هل من توزيع أدوار بين الأحزاب الإسلامية السياسية والمراجع الدينية في العراق؟


كاظم حبيب
الحوار المتمدن - العدد: 5907 - 2018 / 6 / 18 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لست أول من يكتب في هذا الشأن . ولن أكون الأخير. ، فقد كتبت قبل ذلك كثيراً بهذا الصدد. وكتب آخرون أيضاً، حول الموضوع الذي شغل بال الكثير من الناس في العراق وخارجه، أي موضوع توزيع الأدوار فيما بين الأحزاب والمرجعيات والمؤسسات الدينية والمذهبية على الساحة السياسية العراقية، وسبل تنفيذ هذا التوزيع، وبالتعاون الوثيق مع بعض دول الجوار، ولاسيما إيران وتركيا والسعودية وقطر والإمارات والكويت، مع الأخذ بنظر الاعتبار في توزيع هذه الأدوار الوضع الدولي أو العلاقات الدولية ودور الولايات المتحدة في العراق. ولكن هذه الكتابات والتحليلات غالباً ما أغفلت من جانب أكثر الأحزاب والقوى المدنية والديمقراطية العراقية، في حين ان من مصلحتها المباشرة إيلاء اهتمام أكبر بهذا الموضوع ودراسته والتحري عن مدى صواب هذا الواقع والاستفادة من آراء الآخرين، وليس بالضرورة الأخذ بها كلياً أو جزئياً.
ليس اعتباطاً أو تنجيماً حين أشير إلى وجود تفاهم وتوزيع فعلي للأدوار فيما بين الأحزاب الإسلامية السياسية والمرجعيات والمؤسسات المذهبية على الساحة السياسية العراقية، بل هو تعبير عن حقيقة قائمة ناشئة عن مصالح مشتركة وأهداف متقاربة جداً إن لم نقل واحدة. كما إن هذا التوزيع للأدوار ليس جديداً، بل بدأ في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي بين جماعة الإخوان المسلمين بقيادة محمد محمود الصواف، وحزب الاستقلال بقيادة محمد مهدي كبة وفائق السامرائي وصديق شنشل من جهة، ومنذ أن تكونت نواة الحزب الفاطمي الشيعي بالعراق وبالتنسيق مع بعض المرجعيات الدينية في النجف عام 1959، ومن ثم مع حزب الدعوة الإسلامية وبقية الأحزاب الدينية الشيعية حتى الآن من جهة أخرى. إضافة إلى وجود ما يماثل ذلك نسبياً في طرف الأحزاب الإسلامية ذات الوجهة القومية مع المؤسسات الدينية السُنية حالياً. وكان التنسيق يتم مع طرفين، مع السعودية وتركيا ومصر بالنسبة للمجموعات السُنية، ومع إيران بالنسبة للقوى والأحزاب الشيعية.
لقد كان ولا يزال من مصلحة هذه القوى أن تعمد إلى التعاون والتنسيق وتوزيع الأدوار لمواجهة معارضيها وخصومها. وهذا لا يتعارض مع وجود صراع في داخلها حول المكانة والدور والمصالح التي تتحقق لكل منها في مجرى العملية السياسية، سواء أكان ذلك في داخل الطرفين أم بينهما. لقد برز هذا التعاون والتنسيق في عهد عبد الكريم قاسم، ومن ثم في عهد البعث الأول، وفي العهد القومي ومن ثم في العهد البعثي الثاني، وكذلك في العهد السياسي الطائفي المحاصصاتي الجديد الذي نشأ في أعقاب إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة عام 2003. ومثل هذا التعاون يصب في مصلحتها جميعاً، مع تباين في مدى استفادة كل منها من ذلك، من جهة. ولكنه ليس في مصلحة الشعب العراقي والوطن وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي، بسبب طبيعة النظام السياسي الذي تسعى جميع هذه القوى الإسلامية السياسية المعتدلة منها والمتطرفة، الناعمة منها والدموية، السنية منها والشيعية، إقامته بالعراق. وهي حالما تصل إلى السلطة السياسية يتغير النهج الناعم إلى نهج سياسي عنيف وظالم ودموي. وتتحول الأداة السياسية الديمقراطية التي تستخدمها للوصول إلى السلطة، إلى سلطة شمولية تريد فرض الإيديولوجية الدينية والمذهبية بكل ثمن وترفض كل الإيديولوجيات والآراء والمواقف السياسية الأخرى. وتقدم الدول التي تقول بكونها إسلامية نماذج صارخة في هذا المجال، منها على سبيل المثال لا الحصر: تركيا، إيران، السعودية، السودان، ومصر في فترة محمد مرسي، وتونس التي يدعي فيها راشد الغنّوشي، الذي يقود "حزب حركة النهضة بتونس" بأنه من المعتدلين، وكان قبل ذاك باسم "حركة الاتجاه الإسلامي"...