صفات الفكر الرسالي وخصائصه ح3


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5918 - 2018 / 6 / 29 - 23:28
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

• خصيصة الأبدية.
الأبدية ونظيرتها الأزلية مما يتخصص به الوجود الألهي ويعني به عزل هذا الوجود عن تأثيرات ومحددات عامل وأخراجه عن قوانينه,والحقيقة التي يمكن أن نفهمها أن الزمن كعامل مرتبط بالوجود المادي وموضوعيته المحددة (المكان) فلا زمن بلا مادة ولا مكان,وحيث أن المادة مخلوقة لله فهو سابق لها وبالتالي خارج حدود المادة وخارج قوانين الزمن والمكان كما في النصوص التالية {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }مريم9,فالمادة التي خلق منه الكون ومنه الإنسان وجدت من عدم كينونة الشيء وليس من اللا شيء فالله كائن ولم يكن شيء فهو خارج أطارية كينونة الشيء,وبالتالي خارج عن توابعها الزمكانية {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }الحديد22,أي قبل أبراء الأرض وهنا المكان الذي يعطي للزمن دلالة وجودية,فما دام الله قبل الزمان والمكان وهو خالقهما فلا يتحكم مصنوع بصانع ولا موجود بموجده عقلا ومنطقا لا سيما أن الأول محيط بالثاني ولا يخرج المحاط به عن قوانين المحيط فهو أزلي وما كان أزليا لابد أن يكون أبديا بمعنى بقاء الله خارج قوانين الزمان والمكان والمادة لأنها من صنعه والقادر على فناءها فيبقى خارج قوانينها كما في علة الأزل {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }القصص88.
أن الله بهذه الخصوصية لابد أن يكون فكره الرسالي وفق نفس الأتساق فأن سنن الله باقية أبدية حتى يرث الله الأرض ومن عليها لا تتبدل ولا تتحول هي نفسها منذ الخلق وأنتهاء بالبعث{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }النحل96,فالعندية هنا تشمل كل ما يملكه أو يتملكه أو تنسب للبشر بالملاك من فكر وعلم ومال وجاه فهو نافذ منهي بالأجل ويبقى على سبيل الدوام ما عند الله من مثل ما ذكرنا بمقامية الثبات والثبوت{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الفتح23,{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }الإسراء77,فالسن كما هي معروف لغة وأصطلاحا ما أستن به الناس كقانون بموجب مبادي مسبقة فكرية وعملية,فهذه السنن جميعها باقية ما بقيت الحياة الدنيا, يقول رسول الله صلى الله عليه وأله في حديث طويل يذكر خصائص القرآن الكريم فيقول " لا يخبو توقده " يريد بقوله هذا وبكثير من جمل هذه الخطبة أن القرآن لا تنتهي معانيه، وأنه غض جديد إلى يوم القيامة. فقد تنزل الآية في مورد أو في شخص أو في قوم، ولكنها لا تختص بذلك المورد أو ذلك الشخص أو أولئك القوم، فهي عامة المعنى. وقد روى العياشي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى{ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7, أنه قال: " علي: الهادي، ومنا الهادي، فقلت: فأنت جعلت فداك الهادي. قال: صدقت إن القرآن حي لا يموت، والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الاقوام وماتوا ماتت الآية لمات القرآن ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين ".وعن أبي عبد الله (عليه السلام): " إن القرآن حي لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا ".
بمقابل ذلك نرى أن النظريات الفكرية والأراء البشرية تتوالد وتموت بمرور لزمن في وليدة الإنسان (المادة) الذي هو في أطار المادة الأصل الوجود الكوني وتحت سطوة عاملي الزمن والمكان وبذلك يفترق الفكر البشري عن الفكر الرسالي بخصيصة عدم الثبوت وأنعدام الأبدية.
إن إيراد هذه المجموعة من الخصائص التفريدية والأنفرادية التي تمتع بها الفكر الرسالي في جميع أطواره ومراحله الزمنية تجعل منه فكرا أستثنائيا غير قابل للمقايسة والمقابلة والمماثلة مع الأفكر البشرية وبذلك كان الفكر الرسالي قادر بما تمتع به من هذه الخصائص أن يكون في قدرة عالية من التلائم والتوافق مع الحاجات البشرية بمختلف مستوياتها وعلى مدارات أطارية سواؤ أكانت زمنية أو مكانية تبعا لخصائص الفريدة { وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }البقرة221,{هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }آل عمران138,{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28.
فالخصائص الفكرية للفكر الرسالي أنفردت بخصوصيات أمتنعت على غيره من النظريات الفكرية لطبيعة في أصل التكوين وفي مضمون القصد الأصلي ,وفي دائرة الأشعاع المستهدف وبالتالي فلا يمكن عقد مقارنة بينها وبين الفكر الأسلامي ولا أفتراض وجود أرضية تجمع بين الأثنين على مستوى الخصوصية الفردية.