وهكذا مر عام الفراق


صادق إطيمش
الحوار المتمدن - العدد: 5926 - 2018 / 7 / 7 - 02:25
المحور: المجتمع المدني     

اخي ابا ياسر ، كم اشتقت الى مناجاتنا التي كانت بلسماً لغربتنا .....
حينما قلَّبت صفحات عامي الماضي ولم اجد فيها ما تعودت عليه من ملاحظات السنين الخوالي التي تشير الى ما اعتاد الصادقان ، الأول والثاني ، على تدوينه فيما يخص بحثاً في مصدر او استفساراً عن نص ديني او استذكاراً لبيت شعري في قصيدة ما لشاعر اختلفنا على اسمه . لم نتفق على الأول والثاني إلا بعد جهد بذلناه ليعطي كل منا لقب الأول لصاحبه ، حتى توفرت القناعة عند كلينا ليكون هو الأول . نعم ، ابا ياسر ألاول في كل شيئ فعلاً ، ولم اجد ما ينافسه على ما اجتمع فيه من خصال يتقدم فيها علينا جميعاً.
لقد جمع صادق البلادي ، مع مواهب العلم والأدب والأخلاق والتواضع والحكمة وسداد الرأي وطيب المعشر ، فكراً ثورياً له ميزة خاصة حينما لقحه ، وهو الطبيب الماهر ، بجرعتين ثوريتين لم يلغ مفعولهما تقادم الزمن ولم يبطل تأثيرهما تغيير المواقع ولا تعاقب الأجيال . إنها لعمري إشراقة فكرية فريده تجلت فش شخص قلما نافسه عليها اي شخص آخر. فحينما يجتمع فكر الثورتين ، القرمطية الكلاسيكية والبلشفية الحديثة في نهج عمل ما ، فلابد لمن يتكفل هذا العمل ان يكون صاحب موهبة خاصة يستطيع من خلالها ربط ما كان يفكر به حمدان بن الأشعث القرمطي وما تمخضت عنه عبقرية يوسف سلمان الشيوعي ، فكان ذلك الوهج المتدفق في منهج فكري ثري ونضال سوح بعيدة المسافات عبَّر عنه حمدان يوسف باصلب معاني التعبير التي جسدها صادق البلادي على آلاف الصفحات وعِبرَ عشرات السنين في ينبوع الفكر العراقي الحديث ، في مجلة الثقافة الجديدة ، دون ملل او كلل.

ربما ليست مصادفة او لحظة عابرة حينما يقصد عالِم عراقي معروف مقر مجلة الثقافة الجديدة طالباً محاورة حمدان يوسف حول ما ينشره من فكر حديث على صفحات هذه المجلة التي رافقها وظل يرافقها دوماً شعارها : فكر علمي ... ثقافة تقدمية ، والتي ظلت تستمد رصانتها وعمق محتواها من تلك المساهمات الفذة التي أركن في بعضها صادق البلادي خزائن ثراء فكري بمضمون جسد فيه تطلعات قائدين ثوريين حمدان القرمطي ويوسف الشيوعي .

وظل الرمز حمدان يوسف ، ولسنين طوال ، موضع الم وحسرة الأجهزة الأمنية التي تفتش عنه ولم تجده ، بالرغم من انها تراه كل يوم ، إلا انها لم تر فيه غير ذلك الطبيب الوديع صادق البلادي صاحب الكلمة الطيبة والتعامل الإنساني الفذ .

وحينما قرر مجلس تحرير مجلة الثقافة الجديدة ان يظل الأسد في عرينه ، عرين الفكر العلمي والثقافة التقدمية بالرغم من رجوع الشيخ إلى اسم الصبا الذي ارتبط بنضال عشرات السنين الماضيات ليواصل نضال السنين البواقي ، برز اسم صادق البلادي مجَدَداً لينور كثيراً من مواقع الإشعاع الفكري العراقي ، وليس على صفحات مجلة الثقافة الجديدة فقط ، شاهراً قلمه وناشراً كلمته انتصاراً للحزب الذي ناضل في صفوفه وللفكر الذي تربى عليه منذ صباه رافعاً راية وطن حر وشعب سعيد في وجه قوى الظلام والتخلف الفكري التي تصدى لها صادق البلادي وعالج مسالكها حيث اثبت في كثير من اطروحاته القيمة مدى ابتعادها عن ساحة الوطن ، ومدى ما تعانيه من بؤس فكري ، واشار بكل صراحة ووضوح إلى بعدها عن أهل الوطن ومعاناتهم جراء بؤس وشقاء تسلط الطائفية المقيتة والتعصب القومي الأهوج ، وكل الإصطفافات التي تنكرت للهوية العراقية ، التي لم يحمل صادق البلادي سواها كهوية رئيسة تلوذ بظلالها كل الهويات الفرعية الأخرى .

لا ... لم تمض يا ابا ياسر وقد تركت شعاعاً متالقاً في سماء وطننا ينير درب الأجيال الناهضة والباحثة عن الفكر العلمي والثقافة التقدمية وعن سبل النضال الوطني الصادقة التي كانت تستنير منك وبك طيلة العقود الطويلة من عمرك الزاهر بكل ما يفخر به كل من عرفك عن قرب او بعد .
انت فخرنا ايها الرفيق والصديق والزميل وستظل بيننا دوماً فكراً نقياً وينبوعاً نرتشف من سلسبيله أبداً .