قطاع غزة يعيد تصويب بوصلة الصراع


محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5895 - 2018 / 6 / 6 - 11:07
المحور: القضية الفلسطينية     

قطاع غزه يعيد تصويب بوصله الصراع
بقلم /محسن ابو رمضان

شكلت مسيرات العودة و كسر الحصار عن قطاع غزه تحولاً نوعياً في مسار العمل الوطني الفلسطيني.
حيث يعاني القطاع من حصار مديد و طويل و ثلاثة عمليات عسكرية عدوانية واسعة كما يعاني من تداعيات الانقسام، الامر الذي حذرت منه التقارير الدولية و خاصه الصادرة عن الامم المتحدة بانه سيكون مكان غير ملائم للعيش عام ٢٠٢٠. كما حذر مبعوثيها من مغبه انفجار سيشهده القطاع اذا ما استمرت ادوات السيطرة و التحكم به، حيث تحول الى معتقلٍ كبير.
ابدع الفلسطينيون من قطاع غزه في توجيه الانفجار باتجاه الاحتلال عبر مسيرات العودة و كسر الحصار و من خلال الطابع الشعبي و السلمي لها و التي ربطت الشعار التكتيكي (الحصار) بالاستراتيجي (العودة).
كشفت ممارسات الاحتلال القمعية والدموية بحق المتظاهرين السلميين مدى الصلافة والتوحش والاستخفاف بمبادئ حقوق الانسان من قبله، وذلك عبر استخدام القتل العمد و القوه المميتة بحق المتظاهرين.
لقد ادى ذلك الى خلق حراك بالمجتمع الدولي سواء عبر التحركات الشعبية من قوى تضامن في العالم او من خلال التحركات الدبلوماسية الرسمية سواءً في مجلس الامن و مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة و من خلال البدء بإحالة بعض القضايا في محكمه الجنايات الدولية، الامر الذي اظهر طبيعة الاحتلال وكشفه بالمجتمع الدولي بوصفه مصدر التوتر و عدم الاستقرار و بانه يخرق بصورة منهجية و منظمة مبادئ القانون الدولي و اتفاقيه جنيف الرابعة و بأن استخدام القوه المميتة و القتل بدمٍ بارد هو جزء من عقيدته الاستعمارية والرامية الى كي الوعي بحق شعبنا متوهماً بأن ذلك سيعمل على فرض شروطه عليه.
امام اصداء التفاعلات الاعلامية و القانونية و الشعبية و الدبلوماسية و الدولية اراده حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل تغير المعادلة من خلال محاوله استدراج قوى المقاومة في قطاع غزه الى مربع العنف و العنف المضاد لكي تعيد استحضار مقوله (حق الدفاع عن النفس) المضللة لكي تكيل اتهاماً لقوى المقاومة بانها تستهدف السكان الإسرائيليين على الحدود وذلك عبر تضليل الرأي العام و اعاده اتهامها المرفوض لها (بالإرهاب).
قبل انطلاق مسيرات العودة حاولت دولة الاحتلال استفزاز قوى المقاومة من خلال استهداف الانفاق مره واستهداف بعض المواقع العسكرية مره اخرى. و اثناء المسيرات صعدت من عدوانها على المتظاهرين السلميين فلم يستثني احداً من عمليات القتل العمد سواء اطفال او شباب او نساء او كبار السن او اعلاميين او مسعفين و كان اخر هؤلاء شهيده الحق و الإنسانية رزان النجار و التي قتلت بدمٍ بارد و استشهدت وهي في مقتبل العمر ليس لذنب اقترفته سوى ذنب حبها لشعبها و محاولة مساعدته بصورة تطوعية من خلال اسعافه.
ارادت اسرائيل استدراج ردود فعل عنيفة لكي تنقل حالة الصراع الى المربع الذي تريده و التي تتفوق به بوصفها دوله عسكريه ومسلحه حتى الاسنان تستخدم احدث انواع الاسلحة بحق ابناء شعبنا العزل سوى من ارادتهم و اصرارهم على النضال من اجل الكرامة.
كما ارادت فرض معادلات جديده للاشتباك تتجاوز هدنة عام ٢٠١٤ و المبنية على قاعده تهدئة مقابل تهدئة في محاولة لاستبدالها بعدوان احتلالي مقابل تهدئة و عدم الرد من قبل الفلسطينيين.
ان تغير المعادلة كان يتم بصوره محسوبة خاصة في ظل انشغال اسرائيل بالجبهة الشمالية مع سوريا و لبنان لذلك فإنها لم تتمادى اكثر عندما قامت قوى المقاومة بالرد بصورة محسوبة ايضا من خلال استخدام صواريخ الهاون قصيره المدى على خطوط التماس وبهدف مقصود يرمي الى الابقاء على الطابع الشعبي و السلمي للمسيرات من جهة وبما يجنب شعبنا عدوان اسرائيلي جديد و بما يفشل في ذات الوطن معادله اسرائيل الجديدة و يحافظ على اتفاق التهدئة الذي تم عام ٢٠١٤.
