القاموس القرآنى : ( عسى )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 5905 - 2018 / 6 / 16 - 04:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أولا : ( عسى ) يقولها رب العزة جل وعلا
بمعنى ( ربما ) ، أى لا تفيد ترجيح شىء على آخر : قال جل وعلا :
1 ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة ). نحن لا نعلم الغيب . الغيب يعلمه اله جل وعلا وحده ، ولهذا فقد نكره شيئا وهو خير لنا ، وقد نحب شيئا وهو شرُّ لنا . ولكن عندما يفرض رب العزة القتال الدفاعى ويكرهه بعض الناس فعليهم تذكر هذه الحقيقة ، وهى انه لصالحهم . معنى ( عسى ) هنا فيما يخص الناس هو ( ربما ) . والله جل وعلا خاطبهم بما يعرفون مع التنبيه على انه جل وعلا يعلم وهم لا يعلمون .
2 ـ ( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف ). لا أحد يعرف موعد موته . وأولئك الذين يؤمنون بحيث آخر مع القرآن ( كأحاديث البخارى وغيره ) عليهم ان يتفكروا فى خلق السماوات والارض وما خلق الله جل وعلا من أشياء ، وقد يكون قد إقترب أجلهم ، فعليهم أن أرادوا النجاة والفلاح أن يؤمنوا بحديث الله جل وعلا وحده فى القرآن الكريم وحده ، فلا مقارنة بين فاطر السماوات والأرض وبين البخارى وامثاله من أئمة الكفر . يهمنا هنا ان معنى ( عسى ) يفيد ( ربما ) . وايضا فهذا لا يعلمه إلا الله جل وعلا. لا يعلم أحدنا موعد أجله ، لكن فاطر السماوت والأرض جل وعلا هو وحده الذى يعلم موعد أجل كل إنسان حىّ.
3 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) الحجرات ). فى تشريعات الاسلام الأخلاقية يحرم أن يسخر قوم من قوم فعسى أن يكون من تسخر منهم خيرا منك . والله جل وعلا هو الذى يعلم ايماننا بعضنا من بعض .
بمعنى الوعد المعلّق :
دخول الجنة معلّق بمن يعمل لها صالحا صادرا عن إخلاص الدين لرب العالمين . هنا ( عسى ) أن يكون من أهل الجنة . ( عسى ) هنا لا تعنى الحتمية لأنها مرتبطة بالشخص ، هل هو فعلا يعمل عملا صالحا ؟ وهل سيستمر فى هذا حتى موته ؟ وهل تاب فعلا توبة نصوحا . هذا عن الآخرة . هو أيضا عن الدنيا . ونعطى أمثلة.
قال جل وعلا فيما يخصُّ الدنيا :
1 ـ ( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84 ) النساء ). تحريض المؤمنين قد يسفر عن نتيجة إيجابية ، فينفرون للقتال مخلصين لرب العالمين ، وقد تكون الاستجابة أقل ، وقد لا تكون هناك إستجابة على الإطلاق . لذا لا يأتى الوعد من الله جل وعلا بكفّ عدوان الكافرين قاطعا ، بل بإستعمال ( عسى ) ، لأنه متوقف على مدى إستجابة المؤمنين .
2 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء ). اولئك العاجزون عن الهجرة فى سبيل الله جل وعلا فرارا من الإضطهاد الدينى عسى الله جل وعلا أن يعفو عنهم . لم يأت الوعد قاطعا لأن من الممكن أن يزول العجز ويكونوا قادرين على الهجرة ويجدوا لها سبيلا ولا يفعلون ، لا يزال أمامهم فُرصة العُمر ، والأحوال تتغير.
3 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة ). بعض المنافقين كانوا يوالون المعتدين من اهل الكتاب فى حربهم المسلحة ضد المؤمنين ، وهنا إشارة الى معارك بين النبى محمد عليه السلام والمعتدين من أهل الكتاب لم تذكرها كتب السيرة ، وفيها تحالف بعض المنافقين فى المدينة مع المعتدين من اهل الكتاب خشية أن ينهزم المؤمنون ، والله جل وعلا يردُّ عليهم بأنه ( عسى ) أن يهب المؤمنين الفتح أى النصر فيندم المنافقون على موقفهم الخائن . وهنا ( عسى ) ليست وعدا قاطعا لأنه مترتب على مدى جدية المؤمنين فى القتال .
4 ـ ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) الممتحنة ). بهجرة المؤمنين من مكة الى المدينة عانى بعضهم من الغربة وإشتاقوا لأهاليهم الكفار، وتحول الحنين للوطن فى بعضهم الى موالاة للأقارب الكفار المعتدين الذين أخرجوهم والنبى من ديارهم وأموالهم . فى هذا نزلت هذه الآية عن أنه عسى الله جل وعلا أن يجعل بينهم وبين أقاربهم الأعداء مودة . هذا وعد يتوقف على الطرفين .
5 ـ ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً (5) التحريم ). لقى النبى محمد عليه السلام متاعب من أزواجه ، ونزلت فى ذلك سورة التحريم ، وفيها هذا التهديد لهنّ بأنه عسى إن طلقهن النبى ان يبدله الله جل وعلا بأزوج خيرا منهن . هذا متوقف عليهن إن لم يتبن .
6 ـ ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ), هنا أمر للأزواج بحُسن معاملة الزوجات حتى لو كرهوهن . وعسى أن يكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا . ( عسى ) هنا تتوقف على معاملة الزوج زوجته .
