سؤال وجواب


غازي الصوراني
2018 / 7 / 11 - 16:24     


11/7/2018

في مداخلتي على الفيس بوك قبل يومين حول التخلف والسلطة والأنظمة المستبدة والجماهير..... قلت ما يلي :
ليس هناك علاقة تكافؤ، أو حوار ديمقراطي، بين السلطة والجماهير في المجتمع المتخلف، ليس هناك –كما يقول د.مصطفى حجازي- اعتراف متبادل، وسير متبادل للالتقاء عند نقطة تحفظ التوازن العلائقي في مناخ مرن ومتكيف يحكمه الدستور الديمقراطي وقوانينه المعبرة عن مصالح الشعب.
لكن السلطة والأنظمة المستبدة في بلادنا العربية لا تريد مواطنين أحراراً، بل أتباعاً أو أُناساً مقهورين وخاضعين، إنها تخشي المواطنية التي تعبر عن ذاتها، تخشى المواطنية الديمقراطية التي تنزلها من مكانتها الجبروتيه إلى مستوى اللقاء الانساني.
فالسلطة المطلقة –كما هو الحال في بلادنا العربية- تصاب بالذعر من اللقاء الإنساني مع المواطن ، ذلك اللقاء الذي يستند إلى أسس وقوانين وآليات الديمقراطية والمواطنة ، وبالتالي يتضمن اعترافاً متبادلاً، وتساؤلاً متبادلاً في الوقت نفسه، لكن السلطة والأنظمة الحاكمة في المجتمع المتخلف تخشى وضعها موضع التساؤل ديمقراطياً وهو شرط الاعتراف بشرعيتها.
بالإضافة إلى انهيار الانتماء الاجتماعي والمشاركة في المواطنية، تعطي صورة النظام المتسلط نموذجاً سلبياً يشجع على فقدان الالتزام تجاه الآخرين.
السلطة في المجتمع المتخلف فرصة من أجل التسلط والاستغلال، وهكذا فكل من تَمَكَّنَ من شيء من قوة أو سيطرة ، فانه سيسلك النهج نفسه، لان ذلك هو النموذج الشائع، ذلك هو القانون الفعلي الذي يحكم السلوك، وراء القانون الرسمي الذي يكاد يفرغ من كل معنى ومحتوى في المجتمع المتخلف، اذ ما معنى القانون سوى الالتزام تجاه الآخرين؟ ..
وهكذا، فاذا كان القهر من خلال الارهاب والقمع هو الحقيقة التي تعشش في بنية المجتمع المتخلف تنخرها وتلغمها، فان العنف على مختلف صوره لابد أن يكون السلوك الأكثر شيوعاً حين تسنح الفرص، تلك هي كارثة الرباط الانساني طالما لم تتغير العلاقة بأخرى أكثر مساواة تعيد الاعتبار إلى الحاكم والمحكوم.

على أثر اطلاع الصديق والرفيق العزيز القيادي في الحزب الشيوعي اللبناني وأستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية د. مفيد قطيش وجه لي السؤال التالي :
لماذا هذا الوضع هو على ما هو عليه؟ هل هذه خاصية عربية كما يزعم حماة التبعية؟ أم هو الطبيعة الطفيلية للطبقة التي فرضت في بنيتنتا الرأسمالية التبعية ام انه خليط من هذا الوقع الموضوعي للبنية التبعية والجانب الذات المتمثل في قصور قوى التغيير ؟ أعرف رايك لكن يحتاج الأمر لتوضيح.

وبسعادة غامرة أجبته بما يلي:
تحياتي ومحبتي رفيقي صديقي العزيز د. مفيد قطيش Moufid Kuteish... استمرار اوضاع الاستبداد والتبعية والتخلف في مجتمعاتنا هو - كما نتفق - نتاج لعوامل موضوعية وذاتية طالما تناولناها... لكن الاشكالية الكبرى في تقديري ترتبط بالعامل الذاتي واقصد بذلك احزاب وحركات وفصائل اليسار التي عجزت طوال اكثر من 70 عاما عن التأثير في وعي الجماهير الفقيرة وعجزت في تحريض الجماهير ضد " ايديولوجية "انظمة التخلف والاستبداد والاستغلال وبالتالي لم توفر او تنجح احزاب اليسار العربي في تعميم وتعميق الوعي في اوساط المضطهدين بالظلم الطبقي والاجتماعي الذي يعيشونه ويتعرضون له بل - ولا ابالغ - بات ذلك الظلم مقبولا - بالمعنى النسبي في اوساط الجماهير باعتباره قدرا مكتوبا عليهم وبات جزءا لا يتجزأ من وعيهم العفوي القدري المتخلف والبسيط في آن .. وبالتالي لم تتحرر الجماهير المضطهدة من افكرها التقليدية التراثية او من الايديولوجيا التي نجحت الانظمة في فرضها عليهم باسم الدين... ومعنى هذا كله ان الظروف الموضوعية الناضجة للثورة التي عشناها في العديد من البلدان العربية فيما سمي زورا بالربيع العربي لم تكن ناضجة ولم تكن حاملة لافكار الاحزاب الشيوعية واليسارية العربية وبالتالي لم تنضج الاوضاع لثورة وطنية ديمقراطية او اشتراكية يقودها الشيوعيون او اي حزب او فصيل يساري، لاننا - وقد تتفق معي - فشلنا في تحقيق وبلورة التطورات السياسية والاجتماعية الطبقية من منظورنا اليساري ، وادى ذلك الفشل بالطبع الى عجز او عدم تبني الجماهير الفقيرة لرؤانا وبرامجنا وشعاراتنا، مما ادى بها الى ان تكون لقمة سائغة وشهية ناضجة للقوى اليمينية والاسلاموية التي نجحت - بهذه الدرجة او تلك - في كسب القطاعات الواسعة من الجماهير... ذلك هو مأزقنا كيساريين ، وهو مأزق ذاتي رغم نضوج الظروف الموضوعية التي لم نعرف قطف ثمارها ..وما زال القديم الرجعي المتسلط المستغل التابع المتخلف على قدمه بل ويجدد تخلفه بصور مختلفه بالتنسيق مع سيده الامريكي الصهيوني كما هو حالنا في المرحلة الشديدة السواد الراهنة.