صنوان لبعضهما: ملكه جمال ميسوپوتيميا وشيوعيو (فاشية) العم سام!


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 5904 - 2018 / 6 / 15 - 02:24
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها     

العنوان الآخر للمقالة هو تحالف سائرون (17)!
---------
كتب احد الاصدقاء الاعزاء منشورا في مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص انتخاب سارة عيدان ملكة جمال العراق وزيارتها لاسرائيل بقوله:
"فد وحده اسمها ساره عيدان عايشه في كالفورنيا ما ادري اشون سوت نفسها ملكه جمال ميسوپوتيميا. سوت صداقه ويه ملكه جمال اسرائيل. اللجنه اليهوديه في امريكا دعتها الى القدس.
ساره خر—ان لا بنت العراق ولانريدها. خلي تمر على غزه ماطول هيه بالقدس وتزور قبور أطفال فلسطين من القصف الاسرائيلي.
-------
وكما هو واضح, فالمنشور هو باللهجة العامية العراقية ومفاده ان ملكة جمال العراق سارة عيدان المقيمة في كالفورنيا قد عقدت صداقة مع ملكة جمال اسرائيل وقامت بزيارة القدس وهي لا تمثل العراق وكان الاولى بها زيارة قبور اطفال فلسطين في غزة ممن هم ضحايا القصف الاسرائيلي.

"ملكة جمال العراق مع نظيرتها الإسرائيلية في القدس تتحدى انتقادات سابقة"
http://arabic.euronews.com/2018/06/12/miss-iraq-in-jerusalem-and-greet-its-audience-in-hebrew-and-eats-in-jerusalem-restuarants?utm_source=feedburner&utm_medium=feed&utm_campaign=Feed%3A+euronews%2Far%2Fnews+%28euronews+-+news+-+ar%29

وقد علقت على منشوره الذي اتفق معاه بالنص التالي واود اشراككم اياه.
-------
صديقي العزيز, ان انتخاب سارة ملكة جمال العراق وزيارتها لاسرائيل هو امر لا يمكن فصله عن التردي او الانهيار الثقافي السياسي في منطقتنا الذي يهدف الى ترسيخه العم سام ورييبته اسرائيل, او ايضا بسبب عقدة الخواجة وملازمة ستوكهولم, او بسبب التماهي مع الاقوى وكما عبر عن ذلك الطبيب النفسي الماركسي الشهير فرانز فانون في كتابه Black Skin, White Masks الذي يعتبر من ادبيات الثورة الكلاسيكية, ويمكن قرائته بالكامل في
http://abahlali.org/files/__Black_Skin__White_Masks__Pluto_Classics_.pdf

فنحن كلنا نعلم ان اللوبي الصهيوني (السياسي) شديد القوة والتأثير في الولايات المتحدة وليس صدفة ان تكون الولايات المتحدة هي ايضا محل اقامة سارة.

الظاهرة متعتددة الابعاد, ولكن ظاهرة سارة هي دليل بالغ على ذكاء وتشعب المشروع الامريكي-اسرائيلي في الاستحواذ على القيم الثقافية والجمالية وتسييرها لمصلحته, وهذا مشروع هائل وكبير وتقوم بتنقيذه مؤسسات ثقافية-سياسية Think Tanks وبعضها وثيق الارتباط بالاستخبارات الغربية, مثل مركز رفيق الحريري في بيروت. وقبل ايام اعلن باحثون في الآثار انهم استطاعوا استخدام برامج كومبيوترية لاكتشاف الوجه الحقيقي لنفرتيتي ملكة مصر الفرعونية, وكان وجهها, كمقياس للجمال, هو وجها اوربيا.
Could This Be The Face Of Nefertiti?
https://www.prnewswire.com/news-releases/could-this-be-the-face-of-nefertiti-300593330.html
فالجمال هو الجمال الاوربي فقط! العنصرية لم تمت والعلم قد يكون عنصريا هو الآخر او يٌوظف, حاله حال الدين, لمصلحة الطرف الاقوى وتعزيز هيمنته.

وشعوبنا في المنطقة تغط في نومها ولا تعرف سوى ترديد الادعية كالدراويش في حلقاتهم والتمسك بالقشور من المظاهر وليس لها وعي ثقافي-جمالي للوقوف بوجه هذه الهجمة. فالتعامل مع الجماليات هو تعامل صحراوي يتم وفق منظومة شمولية من الحلال او الحرام. وهي شمولية لا تمت بصلة الى القيم الاخلاقية والثقافية لانها اداة قمعية وهي النقيض التام للقيم الجمالية- ثقافية المتغيرة على الدوام والتي لا يمكن بتاتا تأطيرها ضمن هذه الثنائية.

