نشأة الحركة النقابية الفلسطينية حتى عام 1967


سلامه ابو زعيتر
2019 / 4 / 10 - 09:52     

بدأت إرهاصات التنظيم النقابي منذ بداية القرن العشرين استناداً للقانون العثماني الصادر سنة 1909، والذي جرى بمقتضاه تشكيل روابط اجتماعية بعيدة عن الشؤون السياسية، أما الظهور الفعلي للنشاط النقابي في فلسطين منذ عام 1920م، وتبلور عام 1925م، حيث تشكلت جمعية العمال العرب الفلسطينية، حيث أُعلن عنها رسمياً في 21 مارس 1925 م، وذلك أثر زيادة الوعي النقابي بين العمال، نتيجة انتصار الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي من ناحية، ومن ناحية أخري ارتبط بخصوصية واقع الصراع بين المشروع القومي التحرري الفلسطيني والمشروع الصهيوني، الذي سعى لتكريس أدواته الاقتصادية والسياسة العسكرية، بما في ذلك تأسيس الاتحاد العام للعمال اليهود (الهستدروت) عام1920، والتي لم تطلع بدورها النقابي العمالي، بل استمرت في ترسيخ ركائز المشروع السياسي الصهيوني، وإتباع سياسة عنصرية إزاء العمال الفلسطينيين العرب(وفا:2013)، مما دفع العمال إلى التنظيم النقابي، والاستفادة من قانون الجمعيات العثماني الذي كان معمولاً به في فلسطين، والذي يسمح لثمانية أشخاص فأكثر أن يؤلفوا فيما بينهم جمعية لرعاية مصالح الأعضاء المنتسبين إليها، ورفع مستواهم مادياً وثقافياً واجتماعياً (فايق طهبوب:1982)، وأوائل الثلاثينات أصبحت سياسة (العمل العبري)، وهي سياسة رسمية انحصرت على الجالية اليهودية، وتركز العمل للعرب في مجال السكك الحديد التي كانت بإشراف الانتداب البريطاني، حيث كان يعمل آنذاك حوالي 2000 عامل من العمال العرب(سليم الوادية:1985)، ولطبيعة العمل أصبح هناك اتصال بين العمال المحليين والعمال المصريين الذين تم جلبهم عن طريق البريطانيين، وكانوا أكثر تنظيماً ونضالاً في المجال النقابي، حيث كانوا أول من انتظم من العمال العرب، وهم الذين انضموا إلى نقابة سكك الحديد، وقد انحصرت نشأة النقابة بالنضال النقابي والبعد عن السياسة( مها البسطاوي:1985)، وقد لعبت الحركة النقابية الفلسطينية دوراً هاماً في حماية العمال والدفاع عن مطالبهم الاقتصادية، والنضال من أجل تشريعات خاصة بحماية العمال، منذ عام 1927م من أهمها: قانون تعويض العمال، وقانون استخدام النساء والأولاد في المشاريع الصناعية، وقانون الجزاء، وقانون تسييج الآلات الميكانيكية، وقانون المراجل التجارية، قانون الحرف والصناعات، إلا أن هذه التشريعات لم تغطي كافة المجالات المتعلقة بالعمل والعمال، وتجنبت جمعية العمال العربية السياسة إلى ما بعد الأربعينات من القرن الماضي، وإن كان لمؤتمر العمال العرب انتماءه السياسي الواضح، إضافة إلى انتمائه النقابي المحدود حتى سارعت جمعية العمال العرب، للتنقيب عن الانتماء النقابي والانتماء السياسي، فحملت وثيقتها السياسية مبادئ الاشتراكية، والتحول نحو النشاط الاقتصادي، ودعت النقابيين الاشتراكيين إلى الدخول في السياسة موسى البدري: 1985)، ولعبت دوراً مركزياً في الصراع مع الغزو الصهيوني، عبر المشاركة الفاعلة في انتفاضات، وثورات الحركة النقابية