الأحتمالات المفتوحة والخيارات المغلقة.


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 5900 - 2018 / 6 / 11 - 15:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الأحتمالات المفتوحة والخيارات المغلقة.


جاء الحريق الذي ألتهم مخازن المفوضية المستقلة للأنتخابات في بغداد ليضع نقطة في نهاية سطر وليبدأ سطر جديد عنوانه الخيارات المفتوحة والأحتمالات المغلقة، وليعيد من جديد خلط الأوراق بين من يطالب بأعلان فشل الأنتخابات العامة وضرورة أعادتها من جديد وفق رؤية مختلفة وترتيب أخر وبين من يصر على ترجمة إرادة الناخب العراقي ما أعلنت وعلى المتضرر سلوك الطري القانوني المعتمد في قانوني المفوضية وقانون الأنتخابات، لكت قبل ذلك لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط المهمة التي رافقت جعجعة التزوير وأدعاء وجود مخالفات جسيمة تقدح بمشروعية العملية برمتها منها:
• المقاطعة الشعبية العالية للمشاركة في الأنتخابات عبرت وبكل وضوح على عدم ثقة الناخب العراقي بكل العملية الأنتخابيى بالرغم من أعلان المفوضية عن النسبة المشاركة في الأقتراع وهي نسبة متدنية بكل تأكيد مع كل الشكوك في مصداقيتها أصلا، النسبة هذه في نظام ديمقراطي حقيقي هو أعلان فشل وتأكيد على أن التجربة الديمقراطية بدأن في الأهتزاز والتراجع عن مسارها التصاعدي، وهذا يعد نكوصا أجبر الكثير من المشاركين فيها بدق ناقوص الخطر من أن مستقبل العملية السياسية على المحك.
• لا يخفى على كل مراقب للأنتخابات أن هناك صراع بين إرادتين خارجيتين تحاول كل منهما فرض رؤيتها أو تصوراتها على عملية الأنتخاب وتجيير إرادة الناخب العراقي نحو أهدافها، الإرادة الأمريكية وملحقاتها حاولت أن تظهر أنتصار القوى الفائزة على أنها تأييد للمشروع الأمريكي الخليجي في المنطقة، وبالتالي محاولة حصاد هذه المكاسب من أجل خلق بيئة فكرية وسياسية تخدم الأهداف المستقبلية من خلال التأكيد على شفافية العملية الأنتخابية ومشروعية نتائجها، أما الطرف الأخر والذي يتمثل بالفاعل الرسمي الإيراني فهو لم تعجبه بكل تأكيد هذه النتائج الغير حاسمة بالنسبة لخياراته الأستراتيجية بالرغم من صعود فئة واسعة من مؤيديه إلى مرتبة متقدمة في الأنتخابات، وتريد أيضا أن تؤسس لهذا الفوز وتستغل الصعود لبعض مؤيديها ليكون الخط الدفاعي الأول عن مشروعها قبال المشروع الأمريكي، تشعر إيران وحلفائها أن هناك خطوات يمكن أن تكمل هذا الجدار يمكن أن تفتعله لتعزيز قوة تيار الدفاع عن مصالحها والذي يتلخص بأضعاف وعزل القوى الفائزة بمراتب عليا والتي أبتعدت كثيرا عن محورها.
• قوى خاسرة في الأنتخابات أو كانت تتأمل أن فوزها مفروغ منه أستنادا إلى محوريتها في العملية السياسية من مصلحتها أن تعيد ترتيب الأمور والتشويش على مجمل العملية السياسية في محاولة منها لكسب بعض التعزيزات أو الأسترضاءات التي يمكن أن تعوضخسائرها الأستراتيجية خاصة وأن مشغليها لهم القدرة على أفتعال الكثير من المشاكل في وجه الفائزين وخير دليل على ذلك أزمة المياه المفتعلة وردود الجهات الساندة للمشروع الأخواني التركي.
• اللجوء إلى الطعن بالنتائج وخاصة مع أعتراف المفوضية ذاتها بأستبعاد أكثر من ألف محطة أنتخابية من أحتساب نتائجها وكثرة الشكاوى الحمر، يؤكد أن خروقات عديدة ومهمة صاحبت العملية وقد تكون بعض النتائج محل تغيير خاصة في المناطق المتنازع عليها أو التي شهدت عمليات تزوير مفضوحة، الخوف من أن لا تؤثر هذه النتائج في تصحيح الحاصل الأنتخابية عن طريق الطعون القانونية وقد يكون فيه أفتضاح لبعض اللاعبين الأساسيين في العملية السياسية دفعهم لسلوك طريق أخر وهو اللجوء إلى مجلس النواب (المنتهية ولايته فعليا) لتعديل القانون الأنتخابي بأثر رجعي على وقائع جرت وأخذت شكليتها القانونية مما يتعذر معه على الأقل من الناحية الدستورية إمكانية معالجة الخروقات والأنتهاكات التي رافقت العملية الأنتخابة، وهذا ما دفع المفوضية للطعن بالتعديل على القانون المعدل وهي على ثقة وحسب المعطيات والمؤشرات الحاضرة أن المحكمة الأتحادية سوف تحسم النزاع بينها وبين البرلمان بصفقة لا تنتهك أستقلالية المفوضية ولا تمنح البرلمان حق مطلق في تعديل قانون جرى وأستنفذ مقاصده/ وبالتالي فلا بد من خيار أخر لجبهة الخاسرين عموما وبعض الفائزين الذين يخشون من إجراءات المفوضية التي قد تعيد حساباتهم وحساب أصواتهم لخسارة جزئية.