ان الاسم نفسه "سارة" يملك ايحاءات دينية وليس هذا امرا خليق صدفة هو الآخر. "ساره" ويكتب "سارة" أو "سارا" اسم يحمل الكثير من المعاني، وهو اسم زوجة النبي ابراهيم وأمّ إسحق؛ ويقال في العبرية: سارة هي الأميرة والمرأة الحاكمة".
"معنى اسم سارة"
http://mawdoo3.com/%D9%85%D8%A7_%D9%85%D8%B9%D9%86%D9%89_%D8%A7%D8%B3%D9%85_%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A9

وظاهرة سارة, ان صح التعبير عنه كظاهرة, هي علامة مميزة للدلالة على عجز ثقافتنا البالغ في خلق قيم ثقافية جمالية تتغلغل في عقول افراد المجتمع وتصبح جزء من وعيهم الفردي والجماعي الذي يعزز الكيان المهتز والهش للشخص, وعموم المجتمع, والباحث عن يقينيات, مثل يقينيات الدين, للتستر على هشاشة وتنخر كيانه. واليقينيات هي كالسم الزعاف. وحتى الذين يتمتعون بتحصيل علمي ممتاز ليسوا محصنين ضد الوقوع ضحية لليقينيات لأن العلم يعمل على مستوى سطحي معرفي غير قابل على التوغل في اعماق نفس الفرد وبالتالي فهو غير قادر وغير مؤهل او كافِ لأن يعالج بحد ذاته هشاسة ورثاثة البنية النفسية ومنعها من الانحدار في مستنقع اليقينيات الذي يعطل التفكير ويقتل حاسة الفكر النفدي, وحتى انه يتم تدجين وترويض فلسفة علمية مثل الماركسية التي هي نقيض اليقينيات لأن تصبح صنوها. والتحليل النفسي, كما نعلم, يحتاج الى سنوات عدة للولوج الى العقل الباطن الذي يسيطر على العقل الظاهر ويتحكم فيه.

ان الظاهرة هي دليل آخرعلى عمق الازمة التي تعيشها المرأة في مجتمعاتنا. ليس هنالك من حركة نسوية حتى في حدها الادنى (وهذا لا يعني انعدام وجود ناشطات نسويات يستحقن كل التقدير والاحترام), والنساء في اغلبيتهن هن حارسات كهنوتيات يقظات لمعابد الذكورية وحتى اشد ذكورية من الذكر نفسه. العملية ليس بيولوجية بحتة. فحسب رائدة الحركة النسوية والفيلسوفة الوجودية سيمون ديبيفوار في كتابها
The Second Sex ان المرأة تصبح امرأة ولا تُولد كامرأة, ويمكن قراءة الكتاب بالكامل في.
https://uberty.org/wp-content/uploads/2015/09/1949_simone-de-beauvoir-the-second-sex.pdf

وضع النساء عندنا يتراجع الى مستواه في القرون الوسطى. النساء, حالهن حال الرجال او اكثر, متعبات مرهقات ويعانين من الاحتراق النفسي Burn Out. فهن يلهثن وراء معيشتهن وتدبير امورهن من اجل البقاء على قيد الحياة وعملا بتراتبية عالم النفس ماسلو في الاحتياجات البشرية, وهن يبحثن عن الخلاص الفردي (العصابي), كالرجال, في وسط حافل بالفوضى واللااستقرار وانعدام الامن. والثقافة هي ثقافة عصابية بغض النظر عن جنس الفرد. السلطة عندنا تحيل الانسان الى حيوان او ما يشبه. ووضع كهذا بداهة يعيق نشوء قيم جمالية-ثقافية. الناس عندنا لا يبحثون عن خلاصهم فى هذه الدنيا, بل في ملكوت الآخرة, ولذا فهم لا يسعون الى تأسيس مشروع ثقافي جمالي لان هذا لا يقرّبهم الى الله ولا يدخلهم الجنة التي يسعون اليها جاهدين كي يحظوا بمعاشرة الحوريات الباكرات.
"شيخ يقول في الجنه الجنس ومعاشرة النساء الأبكار والرجل منا يجامع يوميا مئة آمراة
الجنه أصبحت علي أيدي هؤلاء بيت دعاره ولذلك الفيديو هذا كفيل بأخرج آلاف الدواعش لتفجير أنفسهم للوصول الى الحور العين
https://www.facebook.com/100025403251555/videos/162666091256832/