لقد اتاح ذلك المجال للقيادة المصرية بإعادة تجديد الاتفاق على ضوء التطورات الأخيرة.
واحدة من الاهداف الرئيسية للتصعيد العسكري الاسرائيلي تجاه القطاع كان يكمن في تخفيض سقف التوقعات الفلسطينية جراء التحركات التي تمت مؤخرا بخصوص قطاع غزه والرامية الى انهاء او (تخفيف) الحصار مقابل تسهيلات اقتصادية و معيشية و انسانية بما يشمل تفعيل عمليه اعاده الاعمار وفتح المعابر للبضائع والافراد و انشاء مطار وميناء، الامر الذي ترفضه اسرائيل و تطالب بإنهاء سلاح المقاومة و تنفيذ صفقة تبادل اسرى مقابل هذه التسهيلات و هو الموقف الذي لم يتردد وزير الحرب الاسرائيلي ليبرمان من ترديده عده مرات وبدعم كامل من نتنياهو وذلك في مواجه العديد من الوزراء داخل حكومة الاحتلال الذين يدعموا فكرة ايجاد حل لمشكله القطاع لمنع الانفجار الذي ستتضرر منه اسرائيل.
وعليه فان احد اهداف التصعيد والعدوان الاحتلالي الاخير كان يكمن بالاستجابة الى الشروط الإسرائيلية بدلا من المطالب الفلسطينية المشروعة والتي تستند الى القانون الدولي و مبادئ حقوق الانسان.
وربما ارادت اسرائيل ايضا ان يصبح مطلب كسر الحصار والتسهيلات الاقتصادية و المعيشية هي الأولوية بدلا من حق العودة، الامر الذي سيقود الى تحقيق (دويلة غزه) ابتداء على ان تمتد اذرعها الإدارية لاحقا للتجمعات السكانية المأهولة بالضفة ولكن في ظل استمرار شروط السيطرة والتحكم من دوله الاحتلال وهذا ما يتطابق مع ما رشح من ملامح لصفقه القرن التي تروجها الإدارة الأمريكية دون ان تعلنها حتى الان .
امام صلافة الاحتلال واتضاح طبيعة المرحلة الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية عبر التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة و اسرائيل لقد بات مطلوبا وبصورة ملحة الاستمرار في الطابع الشعبي و السلمي لمسيرات العودة على ان تمتد الى الضفة الغربية و مناطق ال٤٨ و الشتات مرفقه بحملات تضامنية شعبيه دولية ومنها تسير سفن كسر الحصار والتضامن مع حقوق شعبنا، رفضا للقرارات الأمريكية تجاه القدس و اللاجئين و الاراضي.
ان تصعيد ادوات النضال الفلسطيني الشعبية ومنها حملة المقاطعة والقانونية عبر تفعيل الملفات الجنائية الاسرائيلية بمحكمه الجنايات الدولية واستخدام ادوات الامم المتحدة الى جانب تعميم الطابع الشعبي و السلمي للمقاومة سيساهم بالضرورة في تعديل موازين القوى و جعل الاحتلال مكلفا.
 ولكي تحقق هذه الادوات و الوسائل نتائجها الفعلية لابد من العمل على انهاء الانقسام و تحقيق الوحدة الوطنية على قاعده الشراكة و الديمقراطية دون اقصاء او هيمنه وعبر الاتفاق على برنامج سياسي تحرري متجاوزا لاتفاق اوسلو الذي وصل الى طريق مسدود حيث استخدمته اسرائيل لفرض الوقائع و تفتيت وحده الارض و الشعب و الهوية.
ان مواجه سياسه التجزئة و التفتيت تتم من خلال اعاده الاعتبار ل م، ت، ف و عبر احياء الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة وذلك بهدف افشال المخططات التصفوية و من اجل استعادة المبادرة لكفاح شعبنا العادل و المشروع.
ان ايه حلول تجاه قطاع غزه يجب ان تراعي الابقاء على الوحدة الجغرافية مع الضفة، و بما لا يسمح بانفصاله عنها مع الابقاء على حق الشعب الفلسطيني بالقطاع من البحث عن مخارج لكسر جدار العزلة و الحصار المستمر و الممتد لحوالي ١١ عاما.
لقد استطاع قطاع غزه العمل على تصويب المسار الوطني واخراجه من حالة الاستنزاف الداخلي الناتجة عن الانقسام الى حاله الصدام الوطني و التحرري في مواجهه الاحتلال وذلك عبر مسيرات العودة و كسر الحصار، الامر الذي يؤكد دور القطاع التاريخي و المستمر بالعمل على احياء الهوية الوطنية في مواجه سياسه التبديد و التجزئة.
انتهى