العشرات. لا شك في اختلال ميزان القوى، لكن كل سعي للتغيير ينطلق من ميزان قوى مختلّ، وما يغيّر هو قدرة الحزب على تنظيم الطبقة التي يسعى لأن يعبّر عنها، وتطوير الصراع يما يسمح بتغيير ميزان القوى، لكن لكي يحصل ذلك يجب أن تكون سياسة الحزب ورؤيته معبّرة فعلاً عن الطبقة، وان يخوض النضال معها، هذا ما تعلمنا إياه الماركسية. وهذا نقيض القبول بما يُفرض في ظل ميزان قوى مختلّ، حيث سيتهمش الحزب، ويبقى مدة قرن أو نصف قرن دون أن يحقق شيئاً، ومن ثم يتفكك ويموت كما هي الأحزاب الشيوعية الآن حثث هامدة.
ما حدث بعد النكبة هو نشوء وضع عالمي، ومحلي فرض تطور الصراع في كل البلدان العربية، وجعل حزباً بالكاد نشأ، أو ضابطاً، يحدث عملية تغيير، بينما كان الشيوعيون ينتظرون انتصار الرأسمالية، ويحققوا السلم مع الدولة الصهيونية وضد الرجعية. حتى مَنْ فكّر في استلام السلطة في العراق جرى اعتبار أنه "مختلّ أيديولوجياً" لهذا سُحب الى موسكو لإعادة تثقيفه، أقصد أمين عام الحزب سلام عادل وحسين الشبيبي.


بالتالي كان يمكن للحركة الشيوعية العربية أن تقود هي النضال من أجل تغيير النظم، وتطوير الصراع ضد الدولة الصهيونية، وأن تصبح هي الحاكمة في اكثر من بلد عربي. ولقد جاء دور البعث والناصرية بديلاً عن هذا القصور، وكان بديلاً مشوهاً ومستحيل أن يحقق لا التقدم الحقيقي ولا الانتصار لأسباب كثيرة شرحتها في أكثر من كتاب. في ذلك الوقت كان يمكن أن تنشأ فيتنام أخرى هنا.
آسف على الإطالة.