وبما ان الطبيعة تكره الفراغ يقوم الآخرون بالقيام بكتابة المشروع نيابة عن العراقيين. وهو امر مماثل لما يسميه البعض "تحرير" العراق من قبل امريكا, فالعراقيون لم يستطيعوا تحرير انفسهم بغض النظر عن الاسباب, فقامت امريكا بتحريرهم, او, بكلمة اخرى, بغزوهم, ليس عسكريا فقط, ولكن ثقافيا ايضا (نهب المتحف العراقي, خلقها لداعش والاسلام السياسي الحاكم). والشعب العراقي يدفع الثمن لأن مشروعه تتقمطه ملكوت السماء, فالعديد يقولون "اني الطم واطبٍر كي احضى بنعيم الجنة السرمدي فما الفائدة من اي عمل دنيوي لأن الدنيا فانية؟"طبعا هناك المهدي المنتظر الذي يمكن ان يهبط علينا في اي وقت من الاوقات من عليائه في السماوات ويقوم باصلاحنا وتقويم شؤوننا, واذا لم يقم هو او غيره بالعمل الدنيوي سيقوم العم سام بكل امتنان بالقيام به, طبعا ضمن مواصفاته وقيمه التي تكرس استعمار العقول وتسميم الارواح. العم سام هو الممثل الحقيقي للامام المنتظر وقد يساعده آخرون مثل الولي الفقيه في طهران او خلافه المختلف عنه ظاهريا فقط, ملك الحرمين!

ان ظاهرة سارة تدلل على خواء مجتمعاتنا وانصياعها لليقينيات. انها تعيش قلقا وجوديا جهنميا و تسعى الى معالجته بالمزيد من الافيون الديني او بتعاظم ظاهرة تناول المخدرات في العراق التي تنتشر كالوباء وتهدد بالقضاء على المجتمع عن بكرة ابيه, وهي ظاهرة ليست منعزلة عن انصياع حكام العراق الى اجندة الجارة ايران و ممارستها دور الوسيط في تجارة المخدرات القادمة من افغانستان التي "حررتها" امريكا هي الاخرى من نير "الاستعمار الشيوعي الكافر!" بمعونة بن لادن ولكن السحر انقلب على ساحره, واصبحت "الديموقراطية الافغانية" على نمط ديموقراطية العم سام, صنوا لديموقراطية زراعة المخدرات والاتجار بها.

سارة هي دليل على ان مجتمعاتنا تحتضر وتتوجع وتتألم. لكنها تتهرب, بدل ان تواجه آلامها واوجاعها. انها آلية نفسية هدامة تستمد جذورها من ريعية الدولة نفسها وهشاشة وتنخر بنيتها وتركيبة مؤسساتها وكون السلطة طبقة طفيلية غير منتجة. والهروب هو آلية عصابية للحل تعظّم من الكارثة والفوضى, وهي نفس الفوضى التي سمّتها الادارة الامريكية "الفوضى الخلاقة" واستخدمتها كذريعة (فلسفية!) لاحتلال العراق واعادة رسم خارطة الشرق الاوسط وتحقيق حلم اسرائيل الكبرى! ان سارة, بوعي وليس بدونه, تساهم بقدر طاقتها في ارساء هذا المشروع. لكن هذا المشروع هو ليس مشروعا توسعيا جغرافيا فقط. انه مشروع يسلب البشر عقولها ويحملها اكثر واكثر على اللجوء الى اليقينيات الافيونية الدينية. ولذا نلاحظ ان قوى تدعي الشيوعية واليسارية في العراق قد قّزمت نفسها بتحالفها مع قوى رجعية شمولية وفاشية. انه مشروع سارة وخطاب سارة الذي يتحكم في عقول وافئدة هؤلاء. وهم ليسوا سوى ادوات صاغرة لتكريس هذا المشروع الجهنمي. والمشروع الجهنمي ينفذه جنود ميامين, باسم الشيوعية او باسم سارة عواد. والمحصلة هي سيان: تعزيز وتكريس النيوليبرالية وقيمها السياسية والثقافية والجمالية. والنيوليبرالية هي, كما نعلم, صنف من اصناف الفاشية .
Neoliberalism is a species of fascism
https://off-guardian.org/2016/07/13/neoliberalism-is-a-species-of-fascism/