• مع كل ما تقدم فليس أمام المعترضين على النتائج أو الحريصين جدا جدا على بقاء أصواتهم المشكوك في صحتها إلا المطالبة بحلين لا ثالث لهما وإن أختلفت الأهداف بينهما والغايات المطلوبة، الحل الأول ويتزعمه الخاسرون يطالب بإعادة الأنتخابات بقانون معدل ومفوضية جديدة تتمثل فيها السلطة القضائية بأوسع تمثيل، وبالتالي تمديد عمل البرلمان والحكومة تحت دواعي الطواريء وحماية العملية السياسية وأساسا كانت تعمل على هذا الخيار قبل أعلان موعد الأنتخابات بحجة عدم توفر الظروف المناسبة لا من حيث الأمن ولا من حيث عودة النازحين لمناطقهم، أما الخيار الأخر والذي يتزعمه بعض الفائزين فيتمثل بمنع العد والفرز اليدوي بأي صورة وبأي وسيلة حتى لا تفتضح عمليات التزوير الواسعة التي تمكن منها وبها الحصول على أصوات أضافية ترجح الميزان فيما بين المتصارعين على النفوذ الحزبي أو القومي في مناطق محددة.
• الأحتمالات المفتوحة كان أولها أفتعال أزمة مفصلية كبرى تمنع من العد والفرز اليدوي خاصة مع تحقيقيات الحكومة والبرلمان الذي أثبت وجود خروقات وعمليات تزوير واسعة ساهم بها أو من خلالها بعض العاملين في المفوضية المستقلة ذاتها لمصلحة أطراف محددة، صاحب ذلك تضرر بعض الخاسرين من قرارات المفوضية بإلغاء بعض نتائج الخارج والخاص وهذا ما يؤثر سلبا على أحتمالية أن تزداد خسائرهم مع كل حقيقة تكتشف، هنا صار القرار أن تخلط الأوراق وبقوة وإن كان البعض يتمسك بالدستور بعدم تمديد ولاية البرلمان لوجود نص يمنع ذلك وبالتالي القبول بالأمر الواقع وهي النتائج المعلنة، وأخرين يراهنون على أن الأزمة لا بد أن تعصف بكل شيءمما يتيح لهم وحسب أحكام الضرورة اللجوء إلى الخيارات الأصعب وهو تجاوز المنع في التمديد لمجلس النواب تحت شعار عدم ترك المجال لحدوث فراغ دستوري وحكومي قد يعرض البلد لمصاعب ومشاكل لا يمكن تداركها إلا من خلال القبول بفكرة التمديد مع أعلان موعد لأنتخابات جديدة خلال فترة محددة قبل نهاية العام الجاري على أقل تقدير.
• الرابحون وفي مقدمتهم سائرون والنصر يرون أن العملية برمتها منذ أول يوم كان فيه من المفترض أن تعلن النتائج قد تعرضت إلى الأعتداء والأنتهاك من أطراف سياسية متنفذة خسرت مواقعها المهمة وشهدت غياب قوة التأثير التي كانت تعول عليه للعودة مرة أخرى، هي المستفيد الوحيد من زعزعة العملية الأنتخابية والسياسية وبالتالي فهذه المحاولات ليست موجهة أصلا لمحاربة الفساد والتزوير المتفق من الجميع على حصوله، بقدر ما هي أعادة ترتيب وضع يسمح للفاسدين والمزورين من العودة للبرلمان بطريقة لي الذراع وأفتعال المشكل، وهذا بالتأكيد لا يمكن القبول به من جهتهم ولا بد أيضا بمواجهة قوية وصلبة ضده.
• يبقى القرار والأحتمالات المفتوحة والمغلقة معلقة بقرارات المحكمة الأتحادية التي لا تحسد على الموقف الذي تعيشه الآن، بين مطرقة الإرادة الأمريكية وحلفائها في الداخل والخارج وسندان القوى التي أوصلتها لسدة المحكمة وتزعم قرارتها ومن خلفها إرادة إيرانية متعارضة ومتصارعة مع إرادة المطرقة الأمريكية، ومهما يكن من الأمر الذي ستتخذه المحكمة الأتحادية فلا أظن أنها كافية لإطفاء نيران الحرائق التي ستلتهم الواقع العراقي سياسيا وحتى شعبيا دون أن تتدخل قوى وفاعليات مؤثرة تحسم النزاع بقرارات ترضي الغالبية من القوى السياسية التي تملك القوة والسلاح وقادرة على إحداث المزيد من الفوضى وتعرض العراق كدولة ونظام ومجتمع إلى مزيد من الخسائر الكبرى، كل ذلك مرهون إلى حد ما إلى حسم قضائي سياسي إقليمي دولي مشترك قد يكون صفارة بداية صراع أكبر أو صفارة نهاية لعبة سمجة الكل اليوم يلعنها ويريد أن ينتهي من كابوسها المزعج.