كلمة في يوم الشهيد الشيوعي


حنا غريب
الحوار المتمدن - العدد: 5914 - 2018 / 6 / 25 - 23:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب في يوم الشهيد الشيوعي


الرفاق والأخوة في الأحزاب الوطنية والفصائل الفلسطينية

عائلات الشهداء والرفاق الأسرى

الرفيقات والرفاق

أيها الحضور الكريم

نقف اليوم معاً في قلعة الشقيف على هذه التلّة الشامخة المتطلعة نحو العلياء وذات الجذور التاريخية العميقة في الارض الجنوبية التي إرتوت على مدى عقود وعقود بدماء آلاف الشهداء والجرحى المدافعين عن هذا الحصن وعن جنوبهم ووطنهم الغالي ضد الاعتداءات الصهيونية واحتلاله.

اليوم في يوم الشهيد الشيوعي ننحني بأجلال امام ذكرى هؤلاء الشهداء، كل الشهداء الذين سقطوا فوق هذه الارض المقدسة، شهداء الحزب الشيوعي الذين رفعوا راية التحرير منذ اربعينات القرن الماضي، شهداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمول" الذين قاتلوا ببسالة واستشهدوا جنباً إلى جنب مع شهداء المقاومة الاسلامية وشهداء فصائل المقاومة الفلسطينية وشهداء أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية التي ناضلت ضد الاحتلال الاسرائيلي واجتياحاته المتكررة، وشهداء الجيش العربي السوري الذين واجهوا الاجتياح الصهيوني عام 1982.

ننحني بأجلال امام كل هؤلاء الشهداء ونحن مصممّون على المضي قدما في بذل المزيد من التضحيات دفاعاً عن لبنان في كل مرّة يحاول العدو الصهيوني تكرار اعتداءاته. وبالقدر ذاته من التصميم، سيواصل الحزب نضالاته السياسية والاجتماعية من أجل التغيير الديمقراطي تكريماً لذكرى كل الشهداء وذكرى كل قادتنا من فرج الله الحلو وجورج حاوي واحمد المير الايوبي إلى كل الرفاق.

ونحن إذ نقف اليوم في قلعة الشقيف الأبية، نستذكر بشكل خاص رفاقنا، الأبطال الثلاث، ابطال " جمول" الذين رووا بدمائهم هذه القلعة: الشهيد محمد الحاج علي، الشهيد نجيب مصطفى والشهيد جمال شعيب، والذين بفضل دمائهم نقف اليوم في هذه القلعة مرفوعي الرأس فتحية إلى هؤلاء الأبطال وإلى ارواحهم الطاهرة وارواح كل الشهداء.

ومن هذا التلّ الذي يحيط بالقلعة، نتنشق النسيم العليل القادم من ارض فلسطين وسمائها فنحيي شعبها المقاوم الذي بإبداع شبابه وطائراته الورقية المشتعلة فوق المستوطنات يرعبون جيش الاحتلال وحكومته الصهيونية. ونجدّد العهد لفلسطين بان الحزب الشيوعي سيبقى وفياً للنضال من أجل القضية الوطنية للشعب الفلسطيني انتصارا للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني، وانتصارا لحق العودة وتقرير المصير ووحدة الأرض.

وسوف نبقى نقاوم معاً لإسقاط المشروع الاميركي الصهيوني والملتحقين به من أنظمة عربية رجعية وخائنة، والهادف إلى فرض ما يسمى "صفقة القرن" اي التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية. فهذا المشروع يندرج ضمن حلقات مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي تقوده وتنفذه الولايات المتحدة لتفتيت الدول العربية وشعوبها وتقسيمهم إلى كيانات طائفية ومذهبية تتقاتل فيما بينها خدمة لأهداف الإمبريالية الأميركية والصهيونية في نهب الثروات واقامة القواعد العسكرية وضرب وتصفية كل القوى العربية المقاومة.

ان "صفقة القرن" ليست مستقلة بذاتها بل هي جزء لا يتجزّأ من ذلك العدوان الامبريالي الصهيوني الرجعي الذي يمعن منذ سنوات تدميرا بسوريا واليمن والعراق وليبيا، واعتداء متكرّرا ضد لبنان وارضه وبحره وسمائه، ليمهّد أمام الحلّ التصفوي والاستسلامي للقضية الفلسطينية. إن جذرية أهداف هذا المشروع المدمّر لمصالح الشعوب العربية وسيادة دولها تدعونا إلى تجديد ندائنا ومواصلة عملنا لاطلاق جبهة المقاومة العربية الشاملة نصرة للقضية الفلسطينية ولقضايا التحرر الوطني، إذ لم يعد من مبرر امام القوى اليسارية والتقدمية والوطنية العربية التلكؤ في ذلك، فهذه المقاومة هي مقياس يسارية أي حزب او تجمع أو لقاء، وإذا لم تتحرك اليوم في ظل هذه الظروف الخطيرة والمصيرية فمتى ستتحرك؟ فبقدر ما تتحمل هذه الأطر مسؤولياتها في هذا الصدد بقدر ما تكون يسارية وتقدمية ووطنية.

من هنا، نطلقها صرخة مدوية من هذه القلعة رمز صمود المقاومة إلى كل الشعوب العربية وشعوب العالم اجمع بان لا تتركوا الشعب الفلسطيني وحده في المعركة بل قفوا إلى جانبه ادعموه بكل ما لديكم من إمكانيات وطاقات، مطلقين ايضا مبادرتنا إلى كل القوى المقاومة في المنطقة العربية بضرورة توحيد جهودها وطاقاتها لاسقاط صفقة القرن الرامية لتصفية القضية الفلسطينية التي يعد لتنفيذها اليوم كوشنير ومحمد بن سلمان.