وقد لخص بكل بلاغة Simon Glendinning هدف الفكر النيوليبرالي الشمولي بقوله:
Here the idea is so to arrange things that the main forms of self-understanding available are of a sort that conditions
people to want to be“operational” in a life that is, as it were, essentially hostile to the will to truth. On this view, to keep the stem performing you only need to ensure that
enough people think they are living worthwhile lives, and so are more´-or-less happily operational creatures of the ruling hegemonic order. They think they are living worthwhile lives, but really they are not. They are alienated by the system–but they think they are not.
–LSE ‘Europe in Question’ Discussion Paper Series
Varieties of Neoliberalism
Simon Glendinning
P. 14.
http://www.lse.ac.uk/europeanInstitute/LEQS%20Discussion%20Paper%20Series/LEQSPaper89.pdf
"الفكرة هنا هي ترتيب الأشياء ليُضمن ان الأشكال الرئيسية للفهم المتاح للذات هو من النوع الذي يكيّف الناس في ان يعيشوا حياتهم كادوات فعالة (وليست فاعلة كنقيض للفعالة, ط .ا) في وسط عدائي ومعاد أساسًا لإرادة الحقيقة. وبموجب هذا الرأي، للحفاظ على النظام, فكل ما تحتاجه فقط هو ضمان وجود عدد كاف من الناس الذين يعتقدون انهم يعيشون حياة جديرة بالعيش وكونهم بهذا القدر او ذاك كائنات سعيدة (تجهد) في خدمة السلطة المهيمنة الحاكمة. وهم يعتقدون انهم يعيشون حياة جديرة بالعيش ، لكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك. انهم مغربون من قبل النظام- ولكنهم لا يعتقدون هذا"!

الصدر, زعيم تحالف سائرون (ونحن لا نعلم لماذا يحتاج السائرون الى الزعيم ولماذا لا يكون الناس هم زعماء انفسهم كما يقتضيه فكر الحداثة وفلسفتها الماركسية!), يقول انه يعيّش الملايين من اتباعه (ولا احد بالطبع يسأل من اين لك هذا!) وبتحالفه الجديد مع "فتح" (ونحن تصورنا ان عهد الفتوحات الاسلامية والاستعمارية قد ولى ومات!) فهو, عاجلا او آجلا, سيعّيش كل العراق, عراق الصدقات والاعانات! اي بعبارة اخرى اكثر علمية اذا شئنا, ان النظام يخلق اطروحة مناقضة لاطروحة ضرورة الثورة وتوفير العامل الذاتي لاندلاعها, وذلك بتكريسه الاوهام بامكانية تغيير الاوضاع من خلال العملية السياسية الفاشية وتحالفاتها. وهي اوهام, غني عن القول, حالها حال اوهام سينما هوليوود في امريكا او بوليوود في الهند او نوليوود في نايجيريا, سينما العولمة. فالعراق ليس له ثقافته او سينمائه الخاصة. فالعراقيون, حسب منطق الفاشيين, لا ينبغي ان يشغلوا بالهم في كماليات كالسينما. فعدالتهم الاجتماعية= صدقاتهم تحيل انسان العراق الى حيوان. انه انسان فردوسهم. فانسان الجنة لا يشغل باله سوى بمضاجعة الحوريات الباكرات وهو ليس بحاجة الى مكتبات ومسارح او سينما. فصالات السينما في بغداد وعموم العراق قد اغلقت ابوابها وتحولت الى مخازن بضائع استهلاكية, مخازن للقمامات الرأسمالية الملوثة ايضا للبيئة، والعراق في واقع الحال اصبح, بفضل الاحتلال ونعمة اعوانه, اكبر محل للقمامة ولا يضاهي سعة حجمها عالميا سوى سفارة المحتل في بغداد!

واغنية نينا سيمون التي نعاود سماعها هي
I am feeling good
Feeling Good - Nina Simone (1965)
https://www.youtube.com/watch?v=oHs98TEYecM
"اني اشعر بالسعادة". وشعارهم هو شعار "شعب سعيد"! ونحن لا نعرف الفرق بين هذين النوعين من السعادة. والبعض يقول السعادة هي السعادة وليس لها من تصنيف او اصناف بالرغم من اختلاف مسبباتها.و شعار "شعب سعيد", حاله حال ماركسيتهم, لكونه شعار شمولي ويتضمن وصاية ابوبة كحكومتهم الابوية المقترحة, ينقلب الى نقيضه. انه شعار شعبوي بحت ولا علاقة له بماركس او الماركسية.

ومنطق الاغتراب الذي يشرحه Glendinning هو نفسه الذي يحيل شعار "وطن حر وشعب سعيد!" الى واقع وطن محتل (اكرر, ثقافيا ايضا, فالسفارة الامريكية في بغداد اكبر سفارة في العالم ), وشعب مُذل ومُهان. و منطق الاغتراب يدعو الى التصالح مع الواقع الذي يشكل وجه المرأة الآخر لأغتراب حكام المنطقة الخضراء عن شعبهم في المنطقة الحمراء واغتراب سكان المنطقة الحمراء عن حكامهم. وبوجود المنطقتين فالاغترابان ازليان!