الخ. وبعضها يبدأ بأسلوب ديمقراطي كوسيلة، وليس كنهجٍ وفلسفةٍ وأداةٍ لنظام سياسي ديمقراطي مدني وعلماني. لقد عبر عن ذلك بوضوح علي الأديب القيادي الأكثر طائفية في قيادة حزب الدعوة. والنموذجان الصارخان حالياً وفي هذا المجال هما تركيا وتونس. إذ كشف الأول عن نياته وانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين واستبداده الفكري والسياسي، وبدأ الثاني هو الآخر يكشف عن مراميه لصالح الوجهة الإسلامية السياسية.
الأحزاب الإسلامية السياسية تريد وتعمل من أجل إقامة دولة دينية، (أبوية!)، ثيوقراطية، سواء أكانت على شرائع المذاهب السنية أو الشيعية، فهي في المحصلة النهائية دينية، وأن كانت متصارعة فيما بينها لا على الدين والمذاهب، إذ إن هذا غطاء لا غير، بل على المواقع والمصالح والسلطة السياسية بالأساس، وهم لا يعترفون باستقلال السلطات الثلاث عن بعضها، فكل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضاء، كلها بيد حديدية واحدة، سلطة دينية أبوية، بطرياركية.
من هنا تنشأ الضرورة القصوى في فهم حقيقة وأهداف وأساليب وأدوات عمل هذه الأحزاب. وهي ماهرة وذكية وخبيثة ومتآمرة في سبل تعاملها مع الشعب، الذي تشكل أكثرية فيه أمية سياسية ونسبة عالية أمية قراءة وكتابة، وأمية اجتماعية واقتصادية، وبالتالي يمكن للمرجعيات الشيعية والمؤسسات السنية والأحزاب الإسلامية السياسية، التي ترتبط بها علناً أو سراً مكشوفاً، أن تؤثر بقوة كبيرة على الجماهير الشعبية المؤمنة والتي لم يصلها التنوير الديني والاجتماعي وخضعت لعقود عديدة تحت الهيمنة الدكتاتورية والحملة الإيمانية! للبعث وصدام حسين، لصالحها وصالح الأحزاب التي تلتزم بها. ويزيد في الطين بلة حين يكون الكثير من شيعة العراق السياسيين ممن يؤمن بولاية الفقيه، حيث أن ولي الفقيه هو إيراني ومصالحه إيرانية ويسعى لإخضاع العراق لهذه المصالح، وبالمقابل يمكن أن نجد النهج نفسه لدى السعودية وتركيا وقطر إزاء العراق.
وإزاء هذا الوضع العراقي المعقد والصعب يلاحظ المتتبع إن القوى المدنية والديمقراطية واليسارية غالباً ما تعجز عن إيجاد تعاون وتنسيق وتكامل في نضالها من أجل إقامة الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي، في حين هي أحوج ما تكون إلى مثل هذا التعاون والتنسيق والتكامل. ويمكن أن نشير لهذه الظاهرة السلبية إلى ما حصل في فترة النضال ضد دكتاتورية البعث وصدام حسين، حين تعذر فعلياً تحقيق ما هو مناسب من تحالف بين القوى الديمقراطية واليسارية. وغالباً ما تسيطر على أطراف هذه القوى الرغبة في الهيمنة أو رغبة الظهور بحجم أكبر من حجمها الحقيقي، أو تطرح شعارات يسارية تعجيزية، وبالتالي يتعذر عليها إيجاد لغة مشتركة، رغم إن مشتركاتها أكبر من اختلافاتها. ويمكن أن نتابع هذه المسألة في الجهود الكبيرة التي بذلت لتشكيل تحالف "تقدم"، وكيف تبعثر في لحظة واحدة، دون وجود أسباب حقيقية فاعلة مبررة لمثل هذا التمزق.