الفلسطينية حتى عام النكبة 1948م، وكان لجمعية العمال العرب نشاطات عالمية من خلال مشاركتها في أعمال المؤتمر التأسيسي الأول، الذي عقد في لندن عام 1945م، والذي كان يهدف لتشكيل اتحاد النقابات العمالية العالمي، كما وشاركت في المؤتمر التأسيسي الثاني في باريس، وانتهجت الحركة العمالية الفلسطينية طريق الاشتراكية كحركة إصلاح اجتماعي (سليم الوادية: مرجع سابق)، وكان لها إسهاماتها المؤثرة، التي بلورت هويتها الوطنية الفلسطينية الكفاحية عبر المشاركة في حمل السلاح، ومواجهة الاحتلال البريطاني والهجرة الصهيونية لفلسطين، وتم إعدام العشرات من العمال والفلاحين وأعتقل الآلاف منهم لمشاركتهم في الثورة، وتم تشكيل النقابات المركزية بين عامي(1940 – 1948)، وشهدت هذه النقابات العمالية عدد من الإضرابات العمالية الكبيرة (الياس الجلدة: 2012)، وقد حققت تلك الإضرابات اعترافاً حكومياً بالنقابات العمالية العربية الفلسطينية، وجمعية العمال العرب بتمثيلها الشرعي للعمال، التي اهتمت بإنشاء المشاريع التعاونية للعمال، بهدف حمايتهم من استغلال التجار وتحسين أوضاعهم الاقتصادية وتوفير احتياجاتهم الحياتية، وقد حققت قفزة تنظيمية بتشكيل مجالس النقابات وعقد المؤتمرات، وتعديل الأنظمة والقوانين الداخلية ووضع المشاريع الخاصة وإنشاء الصناديق الاجتماعية للعمال، كصندوق المرض والنظام الاقتصادي، وهذا ساهم في حصول جمعية العمال العرب على اعتراف دولي كممثل للعمال، رغم محاولات اتحاد عمال اليهود المسمومة لمنع هذا الاعتراف، وكافحت الجمعية ضد مشاريع التقسيم والاستيلاء على الأراضي العربية، واختلفت في بعض المواقف مع الهيئة العربية العليا والقيادة السياسية للشعب الفلسطيني, وعلى أثر ذلك اغتيل رئيس الجمعية سامي طه في 11 أيلول عام 1947، وتبعه نكبة 1948 التي سحقت التنظيم النقابي الفلسطيني مع تشتت آلاف العمال والشعب الفلسطيني ككل، وتدمير بنيته التحتية الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية (ربحي قطامش: 2000)، وقد تفككت الجمعية بعد النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وهجرت قياداتها وتشتت في بقاع المعمورة، حيث انتقل مركز العمل النقابي بعد النكبة من حيفا إلى نابلس, وفي عام 1950م، تم ضم الضفة الغربية إلى الأردن، وخضع قطاع غزة للإدارة المصرية، وحصل تباعد بين المنطقتين اللتين خضعتا لنظامين مختلفين، مما عكس تطوراً متبايناً في الحركة النقابية، وتشتت العمل النقابي، خاصة، وأن الجزء الأكبر من القيادات النقابية انتقل إلى الأردن، وأصبح العمل النقابي شبه سري(هاني حوراني:1989)، وكان ثقل العمل النقابي في عمان، حيث كان مقر معظم النقابات الكبيرة ، واستمر العمل تحت ضغط وتحديات جسام حتى نكسة 1967التي شهدت (مرحلة الأحكام العرفية)، وتدخلاً سافراً في شئون العمل النقابي، وصل حد حل بعض المجالس النقابية وتعيين لجان حكومية، وتعرض بعض النقابيين للطرد والاعتقال، وتم تشديد الرقابة على العمل النقابي ، والقمع والإغلاق من قبل الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في مدينة القدس المحتلة....يتبع