7 ـ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (8) الاسراء ). هذا خطاب لبنى اسرائيل ، تتوقف رحمة الله جل وعلا على حُسن سلوكهم . وهذا معنى ( عسى ) هنا .
وقال جل وعلا فيما يخصُّ الجنة فى الاخرة
1 ـ فى خطاب مباشر للنبى محمد عليه السلام قال له جل وعلا : ( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79) الاسراء ). إقامة الصلاة لا تعنى مجرد تأدية الصلوات الخمس ، بل الخشوع فيها وتقوى الله جل وعلا قبلها وبعدها لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( العنكبوت 45 )، ولأن الصلاة وكل العبادات مجرد وسائل للتقوى ( البقرة 21). ثم هناك نوافل لمن يريد أن يكون من السابقين المقربين يوم الدين ، وهى التهجّد بالليل وقراءة القرآن فى الفجر . والمكافأة هى المقام المحمود ، أى الجنة . هذا الخطاب للنبى هو أيضا خطاب للمؤمنين ، فهم مأمورون ايضا بإقامة الصلاة وبالنوافل ، وهم أيضا تنتظرهم المكافأة وهى المقام المحمود ، وهو الجنة . وفى الجنة سيحمدون ربهم على هذا المقام المحمود . قال جل وعلا عن اصحاب الجنة من المؤمنين السابقين والمقتصدين اصحاب اليمين : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) فاطر ) . ما يفتريه ائمة السنّة من أن المقام المحمود هو الشفاعة ليس سوى جهل أحمق . ولكن الذى يهمنا هنا أن كلمة ( عسى ) ليست وعدا قاطعا فى هذه الآية المكية ، لأنها مترتبة على مدى الاستجابة والطاعة للأوامر من إقامة الصلاة والنوافل . كان النبى محمد وقتها فى مكة ولا يزال أمامه فُسحة من العمر . فى أواخر حياته وقبيل موته وبعد حياة حافاة بالطاعة جاءته البشرى بالجنة ومعه المؤمنون المجاهدون فى سبيل الله جل وعلا بأموالهم وأنفسهم ، قال جل وعلا عنهم : ( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة )
2 ـ ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18) التوبة ).( عسى ) هنا وعد مترتب على مدى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أى تزكية النفس ومدى خشية الرحمن جل وعلا .
3 ـ ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة ). التائبون المعترفون بذنوبهم عليهم تقديم الصدقات تعزيزا لتوبتهم وتطهيرا ( تزكية ) لأنفسهم . والوعد ب( عسى ) متوقف على مدى إستجابتهم .
4 ـ نفس الحال مع كل التائبين ، قال جل وعلا :( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ (67) القصص ) ، وقال جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم ).
التوقع
1 ـ ( قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52) الاسراء ). إقترب موعد الساعة . وظهرت أول علامة لها بنزول القرآن الكريم آخر رسالة إلاهية للبشر فى آخر الزمان . ( عسى ) هنا تفيد التوقع .
2 ـ وهو نفس المعنى فى قوله جل وعلا : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) النمل )
ثانيا : عسى يقولها البشر :
فى الدعاء: يدعو بها الأنبياء :
1 ـ ابراهيم إعتزل اباه الكافر وقومه وما يعبدون إلا الرحمن جل وعلا : (قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً (48) مريم )، ودعا ربه ألا يكون بدعاء ربه شقيا . وقال حفيده زكريا عليه السلام نفس المعنى (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) مريم )
2 ـ حين رجع ابناء يعقوب بدون اخيهم الذى إحتجزه فى مصر شقيقه يوسف ، أخبروا أباهم يعقوب فقال لهم : ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) يوسف ). دعا ربه جل وعلا أن يأتيه بإبنيه معا . وإستجاب الله جل وعلا دعاءه .
3 ـ قال جل وعلا عن موسى وهو يهرب من مصر الى ناحية مدين : ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) القصص ). وهداه الله جل وعلا سواء السبيل .
4 ـ ورجع موسى فيما بعد الى قومه فإشتكوا له من إضطهاد فرعون لهم فقال لهم : ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الاعراف ). هو دعاء مستجاب .
5 ـ وقال جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام :( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24) الكهف ). هذا دعاء ، وهو تشريع لنا أيضا .
وفى الدعاء للبشر :
1 ـ فى قصة صاحب الجنتين الذى إغتر بهما الى درجة الكفر وإنكار البعث ، قال له صاحبه المؤمن : ( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) الكهف ). وإستجاب الله جل وعلا دعاءه : ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً (43) الكهف )
2 ـ وفى قصة الفتية أصحاب الجنة ( الحديقة ) الذين بخلوا بثمرها فأهلك الله جل وعلا ثمرها ، فلما رأوا النتيجة قالوا :( قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) القلم ). أى دعوا الله جل وعلا أن يعوضهم خيرا منها .
الرجاء
هنا لا يكون دعاءا لرب العزة جل وعلا ، بل مجرد رجاء وأمل :
1 ـ مثل عزيز مصر الذى إشترى يوسف وقال عنه لزوجته:( أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً )(21) يوسف )
2 ـ ومثل زوجة فرعون التى تمنت أن يكون الوليد موسى ولدا لها، قال جل وعلا:( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9 ) القصص ).