إن هذا الواقع يساعد قوى وأحزاب الإسلام السياسي ومرجعياتها ومؤسساتها المذهبية في ممارسة توزيع الأدوار فيما بينها بما يحقق ثلاثة أهداف جوهرية:
1. الدعوة إلى تخفيف صراعاتها وبذل الجهد لترتيب أوضاعها والعمل على إيجاد لغة مشتركة فيما بينها لتكون الأقدر على خوض المعركة السياسية.
2. سعي بعضها ضمن توزيع الأدوار إلى كسب قوى سياسية مدنية ديمقراطية ويسارية إلى جانبها، ثم قطع الحبل "بنص البير"، مما يزيد من مشكلاتها وتعقيدات العلاقات فيما بين القوى الديمقراطية واليسارية.
3. وتنشأ هنا أمام القوى الديمقراطية واليسارية بعض الأوهام في إمكانية أو ضرورة الدخول في رهانات خاسرة ابتداءً، لأنها لا تنسجم أو تتناغم مع المبادئ والأسس والمناهج والأهداف التي تعمل بموجبها ومن أجلها القوى الديمقراطية واليسارية.
وعلى وفق قناعتي فقد أسيء فهم واستخدام مفهوم "الكتلة التاريخية المجتمعية" سياسياً، مما أدى إلى ما هو عليه الوضع الحالي، بالرغم من قول البعض بأن الأمور لم تنته بعد، والتحالفات لم تكتمل بعد، ووجود احتمالات أخرى في هذا الصدد.
اعتقد إن الموقف الذي اتخذه المجلس الاستشاري للحزب الشيوعي العراق مهم جداً وسليم أيضاً ويختلف عن جوهر التوضيح الذي أصدره المكتب السياسي للحزب، كما يحتاج إلى تطوير وعاجل. ويعبّر رأي المجلس الاستشاري عن رؤية جماعية مهمة لقياديي وكوادر الحزب ومسؤولي منظماته المحلية والمختصات. وهو موقف يفترض أن يتطور بسرعة قبل أن تسبق الأحداث باتخاذ القرار الأكثر تأثيراً سلبياً في المسيرة السياسية الراهنة للعراق. أي انسحاب الحزب من تحالف "سائرون" بكل هدوء ومسؤولية وشفافية.
هناك مناشدات كثيرة وصلت للحزب، كما أشار إلى ذلك بيان المجلس الاستشاري، ومنها الرسالة المخلصة للعزيزة سلوى زكو، وغيرها، وأرى مناسباً أن تدرس قيادة الحزب مرة أخرى النتائج التي توصل إليها المجلس الاستشاري وكيف يمكن تنفيذها بالارتباط مع الأحداث المتسارعة. لديّ الثقة، وأتمنى أيضاً، بأن قيادة الحزب الشيوعي العراقي ستتخذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب، وقبل فوات الأوان، لصالح نهج الإصلاح والتغيير الذي رسمه المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي، والذي يشير إلى وجهة التحالفات الجديدة لقوى الإسلام السياسي الشيعية، فهي متجهة إلى ذات النهج الذي مارسه رئيس الوزراء السابق ورهطه، إلى تجميع الفاسدين والمفسدين وأرباب السوابق في الغش والخديعة وزعماء الميليشيات المسلحة التي أدمت الشعب العراقي وأوجعته كثيراً، وبدعم مباشر من إيران من خلال وجود ممثلها قاسم سليماني ببغداد والزيارات الكثيرة للمسؤولين الإيرانيين والضغوط الممارسة على كل القوى السياسية العراقية تقريباً، بمن فيهم القيادات الكردية، ومساومة مكشوفة محتملة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.