الشيوعيون المفلسون والمرتدون لا يقرؤون التاريخ


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 5898 - 2018 / 6 / 9 - 18:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الشيوعيون المفلسون والمرتدون لا يقرؤون التاريخ

الماركسي ليس هو من يتشدق ببعض نصوص ماركس يل هو من يقرأ التاريخ قراءة صحيحة، وليس أفضل من تعريف الماركسية على أنها القراءة العلمية الموضوعية للتاريخ . لم يقرأ عامة الشيوعيين تاريخ الإتحاد السوفياتي والعالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي شكلت عالماً جديداً ومختلفاً يتوجب على الشيوعيين قبل غيرهم قراءته بالتفصيل الدقيق حيث هو وحده الأساس الذي بقوم عليه بنيانهم الشيوعي .

في الندوة الفريدة التي عقدها الحزب الشيوعي السوفياتي في العام 1951 بمشاركة نشطة من ستالين للبحث في "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الاتخادالسوفيتي" ونقل تفاصيلها ستالين في كتابة الصادر في العا م 1952 بعنوان مبحث الندوة، في الندوة كما في كتابه وقف ستالين يدافع بقوة عن التآخي الطبقي في المجتمع السوفياتي بعد الحرب . هل تطرق أي حزب شيوعي أو حتى أي شخص ماركسي معروف إلى تفسير ذلك الموقف الغريب من ستالين وهو هو من صاغ المبدأ السياسي في عبور الإشتراكية في العام 1938 الذي يقول .. " كلما تقدم العبور الإشتراكي كلما احتدم الصراع الطبقي" !؟
كيف يمكن مقاربة انهيار الإتحاد السوفياتي دون الوقوف عميقاً عند هذا الإنقلاب الستاليني وتفسيره !؟

في السنة التالية، وفي المؤتمر العام التاسع عشر للحزب في أكتوير 1952 وقف ستالين عند شروع المؤتمر بإنتخاب قيادته الجديدة يؤكد أن القيادة الحالية لم تعد قادرة على العمل الشيوعي الصعب ولذلك يتوجب تغييرها بمن في ذلك ستالين نفسه . لم يستجب المؤتمر لطلب ستالين وأعاد إنتخاب نفس أعضاء القيادة في المكتب السياسي ؛ إذاك وقف ستالين مرة أخرى ليعبر عن قلقه الجدي على مستقبل الثورة وأن القيادة الحالية لن تقود الثورة حتى الشيوعية وطالب المؤتمر بانتخاب 12 عضواً إضافياً في المكتب السياسي من الشباب المتحمسين للعمل الشيوعي وهو ما كان .
موقف ستالين من الطاقم القديم في المكتب السياسي هو ما دفع يالثنائي بيريا – مالنكوف إلى اغتيال ستالين بالسم أثناء عشاء 28 فبراير 1953 .
تلك الجريمة هي أم الجرائم والتي غيرت مسار العالم ومست حياة كل شخص فيه ومع ذلك استطاعت عصابة خروشتشوف أن تخفيها وكأن شيئاً لم يكن، بل إن خطاب خروشتشوف السري من خارج المؤتمر العشرين يهاجم ستالين بأكاذيب وتلفيقات في غاية الوقاحة كأن ينسب إليه عبادة الذات رغم أنه كان طيلة عمره مثالاً لإنكار الذات وهو ما جعل تشيرتشل يصفه "قاسياً مع نفسه" جاء ذلك الخطاب تبريراً لجريمة اغتيال ستالين .
من واجبنا كشيوعيين بلاشفة أن نحاكم الشيوعيين المفلسين والمرتدين كأن نسألهم لماذا لم يتوقفوا عند أجتماع أعضاء المكتب السياسي الذين كان ستالين قد طالب بإبعادهم عن الحزب، اجتمعوا بعد سويعات قليلة من موت ستالين وقرروا إلغاء انتخاب الأعضاء الشباب الجدد الإثني عشر خلافاً للقانون وللنظام . ولم يتوقف المفلسون والمرتدون أيضاً عند اجتماع اللجنة المركزية في سبتمبر 53 لتقرر إلغاء الخطة الخمسية التي كان المؤتمر العام للحزب قد أقرها قبل أحد عشر شهراً فقط وهذا مخالف لأبسط القوانين والقواعد التنظيمية حيث تم انتخاب اللجنة المركزية لهدف واحد وحيد فقط ألا وهو تنفيذ الخطة الخمسية بكل تفاصيلها الدقيقة وليس لإلغائها .
كيف يمكن ألا يتوقف الشيوعيون المفللسون والمرتدون عند الإنقلاب العسكري في نهاية يونيو 57 الذي انتهى إلى طرد سبعة أعضاء من المكتب السياسي للحزب والإبقاء على اثنين فقط علماً بأن عضوية المكتب السياسي للحزب لا تلغى بين مؤتمري الحزب إلا بقرار من محكمة رسمية تدين العضو بالإجرام في محاكمة علنية .

ما أنا موقن منه تمام الإيقان هو أن أحداً من الشيوعيين المفلسين أو المرتدين عرف بأي واقعة من هذه الوقائع وأنا لا ألومهم على ذلك فقيادات أحزابهم لم تعلم بها – أعتقد أن الأمين العام للحزب الشيوعي السوري اللبناني خالد بكداش حضر ضيفاً على المؤتمر التاسع عشر أكتوبر 1952 لكن كل ما نقله من المؤتمر هو أن "ستالين متقدم في السن" وهذا ليس إلا العنوان الذي طرحه ستالين للبحث في مسائل خطيرة تتعلق بمستقبل الاتحاد السوفياتي ومستقبل الثورة الإشتراكية في العالم .

نحن هنا نحاكم الشيوعيين المفلسين والمرتدين في مسائل تنظيمية لا عذر لهم في تجاهلها ؛ أما المسائل السياسية فهي عصية على أفهام المفلسين والمرتدين من مثل إنكار الصراع الطبقي في المجتمع الإشتراكي حيث يبلغ الصراع الطبقي الزبى، وهو ما وصل إلى إلغاء دكتاتورية الروليتاريا شرط ماركس الوحيد للإشتراكية في العام 1961. وكيلا تبقى علامة اشتراكية واحدة في النظام السوفياتي قرر المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الإستقلال المالي لكل مؤسسة من مؤسسات الإنتاج، إي إعتماد إقتصاد السوق، أي الإقتصاد الرأسمالي وهو ضرب من ضروب الحماقة والغباء المعروفين في خروشتشوف وقد تمثلا في مشروعه المثير للضحك في إصلاح الأراضي البكر والبور وزراعة القمح قريباً من الدائرة القطبية كما قصه في مذكراته .
وأخيراً يقوم سؤال حدي وفيصلي في هذا السياق وهو .. كيف لأحدهم أن يدعي الشيوعية وهو لم يمر في هذه المحطات السوفياتية ما بين العام 1951 والعام 1961 والتي أشارت إلى انهيار الإشتراكية في الاتحاد السوفياتي !!؟

سنبحث في البناء السياسي في الجزء الثاني من المقال