وفي يوم الشهيد الشيوعي، يتمسك حزبنا بالنضال دفاعاً عن القضية الوطنية ومن أجل التغيير واقامة دولة علمانية ديمقراطية مقاومة. وكما ناضل حزبنا ضد العدوان الصهيوني والاقطاع ورموزه وضد النظام السياسي الطائفي وسلطته الفاسدة، لعشرات السنين لانتزاع الاستقلال الوطني وتحقيق مطالب العمال والفلاحين والمزارعين وذوي الدخل المحدود. سيبقى حاضراً في كل ساحات النضال الوطني والسياسي والاجتماعي، سيبقى رافعاً قبضاته في التظاهرات والاعتصامات والاضرابات المهنية والمطلبية دفاعاً عن حقوق ومطالب العمال والشباب والنساء والفئات الشعبية المتضررة من سياسات طغمة النهب والاحتكار والتحاصص الزبائني والفساد.

ومن فوق قلعة الشقيف نقول: عار على التحالف الطائفي-الطبقي الحاكم والمحصّن بآليات الاستغلال والنهب والفساد ان يحوّل لبنان إلى حقل لترسيخ علاقات الاستتباع وتعميم الافقار عبر تنفيذ الصفقات والمضاربات. عار على هذا التحالف ان يحوّل نهر الليطاني إلى نهر للتلوث وجعل مياهه السامة تقتل البشر والارض والمزروعات. عار عليه هذا الفلتان الرسمي والاعتداء على الاملاك البرية والبحرية العامة من الناقورة إلى عدلون وصيدا وبيروت وصولاً إلى شكا وطرابلس وغيرها الكثير من المواقع.

عار على التحالف الطائفي-الطبقي المتنفّذ استغلال الشعب اللبناني والتلهّي في تشكيل حكومة ستكون كسابقاتها ممثلة للاحتكار والتحاصص الطائفي، ومواصلة تقاسم الصفقات في مشاريع المرافق العامة في الكهرباء والمياه والاتصالات والنفط والغاز والنقل...

تحالف لا هم له سوى الحفاظ على نظامه الطائفي والمذهبي وإعادة انتاج سلطته واستبداده من خلال قوانينه الانتخابية، تحالف وضع لبنان في ازمة اقتصادية – اجتماعية متفاقمة وفي حال من الإفلاس والارتهان الدائم للأوصياء في الخارج.

تحالف لا هم له سوى زيادة الدين العام والخصخصة وإدارة خلافاته حول مرسوم التجنيس والنازحين السوريين والتعيينات وغيرها وغيرها من الملفات بالتعطيل والجمود.

انه تحالف الإستغلال للعمال والمعلمين والموظفين والأجراء والمزارعين والفقراء والمنتجين الصغار، تحالف رأسمالي إحتكاري، نهجه إقامة دولة الريوع على أنقاض الدولة الطائفية المذهبية،

تحالف رفع معدلات هجرة شبابنا وشاباتنا إلى الخارج ومعه ارتفعت اعداد المؤسسات والمعامل المقفلة ومعدلات البطالة والفقر وسائر المشاكل الاجتماعية التي عانى ويعاني منها اللبنانيون، في الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والسكن والتقاعد والنقل والاتصالات والبنى التحتيّة التي لن تجد حلا لها إلاّ بإقامة دولة قادرة على تأمين هذه الحقوق، دولة علمانية ديمقراطية

من موقعنا السياسي المستقل نقول: كل هذه المشاكل وغيرها، ليست إلاّ تعبيراً واضحاً عن أزمة نظامنا السياسي الطائفي، ومعالجتها لا تتم إلا بتغييره. انه مصدر الفساد السياسي ومحاربة الفساد – لمن أراد ويريد ذلك - تكون على قاعدة تغييره لا على قاعدة الدفاع عنه والحفاظ عليه. ان النضال الوطني لتغيير هذا النظام الطائفي هو جزء لا يتجزأ من نضالنا القومي التحرري العربي لإسقاط المشروع الأميركي – الصهيوني، والعكس صحيح أيضاً، والمعركة واحدة لا تقبل التجزئة.

إننا في الحزب الشيوعي ندعو كل القوى التقدمية واليسارية اللبنانية وكل المنظمات النقابية والهيئات المدنية والشبابية والنسائية والثقافية لتوحيد طاقاتها وصفوفها لتشكيل جبهة واحدة ضد هذا النهج الإقصائي المدمّر وسياسات الاحتكار والنهب والتبعية المذلَة للخارج عبر إملاءات الهيئات الدولية التي تدور في فلك الغرب الإمبريالي.

ختاماً وفي هذه الذكرى المجيدة نتوجه بالدعوة إلى كل الشيوعيين غير المنظمين راهناً إلى العودة إلى ربوع الحزب وتعزيز وحدته والمشاركة في التحضير لمؤتمره الثاني عشر الذي سيعقد في موعده الدستوري المحدد قبيل نهاية شهر نيسان عام 2019،

فكلنا معاً من أجل التحرير والتغيير الثوري، من أجل بناء دولة مدنية علمانية ديمقراطية مقاومة، من أجل تحقيق حلم بناء الإشتراكية الذي حمله شهداؤنا الأبرار، رافعين معا راية حزبهم العظيم: سنمضي سنمضي إلى ما نريد وطن حر وشعب سعيد.